بذبح البقرة في هذا المقام ، حتى لقد قالوا لموسى كما ورد في التنزيل : ( أتتخذنا هزوا )؟ [الآية 67].
وما كان لنبي الله أن يسخر أو يهزأ ، ولكنها القلوب الملتوية تنصرف عن الحق وتعاند في قبوله ، فسألوه عن البقرة :
( قالوا ادع لنا ربك يبين لنا ما هي ) [الآية 68] ( ما لونها ) [الآية 69].
وأكثروا من السؤال وشددوا على أنفسهم فشدد الله عليهم ، وسألوا موسى ، ما هذه البقرة : أكما عهدنا هذا الجنس من الحيوان ، أم هي خلق آخر تفرد بمزية ، واختص بإعجاز؟ فأوضح الله سبيلهم وبين أنها بقرة لا مسنة ولا فتية بل هي وسط بين ذلك ، فليفعلوا ما يؤمرون.
وبين الله لهم أنها بقرة صفراء فاقع لونها تسر الناظرين وقال :
( بقرة لا ذلول تثير الأرض ولا تسقي الحرث مسلمة لا شية فيها ) [الآية 71].
وأخيرا وبعد حيرة ومشقة عثروا عليها.
كانت البقرة ملكا لشيخ كبير فقير ، وكان عبدا صالحا زاهدا فلم يترك من المال سوى بقرة واحدة كان يأخذها إلى المرعى ثم يتوجه إلى بارئه بقلب خالص ونفس ثابتة فيقول : اللهم إني استودعتك إياها لا بني حتى يكبر. وما زال الرجل يترقرق في صدره هذا الأمل القوي بنور الله حتى مات. وبقيت البقرة لابنه اليتيم. واستمر اليتيم ، يرعى البقرة ، يحدوه شعاع من الأمل ورثه من الصالحات الباقيات لأبيه.
ولما أمر الله بني إسرائيل بذبح البقرة ، وشدد عليهم في صفاتها ولونها وسنها ، ووجد القوم أن هذه الصفات لا تنطبق إلا على بقرة هذا اليتيم الذي بارك الله له فيها ، اشتروها منه بمال وفير ، وذبحوها ، وضربت جثة القتيل ببعض أعضائها ، فتمت إرادة الله ، وحدثت المعجزة ، وأحيا الله القتيل ، ونطق باسم قاتله. قال تعالى :
( فقلنا اضربوه ببعضها كذلك يحي الله الموتى ويريكم آياته لعلكم تعقلون ) (73).
ثم قست قلوب اليهود بعد أن شاهدوا هذه المعجزة فصارت قلوبهم كالحجارة أو أشد قسوة. وبدل أن يهتدوا بهذه الآية إلى طريق الإيمان ،
Page 44