وكان النبي
صلى الله عليه وسلم
ربما عاقب بعض أصحابه فأبلغ في عقابهم عن أمر الله له بذلك إمعانا في تأديبهم وضنا بهم أن يشبهوا المنافقين في قليل أو كثير.
فهؤلاء الثلاثة الذين كانوا من خيار أصحابه والذين تخلفوا عن النبي ولم يخرجوا معه في غزوة تبوك، وإنما أقاموا في المدينة وانتظروا فيها عودة النبي إليها فصنعوا صنيعا يشبه صنيع المنافقين من أهل المدينة وممن حولها من الأعراب، أولئك الذين رغبوا بأنفسهم عن رسول الله واستحبوا الراحة على العناء والجهد وأشفقوا على أنفسهم من عواقب الحرب، وأولئك الذين ذكرهم الله في آيات كثيرة من سورة التوبة يلومهم ويعنفهم ويأمر نبيه ألا يصلي عليهم إن ماتوا ولا يقوم على قبورهم، ويأمره كذلك ألا يقبل منهم الخروج معه بعد هذا الذنب.
وقد كره الله ورسوله لهؤلاء الثلاثة من المؤمنين الصادقين أن يظهر من صنيعهم شيء يشبه قليلا أو كثيرا صنيع المنافقين.
وقد ذكر الله توبته على هؤلاء الثلاثة، ولكن بعد أن أدبهم النبي فأبلغ في تأديبهم نصحا لهم أولا وموعظة للمؤمنين الصادقين بعد ذلك.
والآيتان اللتان ذكرت فيهما توبة الله على هؤلاء الثلاثة هما قول الله عز وجل:
لقد تاب الله على النبي والمهاجرين والأنصار الذين اتبعوه في ساعة العسرة من بعد ما كاد يزيغ قلوب فريق منهم ثم تاب عليهم إنه بهم رءوف رحيم * وعلى الثلاثة الذين خلفوا حتى إذا ضاقت عليهم الأرض بما رحبت وضاقت عليهم أنفسهم وظنوا أن لا ملجأ من الله إلا إليه ثم تاب عليهم ليتوبوا إن الله هو التواب الرحيم .
وكان كعب بن مالك الأنصاري وأحد المنافحين عن النبي بشعره أحد هؤلاء الثلاثة، وقد حفظ لنا الشيخان قصة تخلفه، كما تحدث هو بها، وليس أبلغ منها في بيان تأديب النبي لأصحابه، فنرويها لك هنا لترى كيف كان النبي يشتد على الصادقين من أصحابه حين تجب الشدة عليهم؛ تمحيصا لقلوبهم وتنقية لضمائرهم.
قال كعب: لم أتخلف عن رسول الله
Unknown page