فهو في هذه الآية يعطف المؤمنين على المسلمين، وفي هذا العطف إشارة إلى أن بين الإسلام والإيمان شيئا من الاختلاف. وليس من الضروري أن يكون هذا الاختلاف تناقضا أو تغايرا بين اللفظين، وإنما يمكن أن يأتي الاختلاف من أن بين معنى هاتين الكلمتين شيئا من الافتراق في الزيادة والنقص. فمعنى إحدى الكلمتين أكمل من معنى الكلمة الأخرى. ثم يعدد الله في هذه الآية الكريمة صفات كلها يدخل في معنى الإيمان وفي معنى الإسلام، فهي تدل على أوامر من الله يجب أن تؤدى ونواه من الله يجب أن يجتنب ما تنهى عنه.
على أن الله يوضح الفرق بين الإسلام والإيمان توضيحا لا يحتمل نزاعا في قوله من سورة الحجرات:
قالت الأعراب آمنا قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا ولما يدخل الإيمان في قلوبكم وإن تطيعوا الله ورسوله لا يلتكم من أعمالكم شيئا إن الله غفور رحيم .
فأولئك الأعراب الذين أعلنوا أنهم آمنوا، يأمر الله نبيه أن يرد عليهم بأنهم لم يؤمنوا، ويأذن لهم في أن يقولوا أسلمنا، وإن كان الإيمان لم يدخل في قلوبهم بعد. ثم يعلن إليهم أنهم إن يطيعوا الله ورسوله لا ينقصهم الله من أعمالهم شيئا، وإنما يوفيهم أجر ما عملوا كاملا يوم القيامة؛ ذلك أن الله غفور رحيم.
وإذن فقد كان في عهد النبي
صلى الله عليه وسلم
مؤمنون ومسلمون، فما عسى أن يكون الفرق بين الإيمان والإسلام؟ فأما الإيمان فالظاهر من هذه الآية الكريمة نفسها أنه شيء في القلوب قوامه إخلاص الدين لله من دخيلة النفس واستقرار التصديق بوجوده وبإرساله النبي وبكل ما أوحي إليه في أعماق الضمير. ونتيجة هذا الإيمان الاستجابة لله ولرسوله في كل ما يدعوان إليه، من غير جمجمة ولا لجلجة ولا تردد مهما تكن الظروف والخطوب والكوارث والأحداث على نحو ما ذكر الله من أمر المؤمنين الذين استجابوا لله والرسول من بعد ما أصابهم القرح يوم أحد، فخرجوا مع النبي في أعقاب المشركين من قريش، على ما أصابهم من حزن، وما بذلوا في الموقعة من جهد وما كانوا عليه من قلة وضعف، والذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم هذا القول إيمانا، وصمموا على اتباع النبي وقالوا: حسبنا الله ونعم الوكيل. وذلك في قول الله في سورة آل عمران، بعد أن ذكر حياة الشهداء عنده:
فرحين بما آتاهم الله من فضله ويستبشرون بالذين لم يلحقوا بهم من خلفهم ألا خوف عليهم ولا هم يحزنون * يستبشرون بنعمة من الله وفضل وأن الله لا يضيع أجر المؤمنين * الذين استجابوا لله والرسول من بعد ما أصابهم القرح للذين أحسنوا منهم واتقوا أجر عظيم * الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيمانا وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل * فانقلبوا بنعمة من الله وفضل لم يمسسهم سوء واتبعوا رضوان الله والله ذو فضل عظيم .
ولازمة أخرى من لوازم هذا الإيمان ذكرها الله في سورة الأنفال، هي الخوف العميق من الله إذا ذكر اسمه، والثقة العميقة بالله إذا جد الجد، وازدياد التصديق إذا تليت آيات الله، وذلك في قوله:
إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيمانا وعلى ربهم يتوكلون .
Unknown page