وسلام عليه يوم ولد ويوم يموت ويوم يبعث حيا ، وكان المسيح يكلم في المهد بني إسرائيل فقيل في آخر كلامه:
والسلام علي يوم ولدت ويوم أموت ويوم أبعث حيا .
وأسلوب آخر من الفواصل لا يلتزم فيه حرف بعينه كما التزمت الياء في مريم، أو حرفان كما التزمت الياء والنون في الشعراء مثلا، وإنما تلتزم حركة بعينها هي الفتحة، وإن اختلفت الحروف في أواخر الكلمات، كالذي ترى في سورة الكهف من التزام الكلمات المنصوبة أو المفتوحة الآخر:
الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب ولم يجعل له عوجا * قيما لينذر بأسا شديدا من لدنه ويبشر المؤمنين الذين يعملون الصالحات أن لهم أجرا حسنا * ماكثين فيه أبدا * وينذر الذين قالوا اتخذ الله ولدا * ما لهم به من علم ولا لآبائهم كبرت كلمة تخرج من أفواههم إن يقولون إلا كذبا * فلعلك باخع نفسك على آثارهم إن لم يؤمنوا بهذا الحديث أسفا * إنا جعلنا ما على الأرض زينة لها لنبلوهم أيهم أحسن عملا * وإنا لجاعلون ما عليها صعيدا جرزا * أم حسبت أن أصحاب الكهف والرقيم كانوا من آياتنا عجبا * إذ أوى الفتية إلى الكهف فقالوا ربنا آتنا من لدنك رحمة وهيئ لنا من أمرنا رشدا * فضربنا على آذانهم في الكهف سنين عددا * ثم بعثناهم لنعلم أي الحزبين أحصى لما لبثوا أمدا * نحن نقص عليك نبأهم بالحق إنهم فتية آمنوا بربهم وزدناهم هدى .
وتمضي السورة على هذا النحو إلى آخرها.
وكذلك التزمت الفتحة في سورة الإسراء، وكادت الراء أن تلتزم معها في أكثر فواصل السورة.
والتزمت الفواصل المقصورة في أكثر سورة طه والنجم والأعلى والضحى. وحديث الفواصل في القرآن أطول وأكثر تنوعا من أن نحصيه في هذا الفصل، وربما كان من الممكن أن يخص لها كتاب كامل.
وما نجده فيها من التنوع إن دل على شيء فإنما يدل على أن القرآن قد أنزل ليتلى، ويتلى في صوت يسمع، ذلك يظهر تنوع الآيات في خواتيمها وفواصلها، ويظهر ألوانا مختلفة تروع باختلافها من الموسيقى، فإذا أضيف ذلك إلى عذوبة الألفاظ واتساق النظم واختلاف الأسلوب باختلاف المقامات شدة ولينا وترغيبا وترهيبا وتبشيرا وإنذارا، لم يشك سامع أو قارئ في أن فنون الإعجاز في القرآن أكثر وأروع من أن تحصى أو يحاط بها.
وأكبر الظن أن التزام هذه الفواصل المتسقة إنما يكون حين يتحد موضوع السورة أو يأتلف ائتلافا شديدا؛ فسورة الشعراء مثلا قد اختلفت فيها قصص الأمم التي كذبت رسلها، ولكن موضوعها واحد هو التخويف والإرهاب وإنذار قريش وغيرها من مشركي العرب بأن ما أصاب تلك الأمم التي أصرت على تكذيب الرسل قد يصيبهم إن أصروا على تكذيب النبي
صلى الله عليه وسلم .
Unknown page