عفا الله عنك لم أذنت لهم حتى يتبين لك الذين صدقوا وتعلم الكاذبين .
ثم بين له أن المؤمنين لا يستأذنون وإنما ينفرون للجهاد إذا دعوا إليه، وأن الذين لم يصح إيمانهم هم الذين يتكلفون الإذن يتخذونه تعلة لقعودهم عن الجهاد.
ويبين الله كذب المنافقين حين زعموا أنهم كانوا يودون لو يخرجون مع النبي وأصحابه ولكنهم لا يستطيعون الخروج؛ فهم لم يتهيئوا للخروج ولم يحاولوا أن يعدوا له عدة وإنما كانوا مزمعين على القعود حين دعوا ولم يكن استئذانهم واعتذارهم إلا تكلفا. ومع ذلك فقد كان الله كارها لخروجهم فثبطهم وحبب إليهم التخلف؛ لأنه كان يعلم من أمرهم ما يخفى على المؤمنين. كان يعلم أنهم لو خرجوا مع المؤمنين لأفسدوا عليهم أمرهم بالغش والكيد والخيانة ولسعوا بينهم بالفتنة يحرجون صدور بعضهم على بعض ومن المؤمنين من كان يسمع لهم لمكانهم من قومهم.
وقد عرف الله وعرف النبي والمؤمنون ما كان من أمرهم قبل هذه الغزوة، وكيف كانوا يكيدون للنبي وأصحابه، وكيف كانوا يقلبون الأمور ابتغاء للإساءة إليهم والإيقاع بهم حتى جاء الحق وظهر أمر الله وهم كارهون.
وفي ذلك يقول الله عز وجل:
ولو أرادوا الخروج لأعدوا له عدة ولكن كره الله انبعاثهم فثبطهم وقيل اقعدوا مع القاعدين * لو خرجوا فيكم ما زادوكم إلا خبالا ولأوضعوا خلالكم يبغونكم الفتنة وفيكم سماعون لهم والله عليم بالظالمين * قد ابتغوا الفتنة من قبل وقلبوا لك الأمور حتى جاء الحق وظهر أمر الله وهم كارهون .
ويمضي القرآن في تعديد سيئاتهم وآثامهم حتى ينبئ النبي بأن منهم من يلمزه في الصدقات إذا لم ينله حظ منها؛ فيقول:
ومنهم من يلمزك في الصدقات فإن أعطوا منها رضوا وإن لم يعطوا منها إذا هم يسخطون * ولو أنهم رضوا ما آتاهم الله ورسوله وقالوا حسبنا الله سيؤتينا الله من فضله ورسوله إنا إلى الله راغبون .
ويبين الله بعد ذلك أن ما يجتمع للنبي من الزكاة لا ينبغي أن يعطى للأغنياء الذين لا يحتاجون إليه، وإنما يوضع في المواضع التي بينت في القرآن، فينفق منه على الفقراء والمساكين والذين يعملون على جمعها وإحصائها والذين يريد النبي أن يتألف قلوبهم، وعلى تحرير الرقيق الذين يسلمون ولا يجدون ما يشترون به حريتهم من سادتهم، وعلى الذين تقع عليهم المغارم فلا يستطيعون النهوض بها، وتنفق على الجهاد في سبيل الله، وعلى الذين تتقطع بهم الطريق من أبناء السبيل، فأما القارون في المدينة العاملون في أموالهم والمنتفعون بثمراتها فليس لهم من الصدقات حظ.
وقد كان النبي يضع الصدقات في المواضع التي بينها الله ولا يعطي منها الأغنياء والقادرين على أن يكسبوا ما يغنيهم عن المسألة. فأما المؤمنون الصادقون فيرضون عن ذلك ويرون أنه الحق، ويستعفون عما يعلمون أن غيرهم أشد حاجة إليه، وأما المنافقون الذين في قلوبهم مرض فكانوا يرون أن ما يجتمع للنبي من الصدقات مال وأن لهم فيه نصيبا. وكانوا من أجل ذلك يلمزون النبي في هذه الصدقات، وكانوا كذلك يلمزون المتطوعين فيها من الأغنياء، يقولون: إن صدقتهم رياء. ومن الفقراء، يقولون: إن الله غني عما تصدقوا به.
Unknown page