ما وعدنا الله ورسوله إلا غرورا ، يذيعون الشك ويثبطون الهمم. وقال بعضهم:
يا أهل يثرب لا مقام لكم فارجعوا ، يغرون المسلمين بالفرار وترك النبي وحده مع المهاجرين تجاه العدو. ثم لم يكتفوا بما قالوا وإنما أقبل بعضهم على النبي يستأذنونه في الرجوع ويعتلون بأن بيوتهم عورة مكشوفة للعدو، ويظهر الله جلية أمرهم فيرد عليهم معاذيرهم بقوله:
وما هي بعورة إن يريدون إلا فرارا .
ثم يفضح الله ما انطوت عليه قلوبهم من الكيد والغش والاستعداد لإجابة العدو ولما يريد، فيقول:
ولو دخلت عليهم من أقطارها ثم سئلوا الفتنة لآتوها وما تلبثوا بها إلا يسيرا ، وينبئهم الله بأنهم لم يريدوا أن يفروا وحدهم وإنما أغروا غيرهم بالفرار ولم ينتظروا مقدم العدو لإظهار الجبن والفرق والكيد معا، وذلك حيث يقول من سورة الأحزاب أيضا:
قد يعلم الله المعوقين منكم والقائلين لإخوانهم هلم إلينا ولا يأتون البأس إلا قليلا .
وما أعرف أن الجبن والمكر معا وصفا بمثل ما وصفهم الله في القرآن حيث يقول في المنافقين في سورة الأحزاب:
أشحة عليكم فإذا جاء الخوف رأيتهم ينظرون إليك تدور أعينهم كالذي يغشى عليه من الموت فإذا ذهب الخوف سلقوكم بألسنة حداد أشحة على الخير أولئك لم يؤمنوا فأحبط الله أعمالهم وكان ذلك على الله يسيرا .
فانظر إليهم بخلاء بالنصر والتأييد على المؤمنين، جبناء يذهب الخوف إذا جاء نفوسهم وعقولهم وأفئدتهم، فهم ينظرون إلى النبي تدور أعينهم كالذي تأخذه غشية الموت قبل أن يأتيه الموت. ثم انظر إليهم ماكرين بالمؤمنين كائدين لهم، قد ملأت البغضاء قلوبهم فأطلقوا في المسلمين ألسنتهم حدادا بمقالة السوء في النبي وفي المؤمنين، حين يذهب الخوف ويعود الأمن.
وصور الله في سورة الأحزاب أيضا إفراط المنافقين في الجبن وإغراقهم في الفرق؛ فقد انصرف الأحزاب عن المدينة ولكن خوف المنافقين يخيل إليهم أنهم ما زالوا محاصرين للمدينة، وهم من أجل ذلك وجلون ، ثم ينبئ الله نبيه والمؤمنين بأن الخوف قد ملأ قلوب هؤلاء المنافقين أن جعلهم يشفقون من الأحزاب حتى بعد انصرافهم، يخافون أن يعيدوا الكرة ولو قد فعلوا لود المنافقون لو أنهم تركوا المدينة وعاشوا مع الأعراب في باديتهم، لا يرون ما يكون بين المؤمنين وبين الأحزاب من حرب ولا يرون عواقب هذه الحرب، وإنما يسألون عن أنباء المؤمنين وهم بعيدون عنهم في باديتهم تلك، قد أمنوا أن يمسهم من شر الحرب كثير أو قليل.
Unknown page