في تلك الأثناء، كانت المياه تتسرب من سقف بيته، والرطوبة تنتشر في جدرانه، والمدخنة يتسرب منها الدخان، وزوجته وأبناؤه، وهو نفسه، كثيرا ما يمرضون بالحمى. وكانوا يعانون من التهابات بكتيرية في الحلق وآلام روماتيزمية، بل مات بعض أبنائه. وقد ولدت أول ابنة له وهي تعاني - على ما يبدو لي - من انشقاق العمود الفقري، وقد ماتت بعد ولادتها بقليل. وكانت زوجته تعاني اضطرابا نفسيا، وعلى الرغم من أنه كان يفعل ما بوسعه لتهدئتها وتوفير سبل الراحة لها، فإنه كان يشعر بأنه مضطر أيضا إلى توبيخها؛ لتذمرها من إرادة الرب. وكان عليه أيضا أن يؤنب نفسه بعدما كان يرفع غطاء التابوت ليلقي نظرة الوداع الأخيرة على وجه ابنه المحبب إليه البالغ من العمر ثلاث سنوات. يا لها من خطيئة وضعف من جانبه أن يحب هذه القطعة الخطاءة من اللحم، وأن يجادل على أي نحو في حكمة الرب في أخذها! لا بد أن هذا سيعقبه مزيد من الصراعات ولوم النفس والصلاة والدعاء.
صراعات ليست مع كآبة روحه فحسب، بل مع معظم زملائه من القساوسة؛ إذ صار يبدي اهتماما عميقا بأطروحة اسمها «جوهر اللاهوت المعاصر». وقد اتهموه بأنه مؤيد لتلك الأطروحة، وأنه على شفا اعتناق فكرة الأنتينومانية (أي مناهضة الناموس)، التي كانت نتاجا منطقيا لمذهب الجبرية، وهي تطرح سؤالا بسيطا ومباشرا؛ ألا وهو: لماذا - إن كنت منذ خلقك واحدا من المختارين - لا تستطيع فعل ما تريد دون محاسبة؟
لكن مهلا، مهلا. أما بالنسبة إلى كون المرء واحدا من المختارين، فمن يدريه أنه كذلك؟
والمشكلة بالنسبة إلى بوستون ليست بالتأكيد هي فعل أي شيء يريده دون محاسبة، ولكنها تتعلق بالرغبة الملحة، الرغبة الملحة العظيمة، في تتبع ما تقوده إليه خطوط تفكير وتأمل معينة.
ولكن في الوقت المناسب يرجع عن الخطأ، ويكف عنه ويشعر بالأمان.
وفي خضم ولادة الأطفال وموت بعضهم والعناية بمن تبقى منهم ومشاكل السقف والمطر البارد الذي لا ينقطع؛ تغلب مرض عصبي على زوجته، وجعلها لا تستطيع مغادرة الفراش. كان إيمانها قويا، ولكن به خلل في جانب أساسي، حسب قوله، إلا أنه لم يذكر هذا الجانب. لقد كان يصلي معها. ونحن لا نعرف كيف كان يدير البيت. ويبدو أن زوجته - كاثرين براون التي كانت جميلة فيما مضى - لازمت الفراش لسنوات طويلة فيما عدا الفترة التي مرض فيها كل أفراد الأسرة بعدوى مؤقتة، حينها نهضت من فراشها، واعتنت بهم جميعا دون تعب وفي حنان وبنفس القوة والتفاؤل اللذين كانت تبديهما أيام شبابها عندما وقع في حبها بوستون أول مرة. الجميع شفي من المرض لتعود هي طريحة الفراش. وعلى الرغم من تقدمها في السن، فإنها كانت ما تزال على قيد الحياة في الوقت الذي كان يحتضر فيه زوجها، ونأمل أن تكون قد نهضت حينها وذهبت لتعيش في بيت غير رطب مع بعض الأقارب اللطفاء في بلدة متحضرة؛ عندها سوف تحافظ على إيمانها، ولكن ربما تنحيه جانبا بعض الشيء حتى تستمتع بقدر ضئيل من السعادة الدنيوية.
كان زوجها يعظ من نافذة حجرته عندما صار أضعف وأقرب إلى الموت، بدلا من أن يذهب إلى الكنيسة ويصعد منبر الوعظ. وكان يعظ بشجاعة وحرارة كما كان طوال عمره، وتلتف الجموع حتى تسمعه كالعادة برغم المطر.
وهذا النوع من الحياة هو الأكثر بؤسا وكآبة من وجهة نظر غير إيمانية. من خلال وجهة النظر الإيمانية فقط، يمكن للمرء أن يجد فيها الثواب الكبير إلى جانب الصراع، والسعي الحثيث من أجل التقوى الخالصة والاستمتاع بنفحة من نفحات الرب وفضله.
لذا، يبدو غريبا بالنسبة إلي أن توماس بوستون كان القس الذي كان يستمع لوعظه ويل أوفوب في كل يوم أحد في شبابه، وربما القس الذي زوجه لبيسي سكوت. من المفترض أن جدي - وهو رجل شبه كافر، محب للمرح، مدمن للبراندي، رجل تعقد عليه المراهنات، رجل يؤمن بالجن - قد استمع إلى قيود هذا الدين الكالفني القاسي وآماله البعيدة المنال وآمن بها. بل عندما تتبعت بعض العفاريت ويل عشية عيد القديسين، ألم يطلب الحماية من نفس الرب، الذي كان يدعوه بوستون، بأن يرفع الأحمال عن كاهله؛ أحمال الفتور والشك والحزن؟ إن الماضي يعج بالتناقضات والتعقيدات - التي ربما لا تختلف عن تناقضات الحاضر وتعقيداته - وإن كنا لا نعتقد ذلك في الغالب.
كيف يمكن لهؤلاء الناس ألا يأخذوا الدين مأخذ الجد وهو يهددهم بأن النار لن ينجو منها أحد، وأن الشيطان يمكر بهم مكرا شديدا، وأنه لا يفتر عن إغوائهم، وأن أهل الفردوس قلة قليلة؟ لقد فعلوا كذلك، أخذوه بالفعل مأخذ الجد. لقد استدعوا ليجلسوا على كرسي الاعتراف ليعترفوا بخطاياهم ويحملوا خزيهم - عادة بسبب علاقة جنسية يشار إليها عقائديا بالزنا - أمام جمع من المصلين. استدعي جيمس هوج من قبل إلى هذا المقعد مرتين على الأقل للرد على ادعاء بنتين من بنات البلدة بأنه أبوهما. وقد اعترف بسهولة بحالة واحدة، وقال في الحالة الأخرى إنه ربما يكون بالفعل أباها. (وعلى بعد 80 ميلا أو ما يقرب من ذلك ناحية الغرب، في بلدة موكلين بأيرشاير، عانى روبرت بيرنز الذي يكبر هوج بإحدى عشرة سنة، نفس الإذلال العلني.) وكان المسئولون في الكنيسة يتنقلون من بيت لآخر حتى يتأكدوا من عدم طبخ الأهالي يوم الأحد، ودائما ما يستخدمون أياديهم القاسية في عصر صدر أي امرأة يشكون في ولادتها طفلا غير شرعي عصرا عنيفا، حتى إذا خرجت نقطة لبن من صدرها تأكدوا من أنها كذلك. إلا أن حقيقة تعاملهم مع هذا الحذر على أنه ضروري تبين أن هؤلاء المؤمنين متأثرون بالطبيعة على نحو سلبي يعوقهم عن ممارسة حياتهم بالأسلوب الصحيح، كما هو الحال مع الناس دائما. ويروي مسئول في كنيسة بيرنز قائلا: «لم تحدث سوى 26 واقعة زنا فقط منذ آخر سر مقدس.» كما لو كان هذا الرقم يعد في واقع الأمر خطوة في الاتجاه الصحيح.
Unknown page