Mantiq Ishraqi Cinda Suhrawardi
المنطق الإشراقي عند السهروردي المقتول
Genres
30
من هذا يتبين لنا أن جرأة السهروردي وتهوره وقلة تحفظه من الأسباب التي جنت عليه؛ فمن يدري فلعل السهروردي لو أنه اصطنع كثيرا أو قليلا من التحفظ والاعتدال، وأمسك عن كثير أو قليل من تصريحاته وعباراته، لكان للفقهاء معه شأن آخر؟ ولكنه وقد أطلق نفسه على سجيتها، وأطلق لأذواقه وأفكاره ومذاهبه كل حريتها، لم يستطع أن يكون غير ما كان، ولا أن يقول غير ما قال، ولم يستطع الفقهاء إلا أن يحرجوه ويدحضوا مزاعمه وينسبوه إلى الكفر والضلال ويفتوا بقتله.
31
وينفرد العماد الأصفهاني، الذي كان معاصرا ل «السهروردي»، بإيراد القصة الكاملة لمقتله فيقول ما نصه: «في سنة 588ه، قتل شهاب الدين السهروردي وتلميذه شمس الدين بقلعة حلب. أخذ بعد أيام، وكان فقهاء حلب قد تعصبوا عليه، ما خلا الفقيهين «ابني جهيل» فإنهما قالا: هذا رجل فقيه، ومناظراته في القلعة ليس بحسن، ينزل إلى الجامع ويجتمع لهم، ويعقد له مجلس في الخلاف معه، وقالوا له: أنت قلت في تصانيفك «إن الله قادر على أن يخلق نبيا »، وهذا مستحيل، فقال لهم: ما حد لقدرته، أليس القادر إذا أراد شيئا لا يمتنع عليه؟ قالوا: بلى، قال: فالله قادر على كل شيء، قالوا: إلا على خلق نبي فإنه مستحيل، قال: فهل يستحيل مطلقا أم لا؟ قالوا: كفرت، وعملوا له أسبابا لأنه بالجملة كان عنده نقص عقل لا علم، ومن جملته أنه سمى نفسه المؤيد بالملكوت.»
32
وإذا كان السهروردي قد قتل بالفعل، فكيف نفذ فيه حكم القتل؟ وعلى أي وجه قتل؟
اختلفت الروايات وتضاربت الأقوال في هذا الموضوع، فنجد أن الشهرزوري يقول: «... ورانت الناس مختلفين في قتله، فزعم بعضهم أنه سجن ومنع الطعام.» وبعضهم يقول: «منع نفسه حتى مات.» وبعضهم يقول: «خنق بوتر.» وبعضهم يقول بسيف، وقيل إنه «حط في القلعة وأحرق.»
33
كما يخبرنا ابن أبي أصيبعة؛ حيث يقول: «ولما بلغ الشهاب السهروردي ذلك (نبأ قتله)، وأيقن أنه مقتول وليس جهة إلى الإفراج عنه، اختار أن يترك في مكان منفرد، ويمنع من الطعام والشراب إلى أن يلقى؛ ففعل به ذلك.»
34
Unknown page