Mantiq Ishraqi Cinda Suhrawardi
المنطق الإشراقي عند السهروردي المقتول
Genres
15
فلا يكاد ينزل ببلدة جديدة حتى يبحث عن العلماء والحكماء، ويأخذ عنهم علمهم، وعن الحكماء حكمتهم، ويصاحب الصوفية، ويجالسهم، ويأخذ نفسه بالتجريد وسلوك طريقتهم من رياضات ومجاهدات كانت سبيله إلى ما أشرقت به نفسه من أنوار المكاشفات.
16
فقد حدثنا الشهرزوري ما نصه: «كان قدس الله روحه كثير الجولان والطوفان في البلدان، شديد الشوق إلى تحصيل مشارك له في علومه، ولم يحصل له. قال في آخر «المطارحات»: ها هو ذا قد بلغت سني تقريبا ثلاثين سنة، وأكثر عمري في الأسفار والاستخبار والتفحص عن مشارك مطلع على العلوم، ولم أجد من عنده خبر عن العلوم الشريفة، ولا من يؤمن بها، وأكثر العجب من ذلك.»
17
والبلاد التي سافر إليها السهروردي لا تتجاوز كما أخبرنا المؤرخون والمترجمون بلاد الشام، وبلاد الروم. وقد حدثنا الشهرزوري أيضا عن السهروردي في موضع آخر، فقال ما نصه: «... وسافر في صغره في طلب العلم والحكمة إلى مراغة، واشتغاله بها على يد «مجد الدين الجيلي»، في أصفهان، وبلغني أنه قرأ هناك بصائر ابن سهلان الساوي على الظهير الفارسي، والله أعلم بذلك، إلا أن كتبه تدل على أنه فكر في البصائر كثيرا، وسافر إلى نواح متعددة، وصحب الصوفية، واستفاد منهم، وحصل لنفسه ملكة الاستقلال بالفكر والانفراد، ثم اشتغل بنفسه بالرياضات والخلوات والأفكار، حتى وصل إلى غايات مقامات الحكماء ونهايات مكاشفات الأولياء.»
18
من هذا النص يتضح لنا أن السهروردي قد أخذ العلم في بداية حياته على يد «مجد الدين الجيلي»، أستاذ فخر الدين الرازي، ثم سافر بعد ذلك إلى أصفهان، وأصفهان إحدى المدن الكبرى التي استقر فيها «ابن سينا» وقتا غير قصير، واتخذ فيها قسطا كبيرا من موسوعته الفلسفية الكبرى «الشفاء»، وكان له فيها تلاميذ وأتباع تعاقبوا إلى أن رآهم السهروردي، واطمأن إلى صحبتهم، واتخذ منهم أصدقاء أولع بهم. وفي أصفهان قرأ السهروردي «بصائر ابن سهلان الساوي» المتوفى سنة 450ه الموافق سنة 1060م.
وكتاب البصائر النصيرية من أجواد أنواع التلخيصات لمنطق الشفاء لابن سينا، كما أن السهروردي، وهو بأصفهان، خاطب الفكر السينوي؛ فكتب له رسالة «بستان القلوب»، كما ترجم «رسالة الطير» لابن سينا إلى اللغة الفارسية.
19
Unknown page