Manhaj Fi Fikr Carabi Mucasir

Cabd Allah Akhwad d. 1450 AH
88

Manhaj Fi Fikr Carabi Mucasir

المنهج في الفكر العربي المعاصر: من فوضى التأسيس إلى الانتظام المنهجي

Genres

98

لأسباب ذات ارتباط بطبيعة تلك المدارس واختلاف انتماءاتها المرجعية العقدية، وأخرى ذات ارتباط بخلاصات ما أنتجه الغرب ذاته، من مواقف واتجاهات معادية للإنسان واختياراته الكبرى.

وقد نال مفهوم العلمانية، ومشتقاته في الغرب حظه من المراجعة، والنقد الإبستيمولوجي، بعد أن ظهرت نتائجه السلبية على مستويات متعددة من حياة المجتمعات الغربية، لهذا فإن الكشف عن هذه المراجعات لا شك أنه يرينا حجم ما تحدثه المفاهيم في كينونة الإنسان أفرادا وجماعات.

تأتي في مقدمة هذه المراجعات أعمال المفكر الأمريكي اليهودي إرفنج كريستول الذي يصف الرؤية العلمانية بالرؤية الدينية لأنها «تحتوي مقولات عن وضع الإنسان في الكون وعن مستقبله لا يمكن تسميتها علمية، ذلك لأنها مقولات ميتافيزيقا لاهوتية. وفي هذا الدين [العلماني] يصنع الإنسان نفسه أو يخلقها [تأليه الإنسان]، كما أن العالم ليس له معنى يتجاوز حدوده، وبوسع الإنسان أن يفهم الظواهر الطبيعية وأن يتحكم فيها وأن يوظفها بشكل رشيد لتحسين الوضع الإنساني. ذلك أن المقدرة على الخلق، التي كانت من صفات الإله، أصبحت في المنظومة الدينية العلمانية من صفات الإنسان، ومن هنا ظهرت فكرة التقدم.»

99

وقد وصلت هذه العلمنة إلى مستويات تجريد العقائد الدينية من مقوماتها، وحولتها إلى نوع من المهدئات النفسية لمواجهة تحديات العقيدة الجديدة [العلمانية]، لكن رغم هذه الهيمنة التي مارستها على جميع المؤسسات، فإن إرفنج كريستول يقدم مقدمات فلسفية مفادها أن هذه العقيدة بدأت تفقد مصداقيتها بالتدريج، ويعود ذلك في رأيه إلى سببين اثنين:

100 (أ)

بإمكان الفلسفة العقلانية العلمانية أن تزودنا بوصف دقيق للمسلمات الضرورية لتأسيس نسق أخلاقي، ولكنها لا يمكن أن تزودنا بهذا النسق نفسه. فالعقل قادر على تفكيك الأنساق الأخلاقية، ولكنه ليس قادرا على توليدها، إذ إن الإنسان يقبل الأنساق الأخلاقية من منطلق إيماني غير عقلي، والعقل المحض لا يمكن أن يتوصل إلى أن جماع المحارم خطأ (...) فظهرت أجيال قلقة لا تجد لنفسها مخرجا من الوضع غير الطبيعي الذي صنعته العقيدة الجديدة، لهذا يتحدث كريستول عن البربرية العلمانية. (ب)

لا يمكن أن يكتب البقاء لمجتمع إنساني إن كان أعضاؤه يعتقدون أنهم يعيشون في عالم لا معنى له. والواقع أننا منذ القرن التاسع عشر - يقول كريستول - نجد أن تاريخ الفكر الغربي رد فعل الإحساس بأن العلمانية أدت إلى ظهور عالم لا معنى له، وهي تحاول أن تحل هذه المشكلة، بأن تؤكد للإنسان أنه يسيطر على نفسه وعلى الطبيعة من خلال الاستقلال والإبداع، وهو أمر يراه مجرد خداع للنفس.

فالتيارات التي ظهرت في الغرب لم تعد تؤمن بالعقيدة الإنسانية [الهيومانية] من التفكيكية إلى ما بعد الحداثة التي أعلنت موت الإنسان. وهو اعتقاد بدأ يأخذ موقعه في المجتمع الغربي، فالانتماء الديني بدأ يتزايد في هذا المجتمع، وتتسع مساحته، بعد أن شعر بالحرمان وفقدان المعنى، وظهور علامات مفارقة لهذا المعنى.

Unknown page