Manhaj Fi Fikr Carabi Mucasir
المنهج في الفكر العربي المعاصر: من فوضى التأسيس إلى الانتظام المنهجي
Genres
91
فالقارئ لخطابه النقدي «لا يكاد يتبين خطابه المستقل الذي يتميز به بين الخطابات الأخرى، لكثرة اللغات التي يتحدث بها، والمناهج التي يستخدمها، والأعلام الذين يتقمصهم، ومن فرط ما يحشده من المفاهيم والأدوات»
92
لهذا كان الشغل الشاغل لأركون وهمه الدائم هو «جلب برامج الحداثة الفكرية والإعلان عنها والترويج لها والتوصية بالاستفادة منها. ومن هنا كان الرجل مستوردا ماهرا وعارضا جيدا، ولم يكن صاحب حدس أصلي ورؤية ثاقبة»
93
دون أن يعني ذلك غمط حق الرجل في بعض الإشارات الإيجابية، والجدة التي جاء بها مشروعه، كما أومأ إلى ذلك طه عبد الرحمن.
لكن لم يكن ذلك كافيا في رأي نقاده من الشاكلة الثقافية نفسها، الذين يرون في المشروع خروجا عن بعض القواعد المنهجية.
فإذا كان «هاجسه: الجدة والتنوع إلى حد أن تآليفه تكاد تكون معرضا للحداثة الفكرية على تعدد مجالاتها واختلاف مذاهبها ومناهجها، بيد أنه إذا كانت مواكبة كل تطور يحصل في مجال العلم والفكر أمرا مطلوبا ومحمودا فإنه لا ينبغي للجدة أن تطغى على الأصالة، ولا التعدد أن يطمس الوحدة. وبكلام آخر: لا ينبغي للانفتاح على الجديد والمتعدد والطارئ والمتحول أن يتم على حساب الصرامة الفكرية. فلا بد لكل عمل فكري أن ينطوي على قدر من الوحدة والترابط، ولا بد لكل مبحث من أن يراعي شرائط الوثوق والإحكام. نقول ذلك [الكلام لعلي حرب] لأننا نلحظ أن قراءة أركون العلمية تفتقر إلى الوحدة المنهجية.»
94
بل أكثر من ذلك يعتبر علي حرب استنجاد أركون بالحداثة وإفرازاتها لا يكفي لكي تكون القراءة التي يقدمها منتجة أو علمية. صحيح أنه لا يمكن تجاوز الإمكانات المنهجية والمعرفية التي تقدمها الحداثة، لكن الاعتداد بها كليا واستخدامها ليس دليلا على أنها القراءة الأصح.
Unknown page