Manhaj Fi Fikr Carabi Mucasir
المنهج في الفكر العربي المعاصر: من فوضى التأسيس إلى الانتظام المنهجي
Genres
75
لكن هذه المدرسة لم تستمر في إشباع طموحه المنهجي، بالرغم من إنجازاتها الضخمة فتطرفت في اتجاه معاكس، فراح يبحث عن أرضية منهجية جديدة تلبي هذا الطموح، ولهذا تحظى منهجية علم النفس التاريخي باهتمام خاص عنده، لأنها «تركز على الخيال والمخيال والأسطورة والوعي الجماعي؛ كعامل أساسي ومحرك في التاريخ الإسلامي بالإضافة إلى الاقتصاد والماديات.»
76 (د) المنهجية الألسنية السيميائية
يفضل أركون الاشتغال بالنقد الألسني في تحليل النص الديني «الوحي»، هذه المنهجية التي كانت صاعدة بقوة في الستينيات مع أسماء وازنة في هذا المجال، أمثال فرناند دو سوسير وجاكبسون وبنفنست، وتكتسي عنده أهمية كبرى، وخاصة بحكم اشتغاله المستمر على النصوص القديمة خصوصا النص القرآني، لهذا تعينه على كيفية القراءة من خلال تفكيك لغته ألسنيا يقول: «[و]لكي أعرف كيف تشكل، ولكي أسائله على صعيده الأول المباشر: صعيد اللغة العربية والإسلامية الكلاسيكية، ولهذا السبب أقول: إن لعلم الألسنيات أهمية عظمى فيما يخص مجالنا المعرفي، مجال تاريخ الفكر الإسلامي، ومن يقوم بكتابة تاريخ التفسير في الإسلام، يجد فائدة كبيرة في المنهجية الألسنية.»
77
فالهدف من هذا الاختيار المنهجي هو تحرير القارئ من هيبة النص الديني، ومن سلطته المتعالية فوق الزمان والمكان؛ لكي يتساوى مع أي نص آخر بشري يخضع لكل التعديلات وتجريده من قدسيته، وإدخاله في ظروفه التاريخية، ليصل إلى ما كان يخطط له، أنسنة الدين، وإرجاعه إلى الإنسان وإحلال الأساطير محله.
يشكل «التحليل السيميائي عند أركون رياضة عقلية ومران منهجي يحمل صاحبه على التحلي بالنزاهة والموضوعية والانسلاخ عن رواسب الذات، حتى تكون المسافة بين المؤول والنص على مستوى من البعد والتناهي لا يسمح بإسقاط الأحكام التيولوجية»
78
على النص المؤول، فهو يمثل عنده «فضيلة ثمينة جدا خصوصا أن الأمر يتعلق هنا بقراءة نصوص محددة كانت قد ولدت وشكلت طيلة أجيال عديدة الحساسية والمخيال الجماعي والفردي، وعندئذ نتعلم كيف نقيم مسافة منهجية اتجاه النصوص، أو بيننا وبين النصوص المقدسة دون إطلاق أي حكم من الأحكام التيولوجية التي تغلق باب التواصل مع المؤمنين فورا».
79
Unknown page