Manhaj al-Imam Taj al-Din al-Subki fi Usul al-Fiqh
منهج الإمام تاج الدين السبكي في أصول الفقه
Genres
وكذلك ختم مختصره «جمع الجوامع» بخاتمة ذَكَر فيها معتقده مبيّنًا فيها عقيدة الأشاعرة.
وافتتح كتابه «ترشيح التوشيح» بمقدمة ذَكَر فيها جملة معتقده، وها أنا أذْكُر لك بعضًا مما ورد فيها ليتبيّن لك صحة ما ادّعَيناهُ عنه، حيث قال: «فالحمد لله عودًا على بدء، رب العالمين، قيوم السماوات والأرضين، الأول فليس قبله شيء، الباطن فليس دونه شيء، ... الواحد الأحد، الفرد الصمد، الذي ليس بجسم مصور، ولا جوهر محدد، من زعم أنّ إلهنا محدود فقد جهل الخالق المعبود، ومن زعم أنّ الأماكن تحيط به فقد لزمته الحيرة والتخليط، بل هو المحيط بكل مكان مُقدَّس عن الجهات مُنزَّه عن المماسات، رفيع الدرجات ذو العرش، يُلقي الروحَ من أمره على من يشاء من عباده، استوى على العرش الذي قاله بالمعنى الذي قاله لا تُنقِص منه ولا تَزيدَه، لا يحمله العرش، بل العرش وحملته محمولون بعظيم قدرته، ولطيف صنعته.
القرآن كلامه غير مخلوق، كَلَّم موسى تكليمًا بلا جوارح ولا أدوات ولا شفه ولا لَهَوات، سبحانه عن تكييف الصفات» (١) إلى آخر تلك المقدمة الحافلة التي جمع فيها أهم مسائل الاعتقاد فانظرها.
دفاعه عن أئمة الأشاعرة:
يعدّ الإمام تاج الدين السبكي، حامل لواء الدفاع عن أهل السنة، وبخاصة الأشاعرة، فتراه يتحيّن الفرص للدفاع عنهم والذب عن أعراضهم فهو في كتابه «طبقات الشافعية» - والذي يعدّ بحق طبقات للأشاعرة أيضًا - بيّن حقيقة ما عليه هؤلاء العلماء، ورد كثيرًا مما رُمِي به هؤلاء الأئمة الجِلّة الذين حملوا راية الإسلام، والدفاع عن عقائده تُجاه الملاحدة، وأتباع الفرق الضالة، وجماعة المبتدعة.
وكثيرًا ما كان التاج يَتعقّب شيخَه الذهبي، الذي يعدّه التاج السبكي كثيرَ الغضِّ من أئمة أهل السنة الأشاعرة، وكثير الوقيعة فيهم (٢)، وقد تتبعه التاج في كثير من المواضع، وكان يردُّ دَعاويه وأقاويله التي فيها غضٌّ من هؤلاء الأعلام، ترى ذلك واضحًا في ترجمة التاج السبكي للإمام الأشعري، وإمام الحرمين الجويني، والإمام فخر الدين الرازي، حيث وجه في هذه التراجم نقدًا لاذعًا قويًا لشيخه الذهبي، الذي اعتبره التاج لم يُوفِّ هؤلاء الجهابذة حقهم في تراجمه لهم.
ولم يقف الأمر عند هذا الحد فحسب، بل وجدت أنّ التاج السبكي يقرّر أنّه لا يحلّ لمؤمن يؤمن بالله واليوم الآخر أن يعتمدَ على أقوال الذهبي في الغضّ عن الأشاعرة فيقول: «والذهبي أستاذنا، والحق أحق أن يُتّبعَ، لا يحلّ لمؤمن يؤمن بالله واليوم الآخر أن يعتمدَ عليه في الضَّعة من الأشاعرة» (٣).
_________
(١) التاج السبكي، ترشيح التوشيح ص ٢ - ١٢
(٢) التاج السبكي، طبقات الشافعية (٢/ ١٣)، معيد النعم ص ٨٧
(٣) التاج السبكي، معيد النعم ص ٧٤
1 / 47