وبعد هذا حولت السيدة مجرى الحديث بتقلبها المعتاد إلى الصور والأوبرا وغير هذا من الأحاديث التافهة، كأنما كانت تريد أن تمحو من ذهنها كل فكرة عن ولديها. ولما تأخر الوقت قام الكونت فريزن مستأذنا وتمنى للسيدة مساء طيبا، ثم انحنى أمامها انحناءة كبيرة وقبل يدها الممدودة بجلال نحوه وكانت لا تزال يدا جميلة، حتى إن فريزن لم يتمالك نفسه من أن يفكر وهو يمسك بها لو يتوفر لهذه اليد الإرادة والحزم، فكم تكون قاسية لو ضربت!
وبعد دقائق كان واقفا تحت مظلة باب الفلا، وقد وقف خلفه بلا حراك رئيس الخدم الذي أوصله إلى الباب، فأوقد فريزن لفافة تبغ وذهبت أفكاره مع ما رآه من تلك السيدة الطموح وطفق يفكر.
إنها تطلب السيطرة والانتقام، إنها مديسي أو بورجيا جديدة، كم تكره ولدها! هي تكرهه لأنه جميل وقوي، في حين أن ولدها المختار الذي هو سلالة الملوك ليس إلا مخلوقا ضعيفا، آه! حسنا، سواء أكان هذا ضعيفا أم غير ضعيف فإن إمبراطوري يرغب في أن يكون على عرش فرنسا، ولذا فيجب علينا جميعا أن نساعده لنرفعه إليه.
ونزل الكونت فريزن درجات السلم وهو يصفر آخر لحن من ألحان جون ستراس.
الفصل الرابع
وفي تلك الساعة كان ملك فرنسا غير المتوج يسعى لاستعادة عرشه وبلاده بطريقته الخاصة، فبينما كانت والدته تتباحث مع السياسي الأوستوري في الترتيبات الحربية، كان لويس دي بوربون جالسا تحت قدمي إلين سان أرماند يصف لها بمختلف فنون البلاغة فتنتها وقوة جاذبيتها، وكيف أنه لا يعبأ بالعروش الملكية ولا بتاج سان لويس لو ظهر أنها تتعارض مع رغبته المتوقدة. وكانت ألين تستمع إليه وقد لذ لها ما تشعر به من إرضاء لغرورها، وسرها ما أثارته من عاطفة في فؤاد هذا الشاب الذي يعجبها فيه مسحته الملكية حينا، وشخصيته الغريبة حينا آخر.
فقالت لتسره دون أن يخالط لهجتها أقل شيء من سخريتها المعتادة: وما هي رغبة جلالتك المتوقدة؟
فأردف جلالته بحرارة: كيف تسألينني؟! هي أن تكوني لي بكليتك.
كانت ألين سان أماند قد نزلت في أحدث فندق فوق التل، حيث يطل على منظر جميل على طريق ليخنثال، والنهر حتى آخر أطراف الغابة. وكان الاثنان يجلسان قبالة بعضهما أمام المنضدة يتناولان طعام العشاء، ولم يستطع هو بالنسبة لانفعال عواطفه أن يتناول منه شيئا، بل كانت عيناه المحمومتان تتبعان حركاتها وهي تأكل بشهية كبيرة عقب المجهود المضني الذي قامت به في عملها.
ولما رفع الخادم المائدة وذهب قام كلاهما؛ هي لكي تلقي بنفسها في ركن من الأريكة تنشد الراحة، وهو لكي يحظى بالجلوس أقرب ما يكون منها، بالقدر الذي تسمح به.
Unknown page