ونحن نجمع بين السلة والمزاحفة. ونحن أصحاب القنا الطوال ما كنا رجالة، والمطارد القصار ما كنا فرسانا. فإن صرنا كمنا فالحتف القاضي، والسم الذعاف. وإن كنا طلائع فكلنا يقوم مقام أمير الجيش. نقاتل بالليل كما نقاتل بالنهار، ونقاتل في الماء كما نقاتل على الأرض، ونقاتل في القرية كما نقاتل في المحلة.
ونحن أفتك وأخشب، ونحن أقطع للطريق وأذكر في الثغور، مع حسن القدود وجودة الخرط ومقادير اللحى، وحسن العمة، والنفس المرة. وأصحاب الباطل والفتوة، ثم الخط والكتابة، والفقه والرواية.
ولنا بغداد بأسرها، تسكن ما سكنا، وتتحرك ما تحركنا. والدنيا كلها معلقة بها، وصائرة إلى معناها. فإذا كان هذا أمرها وقدرها فجميع الدنيا تبع لها. وكذلك أهلها لأهلها، وفتاكها لفتاكها، وخلاعها لخلاعها، ورؤساؤها لرؤسائها ، وصلحاؤها لصلحائها.
ونحن بعد تربية الخلفاء، وجيران الوزراء، ولدنا في أفنية ملوكنا، ونحن أجنحة خلفائنا، فأخذنا بآثارهم، واحتذينا على مثالهم، فلسنا نعرف سواهم، ولا نعرف بغيرهم، ولا يطمع فينا أحد قط من خطاب ملكهم، وممن يترشح للاعتراض عليهم. فمن أحق بالأثرة، وأولى بالقرب في المنزلة ممن هذه الخصال فيه، وهذه الخلال له.
Page 28