Maidat Aflatun
مائدة أفلاطون: كلام في الحب
Genres
فأخذت أقص عليه ما وعته الذاكرة من المحاورة التي دارت على الحب، وحاولت جهد طاقتي ألا يفوتني مما سمعت شيء، فإذا أردت أنت أيضا أن أعيد على سمعك هذه المحاورة، فلا أضن عليك بما تريد؛ فإنه لا يسرني شيء مثل الكلام في الحكمة، أو سماع ما يقال فيها، وهذا لسببين: الأول ما استنبطه من الفوائد، وما استوعبه من المنافع من أحاديث الفلسفة. والسبب الثاني إشباع ما ركز في نفسي من غريزة حب الحكمة، ولكني كلما أسمع أحاديثك عن عجول الذهب وعباد المال أشعر بحزن شديد، وأشفق عليك يا من لا تعمل شيئا، وتحسب نفسك تقوم بكل شيء! ربما تظنني مسكينا بائسا وأنت عند ظنك؛ أما أنا فلا أظن، بل أعتقد وأؤكد أنك كذلك.
الرفيق:
إنك لا تتغير أبدا يا أبولودروس؛ فأنت على الدوام تنتقص الناس وتبخس نفسك، ويلوح لي أنك تحسب سائر الناس أشقياء بائسين وأنت فيهم، وليس في الوجود شخص سعيد سوى سقراط، وهذا ثبات في الرأي يندر في المجانين، وقد ادعى الناس بأنك منهم!
أبولودروس:
حقيقة الأمر يا صاحبي هي أنني مجنون لأمر واحد، وهو تشبثي برأيي فيك وفي نفسي.
الرفيق:
ليس يجدينا أن نبحث في تلك الأمور نفعا يا أبولودروس! فتفضل علي بالحديث الذي وعدت.
أبولودروس:
سأشرع توا في الحديث، وأتلوه عليك بالترتيب الذي اتبعه أريسطوديمس.
روى أريسطوديمس أنه لقي سقراط يوما نظيف الوجه، حسن الهيئة، منتعلا على خلاف عادته، فسأله عن حاله ولأي شيء خرج عن حده في التزين والتجمل، فقال سقراط: دعاني أجاثون إلى وليمته، فلم أجبه أمس لاجتماع قوم من الغوغاء عنده أثناء بذل الضحايا للآلهة، واليوم قصدت أن أجيبه؛ أما عن تزيني فاعلم أنه ينبغي لك أن تتجمل إذا أردت أن تدنو من أرباب الجمال، وأنت يا أريسطوديمس ما قولك في أنك تصحبني غير مدعو إلى دار صاحبنا أجاثون ؟ فقال أريسطوديمس: إنني أفعل ما تريد، فقال سقراط: إذا هيا بنا! فقد جاء في الأمثال «لا كلفة ولا دعوة بين الأخيار.» وقد أخطأ هوميروس، ولم يحسن استعمال هذا المثل في الإلياذة ؛ إذ وصف أغاممنون بالشجاعة والبطش في ميدان الوغى، وذكر عن مينيلاوس أنه جبان عاجز، وهيأ له أن يتطفل على مائدة أغاممنون؛ عملا بالمثل السابق على ما بينهما من الفروق في الأخلاق.
Unknown page