311

وضربت عليهم الذلة والمسكنة وباؤ بغضب من الله ذلك بأنهم كانوا يكفرون بآيات الله ويقتلون النبيين بغير الحق ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون ) (61)

( وإذ قلتم يا موسى لن نصبر على طعام واحد ) قال قتادة : لما ملوا طعامهم وذكروا عيشهم الذي كانوا فيه قبل ذلك ، قالوا ذلك. قال الراغب : إن قيل : كيف قال ( لن نصبر على طعام واحد ) وكان لهم المن والسلوى ، قيل : إن ذلك إشارة إلى مساواته في الأزمنة المختلفة ، كقولك : فلان يفعل فعلا واحدا في كل يوم ، وإن كثرت أفعاله ، إذا تحرى طريقة واحدة وداوم عليها. وهذا المعنى في إنكار الطعام أبلغ. لأنهم لم يكتفوا في إنكاره بقولهم ( لن نصبر على طعام )، حتى أكدوا بقولهم ( واحد ) أو أرادوا بالواحد ما لا يختلف ولا يتبدل ( فادع لنا ربك يخرج لنا مما تنبت الأرض من بقلها وقثائها وفومها ) هو الثوم لقراءة ابن مسعود «وثومها» وللتصريح به في التوراة في هذه القصة. وقد ذكر ابن جرير شواهد لإبدال الثاء فاء لتقارب مخرجيهما كقولهم للأثافي «أثاثي» ، وقولهم وقعوا في عاثور شر وعافور شر ، وللمغافير «مغاثير» ( وعدسها وبصلها قال أتستبدلون الذي هو أدنى ) أي أدون قدرا ، وأصل الدنو القرب في المكان ، فاستعير للخسة ، كما استعير البعد للشرف والرفعة ، فقيل : بعيد الهمة. ( بالذي هو خير ) أي بمقابلة ما هو خير ، أي أرفع وأجل ، وهو المن الذي فيه الحلاوة التي تألفها أغلب الطباع البشرية ، والسلوى من أطيب لحوم الطير ، وفي مجموعهما غذاء تقوم به البنية. وليس فيما طلبوه ما يساويهما لذة ولا تغذية ( اهبطوا مصرا ) هكذا هو منون مصروف مكتوب بالألف في المصاحف الأئمة العثمانية ، وهو قراءة الجمهور ، بالصرف.

قال ابن جرير : ولا أستجيز القراءة بغير ذلك ، لإجماع المصحف على ذلك ، أي من الأمصار ، أي انحدروا إليه ( فإن لكم ) فيها ( ما سألتم ) أي فإن الذي سألتم يكون في الأمصار لا في القفار ، والمعنى أن هذا الذي سألتم ليس بأمر عزيز ، بل هو كثير ، في أي بلد دخلتموها وجدتموه. فليس يساوي مع دناءته ، وكثرته في الأمصار أن أسأل الله فيه. ولما حكى الله تعالى إنكار موسى عليه السلام على اليهود استبدالهم الذي هو أدنى بالذي هو خير ، بعد تعداد النعم ، جاء بحكاية سوء صنيعهم بالأنبياء ، وكفرهم ، واعتدائهم ، وضرب الذلة عليهم لذلك ، استطرادا فقال : ( وضربت عليهم الذلة والمسكنة ) فمن هنا إلى قوله ( ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون ) معترض في خلال القصص المتعلقة بحكاية أحوال بني إسرائيل الذين

Page 314