R. Carnap (1891-1970م)، الذي عمل على صياغة البناء المنطقي للعلم الموحد عن طريق ما أسماه «لغة العلم». ترتكز لغة العلم الموحد على أساس مفاده أن العلم يتعامل فقط مع الخصائص البنائية للأشياء، في الزمان والمكان والعلاقات التي تربطها ببعضها، ووضع كارناب قواعد هذه اللغة، وهي قواعد تشكيل وصياغة الجمل والتعبيرات الفيزيائية، ثم قواعد استنباط جملة من أخرى.
4
تعمل هذه القواعد على أن تكون دقيقة، فتستوعب كل التعبيرات الفيزيائية وتستبعد تماما ما سواها، وأي فرع آخر من فروع العلم يمكن صياغته في حدود هذه اللغة، وإلا كان علما زائفا؛ فكل ما لا يتحدث باللغة المنطقية للفيزياء ليس علما، إن لم يكن هراء ولغوا.
كانت النظرة الوضعية المنطقية أقوى تعبير عن فكرة العلم الموحد، وقد سادت في حينها، وبغض النظر عن تطورات عديدة أدت إلى دخول العلم وفلسفة العلم في مرحلة «ما بعد الوضعية»، المواكبة لمرحلة ما بعد الحداثة وما بعد الاستعمار، فإن الاتجاه يميل الآن بشكل عام نحو اعتبار كل علم وحدة مستقلة، تدخل في علاقات منطقية وبينية مع العلوم الأخرى، لكنه يصول ويجول في موضوعه بما يلائم طبيعته النوعية بالفروض الجريئة المثمرة. باتت الميثودولوجيا الراهنة تتحدث عن نموذج إرشادي خاص بكل علم من العلوم، مستقل إلى حد ما عن نموذج إرشادي مشترك تتربع في سويدائه الفيزياء، خصوصا بعد ما حدث من تطورات مذهلة للبيولوجيا في العقود الأخيرة، وبحث العلوم الإنسانية المحموم عن منهجيات خاصة، تلائم طبيعتها النوعية وتخرج بها من أزمة تخلفها النسبي عن علوم المادة.
إن المطروح هنا - ميثودولوجيا - من تخطيط وترسيم لنسق العلم، من حيث درجة العمومية والبساطة في العلوم المختلفة لا يعني عودا إلى الرؤية الوضعية المتطرفة، إننا الآن في عصر التعددية والدعوة إلى علم لا تكبله وحدة وضعية مزعومة،
5
هذا الطرح الميثودولوجي والترسيم العام لنسق العلم، إنما هو تبسيط وتخطيطات منطقية مبدئية، تمهد السبل للقواعد الإجرائية للبحث العلمي، عاكسة طبيعة ووظيفة مفهوم المنهج العلمي. (3) طريقان منهجيان
كما ذكرنا، فلسفة العلوم، أو بمزيد من التحديد الميثودولوجيا، حين تجيب عن السؤال: ما المنهج العلمي؟ إنما تتغاضى عن الفوارق الإجرائية الشتى للعلوم العديدة، لتقف على الثابت المحوري للمنهج العلمي، الذي يقف بدوره من وراء أو بالأحرى في صلب المناهج الإجرائية جميعها. هذا من ناحية، ومن الناحية الأخرى، ذكرنا أيضا أن سر نجاح العلم الحديث، يتمركز في ذلك التآزر والتحاور بين لغة الرياضيات ووقائع التجريب .
لذلك ثمة فارق لا يمكن أن تتجاهله الميثودولوجيا في تقنينها لمفهوم المنهج العلمي، بل على العكس ترتكز عليه وتنطلق منه، يتمثل في الفارق بين العلوم الصورية والعلوم الإخبارية، وقد رأيناه سابقا في تخطيط نسق العلم، ويمكن أن نشتقه مجددا على النحو التالي:
إننا إزاء مجموعتين كبريين لهما طبيعتان مختلفتان، وطريقان منهجيان مختلفان، هما مجموعة العلوم الصورية: علوم المنطق والرياضة، ثم مجموعة العلوم الإخبارية التجريبية سواء فيزيوكيميائية أو حيوية أو إنسانية، وعلى هذا يقوم صلب الميثودولوجيا على التقابل والتقاطع والافتراق والالتقاء بين طريقين أو آليتين أو لنقل منهجين هما:
Unknown page