Mafātīḥ al-ghayb
مفاتيح الغيب
Publisher
دار إحياء التراث العربي
Edition
الثالثة
Publication Year
١٤٢٠ هـ
Publisher Location
بيروت
Genres
Tafsīr
الْكَلِمَةُ، وَأَوَّلَ كَلَامٍ لِخَاتِمَةِ الْمُحْدَثَاتِ هُوَ هَذِهِ الْكَلِمَةُ، فَلَا جَرَمَ جَعَلَهَا اللَّهُ فَاتِحَةَ كِتَابِهِ فَقَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ وَأَيْضًا ثَبَتَ أَنَّ أَوَّلَ كَلِمَاتِ اللَّهِ قَوْلُهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ، وَآخِرَ أَنْبِيَاءِ اللَّهِ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ، وَبَيْنَ الْأَوَّلِ وَالْآخِرِ مُنَاسَبَةٌ، فَلَا جَرَمَ جَعَلَ قَوْلَهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ أَوَّلَ آيَةٍ مِنْ كِتَابِ مُحَمَّدٍ رَسُولِهِ، وَلَمَّا كَانَ كَذَلِكَ وَضَعَ لِمُحَمَّدٍ ﵇ مِنْ كَلِمَةِ الْحَمْدِ اسْمَانِ: أَحْمَدُ وَمُحَمَّدٌ، وَعِنْدَ هَذَا
قَالَ ﵇: «أَنَا فِي السَّمَاءِ أَحْمَدُ، وَفِي الْأَرْضِ مُحَمَّدٌ»
فَأَهْلُ السَّمَاءِ فِي تَحْمِيدِ اللَّهِ، وَرَسُولُ اللَّهِ أَحْمَدُهُمْ وَاللَّهُ تَعَالَى فِي تَحْمِيدِ أَهْلِ الْأَرْضِ كَمَا قَالَ تَعَالَى: فَأُولئِكَ كانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُورًا [الْإِسْرَاءِ: ١٩] وَرَسُولُ اللَّهِ مُحَمَّدُهُمْ.
وَالنُّكْتَةُ الثَّانِيَةُ: أَنَّ الْحَمْدَ لَا يَحْصُلُ إِلَّا عِنْدَ الْفَوْزِ بِالنِّعْمَةِ وَالرَّحْمَةِ، فَلَمَّا كَانَ الْحَمْدُ أَوَّلَ الْكَلِمَاتِ وَجَبَ أَنْ تَكُونَ النِّعْمَةُ وَالرَّحْمَةُ أَوَّلَ الْأَفْعَالِ وَالْأَحْكَامِ، فَلِهَذَا السَّبَبِ
قَالَ: سَبَقَتْ رَحْمَتِي غَضَبِي.
النُّكْتَةُ الثَّالِثَةُ: أَنَّ الرَّسُولَ اسْمُهُ أْحَمْدُ، وَمَعْنَاهُ أَنَّهُ أَحْمَدُ الْحَامِدِينَ أَيْ: أَكْثَرُهُمْ حَمْدًا، فَوَجَبَ أَنْ تَكُونَ نِعَمُ اللَّهِ عَلَيْهِ أَكْثَرَ لِمَا بَيَّنَّا أَنَّ كَثْرَةَ الْحَمْدِ بِحَسَبِ كَثْرَةِ النِّعْمَةِ وَالرَّحْمَةِ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ لَزِمَ أَنْ تَكُونَ رَحْمَةُ اللَّهِ فِي حَقِّ مُحَمَّدٍ ﵇ أَكْثَرَ مِنْهَا فِي حَقِّ جَمِيعِ الْعَالَمِينَ، فَلِهَذَا السَّبَبِ قَالَ: وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعالَمِينَ [الْأَنْبِيَاءِ: ١٠٧] . النُّكْتَةُ الرَّابِعَةُ: أَنَّ الْمُرْسِلَ لَهُ اسْمَانِ مُشْتَقَّانِ مِنَ الرَّحْمَةِ، وَهُمَا الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ، وَهُمَا يُفِيدَانِ الْمُبَالَغَةَ، وَالرَّسُولُ لَهُ أَيْضًا اسْمَانِ مُشْتَقَّانِ مِنَ الرَّحْمَةِ، وَهُمَا مُحَمَّدٌ وَأَحْمَدُ، لِأَنَّا بَيَّنَّا أَنَّ حُصُولَ الْحَمْدِ مَشْرُوطٌ بِحُصُولِ الرَّحْمَةِ، فَقَوْلُنَا مُحَمَّدٌ وَأَحْمَدُ جَارٍ مَجْرَى قَوْلِنَا مَرْحُومٌ وَأَرْحَمُ. وَجَاءَ
فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ أَنَّ مِنْ أَسْمَاءِ الرَّسُولِ:
الْحَمْدَ، وَالْحَامِدَ، والمحمود،
فهذه خمسة أسماء لِلرُّسُولِ دَالَّةٌ عَلَى الرَّحْمَةِ، إِذَا ثَبَتَ هَذَا فَنَقُولُ: إِنَّهُ تَعَالَى قَالَ: نَبِّئْ عِبادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ [الْحِجْرِ: ٤٩] فقوله: نبىء إِشَارَةٌ إِلَى مُحَمَّدٍ ﷺ، وَهُوَ مَذْكُورٌ قَبْلَ الْعِبَادِ، وَالْيَاءُ فِي قَوْلِهِ: عِبَادِي ضَمِيرٌ عَائِدٌ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى وَالْيَاءُ فِي قَوْلِهِ: أَنِّي عَائِدٌ إِلَيْهِ، وَقَوْلُهُ: أَنَا عائد إليه، وقول: الْغَفُورُ الرَّحِيمُ، صِفَتَانِ لِلَّهِ فَهِيَ خَمْسَةُ أَلْفَاظٍ دَالَّةٌ عَلَى اللَّهِ الْكَرِيمِ الرَّحِيمِ، فَالْعَبْدُ يَمْشِي يوم القيامة وقدامه الرسول ﵊ مَعَ خَمْسَةِ أَسْمَاءٍ تَدُلُّ عَلَى الرَّحْمَةِ، وَخَلْفَهُ خَمْسَةُ أَلْفَاظٍ مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ تَدُلُّ عَلَى الرَّحْمَةِ، وَرَحْمَةُ الرَّسُولِ كَثِيرَةٌ كَمَا قَالَ تَعَالَى: وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعالَمِينَ وَرَحْمَةُ اللَّهِ غَيْرُ مُتَنَاهِيَةٍ كَمَا قَالَ تَعَالَى: وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ [الْأَعْرَافِ: ١٥٦] فَكَيْفَ يُعْقَلُ أَنْ يَضِيعَ الْمُذْنِبُ مَعَ هَذِهِ الْبِحَارِ الزَّاخِرَةِ الْعَشَرَةِ الْمَمْلُوءَةِ مِنَ الرَّحْمَةِ؟.
وَأَمَّا فَوَائِدُ الْأَسْمَاءِ الْخَمْسَةِ الْمَذْكُورَةِ فِي هَذِهِ السُّورَةِ فَأَشْيَاءُ: النُّكْتَةُ الْأُولَى: أَنَّ سُورَةَ الْفَاتِحَةِ فِيهَا عَشَرَةُ أَشْيَاءَ، منها خمسة من صفات الرُّبُوبِيَّةِ، وَهِيَ: اللَّهُ، وَالرَّبُّ، وَالرَّحْمَنُ، وَالرَّحِيمُ، وَالْمَالِكُ، وَخَمْسَةُ أَشْيَاءَ مِنْ صِفَاتِ الْعَبْدِ وَهِيَ: الْعُبُودِيَّةُ، وَالِاسْتِعَانَةُ، وَطَلَبُ الْهِدَايَةِ، وَطَلَبُ الِاسْتِقَامَةِ، وَطَلَبُ النِّعْمَةِ كَمَا قَالَ: صِراطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ فَانْطَبَقَتْ تِلْكَ الْأَسْمَاءُ الْخَمْسَةُ عَلَى هَذِهِ الْأَحْوَالِ الْخَمْسَةِ، فَكَأَنَّهُ قِيلَ: إِيَّاكَ نَعْبُدُ لِأَنَّكَ أَنْتَ اللَّهُ، وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ لِأَنَّكَ أَنْتَ الرَّبُّ، اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ لِأَنَّكَ أَنْتَ الرَّحْمَنُ، وَارْزُقْنَا الِاسْتِقَامَةَ لِأَنَّكَ أَنْتَ الرَّحِيمُ، وَأَفِضْ عَلَيْنَا سِجَالَ نِعَمِكَ وَكَرَمِكَ لِأَنَّكَ مَالِكُ يَوْمِ الدِّينِ. النُّكْتَةُ الثَّانِيَةُ: الْإِنْسَانُ مُرَكَّبٌ مِنْ خَمْسَةِ أَشْيَاءَ: بَدَنِهِ، وَنَفْسِهِ الشَّيْطَانِيَّةِ، وَنَفْسِهِ الشَّهْوَانِيَّةِ، وَنَفْسِهِ الْغَضَبِيَّةِ، وَجَوْهَرِهِ الْمَلَكِيِّ الْعَقْلِيِّ، فَتَجَلَّى الْحَقُّ سُبْحَانَهُ بِأَسْمَائِهِ الْخَمْسَةِ لِهَذِهِ الْمَرَاتِبِ الْخَمْسَةِ فَتَجَلَّى اسْمُ اللَّهِ
1 / 241