Madkhal Ila Cilaj Nafsi
مدخل إلى العلاج النفسي الوجودي
Genres
وخير مثال يوضح موقفنا إزاء هذا النوع من الإحساس بالذنب كما يتجلى في جلسات العلاج الوجودي هو الحالة التي أوردها ميدارد بوس (
1957b ). وهي حالة مريض بالوسواس القهري الشديد كان يعالجه بوس. وكان هذا المريض - وهو طبيب مصاب بغسل اليد القهري - قد أجري له من قبل تحليل نفسي فرويدي وآخر يونجي. وإذ كان يعاوده حلم يتضمن أبراج الكنيسة، فقد فسر له الفرويديون الأبراج كرموز قضيبية
phallic symbols ، وفسرها اليونجيون كرموز دينية بدئية
archetypal . لقد استطاع هذا المريض أن يشرح هذه التفسيرات بذكاء وإسهاب، غير أن سلوكه العصابي القهري - بعد توقف مؤقت - عاد ينتابه ويعوقه بنفس الشدة السابقة.
في الأشهر الأولى من التحليل مع بوس كان هذا المريض يروي حلما أخذ يعاوده في تلك الفترة. لقد كان في الحلم يقصد إلى دورة مياه لغسل يديه، وكلما بلغها وجد الباب منغلقا لا ينفتح. أما بوس فقد اقتصر على سؤال مريضه كل مرة: لماذا كان على الباب أن يكون منغلقا؟ ولماذا كان عليك أن تخشخش المقبض؟ وأخيرا رأى المريض في حلم له أنه فتح الباب فوجد نفسه داخل كنيسة. كان غائصا في الغائط حتى وسطه، وكان مشدودا بحبل مربوط حول وسطه وطرفه الآخر يؤدي إلى برج جرس الكنيسة. وقد بقي معلقا هكذا يعاني من الشد الرهيب بحيث ظن أنه سوف ينبتر. بعدئذ مر هذا المريض بنوبة ذهان دامت أربعة أيام لازمه خلالها بوس، ثم استأنف التحليل الذي انتهى بشفاء المريض.
يشير بوس إلى أن مريضه كان مذنبا. لأنه أغلق أو احتبس بعض الإمكانات الأساسية لديه؛ ولذا كان يحس بالذنب، «فأنت حين تحتبس إمكاناتك ولا تطلقها فأنت مذنب أو مدين تجاه ما أعطي لك في منشئك ... في صميمك. هذه الحال - حال كونك مدينا وكونك مذنبا - هي التي تتأسس عليها كل مشاعر الذنب كيفما اتخذت لها من أشكال عينية والتواءات لا تحصى تتبدى بها في الواقع المعيش.» فهذا المريض قد أوصد الباب أمام ممكنات الخبرة، سواء منها الجسدية والروحية (أو الجانب الدافعي والجانب الألوهي على حد تعبير بوس). سبق لهذا المريض أن تقبل التفسيرات القائمة على الليبيدو وعلى النماذج البدئية ووعاها تماما. غير أن هذا، في رأي بوس، لا يعدو أن يكون وسيلة جيدة للهروب من الأمر برمته. لقد فاته أن يقبل ويتولى هذين الوجهين (الدافعي والألوهي) ويدمجهما بوجوده. وهو لهذا السبب كان مذنبا تجاه نفسه ومدينا لها. هذا هو منبع مرضه، ومنشأ عصابه وذهانه. (4) أشكال العالم الثلاثة
ثمة مفهوم أساسي آخر في العلاج الوجودي يطلق عليه «الوجود-في-العالم»
being-in- the-world . ومفاده أننا يجب أن نفهم العالم الظاهراتي الذي فيه يوجد المريض ويشارك. فلكي نفهم عالم هذا الشخص أو ذاك يتعين علينا ألا نكتفي بوصف البيئة المحيطة به مهما تكن دقة هذا الوصف وشموله. فما البيئة غير شكل واحد من أشكال العالم. يقول عالم البيولوجيا ج. فون إكسكل
J. Von Uexkull : إن لنا أن نفترض بيئات بعدد ما هناك من حيوانات، فذلك أمر يتوقف على الطريقة التي تشارك بها النملة أو الفيل أو الثعلب في هذه البيئة. ويمضي إكسكل فيقول: «ليس هناك زمان واحد ومكان واحد، بل هناك من الأزمنة والأمكنة بعدد ما هناك من ذوات.» (ماي، وآخرون، 1958م). إن هذا القول يصدق على الإنسان «من باب أولى». فإلى أي حد يفوق الكائن الإنساني باقي الحيوانات في تفرد عالمه؟ ذاك سؤال يجبهنا بمشكلة صعبة؛ فلا نحن نستطيع أن نصف العالم وصفا موضوعيا خالصا، ولا العالم بقابل أن يختزل إلى مشاركتنا الذاتية والتخيلية في البنية القائمة حولنا، رغم أن هذه المشاركة هي أيضا جزء من «الوجود-في-العالم».
إن العالم الإنساني هو تلك البنية من العلاقات الدالة التي يوجد فيها الإنسان، والتي يشارك في تشكيلها (دون أن يفطن إلى ذلك عادة). ألسنا نرى أن ظروفا واحدة في الماضي والحاضر قد تعني لدى مختلف الأشخاص أشياء شديدة التباين؟ بلى، فليس عالم الشخص هو جملة الأحداث الماضية التي تحدد وجوده وجملة المؤثرات الحتمية التي تعتوره. إنما هو تلك المؤثرات والأحداث كما تتراءى له وتتمثل في وعيه. وهو تلك المؤثرات والأحداث كما يصوغها هو ويشكلها ويعيد تشكيلها على الدوام. فأن يعي المرء عالمه يعني في نفس الوقت أن يصوغه ويشكله ويركبه.
Unknown page