Madkhal Ila Cilaj Nafsi
مدخل إلى العلاج النفسي الوجودي
Genres
هذه هي خلاصة فكر هيدجر. نقبلها ونستضيء بها. ونشفع مفهومه للخسران باستدراك واجب، هو أن هيدجر لم ينف أبدا أن «الوجود-مع» هو وجه من وجوه الوجود، وشكل من أشكال عالم المرء، هو الذي يمده بأسباب العيش ويقدم له الأدوات التي يحقق بها ممكناته، حين يتعايش مع الآخرين بانفتاح وحضور متبادل لوجود تجاه وجود، في عالم اللقاء الأصيل الصادق وجها لوجه، ولن يتاح للإنسان أن يكتشف ممكناته ويحققها إلا في هذا العالم وجه ... عالم المعية والمشاركة والتعايش.
ليس هذا دفاعا عن هيدجر بل هو استدراك موجه إلى القارئ. فالحق أن فكر هيدجر عسير حلزوني لا يفهم إلا في كليته وتمامه، بحيث إن جل مصطلحاته وركائزه تفقد معناها إن هي أخذت على حدة، ولا تتحلى بالمعنى إلا في سياق المذهب الكلي وإطاره. أي إنها مصطلحات «محملة بالنظرية» مشحونة بها
theory-laden . وقد يطيب لبعض المتشدقين أن يتهم السيكولوجيا الوجودية بالأناوحدية
spolipsism
أي النظر إلى الفرد باعتباره متقوقعا في عالم نفسه ساقطا في بئر ذاته لا يدري شيئا عن عالم الفرد الآخر. فالذاتية في الفكر الوجودي لا تنفي «البينذاتية» بل تكملها وتقومها وتعيدها إلى نصابها الصحيح، والانفتاح الحقيقي المتبادل بين الذوات يجعل الظواهر الواحدة تشع وتفيض بنفس الأثر والمعنى على الجميع. فالوجود الإنساني ليس كهفا وليس قوقعا. إنه دائما مشاركة العالم مع الذوات الأخرى. ولن تكون هذه مشاركة حقيقية إلا بين ذوات حقيقية تعيش وجودا أصيلا، لا مجرد كتل هلامية بلا اسم ولا هوية، عبثا تلتئم وتنصهر دفعا للسأم وهروبا من الحرية ورعبا من الوحدة الصميمة وتعاميا عن حقيقة الوجود. (7) تأثير الفينومينولوجيا على علم النفس الوجودي
كان لنشوء المدرسة الفينومينولوجية في علم النفس أثره في بزوغ المدخل الوجودي، من حيث إن المنهج الفينومينولوجي هو المنهج الذي يتمسك به جميع المعالجين الوجوديين. وتتماهى الفينومينولوجيا أيضا مع مدرسة الجشطلت ومع الدراسات الحديثة للإدراك. وتعمد الطريقة الفينومينولوجية إلى الانخراط في وصف الظواهر السيكولوجية وصفا مفصلا مستنفدا مع وقف الفروض التفسيرية في ذات الوقت وتنحيتها جانبا، وإلى وصف الخبرة بلغة الخبرة، وتفسير الخبرة بلغة الخبرة. ولغة الخبرة فيها من العيانية والألفة أكثر مما فيها من التجريد والرطانة. لا تسعى الفينومينولوجيا إلى تفتيت الظاهرة إلى عناصر وأشلاء؛ بل تنصرف إلى فهم الخبرة كما تتراءى مباشرة على شاشة الوعي. إن خبرات مثل القلق واليأس والحب والحرية والمسئولية والرعب والدهشة والقرار من المستحيل أن تقاس كميا أو تختبر معمليا. إنها ببساطة توجد وتمثل. ولا سبيل إلى فهمها إلا كما تنوجد وتتمثل، ولا إلى تحليلها وتفسيرها إلا في أسلوبها الخاص في الحضور والتجلي. وقد طبق المنهج الفينومينولوجي أخيرا في علم النفس الاجتماعي وفي علم نفس الشخصية. وقد أفاد أولبورت
Allport
وماسلو
Maslow
وروجرز
Unknown page