Madina Fadila Cabr Tarikh
المدينة الفاضلة عبر التاريخ
Genres
إن التناقضات الكامنة في معظم اليوتوبيات ترجع لهذا الأسلوب التسلطي. فقد زعم مؤسسو اليوتوبيات أنهم منحوا الحرية للشعب، ولكن الحرية التي منحوها توقفت عن أن تكون حرية. وكان «ديدرو» هو أحد كتاب اليوتوبيا القلائل الذي أنكر على نفسه حتى الحق في أن يعلن أن لكل فرد أن يفعل ما يريده، غير أن أغلبية مؤسسي اليوتوبيات تشبثوا بأن يبقوا أسيادا في دولهم المتخيلة. فبينما يزعمون أنهم يمنحون الحرية لشعوبهم، تجدهم في نفس الوقت يصدرون مجموعة من القوانين التي يتعين اتباعها بصرامة. فهناك المشرعون للقوانين، والملوك، والقضاة، والكهنة، ورؤساء الجمعيات الوطنية في يوتوبياتهم، ومع ذلك فبعد أن أعلنوا أنهم قد سنوا القوانين، ونظموا شئون الزواج وأمور السجن وإجراءات الإعدام، ظلوا على ادعائهم بأن الشعب حر يفعل ما يريد. ومن الواضح كل الوضوح أن توماسو كامبانيلا تخيل نفسه «الميتافيزيقي الكبير » في مدينة الشمس، وأن بيكون جعل من نفسه الأب الراعي ل «بيت سليمان»، وكابيه نصب نفسه المشرع في جزيرته إيكاريا، وعندما كان لديهم ذكاء توماس مور، كانوا يعبرون عن أشواقهم الخفية بتهكم شديد: «لا يمكنك أن تتخيل كم أنا مبتهج.» هكذا كتب توماس مور لصديقه إرازموس، «ولا كيف تعاظمت ورفعت رأسي عاليا، ودائما ما كنت أتصور نفسي في دور الحاكم الأعلى ليوتوبيا، بل إنني تخيلت نفسي أختال في مشيتي وفوق رأسي تاج من سيقان الذرة، لابسا عباءة راهب فرنسسكاني، وحاملا في يدي سنبلة من الشعير أشبه بصولجان، ومحفوفا بحشد كبير من أبناء شعب أموروت.» وأحيانا يضطر أناس آخرون إلى إبراز تهافت أحلامهم، كما نجد جونزالز
Gonzales
في مسرحية «العاصفة» لشكسبير عندما يقول لرفاقه في دولته المثالية التي أراد تأسيسها على جزيرته:
جونزالز :
أنا الدولة، وسوف أنجز كل شيء عن طريق الأضداد.
لن أسمح بأي نوع من أنواع التجارة،
ولا باستخدام قاض،
والأدب لن يسمح بالاطلاع عليه،
ولن يكون ثمة غنى ولا فقر ولا خدمات،
لا عقود، ولا توريث، ولا حدود للأراضي،
Unknown page