Madina Fadila Cabr Tarikh
المدينة الفاضلة عبر التاريخ
Genres
ميلا، وقد يزيد في بعض الأماكن، كما هو الحال في المدن التي تفصل بينها مسافة أكبر مما تفصل بين غيرها. ولا تسعى أي مدينة من هذه المدن إلى توسيع رقعتها، لأن أهلها يعتبرون أنفسهم زراعا أكثر منهم ملاكا لها.»
24
ويتكون عدد سكان كل مدينة من حوالي مائة ألف نسمة، يقسمون لأغراض انتخابية وإدارية، إلى أربعة قطاعات، كما ينقسم كل قطاع إلى مجموعات مكونة من ثلاثين أسرة. وتنتخب كل ثلاثين أسرة سنويا حاكما لها تطلق عليه اسم السيفوجرانت. وكل عشرة سيفوجرانت بعائلاتهم يحكمهم ترانيبور ينتخب سنويا ولا يغير إلا لسبب معقول. والمجموع الكلي للسيفوجرانت، الذين يبلغ عددهم مائتي فرد ويشكلون نوعا من مجلس الشيوخ، يعين أمير المدينة من أربعة أشخاص سبق أن رشحهم الشعب، ويحتفظ الأمير بمنصبه مدى الحياة، ما لم يشك في نيته أن يصبح طاغية. ويساعد الأمير مجلس أو هيئة مؤلفة من عشرين ترانيبور أو اثنين من السيفوجرانت: «وتجري المشاورات بين الحاكم والرؤساء الأوائل (الترانيبور) مرة كل يومين، وأحيانا أكثر من ذلك، إذا اقتضى الأمر. وهم يتشاورون مع الأمير بشأن أمور الدولة. فإذا نشأ خلاف بين فردين من أفراد الشعب وقلما يحدث ذلك، فإنهم يسوونه دون إبطاء. وينضم إلى المجلس اثنان من الرؤساء، يتغيرون يوميا. ولا يعتمد أمر من أمور الدولة ما لم يناقش في المجلس ثلاثة أيام قبل صدور القانون. أما مناقشة الأمور المتصلة بالمصلحة العامة خارج مجلس الشعب فتعد جريمة من الدرجة الأولى.
25
ويقولون إن الهدف من هذه الأنظمة هو منع أي تآمر بين الحاكم والرؤساء الأوائل (الترانيبور)، أو منع أي ظلم أو استبداد بالشعب يؤدي بسهولة إلى تغيير نظام الدولة. ولذلك يعرض كل ما يعد أمرا مهما من أمور الدولة على مجلس الرؤساء، الذين يتشاورون بعد أن يعرض الأمر على جماعات الأسر، يعرضه كل رئيس على مجموعته، ثم يبلغون قرارهم إلى المجلس، وأحيانا يعرض الأمر على المجلس الأعلى للجزيرة كلها.»
26
ويبدو أن اختيار الحكام يتم بناء على الثقة التي تمنحها إياهم الأسر التي تنتخبهم، أكثر مما يتم على أساس معرفتهم ومواهبهم العقلية. ومع ذلك فهناك ما يدل على الاهتمام الخاص بالمعرفة عند اختيار الكهنة والترانيبور والأمراء، سواء اكتسبوا هذه المعرفة من العلماء أو من أرباب الحرف: «ويستمتع بهذا الإعفاء أيضا أولئك الذين سمح لهم الشعب، بناء على توصية من الكهنة، ونتيجة للاقتراع السري لرؤساء المدينة، بإعفاء دائم من العمل، ليتفرغوا لدراسة فروع المعرفة المختلفة دراسة تامة، أما إذا ثبت أن أحد هؤلاء الدارسين لا يحقق الآمال المعقودة عليه، فإنه يعاد ثانية إلى مصاف العاملين. ومن ناحية أخرى، كثيرا ما يحدث أنه حرفيا يقضي ساعات فراغه في الدراسة ويحقق باجتهاده تقدما ملموسا، فيعفى من عمله اليدوي، ويرفع إلى طبقة رجال العلم. ومن بين جماعة الدارسين هذه يختار أهل يوتوبيا السفراء والكهنة، والرؤساء الأوائل أو الترانيبور، وأخيرا الحاكم أو الأمير ذاته، والذي كانوا يدعونه في لغتهم القديمة بارزينيس، أما في لغتهم الحديثة فيسمونه آديموس.»
27
والأسرة في «يوتوبيا» ليست فقط هي الوحدة السياسية وإنما هي أيضا الوحدة الاقتصادية للمجتمع: «لما كانت المدينة تتكون من أسر، فالأسرة تتكون من أولئك الذين تربط بينهم رابطة الدم. فالفتيات، عندما تكتمل أنوثتهن ويتزوجن، يذهبن إلى بيوت أزواجهن، أما الأبناء الذكور، ثم الأحفاد، فيبقون في الأسرة ويخضعون لأكبر الآباء سنا، إلا إذا شاخ وخرف، وفي هذه الحالة يخلفه من يليه سنا. وحتى لا يزيد عدد سكان المدينة أو ينقص عن الحد المعين، فمن المقرر ألا ينقص عدد البالغين في كل أسرة عن عشرة أو يزيد على ستة عشر، وهناك ستة آلاف أسرة في كل مدينة، فيما عدا الأراضي المحيطة بها. أما فيما يتعلق بالأطفال تحت السن المحددة، فليس هناك عدد محدد، بالطبع. ويمكن مراعاة هذا الحد بسهولة عن طريق نقل أولئك الذين يزيدون على العدد المحدد في العائلات الكبيرة إلى تلك التي تقل عنه ...
يحكم الأسرة أكبر الأفراد سنا، وتسهر الزوجات على راحة أزواجهن، ويسهر الأبناء على راحة آبائهم، وباختصار يسهر الأصغر سنا على راحة الأكبر. وتقسم كل مدينة إلى أربع مناطق متساوية وفي وسط كل منطقة سوق لجميع المنتجات. وتحضر كل أسرة منتجاتها إلى مبان معينة بالسوق. ويوضع كل نوع من السلع في مخازن مستقلة. ومن هذه يأخذ رب كل أسرة كل ما يحتاج إليه هو وأسرته ويحمله معه دون دفع مال أو بديل.»
Unknown page