Madina Fadila Cabr Tarikh
المدينة الفاضلة عبر التاريخ
Genres
قال وهو يبتسم في سخرية: «وما مقدار ما تعرفه الآن من الحساب والرياضيات؟»
قلت: «يؤسفني أن أقول لا شيء على الإطلاق.»
ضحك هاموند بهدوء، ولكنه لم يعلق بشيء على اعترافي، فرأيت أن أسقط موضوع التعليم، بعد أن أدركت أنني لن أفوز منه بأي طائل.»
17
ويعبر الضيف بعد ذلك عن دهشته لسماع ما قاله هاموند حول الشئون المنزلية: ««ذكرني هذا بالعادات التي درج عليها الناس في العهود الماضية، وكنت قد تصورت أنكم فضلتم أن تعيشوا حياة عامة ومشتركة.»
قال: «حياة الفالنسترات (الجماعة التعاونية)؟ حسنا، نحن نعيش بالطريقة التي نحبها، ونحب كقاعدة أن نحيا مع أعضاء أسرة معينة اعتدنا عليها. تذكر مرة أخرى، أن الفقر قد اختفى، وأن «فالنسترات» فورييه وما يجري مجراها كانت أمرا طبيعيا في ذاك الوقت، ولم تكن أكثر من ملاذ من الفاقة والعوز. إن مثل هذه الطريقة في الحياة لم تكن لتخطر إلا على بال أناس محاطين بأسوأ أشكال الفقر. ولكن يجب أن تفهم أنه على الرغم من أن الحياة في أسر مستقلة هي القاعدة بيننا، وعلى الرغم من اختلافها بصورة أو أخرى في العادات، فإن الباب لا يغلق في وجه أي شخص يتمتع بمزاج طيب ويقنع بأن يعيش كما يعيش بقية أفراد الأسرة، وليس من المعقول بطبيعة الحال أن يهبط شخص على إحدى العائلات، ويطلب من أفرادها أن يغيروا عاداتهم لكي يرضوه، ما دام بإمكانه أن يذهب لأي مكان ويعيش كما يحلو له».»
وبعد أن استمع إلى الرجل العجوز وهو يصف لندن الجديدة التي أزيلت منها الأحياء الفقيرة القذرة، حلت محلها المروج الخضراء أو البيوت الجميلة التي تحيط بها الحدائق، أراد الزائر أن يعرف شيئا عن المدن الأخرى ... ورد هاموند على سؤاله قائلا: ««بالنسبة للأماكن الكبيرة المظلمة التي كانت ذات يوم، كما نعلم، مراكز للصناعة، فقد اختفت من لندن شأنها شأن الأماكن المهجورة التي كانت مكدسة بالآجر والملاط. ولأنها لم تكن سوى مراكز للصناعة فحسب، ولم تقم إلا لخدمة أسواق القمار، فلم تترك وراءها أي أثر يدل عليها كما هو الحال مع لندن. وطبيعي أن التغير الكبير الذي حدث بسبب استخدام القوة الآلية (الميكانيكية) جعل هذا الأمر هينا، كما أن التفكير في إزالة هذه المراكز كان أمرا واردا حتى ولو لم نغير عاداتنا لنصل إلى الحد الذي وصلت إليه، ولكن وجودها بالصورة التي كانت عليها، هو الذي أقنعنا بألا نستكثر أي تضحية في سبيل التخلص مما اصطلح على تسميته ب «المناطق الصناعية ». أما ما تبقى بعد ذلك لسد احتياجاتنا من الفحم والمعادن والعلف فهو يعبأ ويرسل إلى الجهات التي تطلبه بأقل قدر ممكن من القذارة، والفوضى والمآسي التي جلبتها على البسطاء من الناس ...
وأما المدن الصغرى فكانت أعمال الإزالة فيها قليلة بالنسبة لزيادة الإعمار. وقد ذابت ضواحيها - في الحالات التي وجدت فيها ضواحي - في المناطق الريفية، وتم توسيع مراكزها بصورة ملحوظة، ومع ذلك فلم تزل هذه المدن قائمة بشوارعها وميادينها وأسواقها، بحيث يمكننا نحن أبناء هذه الأيام أن نكون فكرة عن حالة المدن الصغيرة في العهود الخالية، أعني في أفضل أحوالها.
بهذا نقف على حقيقة الموقف في إنجلترا التي كانت ذات يوم بلدا قائما وسط مساحات شاسعة من الغابات والأراضي البور، مع عدد قليل من المدن المتناثرة التي كانت قلاعا لجيوش الإقطاعيين، وأسواقا شعبية، وأماكن تجمع للحرفيين، ثم صارت بعد ذلك بلدا يضم ورشا ضخمة وقذرة، وأوكار قمار أقذر، تحيط بها مزارع مهملة موبوءة بالفقر ومنهوبة من قبل أصحاب الورش. لقد أصبحت الآن حديقة كبيرة، لا يهدر فيها شيء ولا يتلف شيء، وتتوافر فيها المساكن الضرورية، والورش الصناعية المتناثرة من شمالها إلى جنوبها، وكلها أنيقة ونظيفة وجميلة.»
قلت: «لا شك في أن هذا تغيير نحو الأفضل. ومع أنني سأشاهد بعض هذه القرى بعد قليل، فأرجوك أن تصف لي حالتها في كلمة أو كلمتين، وذلك لكي أهيئ نفسي لذلك.»
Unknown page