إن إعلاء العقل حتى يصبح الحكم الأول في الحياة أمر مستحيل في الجماعات الهمجية لأسباب عدة، لعل من أوضحها أن الظروف في الجماعات الهمجية شديدة التقلب، وتنازع البقاء - على وجه العموم - جاد جدا لا يسمح بصورة إخضاع غريزتي الاحتفاظ بالذات والاحتفاظ بالأسرة. والواقع أن الرجل الذي يحمل البندقية أحسن إعدادا - إلى درجة كبيرة - لحفظ الذات من الرجل الذي يحمل الهراوة. غير أن الرجل الهمجي لم يعش قط في تلك الظروف التي تشجع على ذلك التأمل المتواصل النافذ الذي يستطيع وحده أن يؤدي إلى مخترعات ميكانيكية معقدة كالبندقية. والهمجي الذي يقف لكي يفكر يتعرض بدرجة قصوى إلى خطر الوقوف الأبدي. ولذا فإن شأنه شأن الطيور وشأن سيرجون فولستاف، يعمل بإملاء الغريزة. وهو يعتمد على الغريزة إلى حد لا يجعل للعقل سوى فرصة يسيرة جدا لكي يكون ذا أثر فعال. إن إعلاء الغرائز قاتل للعقل، وكذلك لا يمكن للمتوحشين أن يتصفوا بإحساس رقيق للقيم، فإنك لن تجد رجلا من الإسكيمو يمكنه أن يدرك أن القيمة البعيدة للأنشودة أكبر من قيمة البيضة المحمرة؛ لأن القيمة المباشرة عنده للبيضة المحمرة محسوسة جدا وضرورة ماسة. ومن العبث أن تبين لرجل يعيش معرضا في حاضره للموت جوعا أو من برد الصقيع أن التربية الحرة أرقى من التربية العملية البحت؛ إذ لا بد له قبل أن يقدر لبعض الحالات العقلية قدرها أن يكون على درجة من الأمان لشخصه. ومن ثم كانت أحكام المتوحشين غريزية جدا، وعقائدهم تقليدية، وأذواقهم تستند إلى تجارب معدودة لا تسمح بدقة التمييز. والرجل الهمجي الذي يبدأ في نقد عادات قبيلته وتقاليدها نقدا عقليا سرعان ما يقضي على وجوده ويقضي على همجيته، فقد خطا نحو المدنية خطوة كبيرة. وكذلك يخطو نحو المدنية خطوة كبيرة من يبدأ في إدراك أن قيمة الأشياء الحقيقية في قيمتها كوسائل لحالات معينة من العقل، حتى إن كان إدراكه هذا على كثير من الغموض. ولكن طالما بقي الإنسان على الطبيعة، يسير وراء غرائزه، فلن يتقدم نحو المدنية. إن المدنية وليدة التأمل والتربية. إنها مصطنعة.
مميزاتهم: الإحساس بالقيم
لو سألت اثني عشر رجلا متعلما تعليما كافيا (ولعلي أصبحت مملا بعض الشيء في استعمال هذه الصفة «متعلم»، ولكني إن تخليت عنها أضعفت حجتي) لو سألتهم أن يعينوا لك أبرز صفة في العقل الأثيني، فمن المحتمل أن يجيبك منهم أحد عشر بأنها «حب المعرفة» أو «الحق» أو «الاستطلاع» أو «الإيمان بالعقل» أو المعقولية أو ما يشبه ذلك. أما الثاني عشر فبروح المدقق المتعالي ربما أكد لك أن ما يجعل الأثيني أثينيا (من أتكا) هو إحساسه بالقيم إحساسا دقيقا، بل إن الأحد عشر رجلا - بعد أن تهدأ غضبتهم التي نلتمس لهم فيها المعذرة - يكادون أن يتفقوا قطعا أنهم جميعا محقون، وأن التعقل والإحساس بالقيم صفتان توأمان لأثينا في مجدها. والكلمتان اليونانيتان اللتان تعنيان «التعقل الحلو» و«الجد الملائم» كانتا هما الصفتين اللتين تميزتا بهما الحياة والفكر والفن الإغريقي - كما يتعلم ذلك كل صبي يبدأ في تعلم المواد الكلاسيكية- والصفة الأولى هي العقل يحليه الإحساس بالقيم، والثانية هي الإحساس بالقيم يثبته العقل ويحدده، بل إن كلمة كلاسيكي ذاتها ومعناها الأول في قاموسي: «ما يتعلق باليونان القديمة أو روما (التي تحاكيها)»، هذه الكلمة تؤدي معنى التعقل والتذوق، وهاتان الصفتان، وما تولد عنهما، اللتان كانتا الصفتين المميزتين لأثينا، سوف نجد أنهما كذلك - ما لم أكن مخطئا - ميزتا كل عصر من عصور المدنية الراقية.
إنا جميعا نتحدث عن تقدير أثينا للفن والفكر، وقصة النحات الذي اتهم بتعذيب شاب - والتعذيب في أعين الأثينيين كان جريمة شنيعة - وأقر على نفسه الاتهام، ولكنه قدم دفاعا عن نفسه التمثال الرائع الذي عاونه في إخراجه ما عاناه نموذجه الحي، فحكم عليه بالبراءة، أقول: إن هذه القصة - وإن تكن خرافية - توضح الأثر الذي تركه على مر العصور حب الأثينيين للجمال. وفي لزبس كانت صورة سافو - وهو الاسم الذي يذكر بالاشمئزاز في أرفع البيوت الإنجليزية - تزين قطع العملة؛ لأن أهل لزبس كانوا يعدون «أعلى رأس في الغناء» أسمى أمجاد الدولة. وأذكر عرضا أن رأس سلفاتور روزا - المصور الوحيد، لا أقول الذي كان ممتازا، بل أقول الذي كان معروفا، ممن أنجبتهم نابلي - لا يزال يزين العملة الورقية التي يصدرها بنك نابلي، وهذا أثر جميل للمدنية الإيطالية نتبينه في جلاء. وتقدير أثينا للأمور العقلية ظاهرة معروفة ساءت سمعتها. فقد كان من أعمالهم الرئيسية أن يناقشوا أية مشكلة تدور برءوسهم نقاشا عقليا عنيفا حرا. يقول ميشليه: «إن هذا الشعب الضاحك المتطلع يقدر السخرية السقراطية أكثر مما يقدر أي لعبة رياضية». ومن ذا الذي يستطيع أن ينسى ذلك الأمر العجيب الذي وقع في أثينا عام 404ق.م. وهو تمثيل لسستراتا على مسرح الدولة وعلى حساب الشعب؟ لم تكن أثينا في ألم مما يمكن وصفه الآن وصفا صادقا بالنضال في سبيل الحياة أو الموت فحسب، بل كانت كذلك تعاني الكارثة الساحقة التي لحقتها من سرقسطة مما أدى إلى انهيارها فيما بعد نهائيا. وكانت حمى الحرب على أشدها. وبرغم ذلك قدمت الدولة في أثينا على مسرح الشعب وعلى حساب الشعب هذه المسرحية المتطرفة في معارضتها للروح الحربية والروح الوطنية. ولم يكترث أحد بالسخرية من الجيش والاستهتار بالعواطف الوطنية والاستهزاء بمن يتعقبون الجواسيس ويلتهمون الأسبرطيين، ونقد زعماء الديمقراطية نقدا لا هوادة فيه. وإنما كان الناس يتساءلون: هل لسستراتا أفضل كوميديا في هذا العام؟ إن كانت كذلك فينبغي أن تظفر بالجائزة وأن يشهد الجمهور تمثيلها، وقد مثلت. ولا أستطيع أن أذكر حادثا في التاريخ يدل على الإحساس العام بالقيم أكثر من هذا جلاء.
وفي أثينا كانت الأموال التي تخصص للمسرح مقدسة لا يجوز المساس بها. وربما لم يكن من غير الطبيعي لشعب يستطيع أن يقدر أعمق المآسي وأدق الملاهي أن يجعل للفن النصيب الأول من خزانة الدولة. ولم يبخل المواطن الذي كان يعيش في بيئة ساذجة، يعتبرها عامل المناجم في إنجلترا محطة بكرامته الإنسانية، لم يبخل بشيء ينفق على إخراج المسرحيات، وإقامة التماثيل، أو إنشاء المعابد. ويذكرني هذا بشيء كان ينبغي لي أن أذكره في الفصل الأول. وذلك أن الراحة من بين الأشياء الكثيرة التي ليست بالمدنية. إن عيشة المتوحشين حياة لا راحة فيها لا تدل على شيء. ولست أقول إن انعدام الراحة دليل على المدنية، ولكني أقول إن الراحة ليست من مميزاتها، فقد كانت حياة الأثيني - برغم غزارتها وتعقيدها في الفكر والشعور - في أكثر النعم المادية - ناقصة بدرجة مشينة. إن المدنية - كما يفهمها رجل السوق - لم يحقق الأثينيون منها شيئا. ويسرني أن أعرف أن المستر ولز بلغ به الصدق أن يقر باحتقاره لهذا الشعب الذي لم يتهذب. إن أغنى المواطنين كثيرا ما كانوا ينامون فوق مقاعد حجرة الطعام - وكانت في الكثير الغالب مقاعد خشبية - لا يتلفعون إلا في معاطفهم كالكثيرين من ركاب الدرجة الثالثة. وكانت بيوت الأثينيين صغيرة، مبسطة، تخلو من أدوات توفير العمل اليدوي. ولم تكن هناك أسباب للراحة المنزلية. والأثاث والأدوات المنزلية شحيحة ساذجة، تثير الإشفاق وحب الرعاية والحنق عند جامع القمامات الذي يحس إحساسا طبقيا. ولم يكن عدم الاكتراث بالراحة هذا خاصا بالمواطنين أصحاب المدنية الرفيعة في أثينا. فمن ذا الذي لم يسمع السائحين الإنجليز والأمريكان يعيبون على القصور الإيطالية ما فيها من أسباب انعدام الراحة ووجود التيارات الهوائية في الحجرات وقلة وسائل التستر؟ كانت النهضة تتميز بالترف والفخار، ولكنها لا تعني إلا قليلا بالراحة. ولم تصبح للراحة أهميتها إلا بظهور الطبقة المتوسطة. وفي القرن الثامن عشر احتفظت الأرستقراطية الفرنسية بتقليد العناية بالطراز مع إهمال ما كانوا يسمونه «بالراحة الإنجليزية». وقد عمت الشكوى منذ ثلاثين عاما من أن السياحة في فرنسا كان يفسد متعتها انعدام أسباب الراحة المنزلية. أنهم يغيرون كل ذلك الآن، وليس هذا - على أية حال - من شأني في الوقت الحاضر. وما يهمني أن أذكره هو أن عدم الرغبة عند المتحضرين في تضحية الطراز في سبيل الراحة نتيجة لا مفر منها للإحساس بالقيم.
وليس ما كان يضفيه الإيطاليون لعهد النهضة من شرف زائد على الشعراء والمصورين والفلاسفة والعلماء بأقل اشتهارا من حب الأثينيين للجمال وللتعقل. وكان أهل فلورنسة - وهم في ذلك الوقت أشد الأوروبيين تحمسا للسياسة - يحسون أن فنهم هو أعظم مجد من أمجاد دولتهم. وفي تسكانيا كان القوم يتجادلون في مزايا المصورين والنحاتين كما يفعل أهل يوركشير بالنسبة للاعبي الكرة وراكبي الخيول. ولا تستطيع إيطاليا بأسرها أن تقدم لبترارك وبوكاشيو وبرونليشي ومانتجنا وبمبو وببيينا وبوليتان وأريستو ورفائيل وميشيل أنجلو وتيتان ما يستحقون من تقدير. وليس من المبالغة - حقا - أن نقول: إن الايطاليين في أوائل القرن السادس عشر - على الأقل في روما وفلورنسة - قد اعتبروا رفائيل وميشيل أنجلو أرقى مظهر من مظاهر العبقرية في بلادهم، وذلك برغم معرفتهم وتقديرهم لشخصيات ممتازة مثل لورنزو العظيم، وسافو نارولا، وقيصر بورجيا، ويوليوس الثاني، وليو العاشر. كان الرجال من أمثال رفائيل وميشيل أنجلو يفوقون الملوك والأمراء في تقديرهم. وأهم من ذلك أن الفن - وأقول الفن ولا أقول الفنانين - كان يتفوق على التجارة والسياسة والحرب في التقدير، ودعني أقرر توا أن الولاء للأفراد كان مفرطا، في حين أن تقدير الفن والفكر كان عادلا كما كان عظيما. فكيف لا يمكن لعصر كان من إحدى خصائصه المبالغة في تقدير الفرد أن يؤله عظماء رجاله؟ ولم تكن المبالغة في تقدير الشخصية كذلك أمرا لا محل له بين قوم لم ينقض عليهم طويل وقت منذ تخلصهم من ظلم العصور الوسطى ومعرفتهم - في عبارة ليون باتستا البرتي - أن «الناس يستطيعون القيام بأي عمل إن أرادوا» وقد رزحت أوروبا خلال ألف عام ثقيلة تحت عقيدة تحتم على الإنسان أن يعتبر نفسه مخلوقا مرذولا بائسا يعجز بطبيعته عن التفكير أو الإحساس أو العمل السليم. كان الإنسان يلقن في غضون ألف عام أن إنسانيته ممقوتة، وتقرير شخصيته جريمة كبرى. أما الآن فبعد اكتشاف الفن والفكر الإغريقي بغتة، فقد أدرك أن الإنسان هو مقياس كل شيء، وأنه يستطيع - بل ينبغي - أن يفكر وأن يشعر وأن يعمل لنفسه، وأن عليه أن يخلق لنفسه، ظروفه، وأن يتسلط على الطبيعة بابتداع التجارب الواسعة والأخذ بها. فأي عجب إذن إذا كان المرء بعد أن أدرك بغتة أن الإنسان في العالم القديم كان سيد مصيره، وأن بوسعه أن يكون كذلك في العالم الجديد، وأن العقل البشري هو وحده الفيصل فما هو حق، وأن إرادة الإنسان تستطيع أن تصنع القوانين والتقاليد كما تستطيع أن تتحلل منها، وأن تغير ما كان يبدو أنه نظام الكون الذي سبق تقديره - أقول أي عجب إذا كان الإيطاليون لعهد النهضة، بعد أن أثملهم ما كشفوا من أن الإنسان هو سيد كل شيء ومعيار كل شيء، يكرمون إلى حد يقرب من التقديس تلك المثل الرائعة من بني جلدتهم الذين تقع عليهم أعينهم، وهم يخلقون الجمال، ويشتتون الجهالة، وتفيض بهم القوة، فيغيروا ظروف الحياة نفسها ويزيدون من خصب مشتملاتها.
إن إيطاليا لعهد النهضة - في إحساسها بالأهمية القصوى للفن والفكر، وهي أولى النتائج وأصدقها للإحساس بالقيم - تكاد لا تقل في ذلك عن أثينا شأنا. وسيبقى شعارها أبدأ «أن ليس في هذه الدنيا ما هو أعظم من حب الفنون، ومن حب ما يتعلق بالروح، ومن حب هؤلاء الذين نحبهم». ومع أن الاتجاه العقلي في القرن الثامن عشر لم يختلف عن هذا الاتجاه في أساسه، إلا أن هذا العصر كان على خلاف مع النهضة أو عصر بركليز في ناحية واحدة هامة. لم يكن القرن الثامن عشر عصر ابتكار إلى درجة كبيرة. وإنما جاء الدافع إلى الخلق قبل ذلك - في القرن السابع عشر . أما الفترة المتأخرة حينما بلغت المدنية أوجها فقد كانت أميل في اتجاهها إلى ناحية التأمل والتدبر. وهنا دليل آخر على أن الصفة الأساسية للمجتمع المتمدن مدنية رفيعة ليست في القدرة على الابتكار، وإنما هي حسن التقدير. فالشعوب الهمجية تبتكر في عنف شديد. ولقد كان القرن الثامن عشر يدرك أهمية الفن. وكان ذوقه نقيا، وإن يكن محدودا. وكان يستطيع دقة التمييز في الفنون الصغرى والفنون المنزلية. والأغنياء يقبلون على أداء ما يكلفه الجمال لا بالمال فحسب، ولكن بالوقت وتحمل المشقات كذلك. وكان الموسرون من الرجال والنساء في القرن الثامن عشر يهذبون أذواقهم. أما الفقراء - كما سوف أبين فيما بعد - فيسهمون إيجابا في بناء صرح المدنية بما يؤدون من عمل، ويسهمون فيها سلبا بمقدار ما تتلون آدابهم وعاداتهم وآراؤهم وعواطفهم بآثارها - وذلك لأن الفقر معناه عدم التحرر وعدم التعلم. ولو أردنا أن نتلمس الصفات الإيجابية الأكيدة للمدنية، فمن العبث أن نبحث عنها عند العبيد الأثينيين أو الفلاحين الفرنسيين. وإلى أي حد يمكن في المستقبل لمجموع السكان أن يتمدحوا موضوعا لا بد لي أن أستبقيه للفصل الأخير.
والآن أعالج القرن الثامن عشر، وهو عصر ومضت فيه النار في الطبقات العليا وأرسلت أشعتها إلى المتقدمين من الطبقة الوسطى وربما ألقت شيئا من دفئها على من دونهم من تلك الطبقة، ولا أحسب أنها سرت إلى أبعد من ذلك وإن كان بكل - الذي يمكن أن نعده حكما عدلا لم يتحيز لعصر غير عصره - يرى «أن إحدى الصفات الأساسية للقرن الثامن عشر، وهي صفة ميزته قبل كل شيء عن كل ما سبقه، تعطش للمعرفة من جانب تلك الطبقات التي حبست عنها المعرفة حتى ذلك الحين».
1
كانت المعرفة هي أكبر الأماني: كان القرن الثامن عشر يقدر الفن، بيد أنه - برغم هذا - توجه بأقصى حماسته نحو ما يتصل بالعقل من أمور. لقد تفوقت أثينا في الأدب، وفي الفنون التشكيلية، والعلوم، والفلسفة. وكانت حماستها لكل ذلك لا تحد. أما النهضة التي تفوقت في الفن المنظور وفي الدراسات فقد وجهت أشد إعجابها إليهما. في حين أن قلب القرن الثامن عشر السمح خضع لنفس الغريزة، وكان أشد ما اهتز له ما حققه العقل المتأمل، فبرزت في الصدارة البحوث الرياضية والفلسفية والعلمية، وفي عصر كان يفخر بحب البشرية تعمق هذا القرن بطبيعة الحال في علوم السياسة والاقتصاد - وهي دراسات ما عتمت في طفولتها الغضة الجذابة - إذ اعتقدوا - وربما لم يكن ذلك على غير أساس من العقل - إن في ثنايا هذه العلوم تكمن المفاتيح التي سوف تفتح أبواب العالم المثالي في يوم من الأيام. إن قصة شهرة دافيد هيوم في باريس تعطينا فكرة عن تهذيب المجتمع، فإن تعيينه سكرتيرا للسفارة البريطانية كان حدثا دوليا. باريس بأسرها كانت عند قدميه، وربما أغضب ذلك مستر والبول قليلا، الذي يبدو أنه أحس أن هذا المجتمع الرفيع المدنية ربما لم يقدر جودة النطق والعلاقات الأرستقراطية حق قدرها. ولن أؤكد هنا التكريم الذي ناله فلتير وبفون أو ذكرى نيوتن. غير أني لا أتردد في أن أذكر قرائي بأن هؤلاء السيدات والسادة الفرنسيين كانوا بالفعل يقرءون للمؤلفين الذين يعجبون بهم.
Unknown page