Mabarhanat Firma Akhira
مبرهنة فيرما الأخيرة: المعضلة التي حيرت عباقرة الرياضيات لقرون
Genres
كان جومبو منهمكا في لعبة نقاط مع زميل مقامر له حين اضطرا إلى التوقف عن اللعبة في منتصفها بسبب موعد مهم. وكانت المعضلة التي طرأت هي ما يمكن فعله بشأن نقود الجائزة. كان الحل الأبسط ليتمثل في إعطاء نقود الجائزة إلى المنافس الذي حاز على العدد الأكبر من النقاط، لكن جومبو قد سأل باسكال عما إذا كانت هناك طريقة أكثر عدلا لتقسيم النقود. كان على باسكال أن يحسب احتمالات فوز كل لاعب إن كانت اللعبة قد استمرت، وبافتراض أن كلا اللاعبين كانا يتمتعان بفرصة متساوية في الفوز بنقاط تالية. ويمكن حينها تقسيم نقود الجائزة وفقا لهذه الاحتمالات المحسوبة.
قبل القرن السابع عشر، كانت قوانين الاحتمالات تحدد وفقا لحدس المقامرين وخبرتهم، غير أن باسكال قد بدأ في تبادل الرسائل مع فيرما؛ بهدف اكتشاف القواعد الرياضية التي تصف قوانين الصدفة بدرجة أكبر من الدقة. وبعد ذلك بثلاثة قرون، سيعلق برتراند راسل على هذا التناقض قائلا: «كيف نجرؤ على الحديث عن قوانين الصدفة؟ أوليست الصدفة هي نقيض أي قانون؟»
حلل الفرنسي سؤال جومبو، وسرعان ما أدرك أنها مسألة بسيطة إلى حد كبير ويمكن حلها من خلال تحديد جميع نتائج اللعبة المحتملة على نحو دقيق وتعيين احتمال واحد لكل نتيجة منها. كان يمكن لكل من باسكال وفيرما أن يحلا معضلة جومبو على حدة، لكن تعاونهما قد سرع من اكتشاف الحل، وقادهما إلى استكشاف أعمق لأسئلة أخرى أكثر دقة وتعقيدا تتعلق بالاحتمالات.
إن مسائل الاحتمالات تكون مثيرة للجدل في بعض الأحيان؛ لأن الإجابة الرياضية، وهي الإجابة الحقيقية، غالبا ما تكون مناقضة لما قد تفترضه البديهة. وربما يكون عجز البديهة في هذا الأمر أمرا مفاجئا؛ إذ إن «بقاء الأنسب» قد طرح ولا بد ضغطا تطوريا قويا لصالح العقل القادر بطبيعته على تحليل مسائل الاحتمالات. يمكننا تخيل أسلافنا يترصدون غزالا صغيرا، ويوازنون بين الهجوم وعدم الهجوم. ما احتمالية وجود غزال كبير بالجوار مستعد للدفاع عن صغيره، وجرح المعتدين عليه؟ وعلى الجانب الآخر، ما احتمالية توفر فرصة أفضل للحصول على وجبة من اللحم، إذا كان الحكم بشأن هذه الوجبة هو أنها خطرة للغاية؟ يجدر بموهبة تحليل الاحتمالات أن تكون في تركيبتنا الوراثية، غير أن البديهة غالبا ما تضللنا.
إن إحدى مسائل الاحتمالات الأكثر تناقضا مع البديهة تختص باحتمالية تشارك يوم الميلاد. تخيل ملعب كرة قدم به 23 فردا هم اللاعبون والحكم. فما احتمالية أن يشترك أي شخصين من أولئك الأشخاص الثلاثة والعشرين في يوم الميلاد نفسه؟ إن وجود 23 فردا و365 من أيام الميلاد التي يمكن الاختيار من بينها يجعل من تشارك أي فردين في يوم الميلاد نفسه أمرا مستبعدا بدرجة كبيرة. وحين يطلب من الأفراد تعيين قيمة لهذه الاحتمالية، فإن معظمهم يقدرونها بقيمة 10٪ على الأكثر. وحقيقة الأمر أن الإجابة الفعلية هي أكثر من 50٪، ومعنى هذا في ميزان الاحتمالات أنه من المرجح أن يوجد شخصان في الملعب يتشاركان يوم الميلاد نفسه.
والسبب في هذه الاحتمالية المرتفعة أن الأهم من عدد الأفراد هو عدد الطرق التي يمكن جمع الأفراد بها في أزواج؛ فحين نبحث عن يوم ميلاد مشترك، علينا أن ننظر إلى الأشخاص أزواجا لا أفرادا. فعلى الرغم من وجود 23 فردا فقط في الملعب، فثمة 253 زوجا. على سبيل المثال، يمكن جمع الشخص الأول في زوجين مع أي من الاثنين والعشرين شخصا الآخرين؛ مما يشكل لنا في البداية 22 زوجا. بعد ذلك، يمكن جمع الشخص الثاني في زوجين مع أي من الواحد والعشرين شخصا المتبقين (لقد حسبنا الشخص الثاني بالفعل في الأزواج المحتملة للشخص الأول؛ ولهذا فقد نقص عدد الأزواج المحتملة بمقدار واحد)؛ فيصبح لدينا 21 زوجا إضافيا. وبعد ذلك، يمكن جمع الشخص الثالث في زوجين مع أي من العشرين شخصا المتبقين؛ فيصبح لدينا 20 زوجا إضافيا، ونستمر على هذا المنوال إلى أن نصل في النهاية إلى 253 زوجا.
تبدو الحقيقة المتمثلة في أن احتمالية تشارك شخصين ضمن مجموعة تتألف من 23 شخصا في يوم الميلاد نفسه هي أكثر من 50٪، خاطئة وفقا للبديهة، لكنها حقيقة رياضية لا مراء فيها. والاحتمالات الغريبة مثل تلك الاحتمالية هي تحديدا ما يعتمد عليه وكلاء المراهنات والمقامرون لاستغلال الغافلين. في المرة التالية التي تكون فيها في حفل به أكثر من 23 شخصا، قد ترغب في عقد رهان على أن شخصين في هذا الحفل يتشاركان في يوم الميلاد نفسه. ويجدر بك أن تلاحظ أن الاحتمالية في مجموعة تتكون من 23 شخصا هي أكثر من 50٪ فحسب، لكنها تزداد بسرعة كبيرة مع زيادة حجم المجموعة. ومن ثم؛ إذا كان الجمع يضم 30 شخصا، فستكون المراهنة على أن شخصين منهم يتشاركان في يوم الميلاد نفسه أمرا يستحق بالتأكيد.
لقد أسس باسكال وفيرما القواعد الأساسية التي تحكم جميع ألعاب الحظ، والتي يمكن للمقامرين استخدامها لتحديد الاستراتيجيات المثالية للعب والمراهنة. وعلاوة على ذلك، فإن قوانين الاحتمالات هذه قد وجدت تطبيقات لها في الكثير من المواقف التي تتنوع من التخمين بشأن سوق البورصة إلى تقدير احتمالية وقوع حادث نووي. بل إن باسكال كان مقتنعا بإمكانية استخدام نظرياته لتبرير الإيمان بالإله. لقد ذكر أن «الإثارة التي يشعر بها المقامر عند وضع الرهان تساوي مقدار ما يمكن أن يفوز به مضروبا في احتمالية فوزه.» وجادل بأن الجائزة المحتملة المتمثلة في السعادة الأبدية ذات قيمة لا متناهية، وأن احتمالية دخول الجنة بعد اتباع حياة الفضيلة، مهما بلغ قصرها، هي بالتأكيد منتهية. وبهذا، يصبح الدين وفقا لتعريف باسكال لعبة ذات قدر لا نهائي من الإثارة وهي لعبة تستحق الاشتراك فيها؛ إذ إن ضرب جائزة لا متناهية في احتمالية منتهية يعطينا نتيجة لا متناهية.
وإضافة إلى الاشتراك في تأسيس نظرية الاحتمالات، كان فيرما منخرطا بشدة في تأسيس مجال جديد في الرياضيات، وهو حساب التفاضل والتكامل. إن التفاضل والتكامل هو حساب معدل التغير في كمية واحدة بالنسبة إلى كمية أخرى، ويعرف هذا المعدل باسم المشتقة. فعلى سبيل المثال، يعرف معدل تغير المسافة بالنسبة إلى الزمن باسم السرعة المتجهة فحسب. غالبا ما يرى علماء الرياضيات أن الكميات مجردة وغير ملموسة، لكن نتائج عمل فيرما قد تسببت بعد ذلك في ثورة في مجال العلوم. فرياضيات فيرما قد مكنت العلماء من تحقيق فهم أفضل لمفهوم السرعة المتجهة ، وعلاقتها بغيرها من الكميات الأساسية مثل التسارع: معدل تغير السرعة المتجهة بالنسبة إلى الزمن.
ومن المجالات التي تأثرت بحساب التفاضل والتكامل تأثرا كبيرا، علم الاقتصاد. التضخم هو معدل تغير السعر، الذي يعرف بمشتقة السعر، وغالبا ما يهتم علماء الاقتصاد أيضا بمعدل تغير التضخم، وهو ما يعرف بالمشتقة الثانية للسعر. تتردد هذه المصطلحات على ألسنة السياسيين بكثرة، وقد أشار عالم الرياضيات هوجو روسي ذات مرة إلى ما يلي: «في خريف العام 1972، أعلن الرئيس نيكسون أن معدل زيادة التضخم آخذ في التناقص. وقد كانت هذه هي المرة الأولى التي يستخدم فيها رئيس حالي مشتقة ثالثة لزيادة فرصته في إعادة انتخابه.»
Unknown page