من الجيد أيضا قضاء بعض الوقت في التفكير فيما قد يحدث إذا أهملنا الممارسة. ثمة خطر في أن ينتهي بنا الحال كما انتهى بالراهب في قصة النزهة؛ فنصير جثة محمولة قبل أن نعرف حتى فوائد المسعى. ثمة احتمال ضعيف للغاية بأن يتمكن من لم يشارك من قبل في هذا النوع من العمل، من التعامل بفاعلية مع الأفكار والمشاعر الهدامة التي تدمر كل أمل في راحة البال إن هي استحوذت علينا.
عند التفكير بعمق في هذين الاحتمالين المتعارضين وفي مزايا أحدهما مقارنة بعيوب الآخر، فإننا نتأرجح بينهما ذهابا وإيابا. وحين نفعل ذلك، سنجد أن الفوائد تتفوق كثيرا على أي حجج تدعم عدم الممارسة. وحينذاك نتوقف بعقولنا عند هذا الاستنتاج فترة قصيرة قبل الانتقال إلى المرحلة التالية من الجلسة. (7) بعض الممارسات المنهجية (7-1) تركيز الاهتمام
من ممارسات التأمل المتعارف عليها على نحو كبير تنمية الانتباه المستدام من خلال التركيز الأحادي. في هذه الممارسة، تختار شيئا ليكون محط انتباهك. يمكن أن تختار زهرة أو لوحة أو مدارا من الضوء، ويمكن لممارسي التأمل من المتدينين اختيار شيء مقدس مثل الصليب أو صورة بوذا. على الرغم من أن وجود الشيء الفعلي أمامك قد يكون مفيدا في البداية كأداة مساعدة، فهو ليس بمحور انتباهك في نهاية المطاف. وإنما عليك أن تحاول تنمية صورة ذهنية عن الشيء فور أن تختاره، وعندما تألف الصورة جيدا، ثبتها في عين عقلك . هذه الصورة الذهنية للشيء هي ما يمثل مرساة تأملك.
بعد أن تكون قد استرخيت وهدأ عقلك، حاول أن تحافظ على تركيزك على الشيء. تخيله على بعد أربعة أقدام أمامك وفي مستوى حاجبيك. تخيل أن الشيء بارتفاع بوصتين تقريبا وأنه يشع ضوءا، فتكون صورته مشرقة وواضحة. حاول أيضا أن تتخيل أنه ثقيل. يؤدي هذا الثقل إلى منع الإثارة، بينما يمنع سطوع الشيء بدء الارتخاء.
من الأفضل عدم إغلاق العينين عند الانخراط في هذا النوع من التأمل، وإبقاؤهما مفتوحتين قليلا، والنظر إلى الأسفل. في بعض الأحيان، قد تنغلقان من تلقاء نفسيهما، ولا بأس في ذلك. لكن المهم هو ألا تكونا مغلقتين تماما أو مفتوحتين على مصراعيهما. يمكنني الإشارة هنا أيضا إلى أن الأشخاص الذين يرتدون النظارات عادة مثلي، لن يستفيدوا دائما من خلعها. فعلى الرغم من أن عدم ارتداء النظارات يقلل من احتمالية التشتت البصري، قد يساعد فقدان الوضوح البصري على التراخي أو الخمول. ويمكن لهذا أن يؤدي إلى أن تصبح ممارستنا أشبه بحلم يقظة غير موجه. إذا حدث هذا، فثمة إجراء مضاد مفيد يمكن القيام به، وهو التفكير في شيء مقبول، شيء يجعلك تشعر بالسعادة. وثمة إجراء آخر وهو التفكير في شيء منبه، حتى وإن كان يجعلك تشعر بالحزن قليلا. يمكن أيضا أن تتخيل النظر إلى الأسفل من قمة جبل حيث يمكنك الرؤية من جميع الاتجاهات دون عائق.
إذا بدأت تعاني المشكلة المعاكسة؛ التشتت بشيء تراه، فعليك بمحاولة الانسحاب بالتركيز العقلي من العينين. يمكن للجلوس أمام حائط فارغ أن يكون مفيدا في مثل هذه الحالات.
عندما يكون الشيء الذي تتخيله مستقرا في عين عقلك، ربما بعد عدة أسابيع أو شهور من الممارسة المستمرة، حاول حينئذ فحص العقل نفسه أثناء تركيزه على الشيء موضع الرؤية. في هذه الحالة، تحاول تركيز العقل مع فحصه في الوقت نفسه، وكأنك تراقبه من إحدى الزوايا، كي تضمن عدم السماح له بالاسترخاء سهوا. عندما يصبح عقلك مسترخيا للغاية، قد يصبح النوم غير بعيد عنك! لكن عندما تنجح في تكوين صورة ذهنية قوية وواضحة، يمكنك أن تبدأ في تعويد نفسك على نوع التركيز الذي لا تختبره في الحياة العادية إلا عندما تحاول حل مشكلة ذهنية شديدة الصعوبة. الفكرة هنا هي أننا عندما نتعلم التركيز بعقلنا حقا، يغدو ما يحدث شبيها بتدفق المياه عبر محطة الطاقة الكهرومائية لتوليد الطاقة الهائلة المطلوبة لتشغيل التوربينات، وحينها تستطيع استخدام القوة الكاملة لعقلك للتركيز على صفات مثل الرأفة، والصبر، والتسامح، والعفو.
حتى بعد تحقيق بعض القدرة في الحفاظ على التركيز، فمن الحتمي أن تجد أنك تفقد الانتباه من وقت لآخر؛ إذ يبتعد عقلك عن الشيء، إما بسبب أحداث خارجية أو بسبب عمليات التفكير الداخلي. عندما تلاحظ أن عقلك قد ضل بعيدا، فلتدرك هذا بوعي وتعد تركيزه على الشيء برفق مرة أخرى. وإذا لزم الأمر، فلتنعش تصورك للشيء بين الحين والآخر؛ كي تستعيد صورتك وضوحها. ثمة صفتان أساسيتان في هذا النوع من التأمل؛ الوضوح الذهني والاستقرار. يساعد الوضوح الذهني في الحفاظ على تركيزك. ويساعد الاستقرار في ضمان الوضوح من خلال مراقبة ما إذا كان انتباهك لا يزال نابضا بالحياة أم لا. وللمساعدة في ضمان وجود هاتين الصفتين باستمرار، تحتاج إلى تطوير قدرتين مهمتين ثم ممارستهما، وتتمثل هاتان الصفتان في اليقظة والوعي الاستبطاني. من خلال الممارسة المستمرة لهاتين القدرتين، يمكنك أن تتعلم تدريجيا كيفية تدريب تركيزك حتى تستطيع الحفاظ على انتباهك فترة زمنية طويلة.
يمكن تلخيص ما سبق إذن فيما يلي: في جلسة تأمل منهجية نموذجية، نبدأ بتهدئة عقلنا بالتنفس. بعد ذلك نختار شيئا للتأمل فيه وتركيز انتباهنا عليه، وبين الحين والآخر نراقب ما إذا كان انتباهنا قد تشتت أم لا. وعندما نلاحظ شرود عقلنا، نعيده بلطف إلى التركيز على الشيء موضع التأمل ونستمر في العملية. وأخيرا، عندما نرغب في إنهاء الجلسة، يمكننا القيام ببعض تمارين التنفس العميق مرة أخرى حتى ننهيها في حالة استرخاء ذهني. (7-2) الوعي باللحظة الراهنة
بعد استرخاء عقلك بدرجة كبيرة من خلال بعض أشكال تمارين التنفس، يكون من الممارسات المفيدة الأخرى أن تحاول إبقاء عقلك في حالته الطبيعية المتمثلة في الوعي الأساسي، إن جاز التعبير، أو ما يمكننا أن نطلق عليه «وعي اللحظة الراهنة». عندما تبدأ، من المهم أن تستحضر نية قوية لعدم السماح لعقلك بالانجراف بالأفكار إلى ما قد يحدث في المستقبل أو إلى ذكريات حدثت في الماضي. بدلا من ذلك، اجعل نيتك هي تركيز عقلك على اللحظة الراهنة فحسب، والحفاظ على هذا التركيز أطول فترة ممكنة. من الجيد عند القيام بهذه الممارسة، الجلوس إذا أمكن أمام جدار ليس به لون أو نقش لافت للنظر. وبعد عدة أنفاس عميقة، تريح العقل وتبدأ في الملاحظة.
Unknown page