ويقولون: لا يجب أن تفعل كذا؛ أي: يجب أن لا تفعل. ولا يخفى الفرق بين نفي الوجوب ووجوب النفي؛ فإنه على الأول يبقى الفعل جائزا وبخلافه على الثاني كما يظهر بأدنى تأمل.
ويقولون: لا آتيك ما زلت حيا، يريدون: ما دمت حيا، فيجعلون ما قبل زال مصدرية زمانية. ولا يخفى أن معنى ما زال ما انقطع، فإذا جعلت ما مصدرية على فرض صحة استعمال الفعل بدون النفي أو شبهه، كان المعنى: لا آتيك مدة انقطاعي عن الحياة، وهو عكس المراد. ومن الغريب أن ممن سقط في هذا ابن خلدون، حيث قال في الفصل الخامس من الكتاب الأول: ولا تزال الصناعات في التناقص ما زال المصر في التناقص، اللهم إلا أن يكون هذا من غلط النساخ، ولعله الأقرب.
ويقولون في مقام الإخبار: لا زال زيد يفعل كذا، يعنون: ما زال يفعل. ولا لا تدخل على الماضي إلا مع التكرار أو العطف على منفي، نحو لا صدق ولا صلى، وما زرت زيدا ولا زارني، وإلا صار الكلام معها إنشاء، وانقلب زمان الفعل إلى الاستقبال.
ويقولون: إذا لا سمح الله حدث كذا، وإن لا سمح الله حدث كذا ... فيفصلون بين إذا وما أضيفت إليه وبين إن وشرطها، وكلاهما لا يجوز؛ فالصواب تأخير الجملة المعترضة. وقد وقع مثل هذا لبديع الزمان في إحدى رسائله إلى الإمام أبي الطيب؛ حيث يقول: وإن - والعياذ بالله - لم يوافق مراده قدرا. ومن أغرب ما جاء من هذا القبيل قول الصاحب بن عباد:
فإن عسى ملت إلى التباطي
صفعت بالنعل قفا بقراط
ففصل بين إن وفعلها بعسى. وهو من التراكيب التي لا تصح ولا يمكن تصحيحها بوجه. على أن المعنى الذي يريده من عسى مستفاد من الشرط نفسه. فزيادتها خطأ في اللفظ لغو في المعنى.
ويقولون: قلت له أن يفعل كذا، وأن لا تقع بعد لفظ القول. والصواب قلت له: ليفعل بلام الأمر، وإن شئت حذفت اللام وأبقيت الفعل مجزوما أو رفعته. ومن الأول قول الراجز:
قلت لبواب لديه دارها
تئذن فإني حمها وجارها
Unknown page