ومن ذلك قول بعضهم: مزق الكتاب إربا إربا، وقطع الحبل إربا إربا؛ أي: قطعة قطعة. وأكثرهم يقرؤها: أربا أربا، بفتحتين، وليس شيء من ذلك بصواب، إنما يقال: قطعت الذبيحة إربا إربا، بكسر الهمزة وسكون الراء، أي: إربا فإربا. ومعنى الإرب العضو؛ فهو خاص بما له أعضاء، ولا يجوز استعماله للكتاب والحبل وأمثالهما. وأما الأرب - بفتحتين - فمعناه الحاجة.
ومن ذلك قولهم: خرج فلان عصارى يوم كذا؛ يريدون وقت العصر. وأكثر ما سمعت اللفظة في قراءتهم بضم العين وفتح الراء على مثال قصارى وخزامى، ولا وجود لهذه اللفظة في كتب اللغة. ولعل أول من قالها أراد أن تكون بفتح العين وكسر الراء وتشديد الياء كأنها جمع عصرية، من قول العامة: جئته عصرية النهار، كما يقولون: جئته صبحية وظهرية، وكل ذلك لم يرد شيء منه في استعمال العرب.
ومن ذلك قولهم: أوجبني إلى كذا؛ أي: ألجأني إليه واضطرني. وإنما يقال: أوجبت الأمر، ولا يقال: أوجبت الرجل؛ فالصواب: أوجب علي كذا.
ومثله قولهم: أعلنت فلانا بالأمر، على حد أعلمته به مثلا، وإنما يقال: أعلنت الأمر وبالأمر؛ أي: أظهرته، وقد أعلنته لفلان كما تقول أظهرته له، ويقال أيضا: أعلنته إليه كما يؤخذ من عبارة لسان العرب.
ومن ذلك قولهم: تولج فلان الأمر؛ أي: تولاه. وما نحسبهم إلا أرادوا هذا اللفظ الأخير بعينه؛ أي لفظ تولاه، فأبدلوا من ألفه جيما، وهو من غريب التحريف. وأما تولج فمعناه دخل، مثل ولج المجرد.
ويقولون: أشار عليه بكذا فانصاع لمشورته؛ يعنون انقاد وأطاع، ولا وجود لذلك في اللغة، لكن يقال: انصاع الرجل إذا انفتل راجعا مسرعا. وفي الأساس: انصاع القوم إذا مروا سراعا. وفي اللسان: صاع الشيء يصوعه صوعا فانصاع؛ أي: فرقه فتفرق، لم يجئ في هذا الحرف غير ذلك.
ومن ذلك قولهم: عهد إليه أمر كذا، فيستعملون عهد متعديا بنفسه، والصواب تعديته بفي. قال في لسان العرب: ويقال عهد إلي في كذا؛ أي: أوصاني ... ومنه قوله عز وجل:
ألم أعهد إليكم يا بني آدم ؛ يعني الوصية والأمر، والعهد: التقدم إلى المرء في الشيء. ا.ه. وقد علمت معنى التقدم في محله.
ومن ذلك قول بعضهم: ينبغي عليك أن تفعل كذا، فيعدونه بعلى لظنهم أنه بمعنى يجب، وليس كذلك؛ لأنه في الأصل مطاوع بغى الشيء بمعنى طلبه، فكأنه قيل: ينطلب لك، وإن كان لا يجوز أن يقال: انبغى وانطلب بهذا المعنى، ولكنه من الألفاظ التي جرت كذلك على ألسنة العرب، وألزمت وجها من الاستعمال لا تتعداه، وهو يستعمل عندهم بمعنى يجوز ويصلح ويتيسر، ولم يسمع عنهم إلا موصولا باللام، ومنه
لا الشمس ينبغي لها أن تدرك القمر ،
Unknown page