مال الأشقر على الرئيس وتبادل معه الهمس. وأخيرا تكلم الأخير: «ربما كان من الأفضل أن تنفرد بنفسك قليلا لتتروى في الأمر .. يمكنك أن تخرج الآن، وسنستدعيك بعد قليل من الوقت لنعرف ما توصلت إليه.»
أدركت أنهم يريدون التخلص مني ليتشاوروا في حرية، فغادرت القاعة ووقفت إلى جوار حارسها العجوز، وقدمت إليه سيجارة فتناولها مني في صمت ووضعها خلف أذنه، بينما أشعلت أنا واحدة استنشقت أنفاسها في لهفة.
كان الدهليز خاليا يأتيه الضوء من نافذة كبيرة بالجدار المقابل، تطل فيما يبدو على فناء مهجور. دخنت وأنا أسترق النظر إلى الوجه الوادع المستسلم للحارس الجالس إلى جواري. وتمنيت لحظة أن أكون مكانه، متمتعا بنفس الاستسلام والوداعة. ثم خطر لي أن حالته قد لا تكون طبيعية، وإنما من تأثير مخدر ما.
وسواء كان هذا هو السبب، أو أنه أدرك حرج موقفي، فإنه لم يرد علي عندما حاولت أن أجاذبه الحديث، شاكيا من حرارة الجو.
فرغت سيجارتي، فألقيت ببقيتها في منفضة نحاسية إلى جوار الباب، واعتمدت بظهري على الحائط. كنت عاجزا عن التفكير، فرحت أنظر أمامي عبر النافذة، شاعرا أني أتطلع في الفراغ.
وبعد حوالي نصف الساعة نهض الحارس فجأة كأنما بلغته رسالة سرية، فاختفى داخل القاعة، ثم ظهر على الفور وأشار لي بالدخول.
دخلت في وجل وأنا أقدم رجلا وأؤخر أخرى. ووقفت أمام العيون التي حدقت وأحدقت بي.
خاطبتني العانس في رقتها المعهودة: «ماذا قررت؟»
قلت: «ليس لدي ما أضيفه سوى أن أرجوكم تقدير الظروف الشائكة غير الطبيعية التي أحاطت بي.»
قالت في حدة وشراسة مفاجئتين: «أنت وشأنك إذن.»
Unknown page