وهذا ما يؤدي بنا إلى تفضيل النظرية القائلة بأن خوفو نفسه كان من الملوك السريين لبني إسرائيل، خاصة وأننا نعرف المهندس الذي أشرف على بناء الهرم ويدعى حم-إيونو، وهو ابن عم خوفو نفسه.
وفي كافة الحالات فإن هذا البناء الهائل الذي تكون من مليونين وثلاثمائة ألف قطعة من الحجر، شاهد على عبقرية من بنوه؛ فهناك ما يدل على أن مناشير نحاسية يبلغ طول الواحد منها تسعة أقدام، قد استخدمت في قطع الكتل الحجرية الكبيرة، التي إذا قطعت اليوم إلى أجزاء صغيرة بطول قدم لكل منها، ووضعت بجانب بعضها؛ لأمكنها أن تغطي ثلثي المسافة حول الأرض عند خط الاستواء.
والمؤكد أيضا أن المثاقب الأنبوبية الشكل قد استخدمت في تفريغ الكتل الحجرية. والحق أن الثقوب الحديثة لا تداني في الدقة والكمال تلك التي صنعها أولئك البناة العظام منذ خمسة آلاف عام، وهي وحدها معجزة حقيقية.»
شعرت أن التوتر الذي كان يسود الحجرة قد تلاشى، وأن الجو المعادي لي قد خف كثيرا. وكان أعضاء اللجنة قد استمعوا لي في اهتمام شديد، حتى إن الرجل البدين الذي يجلس في الطرف أنزل عينيه لأول مرة من السقف وصوبهما إلي. وعندما انتهيت رمقني أحد العسكريين بنظرة رضاء أسعدتني. ودبت الحركة في الأعضاء فانهمكوا في أحاديث هامسة. وعندئذ لحظت أن الجزء الأسفل من جسدي ما زال عاريا، فتناولت سروالي الداخلي في تردد. وعندما لم يستوقفني أحد ارتديته على عجل، ثم أشفعته ببنطلوني.
وبدا أنهم استقروا أخيرا على رأي تولي الرجل ذي الشعر الأشقر إبلاغه للرئيس عبر أذنه السليمة، فقال لي هذا وهو يشير إلى الأوراق التي وضعتها أمامهم فوق المائدة: «يمكنك أن تأخذ هذه الأشياء الآن. لم تعد لدينا أسئلة، وعندما نتوصل إلى قرار بشأنك سنحيطك به علما.»
جمعت أوراقي وأنا أحاول أن أبدو واثقا من الحكم الذي سيصدرونه، لكني كنت أحس باضطراب شديد في أمعائي، وكنت أقوم بحركاتي دون وعي ، فوضعت الأوراق في الحقيبة بغير انتظام، ثم أغلقتها وتناولتها في يدي اليسرى (إذ تذكرت ما وقع لي في بداية المقابلة). وانحنيت أمام أعضاء اللجنة دون أن أنبس بكلمة، ثم اتجهت إلى الباب فأدرت مقبضه بيدي اليمنى، وسررت لأنه استجاب ليدي في يسر وانفتح، فغادرت القاعة ولم أنس أن أغلق الباب من خلفي. ووضعت الحقيبة على الأرض، ثم أشعلت سيجارة في لهفة.
وكنت أعرف أني لن أذوق طعم النوم، أو راحة البال، حتى تصدر اللجنة قرارها النهائي بشأني.
الفصل الثاني
انقضت عدة شهور على المقابلة التي جرت لي مع اللجنة، تناوبتني خلالها مشاعر اليأس والرجاء؛ فكنت أستيقظ في الصباح بثقة مطلقة في أن قرارها سيكون لصالحي، ولا تمضي ساعات إلا ويكون الشك قد راودني، فأسترجع وقائع المقابلة لحظة بلحظة، وعندئذ يستولي علي هبوط بالغ، أو أقع فريسة ليأس مطبق.
لم تكن هناك وسيلة لتلمس موقف اللجنة مني، أو الاتجاه الذي تمضي فيه مداولاتها بشأني. حقا إنه قد خطر لي أن أسعى للقاء العانس، عضو اللجنة، لكني تصورت أنها ليست من البله بحيث تفضي إلي على الفور بما أريد، ولا بد أن أبذل جهدا خاصا لأبلغ هذه الغاية. على أني كلما تذكرت وجهها الشاحب، تلاشت رغبتي في لقائها. فرغم أني تورطت في بضعة أشياء تتناقض بدرجة أو أخرى مع مبادئي، منها على الأقل قبولي للمهانة التي تعرضت لها على «يد» اللجنة، إلا أني لم أهبط بعد إلى الدرك الذي أتودد فيه إلى امرأة توددا مصطنعا. وليس الأمر قرارا عقليا بقدر ما هو استعداد نفسي في الأساس. وحتى لو استطعت، فماذا يضمن لي ألا أضطر للمضي حتى النهاية. ومعنى هذا أن يتطور الموقف إلى كارثة، بالنظر إلى سوابقي في هذا الشأن، والتي كانت موضوعا للعبث بي أمام اللجنة.
Unknown page