يوجد لدى الإغريق إلهة تشبه سخمت ذات رأس اللبؤة؛ وهي أثينا. كان وجود المحاربات في اليونان القديمة مقتصرا على عالم الأساطير؛ فلم يكن يوجد نظير إغريقي للمنصب الذي تقلدته نساء الأسرة الملكية المصريات. ومع ذلك، نرى في مقدونيا في عصر الإسكندر الأكبر ظهور نوع مختلف تماما من النساء، فكما كان يحدث في مصر كانت النساء تستخدم في توطيد الولاء السياسي؛ فكانت لدى فيليب الثاني المقدوني، والد الإسكندر الأكبر، سبع زوجات ولم يطلق أيا منهن. كانت زوجات فيليب وبناته محاربات يذهبن إلى المعارك، ورتبن زواج بناتهن وعملن على ترقية أبنائهن (أشتون 2003أ: 14). كانت والدة الإسكندر سيدة بالغة القوة وواسعة السلطة، وعقب وفاته بذلت كل ما في وسعها من أجل الحفاظ على مكانتها، حتى إنها وضعت تمثالا لها بجوار تمثال ولدها المؤله في ضريح للأسرة في مدينة أولمبيا باليونان (ستيوارت 1993: 386-387). واتباعا لهذا النموذج المقدوني على وجه الخصوص سعت ملكات البطالمة الأوليات إلى زيادة سلطتهن؛ فقد سعين بنشاط في القرن الثاني قبل الميلاد إلى تعزيز مكانتهن، وهو ما كان يحدث عادة على حساب أزواجهن.
على الرغم من هذا، شهد العصر البطلمي حكما مباشرا لأم وابنتها؛ فقد حكمت كليوباترا الخامسة (ترايفينا)، زوجة بطليموس الثاني عشر (والد كليوباترا السابعة )، مع ابنتهما كليوباترا برنيكي الرابعة من عام 58 إلى 55 قبل الميلاد. في الواقع يحدث هنا الارتباك بشأن عدد اللاتي أطلق عليهن اسم كليوباترا. يشير فرفوريوس إلى أن كليوباترا برنيكي الرابعة كانت أخت كليوباترا الخامسة وليست ابنتها، وهو ما يشير إلى وجود كليوباترا خامسة أخرى وإلى وجود كليوباترا سادسة (أشتون 2003أ: 67-68). لا توجد أدلة كثيرة تدعم وجود سيدة أخرى باسم كليوباترا الخامسة ويحتمل أن يكون فرفوريوس قد أخطأ (وايتهورن 1994: 182-183). كذلك فإن الملكة التي نعرفها باسم كليوباترا السابعة هي في الواقع كليوباترا السادسة. ومن أجل تجنب المزيد من الحيرة سنشير إليها في هذا الكتاب ببساطة باسم كليوباترا أو برقمها المألوف.
لم يكن الرومان سعداء بفكرة الحاكمات النساء، وفي كثير من الأحيان كانوا يتدخلون من أجل وضع حاكم رجل على العرش بدلا من المرأة. وكان أكثر هذه التدخلات تدميرا زواج كليوباترا برنيكي التي حكمت مع عمها بطليموس العاشر ووالدها بطليموس التاسع، ثم تسلمت حكم مصر وحدها بعد وفاة والدها. حكمت كليوباترا برنيكي لمدة ستة أشهر قبل اختيار الرومان ابن أخيها ليحكم معها، وفي غضون أسابيع قتلها زوجها. فأخذ أهالي الإسكندرية بثأرهم وقتلوا ملكهم الجديد. (6) جمال كليوباترا
في 14 من فبراير عام 2007، نشرت الصحف الشعبية في بريطانيا العظمى مقالات تحمل عناوين مثل «كليوباترا الدميمة». وحتى الصحف كبيرة الحجم احتوت على مقالات تتساءل عن جمال كليوباترا. كان الدافع وراء هذا متحف جامعة نيوكاسل، الذي عثر على عملة من نوع شائع نسبيا وعرضها في يوم عيد الحب.
شكل 1-1: عملة تظهر صورة لكليوباترا السابعة على أحد وجهيها ومارك أنطونيو على الوجه الآخر. ضربت هذه العملة في أنطاكية عام 36 قبل الميلاد. متحف فيتزويليام في كامبريدج.
من السهل تجاهل التساؤلات المتعلقة بجمال كليوباترا (هامر 2003: 126)، ومع ذلك، فإن هذا الموضوع يستحق مزيدا من الدراسة. تستخدم الصور الظاهرة على العملة (شكل
1-1 ) كدليل ضد جمال الملكة المزعوم لمجرد أنها لا تتماشى مع المفهوم الغربي المعاصر عن الشكل الجذاب المقبول. لم يضطر إلا عدد قليل من الشخصيات التاريخية الذكورية إلى التعرض لمثل هذا النوع من الإهانة الناتجة عن الحكم عليهم بناء على صورة لا تظهر محاسنهم. وعند إلقاء نظرة خاطفة على صور كليوباترا الأخرى يظهر لنا نوع من الصور مختلف تماما عن «صورها» اللاحقة المطبوعة على العملات، وفي الواقع بناء على الروايات الكلاسيكية، نجد أن تلك الصور الأخرى تتماشى بسهولة أكبر مع الصورة المثالية الغربية القياسية، رغم أنني لا أشير للحظة إلى أن هذه الصور أكثر جمالا من صورها الأخرى. لماذا إذن أصبحت الصور المطبوعة على العملات، التي تظهر ملامح ذكورية واضحة لكليوباترا، هي الدليل الأكثر شيوعا لإثبات قبح كليوباترا؟ يبدو الأمر كما لو أنه من الأفضل ألا تكون كليوباترا فائقة الجمال. يشير ذلك أيضا على نحو محزن إلى النمط الغربي المعاصر لمفهوم الشكل الجذاب وغير الجذاب.
عادة ما يربط الناس جمال كليوباترا بواقعة سقوط هذه الملكة ومعجبيها كما ذكر لوكان في قصيدته «فرساليا» (السطر 164). لم يكن جميع الكتاب الرومان بمثل قدر سطحية نظرائهم المعاصرين، فيشير بلوتارخ إلى جمال الملكة الداخلي وجاذبية شخصيتها في أجزاء عدة من كتابه «حياة أنطونيو»، ويقول في الفصل 73 أن كليوباترا كانت «تعي جمالها الشخصي وتفخر به بشدة». تعرض إنكار جمال كليوباترا الخارجي - وبالتالي سلطتها الملحوظة على الرجال - إلى التشكيك، تماما مثل التراث الأفريقي لكليوباترا. القضيتان كلتاهما أكثر تعقيدا بمراحل مما تبدوان عليه للوهلة الأولى، فكيف نعرف (أو على وجه الدقة كيف كان المصريون القدماء يعرفون) الجمال أو «سمار البشرة»؟ كلاهما تعريفان مؤقتان، يعتمدان على الثقافة والزمن (هامر 2003: 126؛ شوحط 2003: 129).
الفصل الثاني
المصادر
Unknown page