شكر وتقدير
مقدمة المؤلفة
1 - كليوباترا: جميلة سمراء؟
2 - المصادر
3 - ابنة ملك وأخت ملك وزوجة ملك عظيمة
4 - كليوباترا: الحاكمة، الفرعون، الوصية على العرش
5 - عاصمة كليوباترا وبلاطها
6 - كليوباترا الإلهة
7 - كليوباترا ومارك أنطونيو والشرق
8 - وفاة ملكة وميلاد إلهة
9 - تراث كليوباترا
مراجع
شكر وتقدير
مقدمة المؤلفة
1 - كليوباترا: جميلة سمراء؟
2 - المصادر
3 - ابنة ملك وأخت ملك وزوجة ملك عظيمة
4 - كليوباترا: الحاكمة، الفرعون، الوصية على العرش
5 - عاصمة كليوباترا وبلاطها
6 - كليوباترا الإلهة
7 - كليوباترا ومارك أنطونيو والشرق
8 - وفاة ملكة وميلاد إلهة
9 - تراث كليوباترا
مراجع
كليوباترا ملكة مصر
كليوباترا ملكة مصر
تأليف
سالي-آن أشتون
ترجمة
زينب عاطف
مراجعة
نيڤين عبد الرؤوف
إهداء إلى والدي: جاكي وروبن أشتون.
شكر وتقدير
أود أن أتوجه بالشكر إلى روبن أشتون وإيان بلير وسوزان طومسون؛ لقراءتهم المسودة المبدئية للكتاب، ولمحاولتهم فهمها. أشعر بالامتنان أيضا لكل من إيمانويل دي سيلفا الثاني وماري هامر اللذين علقا على المسودات الأولى للفصل الأول. هذا وقد تحسنت النسخة النهائية كثيرا نتيجة لمناقشاتي مع كل منهما. كذلك أوجه جزيل شكري إلى دوروثي طومسون التي علقت على محتوى الكتاب وترتيبه النهائي، وعلى تشجعيها لي أيضا. وأعترف بأن أي أخطاء متبقية هي مني أنا.
أتوجه بالشكر أيضا لأيمن وهبي طاهر؛ لمساعدتي بما لديه من معرفة عن معبد حتحور في دندرة، ولقضائه وقتا في إطلاعي على الكم الهائل من المعلومات الموجود هناك، خلف الحائط الجنوبي. تناقشت كثيرا مع بوب بيانشي حول كليوباترا وأحب أن أعرب ها هنا عن تقديري لتلك المناقشات، إلى جانب ما ورد من إشارات بسيطة إليه داخل النص. وأتوجه له بجزيل الشكر على أفكاره بشأن مخطط البناء في معبد دندرة، التي يظهر بعض منها في النص.
أخيرا، أريد أن أشكر آل برتراند من دار نشر بلاكويل على صبره معي وتشجيعي طوال هذا المشروع.
مقدمة المؤلفة
كان هدفي من هذا المشروع محاولة العثور على كليوباترا «الحقيقية»، بيد أنني أدركت فيما بعد وفهمت أن ما كنت أعنيه بكليوباترا «الحقيقية» هو رؤيتي «الخاصة» لكليوباترا. بالطبع سيظهر أسلوب عرضي لهذه الملكة نقاط ضعفي وقوتي ككاتبة وباحثة . ومع ذلك، آمل أن يقدم هذا الكتاب طريقة مختلفة لدراسة شخصية مألوفة لدى كثير من القراء. أعتقد أن نقاط قوتي تتمثل في كوني مؤرخة وعالمة آثار متخصصة في الفن الكلاسيكي وعالمة مصريات؛ ولذلك اعتمدت بشدة على تفسيرات هذه المصادر لمحاولة فهم الأسلوب الذي عرضت به كليوباترا. عندما بدأت الكتابة نويت ألا أعتمد على السجلات الرومانية كمصدر أساسي للأدلة، كما فعل آخرون في الماضي؛ من أجل تقديم سرد تاريخي منظم لحياة كليوباترا. لكني سرعان ما أدركت أن الإشارة إلى هذه المصادر كانت ضرورية من أجل ملء كثير من الفجوات الموجودة في الأدلة الأثرية والوثائقية الشحيحة من مصر في عهدها. لقد حاولت أن أضع في ذهني دوما حقيقة أن هذه المصادر متحيزة وأن دقتها موضع شك في كثير من الأحيان. حاولت أيضا استخدام المصادر المصرية كإطار عام أبني عليه وأنمقه بدلا من محاولة جعل الأدلة الأثرية تضاهي النصوص الرومانية.
لقد تغير ترتيب الكتاب عدة مرات بناء على مدى تعقيد المصادر الأثرية والشخصيات المختلفة التي تقمصتها كليوباترا في مصر، والتي كانت تتغير مع تغير زوجها، وحسب الجوانب المختلفة لدورها كحاكمة مصرية والجمهور الذي تستهدفه في العالم القديم الواسع. لقد درست كليوباترا لما يقرب من عشر سنوات واكتشفت أنني كلما تعمقت أكثر في تاريخها، زاد تعقيد ما أكتشفه عن شخصيتها. إن شخصية كليوباترا التي سأعرضها ليست بسيطة على الإطلاق ولا يسهل وصفها، لكنها تظل، كما أرجو، امرأة ذات شخصية ملهمة.
سالي-آن أشتون
كامبريدج، 2007
الفصل الأول
كليوباترا: جميلة سمراء؟
(1) رؤية القرن الحادي والعشرين
يطرح على أي دارس لتاريخ كليوباترا عادة سؤالان، هما: «أكانت كليوباترا جميلة؟» و«هل كانت سمراء؟» وعادة ما يطرح السؤال الثاني بصيغة تعبر عن تحيز أوروبي واضح؛ نحو: «لم تكن كليوباترا سمراء، أليس كذلك؟» على الرغم من أن هذين السؤالين تسيطر عليهما توقعات حديثة، فإنهما يرتبطان بكليوباترا بوصفها شخصية تاريخية ويستحقان إعطاءهما المزيد من الاهتمام في سياق هذا الكتاب.
يمكن الإجابة ببساطة عن هذين السؤالين عن كليوباترا بأننا لا نعرف هل كانت كليوباترا جميلة وسمراء، أم بيضاء وغير جذابة، أم مزيجا من أي من هذه المفاهيم الحديثة. نحن لا نملك جثمانها حتى نحدد العرق الذي كانت تنتمي إليه عبر تحليل الحمض النووي، ورغم ذلك، يجب ألا تمنعنا هذه الحلقة المفقودة من رؤية هذه الملكة على أنها شخصية أفريقية بارزة، وفي الواقع تؤيد الأدلة الأثرية المتبقية فكرة أن كليوباترا كانت تعتبر نفسها مصرية. كليوباترا بالطبع من أصل يوناني مقدوني، لكنها عندما اعتلت العرش عام 51 قبل الميلاد كانت أسرتها تعيش في مصر منذ 272 سنة. بالإضافة إلى هذه الحقيقة نحن لا نعلم هوية جدة كليوباترا، التي يرجح احتمال أنها كانت محظية أكثر من كونها زوجة رسمية، ومؤخرا بدأ التشكيك في هوية والدة كليوباترا (هس 1990).
إن الهدف من هذا الكتاب هو وضع كليوباترا في سياق حياتها في مصر والنظر إليها باعتبارها أحد حكام مصر، وليس على أنها حاكمة إغريقية. إن إعادة ترتيب الأفكار لتتناسب مع أسلوب التفكير هذا - بعيدا عن المصادر الرومانية المكتوبة التي يعتمد عليها الناس عادة - تطرح قضايا مشابهة للسؤال عن كون كليوباترا ملكة أفريقية. والهدف من هذا الفصل هو دحض وجهات النظر الأوروبية التقليدية عن كليوباترا.
ترسخت هوية كليوباترا بوصفها مصرية، وليست إغريقية، بوضوح في أثناء حياتها، فعقب وفاتها مباشرة وصف المؤرخ سترابو الملكة بأنها «المصرية» («الجغرافيا» 13. 1. 30). في هذا الموضع يصف سترابو إغارة أنطونيو على أحد المعابد من أجل الحصول على تمثال أحد الأبطال الإغريق وتماثيل بعض الآلهة من أجل إرضاء «المصرية». هذا وقد وصف المؤرخ الروماني لوسيوس أنيوس فلورس في القرن الثاني الميلادي كليوباترا بأنها «تلك المصرية» («الحروب» 2. 21. 1-3؛ وجونز 2006: 106). (2) شخصية أفريقية بارزة
يثير موضوع الانتماء العرقي لكليوباترا جدلا واسعا وعادة ما يستبعد من الدوائر الأكاديمية. شهدت بالمصادفة مثالا على إحدى هذه المناقشات بين زوار متحف متروبوليتان للفنون في نيويورك في صيف عام 2006. أحد أكثر معروضات المتحف فخامة ومهابة هو معبد دندور الصغير، ويحتوي هذا المعبد على نقوش من نصوص وصور تتعلق بالإمبراطور الروماني أغسطس. درست هذا المعبد عدة مرات خلال زياراتي السابقة للمتحف، لكني كنت أولي اهتماما كبيرا بالنقوش المحفورة في ضوء الإعداد لموضوع هذا الكتاب. وبينما كنت أفحص الجزء الخارجي من المعبد وقف أب وأبناؤه بالقرب مني. قال الرجل - الذي اتضح من لكنته أنه أمريكي ومن الحوار الذي جرى أن له أصولا يونانية - لأبنائه إنهم سيخبرونهم في المدرسة أن المصريين هم أجداد الأمريكيين من أصل أفريقي لكن هذا ليس صحيحا. ثم سأل أطفاله إذا كانوا يرون أن صور الأشخاص على جدران المعبد تشبه الأمريكيين من أصل أفريقي، فهز الأطفال رءوسهم معبرين عن اتفاقهم مع ما يقوله والدهم، الذي أضاف إنه يجب عليهم تذكر أن كليوباترا كانت ملكة مصر وأنها كانت إغريقية، تماما مثل أجدادهم. قدم هذا الرجل معلومات خاطئة على صعيدين؛ أولا: يرجع تاريخ هذا المعبد إلى أوائل العصر الروماني؛ لذا كيف يمكن لصور الأشخاص أن تبدو مثل الأفارقة؟ وثانيا: لم تكن كليوباترا إغريقية فقط.
أنا لست من أصول أفريقية؛ لذا لا يمكنني فعليا أن أفهم فهما كاملا أهمية ادعاء أن كليوباترا كانت ملكة أفريقية. لقد حظيت بفرصة العمل مع عدد كبير من أعضاء مجتمعات البريطانيين من أصل أفريقي كاريبي، الذين يشتركون في وجهات نظهرهم عن علاقة كليوباترا بأفريقيا وبالتراث الثقافي الأفريقي. لا يمكننا إنكار أن كليوباترا كانت ملكة لإحدى الدول الأفريقية. تقع مصر في قارة أفريقيا ويعتقد كثير من الأفارقة من جميع أنحاء القارة أن مصر هي جزء من تراثهم الثقافي (أوكونور وريد 2003: 1-23).
لا يعتبر كثير من المصريين في عصرنا الحالي أنفسهم جزءا من أفريقيا، وإنما ينظرون إلى كليوباترا على أنها أحد الملوك المصريين، وتظهر بوصفها مصرية على العديد من المنتجات المتنوعة بداية من العلامة التجارية المحلية للسجائر والخمر، وحتى محطات الترام والقطار المحلية (ووكر وأشتون 2006: 23-27).
بصرف النظر عن درجة لون بشرة كليوباترا، فإن أدلة قوية من حياتها في مصر تشير إلى رغبتها في أن ينظر إليها على أنها مواطنة مصرية في موطنها الأصلي وأنها أهملت تراثها الإغريقي لصالح تقاليدها (المصرية) الأصلية. وقد تعرض الباحثون الذين شككوا في انتماء كليوباترا الثقافي لليونان ودعموا تراثها المصري (والأفريقي بالتبعية) إلى الازدراء في أفضل الحالات، وفي أسوأ الحالات اتهموا بأن حجتهم غير علمية نتيجة لتأثرهم بهويتهم الثقافية. ويرجع ذلك إلى أن قلة من الباحثين البيض اهتموا بالنظر إلى أهمية كليوباترا باعتبارها نموذجا أسمر وشخصية سمراء بارزة. كتبت باحثة أمريكية سمراء في مجال الأدب الكلاسيكي ما يلي: «إنها [كليوباترا] تعبر عن التاريخ المزدوج للنساء السمر المعاصرات من القمع والكفاح للبقاء على قيد الحياة» (هيلي 1993: 29). تحكي هيلي، بصفتها امرأة أمريكية سمراء، عن تشكيكها في التراث الثقافي الشفهي الأمريكي الأفريقي الذي يعتبر كليوباترا امرأة سمراء (1993: 28-29 والنقطة رقم 4). فعادة ما يشكك في دوافع الأكاديميين السمر الذين يستقون من هويتهم الثقافية من قبل من لا ينطبق عليهم مثل هذا الوضع. فيبدو أن ثمة شكا متأصلا في أولئك الذين يعتقد في وجود دوافع خفية لديهم تتعلق بالأقليات، حتى إن بعض النقاد حاولوا العثور على مبررات لما يمكن اعتباره وجهة نظر فردية متطرفة (بيرنال 2001: 206-208).
تظهر حقيقة أن علينا الدفاع عن مجرد احتمال ارتباط كليوباترا بأفريقيا في حد ذاتها مدى تغلغل المركزية الأوروبية في المفاهيم الأساسية للدراسات الكلاسيكية وعلم المصريات. ومع ذلك علي أن أتساءل هل نحن الأوروبيين حريصون على ضم حكام الأسرة 26 المصرية ضمن سياق التاريخ الكلاسيكي، وذلك عندما استقر الإغريق في ناوكراتيس؟ بالطبع لا؛ فإن هذا أمر مناف للعقل. لا توجد حاجة بوجه عام للدفاع عن تراث كليوباترا الأوروبي، حتى إن لم تهتم الملكة كثيرا بإظهار هذا الجانب في شخصيتها (أشتون 2003د: 25-30).
زعم دارسو التاريخ الكلاسيكي أن انتماء كليوباترا للإغريق يمكن أن يتضح من اسمها، وأن لها أصولا مقدونية، وأن أسرتها فرضت نفسها على مصر، وأن تحدثها اللغة المصرية كان بطلاقة، كما يرد في الروايات، لم يجعلها مصرية (ليفكوويتز 1996: 4). يبدو أن جزءا من المشكلة يكمن في عدم قدرة كثير من هؤلاء الدارسين على فهم أو تفسير الجانب المصري من شخصية كليوباترا؛ فهم لا يستطيعون قراءة النصوص، وكل الصور تبدو متشابهة في أعينهم التي تدربت على النموذج الأوروبي التوجه، وحتى عند شرح الاختلافات لهم، تستبعد الأدلة التي تشير إلى مصريتها وتفسر على أن كليوباترا كانت تعبر عن ولائها المصطنع للدولة التي كانت تحكمها. لا تقتصر هذه المشكلة على كليوباترا فحسب؛ ففي الواقع، تجاهل دارسو التاريخ الكلاسيكي لسنوات طويلة الجوانب المصرية لحكم البطالمة في مصر، وقدموا شرحا خاطئا بالغ التحيز لتلك الفترة بوجه عام. أدرك كثيرون أن هؤلاء الدارسين أقل كفاءة عند دراستهم لموضوع منقسم فعليا بين ثقافتين مختلفتين تماما، وأدركوا وجود تحيز هلنستي/يوناني (على سبيل المثال، رولاندسون 2003، وطومسون 1988). أسهم هؤلاء الدارسون بمعرفة علمية مهمة في هذا الموضوع وأنا لا أشير للحظة إلى ضرورة إغفال التقليد اليوناني، لكن من الضروري إعادة النظر في توازن هذه المعرفة العلمية. أنا لا ألوم زملائي على هذه المشكلة، وأشعر أن لدي مبررا قويا لإثارة الموضوع بسبب ما تلقيته من تعليم، في البداية كدارسة للتاريخ الكلاسيكي. ترجع هذه الصعوبة بالكامل إلى طريقة تدريس هذا الموضوع في الجامعات، التي تسهل على المرء خداع نفسه باعتقاد أن طريقة تفكيره صائبة. بعد ثلاث سنوات من دراسة الثقافة المادية المصرية واللغات المصرية، اضطررت إلى إعادة كتابة أول فصلين من رسالة الدكتوراه. في البداية، لم آخذ بعين الاعتبار سوى رؤية الإغريق للثقافة المادية وفسرت التمثال الذي كنت أدرسه من منظور يوناني. وبجانب التحيز المعتاد، تتجلى حقيقة أن كل شخص يرى الثقافة من خلال ما تعلمه ومن تجاربه الشخصية، رغم ما قد يبذله من جهد لمنع نفسه من فعل ذلك.
إذن، فإن وجهة النظر الأوروبية لكليوباترا تمتد أيضا إلى دراسة الباحثين الكلاسيكيين لها، الذين أنكر كثير منهم شخصيتها المصرية؛ فحتى وقت قريب كان كثير من الناس يرون أن الصورة الإغريقية لكليوباترا هي السائدة (كلاينر 2005: 138-139). يبدو من غير اللائق إذن أن تغفل رويستر (2003)، التي تنتقد وجهة النظر الأوروبية لكليوباترا، الهدف من المعرض الذي أقيم في شيكاجو عام 2002 والذي يحاكي المعرض الخاص الذي أقامه المتحف البريطاني تحت عنوان «كليوباترا ملكة مصر: بين التاريخ والأسطورة». فقد خصص جزء كبير من هذا المعرض لعرض الجانب المصري من شخصية كليوباترا وقدم عددا من الصور المكتشفة حديثا التي تظهر هذه الملكة في صورة مصرية بدلا من صورها الكلاسيكية فقط التي كانت موجودة حتى هذا الحين (أشتون 2001ب). وقد تعرف الباحثون على كليوباترا في هذه الصور من خلال تتبع التغييرات الأسلوبية والتصويرية بدلا من مقارنتها مع «صورها الشخصية» الكلاسيكية التي تظهر على العملات. تشكو رويستر من غياب صورة كليوباترا كشخصية أمريكية أفريقية بارزة من المعرض إلى حد كبير (207-210)، ولها الحق في ذلك، إلا أن شكواها من أن الصور ذات الطابع المصري تعتبر أسلوبية وتتبع المذهب الطبيعي الإغريقي (203)، تكشف عن عدم فهم للتقاليد الفنية القديمة؛ فكليوباترا التي عبر عنها شكسبير أو التي ظهرت في الأفلام الحديثة لا تعبر عن الشخصية الحقيقية لكليوباترا.
بعيدا عن الرأي الزاعم بأن كليوباترا ذات أصل أفريقي جزئي على الأقل وعليه يمكن اعتبارها جزءا من ثقافة أصحاب البشرة السمراء وتاريخهم، يوجد بعد آخر يتجاهله عادة أصحاب التوجه الأفريقي يمكنه، في رأيي، أن يدعم قضيتهم، خاصة إذا اعتبرنا مصر جزءا من الحضارة الأفريقية الأكثر اتساعا. فقد ظهرت كليوباترا على أنها مصرية في مصر، وفي روما في مناسبة واحدة على الأقل. وكما ذكرنا، كثيرا ما أشار المؤرخون الرومان إلى أن كليوباترا مصرية، ولم تكن تلقى ترحيبا على الإطلاق في الثقافة الأوروبية التي تمثلها روما؛ في الواقع كانت منبوذة.
يضعف الباحثون ذوو التوجه الأفريقي قضيتهم من خلال استخدامهم حججا ضعيفة من أجل دعم قضية ظهور كليوباترا في صورة مصرية رغم كونها قضية قوية بالفعل. أحد الأمثلة على هذه الحجج أن شكسبير وصف كليوباترا بأن بشرتها «سمراء مائلة إلى الصفار»؛ إذن فقد كانت سمراء (كلارك 1984: 126-127). في الواقع لا يهمنا وصف شكسبير لكليوباترا؛ لأنه لم يكن معاصرا لها. ومع ذلك، فإن مجرد إلقاء نظرة على تماثيل الملكة وصورها يثبت أن اليونان لم يكن لها أي دور فعلي في أسلوب تصويرها في وطنها مصر.
قد لا نجد الكتاب الرومان يشيرون إلى لون بشرة كليوباترا، وهل كانوا سيلاحظون حتى أنها كانت ربع أفريقية ؟ ربما لا. ومع ذلك، فإن هذه الحقيقة لا تقلل من جاذبية كليوباترا للجمهور الأسمر المعاصر، ويجب ألا تقلل. نظرا لمدى قوة الفكرة الزاعمة بأن كليوباترا كانت بيضاء وذات مظهر أوروبي كامل، كثيرا ما تستخدم حجة أخرى ضعيفة من أجل التصدي للتوجه الأفريقي وهي أنه ما دام لم يذكر أي مؤلف أن كليوباترا كانت سمراء، فلا بد إذن أنها كانت بيضاء. على سبيل المثال، كتب ليفكوويتز (1996: 22 رقم 2): «من كانت عشيقة [بطليموس التاسع]؟ نظرا لعدم وجود مصادر تخبرنا بعكس ذلك، فإن الافتراض الطبيعي أنها إغريقية، مثل البطالمة. هذا بالطبع لا يثبت أنها لم تكن أفريقية، لكن لا يوجد دليل على الإطلاق يثبت أنها كانت أفريقية.»
إن التصور الزاعم بأن كليوباترا كانت سمراء تعرض للهجوم على أساس تقبل التراث الشفهي الأمريكي الأفريقي له، وهو ما يطرح مرة أخرى التساؤل حول ما إذا كان في وسعنا النظر إلى التقاليد الرومانية المكتوبة على أنها صالحة وأكثر موثوقية أم لا (بالتر 1996: 352). على الرغم من استشهاد كثير من الدارسين بقلة الأدلة المكتوبة التي تثبت أن كليوباترا كانت سمراء كدليل على نقاء أصلها الأوروبي، فإن ثمة جوانب أخرى غير واضحة بالمثل عن حياتها وشخصيتها ولكنها مقبولة بوجه عام. لقد كان جزء من كليوباترا إغريقيا بالتأكيد، لكن تجدر بنا الإشارة أيضا إلى أن افتراض وجود جزء أفريقي لديها لا يعتمد على محض الخيال وإنما على حقيقة أننا لا نعرف هوية والدة بطليموس الثاني عشر، ومن ثم هوية جدة كليوباترا لوالدها.
لم يتسبب إلا عدد قليل من الشخصيات التاريخية في مثل هذا الصراع بين أناس يدعون نسبهم إليهم. ربما تكون أكثر النقاط جاذبية في شخصية كليوباترا جمعها بين الثقافتين الأوروبية والأفريقية؛ فقد كانت سيدة من أصل إغريقي، ربما كان لديها جانب مصري في أصولها، اختارت أن تربط نفسها بالثقافة المصرية؛ لذا ربما تمثل لنا نموذجا استثنائيا يحتذى به في مجتمعنا المعاصر. (3) مصر وأفريقيا
ترتبط قضية الهوية الأفريقية لكليوباترا بشدة بقضية كون مصر جزءا من أفريقيا. يعبر هذا عن التناقض بين التاريخ/الهوية السمراء والهوية الكلاسيكية/الأوروبية ويعكس الاستيلاء الأوروبي على الثقافة الأفريقية. تظهر قضية لون بشرة كليوباترا وهويتها العرقية في عدد من الإصدارات التي تتحدث عن تأثير مصر على اليونان وكون مصر جزءا من التراث الثقافي الأفريقي. يميل الباحثون إلى الجدل بشدة لصالح فكرة كون مصر دولة أفريقية أو ضدها (انظر على سبيل المثال العمل الذي حرره ليفكوويتز وماكلين روجرز 1996). وعلى الرغم من سعي كثيرين إلى إنكار هذه العلاقة في حالة كليوباترا، يستخدم آخرون أصولها المختلطة كدليل على أن تلوث هذه الأسرة الحاكمة المقدونية أدى إلى انهيارها (بيانشي 2003: 13).
في أمريكا الشمالية يعتبر بعض الأفراد ممن يحملون أثرا من التراث الأفريقي أنفسهم من السود، ويستخدم مصطلح السود على نطاق واسع في بريطانيا في عصرنا الحالي للإشارة إلى مجتمعات (جنوبية، كما ورد في المصدر) آسيوية (بيرنال 2001: 209). هذا وقد ضم معرض حديث عن الشخصيات السمراء من العصر الفيكتوري (مارش 2006) صورا لأفراد لهم أصول إسلامية. أشار بيرنال إلى أن كلمة أسود تعني للأوروبيين في العصر الحديث «نموذجا لسكان غرب أفريقيا»، في حين تتسم قارة أفريقيا بتنوع شديد، بما في ذلك شمال أفريقيا. أنا أستفيض في الحديث عن هذه النقطة حتى أوضح طريقة تعاملنا مع معاني الكلمات. ومع ذلك من الظلم أن يقول الباحثون إن قضية الهوية الأفريقية في مقابل الهوية الكلاسيكية (الأوروبية) لم تكن موجودة في العصور القديمة؛ فعند تصوير صانع الخزف الأثيني إكسيكياس لأحمس، الخادم المصري لممنون، في القرن الخامس قبل الميلاد، أظهر شكله على أنه أفريقي أسود، بشعر أفريقي الشكل وملامح «أفريقية» مبالغ فيها. وقيل أيضا إن هذا كان إشارة إلى أحد صناع الخزف المنافسين له الذي كان يعمل في أثينا في ذلك الوقت. إذن كان الإغريق يرون المصري على أنه أفريقي. وفي الأدب الإغريقي كان يشار إلى المصريين دوما على أنهم إثيوبيين.
من المهم أيضا إدراك أن الانتماء العرقي لا يتعلق فقط بدرجة لون البشرة أو الثقافة، وإنما أيضا بالاختيار؛ ومن ثم فإن الأطفال ذوي الأصل العرقي المختلط عادة ما يقررون اتباع إحدى الثقافات السائدة، وعادة ما يصبح الأفراد المنحدرون من العرقين الأبيض والأسمر سمرا، ويرجع هذا جزئيا إلى أن المظهر الخارجي (لون الجلد ونوع الشعر) لأبناء الوالدين اللذين يكون أحدهما أبيض اللون والآخر أسمر يكون أقرب عادة إلى مظهر الوالد صاحب اللون الأسمر؛ ولذلك يتعامل معهم المجتمع بأكمله على هذا الأساس. توجد جاذبية كبيرة أيضا لثقافة السمر؛ فيتبع كثير من الناس في بريطانيا في عصرنا الحالي ثقافة السمر أو يقلدونها (في الموسيقى والأفلام)، لكنهم ليسوا من السمر. توجد صورتان مختلفتان تماما لكليوباترا؛ الأولى والسائدة: هي صورتها المصرية، هذا وقد اعتنقت كليوباترا ثقافتها الأصلية بوصفها حاكمة لمصر (فيجب أن نتذكر أنه في وقت اعتلائها للعرش كانت أسرتها قد عاشت في مصر نحو 300 عام). لم تظهر كليوباترا على أنها أوروبية إلا عند إصرار جمهورها على ذلك فقط، ورغم هذا ما زالت أوروبا تنسبها إلى نفسها متجاهلة علاقتها بأفريقيا. (4) كليوباترا كنموذج يحتذى به
قلة قليلة من النساء يضاهين شهرة كليوباترا، أو حصلن على ما حصلت عليه من سلطة؛ ونتيجة لهذا، ينظر كثير من الكتاب المعاصرين إلى كليوباترا على أنها شخصية نسائية بارزة، بينما يبذل آخرون قصارى جهدهم من أجل التقليل من شأن هذا الدور.
إن دور كليوباترا كمثال يحتذى به للنساء يطرح إشكالية مثل كونها رمزا أسمر اللون. يوجد تفسير بسيط لهذه المشكلة، تفسير قد يقدم فهما عميقا لضرورة التعليق على مظهرها الخارجي على حد زعم البعض؛ فقد كانت الغالبية العظمى من كتاب سيرة كليوباترا وبالتأكيد الغالبية العظمى من المؤرخين القدامى الذين تحدثوا عنها في أعمالهم رجالا من أصل أوروبي. سنتحدث في الفصل الثاني عن هذه المشكلة من خلال مقارنة كتاب شمال أفريقيا بنظرائهم الأوروبيين.
إن المؤرخين المعاصرين الذين يدرسون التاريخ الأفريقي والهوية الأفريقية، أو الذين لهم أصول أفريقية، أكثر تعاطفا مع فكرة كون كليوباترا شخصية سمراء بارزة، ربما بسبب معرفتهم بالتراث الشفهي الأمريكي الأفريقي. لا عجب إذن أن تتعامل المؤرخات السيدات بتعاطف أكثر مع الملكة، لا سيما المتخصصات في «أسطورة» كليوباترا، وقد يرجع هذا ببساطة إلى إدراكهن مدى ما حدث لشخصيتها من تشوه بمرور الزمن (هامر 1993 و2003؛ هيوز-هالت 1990).
لا يمكن للمعرفة العلمية التشكيك في كون كليوباترا امرأة مثلما شككت في هويتها الثقافية، لكن بعض العلماء شككوا في مكانة كليوباترا كقدوة للنساء. فيجب ألا تكون كليوباترا شخصية تاريخية معصومة من الخطأ حتى تؤدي هذا الدور، تماما مثلما لا يرتبط مفهومها الشخصي أو المفهوم المعاصر للون بشرتها بتقبلها كشخصية بارزة سمراء اللون. فإذا استطاع بعض أعضاء مجموعتي «أقلية» (ومن بينهما النساء) النظر إلى كليوباترا، إحدى الشخصيات التاريخية الملهمة، على أنها قدوة يحتذى بها، فلم يضايق هذا من لا توجد صلة حقيقية لهم بها؟ أنا لا أقول إن كليوباترا كانت معصومة من الخطأ، بل إنه من الخطأ إنكار الانجذاب المعاصر إليها، والقائم على كونها امرأة أو سمراء أو حتى مصرية. (5) المواقف تجاه الحكام النساء
يذكر بعض الباحثين المعاصرين، عند حديثهم عن سجل إنجازات كليوباترا السابعة كحاكمة، بعض الكوارث الطبيعية مثل انخفاض عدد الفيضانات في الجزء الأول من حكمها على أنها أمثلة على إدارتها السيئة لمصر؛ فقد كتب أحدهم (هازارد 2000: 159) في استنتاج مذهل: «لا تقدم ملكات البطالمة أي أمثلة مضيئة للمؤمنين بالمساواة بين الجنسين إذا حكموا عليهن بقيمتهن للشعوب؛ إذ لم يحسن ظهور تلك الملكات جودة الحكم ووضع بنات جنسهن إلا في أضيق الحدود. وينطبق هذا على وجه الخصوص على الملكة كليوباترا الأخيرة، التي أصبحت حاليا أسطورة أكثر من كونها شخصية تاريخية؛ فقد كان تجاهل كليوباترا الأخيرة لحق أخيها (في الحكم) عام 51، وخدمتها لمصالح رعاتها في روما طوال فترة حكمها، وقتلها لثلاثة من المطالبين بالعرش وتحصيلها لضريبة ضخمة من شعبها؛ من العوامل التي جعلتها أعظم من رفاقها الرجال، لكنها حكمت بقسوة تضاهي أي ملك آخر.»
على الرغم مما يبدو من معاناة بعض المؤرخين المعاصرين مع مفهوم الرمز النسائي القوي، فقد لعبت النساء دورا رئيسيا في مصر منذ عهد الأسرة الأولى، وكانت تشغل بوضوح دورا خاصا قريب الصلة بدور الآلهة ذات النفوذ. تولى حكم مصر حاكمات من النساء، لكن هذا الوضع لم يكن إلا استثناء. في مقال عن نماذج السلطة (النسائية) وفيما يتعلق باعتلاء حتشبسوت للحكم، تحدثت روث عن الظروف التي أحاطت بارتقاء النساء إلى منصب الحاكم الرئيسي (2005: 9-14). فقد وصل كثير من النساء إلى السلطة عقب وفاة زوجها المفاجئة. بينما كانت تتولى أخريات السلطة، لكن دون الحصول على لقب الملك، كوصيات على العرش أو في دور والدة الملك (روث 2005: 10-12). من الواضح أن المصريين كانوا يتقبلون الحاكمات النساء ويتأقلمون معهن، وكان ينظر إلى النساء على أنهن قادرات على حماية مصر، وربما كن يدفن بصحبة أشياء تتعلق بالشجاعة العسكرية (روث 2005: 11). لا يعتبر هذا أمرا مفاجئا إذا نظرنا إلى ربات مثل سخمت، التي تتضمن شخصيتها جانبا خاصا بتقديم الحماية وآخر لشن الحروب.
يوجد لدى الإغريق إلهة تشبه سخمت ذات رأس اللبؤة؛ وهي أثينا. كان وجود المحاربات في اليونان القديمة مقتصرا على عالم الأساطير؛ فلم يكن يوجد نظير إغريقي للمنصب الذي تقلدته نساء الأسرة الملكية المصريات. ومع ذلك، نرى في مقدونيا في عصر الإسكندر الأكبر ظهور نوع مختلف تماما من النساء، فكما كان يحدث في مصر كانت النساء تستخدم في توطيد الولاء السياسي؛ فكانت لدى فيليب الثاني المقدوني، والد الإسكندر الأكبر، سبع زوجات ولم يطلق أيا منهن. كانت زوجات فيليب وبناته محاربات يذهبن إلى المعارك، ورتبن زواج بناتهن وعملن على ترقية أبنائهن (أشتون 2003أ: 14). كانت والدة الإسكندر سيدة بالغة القوة وواسعة السلطة، وعقب وفاته بذلت كل ما في وسعها من أجل الحفاظ على مكانتها، حتى إنها وضعت تمثالا لها بجوار تمثال ولدها المؤله في ضريح للأسرة في مدينة أولمبيا باليونان (ستيوارت 1993: 386-387). واتباعا لهذا النموذج المقدوني على وجه الخصوص سعت ملكات البطالمة الأوليات إلى زيادة سلطتهن؛ فقد سعين بنشاط في القرن الثاني قبل الميلاد إلى تعزيز مكانتهن، وهو ما كان يحدث عادة على حساب أزواجهن.
على الرغم من هذا، شهد العصر البطلمي حكما مباشرا لأم وابنتها؛ فقد حكمت كليوباترا الخامسة (ترايفينا)، زوجة بطليموس الثاني عشر (والد كليوباترا السابعة )، مع ابنتهما كليوباترا برنيكي الرابعة من عام 58 إلى 55 قبل الميلاد. في الواقع يحدث هنا الارتباك بشأن عدد اللاتي أطلق عليهن اسم كليوباترا. يشير فرفوريوس إلى أن كليوباترا برنيكي الرابعة كانت أخت كليوباترا الخامسة وليست ابنتها، وهو ما يشير إلى وجود كليوباترا خامسة أخرى وإلى وجود كليوباترا سادسة (أشتون 2003أ: 67-68). لا توجد أدلة كثيرة تدعم وجود سيدة أخرى باسم كليوباترا الخامسة ويحتمل أن يكون فرفوريوس قد أخطأ (وايتهورن 1994: 182-183). كذلك فإن الملكة التي نعرفها باسم كليوباترا السابعة هي في الواقع كليوباترا السادسة. ومن أجل تجنب المزيد من الحيرة سنشير إليها في هذا الكتاب ببساطة باسم كليوباترا أو برقمها المألوف.
لم يكن الرومان سعداء بفكرة الحاكمات النساء، وفي كثير من الأحيان كانوا يتدخلون من أجل وضع حاكم رجل على العرش بدلا من المرأة. وكان أكثر هذه التدخلات تدميرا زواج كليوباترا برنيكي التي حكمت مع عمها بطليموس العاشر ووالدها بطليموس التاسع، ثم تسلمت حكم مصر وحدها بعد وفاة والدها. حكمت كليوباترا برنيكي لمدة ستة أشهر قبل اختيار الرومان ابن أخيها ليحكم معها، وفي غضون أسابيع قتلها زوجها. فأخذ أهالي الإسكندرية بثأرهم وقتلوا ملكهم الجديد. (6) جمال كليوباترا
في 14 من فبراير عام 2007، نشرت الصحف الشعبية في بريطانيا العظمى مقالات تحمل عناوين مثل «كليوباترا الدميمة». وحتى الصحف كبيرة الحجم احتوت على مقالات تتساءل عن جمال كليوباترا. كان الدافع وراء هذا متحف جامعة نيوكاسل، الذي عثر على عملة من نوع شائع نسبيا وعرضها في يوم عيد الحب.
شكل 1-1: عملة تظهر صورة لكليوباترا السابعة على أحد وجهيها ومارك أنطونيو على الوجه الآخر. ضربت هذه العملة في أنطاكية عام 36 قبل الميلاد. متحف فيتزويليام في كامبريدج.
من السهل تجاهل التساؤلات المتعلقة بجمال كليوباترا (هامر 2003: 126)، ومع ذلك، فإن هذا الموضوع يستحق مزيدا من الدراسة. تستخدم الصور الظاهرة على العملة (شكل
1-1 ) كدليل ضد جمال الملكة المزعوم لمجرد أنها لا تتماشى مع المفهوم الغربي المعاصر عن الشكل الجذاب المقبول. لم يضطر إلا عدد قليل من الشخصيات التاريخية الذكورية إلى التعرض لمثل هذا النوع من الإهانة الناتجة عن الحكم عليهم بناء على صورة لا تظهر محاسنهم. وعند إلقاء نظرة خاطفة على صور كليوباترا الأخرى يظهر لنا نوع من الصور مختلف تماما عن «صورها» اللاحقة المطبوعة على العملات، وفي الواقع بناء على الروايات الكلاسيكية، نجد أن تلك الصور الأخرى تتماشى بسهولة أكبر مع الصورة المثالية الغربية القياسية، رغم أنني لا أشير للحظة إلى أن هذه الصور أكثر جمالا من صورها الأخرى. لماذا إذن أصبحت الصور المطبوعة على العملات، التي تظهر ملامح ذكورية واضحة لكليوباترا، هي الدليل الأكثر شيوعا لإثبات قبح كليوباترا؟ يبدو الأمر كما لو أنه من الأفضل ألا تكون كليوباترا فائقة الجمال. يشير ذلك أيضا على نحو محزن إلى النمط الغربي المعاصر لمفهوم الشكل الجذاب وغير الجذاب.
عادة ما يربط الناس جمال كليوباترا بواقعة سقوط هذه الملكة ومعجبيها كما ذكر لوكان في قصيدته «فرساليا» (السطر 164). لم يكن جميع الكتاب الرومان بمثل قدر سطحية نظرائهم المعاصرين، فيشير بلوتارخ إلى جمال الملكة الداخلي وجاذبية شخصيتها في أجزاء عدة من كتابه «حياة أنطونيو»، ويقول في الفصل 73 أن كليوباترا كانت «تعي جمالها الشخصي وتفخر به بشدة». تعرض إنكار جمال كليوباترا الخارجي - وبالتالي سلطتها الملحوظة على الرجال - إلى التشكيك، تماما مثل التراث الأفريقي لكليوباترا. القضيتان كلتاهما أكثر تعقيدا بمراحل مما تبدوان عليه للوهلة الأولى، فكيف نعرف (أو على وجه الدقة كيف كان المصريون القدماء يعرفون) الجمال أو «سمار البشرة»؟ كلاهما تعريفان مؤقتان، يعتمدان على الثقافة والزمن (هامر 2003: 126؛ شوحط 2003: 129).
الفصل الثاني
المصادر
(1) السير المعاصرة
يعتمد كثير من السير المعاصرة لكليوباترا السابعة على النصوص الرومانية كمصدر أساسي لها. هذا ويدرك كثير من المؤرخين المعاصرين بوضوح أن مثل هذه النصوص تتسم بالتحيز السياسي أو الثقافي، لكن يبدو أنهم يستخدمونها دون تفكير كثير كما لو أنهم لا يملكون بديلا آخر. وهكذا ينظر إلى كليوباترا بوصفها ملكة أوروبية في حين أنها كانت في الحقيقة حاكمة لمصر.
تضم السير التقليدية سيرة مايكل جرانت (التي نشرت لأول مرة عام 1972)، وتظل أكثر رواية شاملة عنها قائمة على مصادر تاريخية. بالمثل توجد سيرة برادفورد (1971) المقسمة زمنيا وإلى حد ما وفقا للموضوعات الرئيسية. ومؤخرا ظهرت كتب تتناول موضوعات أوسع نطاقا مثل كليوباترا وحكم البطالمة في مصر (شوفو 2000، وترجمته الإنجليزية عام 2002). وفي عام 1997 نشر كتاب تاريخي عن كليوباترا ومصر في عهدها مصاحبا لبرنامج تليفزيوني صدر بعنوان تايم واتش (فوس 1997). تحدث كتابان شاملان عن أسطورة كليوباترا من تأليف هيوز هالت (1990) وهامر (1993)، ومؤخرا نشرت رويستر (2003) كتابا عن كليوباترا في الأدب والإعلام المعاصرين. بدأ الباحثون في العصر الحالي في دراسة جوانب معينة من حكم كليوباترا، ومثال على هذا كتاب كلاينر (2005) بعنوان «كليوباترا وروما»، لكنه حاد قليلا عن العنوان وضم أجزاء عن مصر مأخوذة في الأساس من كتالوج معرض المتحف البريطاني لعام 2001. وفي عام 2003 نشرت وقائع أحد المؤتمرات الذي عقد في المتحف البريطاني مصاحبا للمعرض (ووكر وأشتون)، وشكل ملخصا للأفكار التي عرضت فيها أساسا لكتاب أصغر حجما صدر في وقت قريب من تأليف نفس المؤلفتين (2006). قدم جونز (2006) مرجعا مفيدا، لكنه غير شامل، في الترجمة وسيشار إليه على مدار الكتاب، بالإضافة إلى ترجمات أكثر تخصصا للمصادر الرومانية. إن هذا ليس سردا كاملا للكتابات المتاحة بالإنجليزية عن هذا الموضوع، ولكنه يقدم للقارئ فكرة عن حجم الإصدارات الموجودة في هذا الموضوع. لا يحظى إلا عدد قليل من الشخصيات التاريخية الأخرى بمثل هذا الاهتمام. من غير السهل انتزاع كليوباترا من السياق التاريخي الروماني؛ ولذلك من السهل أن نرى السبب وراء فشل كثير من الكتاب في تحقيق هذا في سيرهم. لن نغفل في هذا الكتاب الحديث عن الرومان وتأثيرهم الكبير على الإطار العام لحياة كليوباترا، وإنما سنحاول رؤية هذه الملكة داخل سياق حياتها المصرية.
بالإضافة إلى الدراسات المتخصصة توجد أيضا كتالوجات المعارض، مثل كتالوج المعرض الذي نظمه المتحف البريطاني وأقيم في بالاتسو روسبولي في روما (2000) وفي المتحف الميداني في شيكاجو (2002). لم تكن هذه المرة الأولى التي تستضيف فيها الولايات المتحدة الأمريكية معرضا يدور موضوعه حول كليوباترا؛ ففي عام 1988 أقام متحف بروكلين معرضا تحت عنوان «عهد حكم كليوباترا البطلمي في مصر » (عمل من تحرير بيانشي 1988). ضم كتالوج المعرض مقالات لباحثين بارزين، أصبحت أبحاثا رئيسية حول عدد من جوانب تصوير هذه الشخصية الملكية البطلمية. اعتمدت المعروضات على مجال أوسع بكثير من كليوباترا نفسها وضمت آثارا من حكم سابقيها ولاحقيها أيضا.
يعتبر مثل هذه البدائل للسجل التاريخي المكتوب مهما لأنه يتيح لنا وسيلة لتقييم الطريقة التي كانت كليوباترا تتمنى أن تظهر بها ولا يجعلنا نراها مجرد شخصية ضمن تاريخ شخص آخر. عرض كثير من هذه المصادر في معرض خاص 2000-2002 تحت عنوان «كليوباترا ملكة مصر: بين التاريخ والأسطورة» وعرض على نحو مناسب في الكتالوج (ووكر وهيجز (تحرير) 2001). هذا ومن غير الممكن، أو في الواقع من غير المناسب دراسة كافة التفسيرات الممكنة لمثل هذه المعروضات في كتالوج كتب في الأساس لعامة الناس. لقد ألقى هذا المعرض والكتالوج المصاحب له الضوء على نقص الأبحاث العلمية الشاملة عن كثير من جوانب حياة هذه الملكة، خاصة صورتها كحاكمة مصرية. وفي وقت تأليفي لهذا الكتاب كان المجتمع العلمي قد قضى وقتا في إمعان التفكير في الأعمال التي عرضت في المعرض وأصبح من الممكن حاليا إعادة التفكير في طريقة تفسيرنا لشخصية كليوباترا السابعة.
على عكس كثير من السير السابقة للملكة، سيركز هذا الكتاب على طريقة شرح الأدلة التي لا تزال باقية والتفكير في تقييمات بديلة. تتمثل إحدى أكبر المشكلات التي تظهر عند التعامل مع حكم البطالمة في مصر في طبيعة هذا الموضوع متعدد التخصصات؛ فيبدو أن الدارسين المتخصصين في جانب واحد محدد من ثقافة البطالمة يواجهون صعوبات في فهم التفسير المقبول وغير المقبول للسمات الأساسية لهذه الثقافة، وينطبق هذا على وجه الخصوص على الأدلة المصرية. سنتحدث عن تلك المشكلات بالتفصيل في الفصول القادمة. (2) كتاب السيرة والمؤرخون الرومان التقليديون
تقدم الروايات التاريخية التقليدية وسيلة لدراسة رؤية الآخرين لكليوباترا، والأهم من هذا، أنها كانت وسيلة لفهم المزيد عن المجتمع الذي كتبت فيه. لمزيد من الإيضاح لا بد لنا من معرفة هوية هؤلاء المؤلفين القدماء والمناخ السياسي الذي كتبوا مؤلفاتهم فيه. سنجد أن أسماء كثير من هؤلاء الكتاب مألوفة لنا، ومع ذلك، من المهم أن نأخذ في الاعتبار خلفياتهم وانتماءاتهم السياسية من أجل تحديد مدى دقة «رواياتهم التاريخية». يوجد فيما يلي قائمة انتقائية لمؤلفين ذكروا كليوباترا مباشرة. هذا وسنقتبس أجزاء من أعمالهم على مدار الكتاب وسنقارنها بالأدلة الأثرية والأدلة التي ظهرت في الأعمال التاريخية الفنية عن حكم هذه الملكة. وعندما نتحدث عن المصادر الرومانية من المهم أن نتذكر أنه على الرغم من كتابة الأعمال في أثناء حكم الإمبراطورية الرومانية، فإن كثيرا من المؤلفين والمؤرخين كانوا إغريقا ويكتبون بالإغريقية. وسنذكر، قدر المستطاع، مسقط رأس كل مؤلف وهويته الثقافية باختصار تحت اسمه. (2-1) الكتاب الرومان المعاصرون
توجد أهمية خاصة لهذه المجموعة من الكتاب لأنها تسمح لنا بمعرفة وجهة نظر روما في كليوباترا في أثناء حياتها. لم يلعب يوليوس قيصر دورا مهما في حياة كليوباترا فحسب، بصفته والد أول أبنائها ووريثها المختار، وإنما كتب أيضا عن وصوله إلى مصر وإقامته فيها في عملين: «حرب الإسكندرية» و«الحروب الأهلية» (المجلد الثالث). لم يكن الكتابان سردا ذاتيا على الإطلاق، وإنما كتبا بضمير الغائب، وهو ما قد يشير إلى أن هذا العمل قد ألفه أولوس هيرتس أحد قادة جيشه. ذكرت كليوباترا في سياق وفاة القائد الروماني بومبي والوضع السياسي في مصر وقت وصول يوليوس قيصر («الحروب الأهلية» المجلد 3، الصفحات 103 و107 و108).
على العكس من أسلوب يوليوس قيصر في السرد التاريخي وانتمائه السياسي، كان الخطيب ورجل السياسة ماركوس توليوس شيشرون ناقدا شديدا لكليوباترا، وقد عاش تقريبا من عامي 106 إلى 43 قبل الميلاد (جونز 2006: 85-87). وتظهر خطابات شيشرون إلى أتيكاس أن الملكة كانت موضوعا للإشاعات خلال فترة إقامتها لمدة عامين في روما، بين عامي 46 و44 قبل الميلاد، في فيلا يوليوس قيصر. تعتبر هذه النصوص مهمة لأنها تؤرخ للفترة التي سبقت معركة أكتيوم، وتقدم تقريرا عن حياة الملكة في وقت كان ينظر إليها فيه على أنها تمثل تهديدا محتملا لروما منذ بداية اتصالها بإيطاليا.
كذلك لم يكن شيشرون في النهاية مؤيدا ليوليوس قيصر؛ إذ كان يفضل الانحياز سياسيا إلى القائد بومبي، الذي اشتبك مع يوليوس قيصر في الحرب الأهلية الرومانية. بعد ذلك، أيد شيشرون أوكتافيان وحاول في عامي 44 و42 قبل الميلاد إقناع مجلس الشيوخ بضرورة إعلان مارك أنطونيو عدوا للشعب، لكنه فشل في ذلك. ولدواعي المفارقة كان ولاء شيشرون لأوكتافيان سببا في دماره؛ إذ فقد شعبيته وقتل في السابع من ديسمبر عام 43 قبل الميلاد بعدما أصبح هو نفسه عدوا للدولة. (2-2) الكتاب الرومان في عصر أغسطس، بعد وفاة كليوباترا
كان الشاعر هوراس أحد المعلقين المعاصرين لأغسطس الذين ظهروا بعد معركة أكتيوم مباشرة، وقد عاش في الفترة بين عامي 65 و8 قبل الميلاد (جونز 2006: 165-169). كان هوراس عضوا في دائرة أدبية يرعاها أغسطس. ويذكر كليوباترا في كتابه الأول من مجموعة «الأناشيد» (1. 37)، الذي نشر عام 23 قبل الميلاد تقريبا، بعد سبع سنوات من وفاة الملكة، والذي يحتفل فيه بوفاتها بالسطر الشهير: «والآن دعونا نشرب.»
أحد الشعراء الآخرين من دائرة المقربين من أغسطس كان سيكستوس أوريليوس بروبيرتيوس الذي ولد بين عامي 54 و47 قبل الميلاد وتوفي في عام 16 قبل الميلاد. يذكر الشاعر كليوباترا في قصائده العاطفية (جونز 2006: 169-176)، وقد كان دائم الإشارة إلى انحرافات كليوباترا الجنسية المزعومة وفسقها؛ مما يظهر لنا أن هذا الجزء من أسطورة كليوباترا ظهر في وقت مبكر.
كذلك عقب وفاة كليوباترا مباشرة زار المؤرخ وعالم الجغرافيا سترابو مصر في الفترة بين عامي 25 و19 قبل الميلاد ويذكر كليوباترا في أجزاء عديدة من موسوعته «جغرافيا». ولا يتحدث عن كليوباترا بالتفصيل إلا في الكتاب 17. 1. 10 ويدور الحديث عن الافتراضات المحيطة بوفاتها (جونز 2006: 7 و29-30). (2-3) الكتاب الرومان في عصر تيبيريوس
ظهر عدد كبير من الكتاب الذين ذكروا كليوباترا السابعة في أثناء حكم تيبيريوس، خليفة أغسطس. بطبيعة الحال كان هؤلاء الكتاب حريصين على مدح والد الإمبراطور الحالي. ويبدو أن تيبيريوس نفسه كان لا يشعر بانجذاب كبير تجاه العقائد المصرية في روما؛ إذ أغلق معبد إيزيس الرئيسي في روما بعد حدوث فضيحة هناك. كذلك أطلق اسمه على بعض المنشآت التي أهديت إلى مصر، لكن معظم هذه المشروعات كانت استكمالا لتلك التي بدأت بموجب برنامج والده الموسع للبناء والتشييد (أرنولد 1999: 248-250).
كان فيليوس باتركولوس مؤرخا نادرا ما يتخذه الكتاب القدماء اللاحقون مصدرا لهم. عاش في الفترة من سنة 19 قبل الميلاد تقريبا حتى بعد عام 30 ميلاديا، عندما نشرت أعماله. كان باتركولوس مؤيدا لتيبيريوس وحكومته، واستخدم كليوباترا - التي ظهرت في المجلد الثاني من عمل بعنوان «الأحداث التاريخية» - من أجل توضيح ضعف شخصية مارك أنطونيو، على الرغم من وجود تساؤلات كثيرة ونقد لأفعال مارك أنطونيو بعيدا عن الملكة في الأجزاء التي تسبق مباشرة الحديث عن معركة أكتيوم (جونز 2006: 153-154، و164-165، و189).
كان فاليريوس ماكسيموس أيضا أحد مؤرخي عصر تيبيريوس ومؤلف كتاب «مجموعة من الأعمال والأقوال البارزة». توجد إشارة إلى كليوباترا في المجلد الرابع من هذه المجموعة في الصفحة 1 إلى 15. ونظرا لتأثره بشيشرون والأعمال الكاملة التي كانت تهدف إلى مدح تيبيريوس، لا عجب إذن أن نعلم أن فاليريوس لم يكن مؤيدا للملكة.
عاش لوكان في الفترة من نحو عام 39 إلى 65 ميلاديا وكتب قصيدة ملحمية بعنوان «فرساليا» (10. 1-192، 332-546)، أعاد فيها سرد الحرب بين يوليوس قيصر وبومبي، التي انتهت باحتلال بومبي لجزيرة فاروس في الإسكندرية. وبعد وصول يوليوس قيصر إلى الإسكندرية بوقت قصير قتل بومبي بأمر من بطليموس الثالث عشر؛ أخي كليوباترا. ظهرت كليوباترا في هذه القصيدة على أنها شخصية مراوغة، وأشير إليها مباشرة في عدد من الأبيات (جونز 2006: 63-78). (2-4) الكتاب الرومان في القرن الأول والثاني الميلادي
يذكر بليني (الأكبر، من 23 إلى 79 ميلاديا) كليوباترا أيضا في المجلد التاسع من كتابه «التاريخ الطبيعي» في الفصل 58 (جونز 2006: 106-109). يقدم ما قاله عنها انطباعا عن فكرة الرومان عن ثراء وترف البلاط البطلمي ويعيد سرد القصة الشهيرة عن إذابة كليوباترا لؤلؤة في الخمر.
لم تكن كليوباترا السابعة عدوة لروما فقط؛ فقد وضع الراهب اليهودي والمؤرخ فلافيوس يوسيفوس، الذي ولد نحو 37 / 38 ميلاديا وتوفي نحو عام 100 ميلاديا، كليوباترا ضمن الشخصيات المعادية للسامية في كتابه بعنوان «ردا على أبيون»، وفي كتاب آخر بعنوان «الحرب اليهودية» وأخيرا في كتاب «آثار اليهود القديمة». تتسم كثير من الحقائق التاريخية التي قدمها بالتحيز؛ ففي إحدى الحالات يتهم الملكة «بتدمير آلهة دولتها وقبور أسلافها».
ولد بلوتارخ، أحد المصادر الرئيسية للسنوات الأخيرة من حكم كليوباترا، قبل عام 50 ميلاديا وتوفي قبل عام 125 ميلاديا (بلينج 1988: 3). فقد سافر إلى مصر، وعمل كاهنا طوال آخر ثلاثين عاما من حياته في معبد دلفي. يقال في كثير من الأحيان إنه كان مؤيدا كبيرا للعلاقة بين اليونان وروما ولذلك كانت له نفس توجهات الإمبراطور هادريان (بلينج 1988: 9). ظهرت كليوباترا مرتين في سيره عن يوليوس قيصر (جونز 2006: 55-58)، وأنطونيو (جونز 2006: انظر 343). وكان كتاب بلوتارخ «حياة أنطونيو» أساسا لكثير من أعمال كتاب لاحقين عن كليوباترا. ظهرت الملكة كفصل في حياة أنطونيو بدلا من تفردها بسرد تاريخي خاص بها.
عمل سويتونيوس، الذي ولد نحو عام 69 ميلاديا، أيضا تحت حكم الإمبراطور هادريان. طرده هادريان من العمل ككاتب للبلاط عام 120 / 121 ميلاديا. ونظرا لعمله ككاتب فقد سجل الأحداث وذكر تعليقات بسيطة بدلا من تحليل مصادره نقديا. ذكر كليوباترا في ثلاث من سيره؛ عن يوليوس قيصر (الفصلان 35 و52، جونز 2006: 46-52 و54-55 و78-79 و87-88)، وأغسطس (الفصلان 17 و69، جونز 2006: 129-134 و144-146 و201-202)، ونيرو (الفصل الثالث).
عاش جالينوس من عام 130 حتى 200 ميلاديا تقريبا. كان طبيبا من مدينة بيرجامون درس في الإسكندرية وسجل العلاج الذي كانت تستخدمه كليوباترا لتساقط الشعر (رولاندسون 1998: 41). ربما ارتبط هذا العلاج بالصلع الذي أصاب يوليوس قيصر أو ربما كان رواية تناقلها الباحثون والدارسون في الإسكندرية. (2-5) الكتاب الرومان في القرنين الثاني والثالث الميلاديين
عاش المؤرخ ديو من عام 150 حتى 235 ميلاديا تقريبا وكان عضوا في مجلس الشيوخ الروماني تحت حكم الإمبراطور كومودوس. يضم كتابه «التاريخ الروماني» سردا للحرب بين بومبي ويوليوس قيصر وغزو أوكتافيان، الذي أدى إلى تأسيس الإمبراطورية الرومانية. ذكرت كليوباترا في عدة أجزاء (جونز 2006: 31 وانظر أيضا 336). هذا وقد استخدم كاسيوس ديو كمؤرخ تيتوس ليفيوس مصدرا له.
عاش فيلوستراتوس، وهو مواطن روماني، في طفولته في الجزء التابع لأثينا من جزيرة ليمنوس؛ فيعتقد أنه ولد نحو عام 170 ميلاديا. ذكرت كليوباترا على أنها مثال على الفساد الأخلاقي والفجور في كتابه الذي يحمل عنوان «حياة السفسطائيين» (رايت 1952). إن كتابه هذا مثال جيد على النظرة التي كانت تعتبر كليوباترا مؤثرا سلبيا على من حولها؛ فقد استخدم كثير من الكتاب الرومان قبضتها المحكمة على الرجال لتفسير سقوط «ضحاياها» الرومان. ذكرت كليوباترا في مقطع شعري في الفصل الخامس من المجلد الأول، حيث جرى الحديث عنها من منظور علاقتها برجل مصري يدعى فيلوستراتوس درس الفلسفة مع الملكة، وهو ما يفسر مديحه لها. (3) المصريون والأفارقة
لم يكن يوجد بين الكتاب الذين تحدثنا عنهم حتى الآن صلة أو علاقة شخصية بمصر تتعدى مجرد زيارتهم لها؛ لذلك لا عجب من تبني الكثير منهم وجهة نظر عدائية تجاه كليوباترا. نتحدث في هذا الجزء عن عدد من المؤرخين الذين ينتمون إلى شمال أفريقيا من أجل استكشاف احتمال وجود وجهة نظر أخرى مضادة لوجهة نظر كثير من المؤلفين الرومان. وقد كان الغالبية العظمى من هؤلاء المؤرخين رعايا رومانيين، كما سنرى.
ولد أبيان في الإسكندرية، تقريبا في أثناء حكم دوميتيان (جونز 2006: 38-41، و79-80، و103). تولى منصبا إداريا في المدينة لكنه انتقل إلى روما عقب حصوله على الجنسية الرومانية. عند مقارنة روايات كل من ديو وأبيان تظهر جليا الاختلافات بين توجهات كلا الكاتبين (جوينج 1992). على الرغم من أن أبيان كان يؤمن بالفكرة الراسخة نفسها التي تزعم أن كليوباترا والإسكندرية كان لهما تأثير سيئ على أنطونيو الذي كان ضعيفا بالفعل، فإنه لا يلوم خلفية كليوباترا المصرية، ولا يصف المصريين بأنهم شخصيات مثيرة للمشاكل كما يظهر في كثير من أمثلة الأدب الروماني (جوينج 1992: 115 و117-118). قيل أيضا إن أبيان، كمواطن مصري، لم يكن يعتقد بالضرورة أن الغزو الروماني أدى إلى تحسين الحكم في مصر (جوينج 1992: 115، رقم 60). ويبدو على الأرجح أنه لم يكن مناسبا لمؤرخ إسكندري أن يعترف بأن مدينته أسهمت مباشرة في سقوط أنطونيو (جوينج 1992: 122).
ينتمي إلى مصر أيضا الخطيب والنحوي أثينوس، الذي ألف كتابا بعنوان «مأدبة العلماء» عام 192 ميلاديا بعد وفاة كومودوس بفترة. ولد هذا المؤلف في مدينة ناوكراتيس في دلتا مصر، ويشتهر ككاتب بذكائه وروحه الفكاهية أكثر من دقته التاريخية. ومع ذلك، فإن كتابه أصبح مصدرا مهما لتاريخ المهرجانات البطلمية، ويذكر كليوباترا في المجلد الرابع ويشير إلى بزخ ولائمها (طومسون 2000).
يبدو أن المؤرخ والشاعر الأفريقي فلورس، الذي عاش في أواخر القرن الأول الميلادي وأوائل القرن الثاني، لم يشعر بأي تعاطف نحو الملكة. فقد كانت مصادره لمعرفة التاريخ الروماني هي ليفيوس وسالوست ويوليوس قيصر وسنيكا الأكبر وفيرجيل ولوكان (جونز 2006: 62)، وعلى الرغم من مولده في أفريقيا، فإنه عاش في روما، وأقام لفترة قصيرة في إسبانيا، ثم عاد إلى إيطاليا مرة أخرى في أثناء حكم الإمبراطور هادريان. ذكرت فكرة أن كليوباترا كانت عاهرة وحسناء لا تقاوم فتنتها في مؤلفات الحاكم والكاتب الأفريقي أوريليوس فيكتور، الذي عاش في القرن الرابع الميلادي، في سيره التي تحمل عنوان «عن أشهر الرجال»، وتغطي الحقبة الجمهورية الرومانية. (4) المؤرخون المصريون المسيحيون والمسلمون الأوائل
كانت هناك على الأرجح رواية مصرية بديلة للأحداث التاريخية الرومانية المكتوبة، لم تسجل حتى القرن السابع الميلادي، عندما كتب يوحنا، أسقف مدينة نقيوس في صعيد مصر كتاب «تاريخ مصر» (الدالي 2004: 132). وقد اقترح مؤخرا أن هذا الكتاب قد كتب باللغة العربية بدلا من اليونانية أو القبطية (الدالي 2004: 132 نقلا عن عبد الجليل 2000: 260-262). كتب يوحنا في كتابه «تاريخ مصر» أن كليوباترا كانت «الأكثر شهرة وذكاء بين النساء» (ترجمة تشارلز 1916: 48-50). تكرر ظهور هذا المفهوم على يد الكتاب المسلمين في القرن العاشر، مثل المسعودي الذي وصف كليوباترا على أنها «آخر الحكماء في اليونان» (الدالي 2004: 133).
كانت شخصية كليوباترا التي ظهرت في النصوص الإسلامية المبكرة مختلفة تماما عن تصوير الكتاب والمؤرخين الرومان لها (الدالي 2004: 121-122 و130-137 و142)؛ فقد ظهرت على أنها طالبة علم وطبيبة وعالمة وفيلسوفة ومعمارية (وإن كان ربط خطأ بينها وبين مشروعات بناء نفذها أسلافها). يشير فصل «الغرام العربي بكليوباترا» من كتاب الدالي «علم المصريات: الألفية الضائعة» (الدالي 2004: 135-136) إلى أن الملكة قد شبهت بالإسكندر، ما يعتبر دليلا على مكانتها كشخصية تاريخية. ويقول الدالي إن كليوباترا المذكورة في كتابه هي سيدة ذكية ذات طموح سياسي كبير، وهي سيدة ظهرت أيضا في بعض المصادر الرومانية، مثل الفصول الأخيرة من كتاب بلوتارخ «حياة أنطونيو». يحتمل أن يكون الكتاب والمؤرخون العرب والمسلمون قد استخدموا بعض المصادر نفسها التي استخدمها الكتاب الرومان التقليديون، لكنهم اختاروا ببساطة تعزيز جانب أكثر إيجابية من شخصية هذه الملكة والاحتفاء بطموحها وقوتها السياسية. إحدى المفارقات الكبرى أنه في ظل المفهوم الغربي واسع الانتشار عن الثقافة الإسلامية المعاصرة، نجد أن التراث الإسلامي تعامل مع كليوباترا مثل أي شخصية تاريخية ذكورية. ومع ذلك، فإن من لديهم معرفة أكبر بصورة كليوباترا في مصر حاليا، لن يفاجئوا عند العثور على سرد تاريخي متأصل في التراث الثقافي الإسلامي المبكر يثني على الملكة. (5) بدائل للمصادر الأدبية والتاريخية
توجد بدائل للروايات التاريخية الرومانية. وتتنوع هذه المصادر البديلة من صور للملكة (في تماثيل أو عملات أو نقوش المعابد) والمعابد نفسها وصولا إلى المراسيم التي صدرت في أثناء فترة حكمها. لا تزال هذه الأدلة تتطلب المزيد من التحليل؛ ولذلك يوجد مجال لسوء الفهم، لكنها ذات أهمية كبرى عند دراسة كليوباترا بوصفها إحدى الشخصيات المصرية. قد لا تكون هذه المصادر مفيدة للسرد التاريخي أو كمرجع يشير إلى شخصية هذه الملكة، ولكنها تمثل مصدرا أساسيا وليس ثانويا للمعلومات وتكون أقل تحيزا من الروايات المسجلة في الكتب؛ لأنها لا تعبر عن رأي شخص آخر.
يوجد عدد من الأمثلة على أدلة نصية مصرية تتناول حكم كليوباترا السابعة، بداية من ألقابها الدينية المسجلة، وانتسابها إلى الآلهة المعروفة، وصولا إلى المراسيم الملكية وأوراق البردي في مجال الإدارة. تدعى إحدى قطع البردي المثيرة للجدل «بردية كليوباترا»، وهي وثيقة ملكية مثيرة للجدل يعتقد البعض أنها تظهر توقيعا بيد الملكة ومكتوب عليها: «فليحدث هذا»، لكنها تحتوي على خطأ مطبعي في الكتابة اليونانية القديمة (فان مينن 2003). بصرف النظر عن هوية المؤلف، فإن مثل هذه الوثائق تقدم أدلة سياسية مهمة على حكم كليوباترا، وسنتحدث عنها بالتفصيل في هذا الكتاب.
تقدم المسلات والمعابد معلومات أيضا عن مصر في عهد كليوباترا. إن المنشآت التي أقامتها الملكة في مدن مثل إدفو وأرمنت وقفط ودندرة ، التي تقع جميعها في صعيد مصر، وفي مدينة الإسكندرية في معابد إيزيس ويوليوس قيصر أتاحت للمؤرخين المعاصرين دراسة أنماط دعم الأسرة الملكية للعبادات الدينية، وتوضح أيضا الشخصيات التي كانت تريد الملكة ربط نفسها بها، سواء من حيث شريك الحياة أو الآلهة. توضح الزخارف البارزة والتماثيل الموجودة في هذه المواقع أيضا طريقة تصوير كليوباترا، سواء كملكة أو كإلهة. يمكن رؤية النظير اليوناني لهذا في العملات التي كانت تصك في الإسكندرية وفي ممتلكات البطالمة خارج البلاد. توجد في روما، خارج مصر وإمبراطورية البطالمة، تماثيل وأضرحة يمكن ربطها بفترة إقامة الملكة في المدينة التي استمرت عامين، بالإضافة بالطبع إلى المصادر الأدبية سالفة الذكر.
الفصل الثالث
ابنة ملك وأخت ملك وزوجة ملك عظيمة
(1) الجوانب السياسية والأيديولوجية للحكم الملكي
يجب النظر إلى كليوباترا السابعة على أنها أحد القادة الفطنين سياسيا والمدركين للعالم من حولهم. ومن أجل فهم دورها داخل سياق أوسع لا بد أن نأخذ في اعتبارنا إطارا سياسيا أكثر اتساعا. لا يهدف الجزء التمهيدي من هذا الكتاب إلى تقديم عرض تاريخي كامل لفترة حكم البطالمة حتى عهد كليوباترا السابعة؛ حيث يقدم كتاب جونتر هولبل «تاريخ إمبراطورية البطالمة» عرضا حديثا للأفكار الرئيسية الأساسية (2001). إنما سيعمل هذا الجزء على تعريف القارئ ببعض الجوانب الأساسية المتعلقة بثقافة البطالمة، وسيعمل إلى حد ما على شرح خلفية السياسات المحلية التي طبقتها كليوباترا السابعة. نجد أن إشارات الكتاب والمؤرخين الرومان إلى الأسرة الملكية البطلمية ذات طبيعة سلبية لا تختلف عن إشاراتهم إلى كليوباترا السابعة. هذا وتساعد الأدلة الوثائقية - المتمثلة في المراسيم والخطابات والشقفات (قطع من الخزف أو الحجارة معاد استخدامها) المأخوذة من مصر - بقدر أكبر في تحديد التوجهات داخل أسرة البطالمة الحاكمة وما مرت به من تقلبات في سلطة وأحوال غير مستقرة. تكشف هذه المصادر عادة، مثل برامج البناء والتشييد، عن عدم استعداد الحكام للاعتراف بالهزيمة.
غالبا ما تفسر أيدولوجية الحكم الملكي البطلمي من منظور إغريقي، لا عبر ربط الإدارة الجديدة بالحكومة السابقة عليها والتي كانت موجودة في مصر مع تسلم المقدونيين مقاليد الحكم. اعتمد المصريون على فكرة وجود ملك مقلد يحكم البلاد، وتلك الفكرة هي أساس نسقهم الأيديولوجي. لم يكن وجود الملك داخل مصر فعليا على عرشها أمرا مهما من أجل بقاء كيان الدولة المصرية، كما يتضح لنا من غياب حكام الفرس ومن بعدهم الإسكندر ثم خلفاؤه المباشرون، الذين كانوا جميعا ينتدبون ممثلين لهم في فترة غيابهم. طبق الرومان أسلوبا مشابها بعد وفاة كليوباترا السابعة. لكن مصر كانت بحاجة إلى حاكم مقيم فيها لردع أي عدو خارجي عن غزوها، وفي حالة البطالمة كان هذا العدو هو أي حاكم مقدوني آخر أو الرومان فيما بعد. تقبل المصريون، في حالات قليلة لكن ذات أهمية كبرى، تعيين حكام من النساء عليهم، وكانت نساء الأسرة الحاكمة يلعبن دورا حاسما دوما في كل من الدين والسياسة. ظهرت من مقدونيا، موطن الإسكندر الأكبر وبطليموس الأول، حاكمات من النساء يتمتعن بقوة كبيرة، على عكس اليونان القديمة (بوميروي 1990: 3-11، وأشتون 2003أ: 13-15).
كان ثمة محوران لمنصب الملك المصري المحلي؛ أولهما: إدارة/حكم الدولة، والثاني: دوره الديني ومكانه في الكون. يكمن وراء هذين الهدفين التقليديين المعضلة التي وجد الحكام الأجانب لمصر أنفسهم أمامها؛ وهي التوفيق بين ثقافتهم التقليدية وثقافة دولتهم الجديدة. لطالما كان الدور المركزي الذي لعبه البطالمة في نظام الإدارة في مصر جزءا محوريا من التفسيرات التاريخية الحديثة لعصرهم (ديليا 1993: 192-195). وفي عام 1993، زعم صامويل أنه على الرغم من ارتباط فكر الحكم الملكي البطلمي ارتباطا وثيقا بإدارة مصر، فلم يكن تنظيم الإدارة محكما كما جرى الاعتقاد في بعض الأحيان. تبدو لي فكرة أن البطالمة كانوا يغيرون أسلوب إدارتهم لمصر عند الحاجة فقط (صامويل 1993: 175)، بحسب ما تقتضي الظروف، فكرة منطقية؛ إذ تظهر البرديات كيف شجع الحكام المستوطنين الإغريق، خاصة الجنود، في مناطق مثل الفيوم عن طريق مكافأتهم بقطع من الأراضي (هولبل 2001: 61-62). في حين كانت تحصل فئات أخرى، مثل الموظفين الذين كانوا مقربين من الحكام الأوائل، على ضيعات كمكافأة لهم. كان هذا توسيعا لنطاق نظام «الأصدقاء» الإغريقي في الحكم، والأصدقاء كانوا مستشارين مقربين من الملك، وكان هذا النظام مأخوذا من البلاط المقدوني. هذا وقد مارس خلفاء الإسكندر أنفسهم دورا مشابها. ظهر أولئك المستشارون بأعداد كبيرة خلال حكم أول ملكين من ملوك البطالمة، إلا أن دورهم تلاشى في أثناء حكم بطليموس الثالث (صامويل 1993: 185-186). وفي أثناء الحكم المضطرب للملكين الصبيين، بطليموس الخامس وبطليموس السادس، أصبح السياسيون في البلاط يشكلون تهديدا على الأسرة الحاكمة من خلال محاولتهم التلاعب بالحكام الصغار (صامويل 1993: 187-188).
تظهر المراسيم الملكية بوضوح أحداث حياة أسرة البطالمة الحاكمة. وقد أصبح إجراء مقارنة بين مرسوم كانوبوس ثلاثي اللغة الذي صدر في عهد بطليموس الثالث ومرسوم حجر رشيد الشهير سؤالا نموذجيا يواجه الطلاب الدارسين لعصر البطالمة في مصر؛ فيمجد مرسوم كانوبوس الصادر عام 238 قبل الميلاد الأسرة الحاكمة ويوضح أهمية الدين والعبادة والسلطة السياسية (هولبل 2001: 105-111). أما الجزء الثاني من المرسوم فيركز على مراسم دفن ابنة بطليموس الثالث، التي توفيت مؤخرا وهي ما تزال طفلة. يوضح جزآ المرسوم كيف كان الكهنة يقدمون النصح بشأن الصور والأيدولوجيات الملكية ويطورونها؛ فقد سجلت تفاصيل الملابس التي خصصت للإلهة الجديدة برنيكي بدقة. هذا وقد وضعت نسخ من هذا المرسوم في كل المعابد الكبرى في جميع أنحاء مصر.
تعتبر فترة حكم بطليموس الرابع فيلوباتور بوجه عام نقطة تحول كبرى في تاريخ الأسرة الحاكمة؛ فقد كتب مرسوم رفح عقب انتصار فيلوباتور على الملك السوري في 22 من شهر يونيو عام 217 قبل الميلاد (هولبل 2001: 162-164). هذا وقد كان مرسوم رفح ثلاثي اللغة تماما مثل مرسوم كانوبوس ومرسوم حجر رشيد، ويظهر الملك فيه بالشكل الإغريقي يمتطي جوادا وفي يده رمح ويرتدي التاجين المصريين لمصر العليا والسفلى، خلفه أخته وزوجته أرسينوي الثالثة، مرتدية غطاء الرأس الملكي المعتاد. كانت تلك الصور للملك في الحرب شائعة إلى حد كبير في الرسومات البارزة في معبد رمسيس الثاني (في معبدي الكرنك والأقصر)، ومعبد رمسيس الثالث (في معبده الجنائزي في مدينة هابو على الضفة الغربية في طيبة). توجد على مسلة رفح نسخة مختصرة من هذا المرسوم، ومع ذلك فإن الرسالة تظل واحدة؛ ففي هذا المرسوم يمارس بطليموس الرابع دوره كمدافع عن مصر. وهكذا يمثل أسلوب التصوير وحده رسالة أيدولوجية وسياسية قوية (هولبل 2001: 165).
يرجع مرسوم حجر رشيد إلى عام 196 قبل الميلاد وتظهر عليه صورة مختلفة جدا عن صور نظرائه الأقدم (هولبل 2001: 165-166). ظل المرسوم يظهر نفس الاهتمام الدقيق بالتفاصيل عند وصف التماثيل الدينية لبطليموس الخامس التي ستوضع في كل المعابد المصرية. ومنح الكهنة، الذين كانوا سيؤدون الطقوس الدينية الملكية الجديدة لملكهم المراهق، أنفسهم ألقابا شرفية (هولبل 2001: 165). لكن ربما كان أكثر ما يعبر عن اضطراب تلك الفترة هو منح عامة الشعب المصري تخفيضا للضرائب وعفوا عاما في جرائم معينة. كانت حالات العفو العام هذه تمنح بسبب الثورات والانتفاضات التي كانت تحدث في ذلك الوقت في مصر. ويختم هولبل حديثه عن هذا المرسوم بقوله إنه يظهر ملكا يمارس دوره الديني لكنه مجبر على الخضوع لرغبات الكهنة (2001: 166).
طوال عصر البطالمة يمكن رؤية توجهات تظهر؛ فقد كان العصر الذهبي لحكم البطالمة عصر حكم أول ثلاثة ملوك. ويعتبر دوما عصر حكم بطليموس الرابع نقطة تغير وتحول فقد خلالها الملك سيطرته على مصر وعلى البلاط، غالبا - إذا كنا سنصدق كلام الكاتب القديم أثينوس - بسبب سلوكه الفاسق («مأدبة الحكماء» 12. 549إي). وبالمثل، فإن فترات الحكم المضطربة لبطليموس الخامس والسادس، اللذين كانا صغيري السن عند توليهما السلطة، كان لها دور فعال في انهيار هذه الأسرة الحاكمة.
عقب وفاة بطليموس الخامس، حكمت زوجته، كليوباترا الأولى، مع ابنهما بطليموس السادس؛ بينما ظلت ابنتها، التي ستصبح كليوباترا الثانية، في بلاط البطالمة. كان الوضع الذي وجدت كليوباترا الثانية نفسها فيه عقب وفاة والدتها كليوباترا الأولى في عام 176 قبل الميلاد مشابها في كثير من النواحي لوضع كليوباترا السابعة؛ فقد كان لها أخوان تزوجت أكبرهما وهو بطليموس السادس عام 176 قبل الميلاد على الأرجح في محاولة لتوطيد العلاقات الأسرية (وايتهورن 1994: 89). بعد ست سنوات انضم الأخ الأصغر بطليموس الثامن لأخويه على عرش مصر (وايتهورن 1994: 93 للمناقشة). عزل بطليموس السادس بعد ذلك من السلطة ونصب بطليموس الثامن وكليوباترا الثانية حكاما (هولبل 2001: 183-186). يقول ليفيوس (45. 11. 6) إن كليوباترا هي التي سوت الخلاف بينهما وحاول الثلاثة الحكم معا مرة أخرى. استمرت المشكلات، ومع ذلك، كانت ثمة فوائد لكونها امرأة وكانت كليوباترا الثانية عضوا دائما في أي تحالف، ومنحها دورها الذي لا تحسد عليه المزيد من المرونة والسلطة أكثر من أخويها.
عقب وفاة بطليموس السادس عام 145 قبل الميلاد، تزوج بطليموس الثامن أخته وقتل ابن أخيه بطليموس السابع، في يوم زفافهما على حد قول جاستن، وبذلك يكون قد تخلص من الوريث الشرعي للعرش. يوصف عادة الحكم الفردي المضطرب لبطليموس الثامن، الذي نتج جزئيا عن قوة كليوباترا الثانية والثالثة، اللتين حكم معهما، بأنه يمثل النقطة التي لم يعد بالإمكان بعدها استعادة مجد الأسرة الحاكمة. في ذلك الوقت طلب من روما التدخل دفاعا عن مصلحة بطليموس الثامن. وفي المقابل، وكنوع من التأمين تعهد هو بضم مملكته إلى روما في حال موته دون وريث (هولبل 2001: 187).
في عام 132 / 131 قبل الميلاد نظمت كليوباترا الثانية ثورة ضد زوجها وأخيها بطليموس الثامن، الذي نفي إلى قبرص مع زوجته الثانية وابنة أخته كليوباترا الثالثة. سجل كل من ديودورس (34-35. 14) وجاستن (38. 12-13) رد فعله؛ فقد قتل ابنهما ممفيتس وأرسل جثمانه لأخته. استمرت كليوباترا الثانية في الحكم مع بطليموس الثامن. وعلى الرغم من جريمته البشعة الثالثة - أولى جرائمه هي قتل بطليموس السابع وثانيتهما اغتصاب كليوباترا الثالثة - فقد تلاها حكم ثلاثي آخر عام 130 قبل الميلاد بين بطليموس الثامن وكليوباترا الثانية (الأخت) وكليوباترا الثالثة (الزوجة)، وكان مشحونا بالاضطراب مثل التحالف السابق لكنه استمر حتى عام 116 قبل الميلاد.
في وقت لاحق من حكم بطليموس الثامن وكليوباترا الثانية والثالثة صدر عفو عام عن جميع الجرائم ما عدا القتل وتدنيس المقدسات (بي. تيبت. 5). في الوقت نفسه كان بطليموس الثامن يمول أحد أكبر مشاريع بناء المعابد في أسرته الحاكمة في جميع أنحاء مصر في مدن تمثل مراكز دينية مصرية تقليدية (أشتون 2003ب: 217-219). تحت حكم بطليموس الثامن كان ينظر إلى كل من الطبقة الأرستقراطية المصرية وعامة الشعب بعين الاعتبار في محاولة لتهدئة الوضع السياسي بعد الحروب الأهلية، فأنشئت مدن جديدة في صعيد مصر خلال حكم بطليموس السادس أو الثامن. واستقرت قوات الجيش فيها مثلما استقر المستوطنون الإغريق الأوائل في الفيوم خلال حكم بطليموس الأول والثاني، فكانت هذه السياسات امتدادا موهنا للسياسات التي طبقت تحت حكم حكام الأسرة الأوائل، عندما كان الإغريق يحصلون على الأرض كمكافآت (طومسون 2006: 98-104، ورولاندسون 2003: 254-259).
في عام 116 قبل الميلاد توفي بطليموس الثامن وترك مصر إلى زوجته المفضلة كليوباترا الثالثة (جاستن 39. 3. 1)، رغم أن والدتها كان ما تزال على قيد الحياة وحكمت مع ابنتها في السنة الأولى التي تلت وفاة زوجهما. وضع هذا الملكة الشابة في موقف قوي ومعرض للخطر في الوقت نفسه. وفقا لما جاء في وصية بطليموس الثامن كان مسموحا لها أن تختار أيا من أبنائها لتشاركه الحكم. وفي الواقع أجبرت على تغيير ولائها بين ابنيها الاثنين، بناء على اختيار والدتها في البداية ثم على أساس أكثرهما شعبية لدى أهالي الإسكندرية (هولبل 2001: 205). تصور كليوباترا الثالثة بوجه عام على نحو مثير للشفقة بوصفها ضحية لشهوة خالها بطليموس الثامن في السنوات الأولى من حياتها، ما نتج عنه كما أشرنا، الحكم المشترك غير الموفق بين هذا الحاكم وكليوباترا الثانية وابنتها كليوباترا الثالثة (جاستن 38. 8). لكن خلف هذه الانطباعات الأدبية الأخيرة كانت تكمن امرأة تهدف بوضوح لزيادة سلطتها ورفع مكانتها. وقد رأى ابنها بطليموس العاشر أنها تمثل تهديدا واضحا، وقتلت عام 101 قبل الميلاد. (2) تصوير الحكم الملكي البطلمي
لا تتضح الحدود الفاصلة بين الحكم الملكي الإغريقي الهلنستي والحكم الملكي المصري على الفور دوما وتتأثر بطريقة التعامل العلمية الحديثة مع الموضوع، فيجد علماء المصريات بسهولة أوجه تشابه من العصور القديمة، بينما يقارن دارسو العصر الكلاسيكي سريعا التطورات الموجودة في ممالك هلنستية أخرى، وهم لا يدركون أحيانا أن أوجه التشابه تلك متأصلة بشدة في تقاليد أصلية أخرى.
يمكن تتبع أيدولوجية الحكم الملكي عبر المراسيم المذكورة آنفا. ويمكن للسجل الأثري أن يوضح أيضا ما إن كان الحكام يرون أنفسهم ملوكا إغريقا أم مصريين ويوضح تحولا مثيرا للاهتمام في تصوير البيت الملكي في بداية القرن الثاني قبل الميلاد. قلد الحكام الأوائل، من بطليموس الأول وحتى بطليموس الرابع، سمات التماثيل ذات الطابع المصري لحكام الأسرة الثلاثين. واستمر هذا الأسلوب التقليدي حتى نهاية عصر البطالمة (أشتون 2003ب: 218-220، 2004ب: 545). لكن في عهد بطليموس الخامس ظهرت ظاهرة جديدة (أشتون 2001أ: 25-36، ستانويك 2002: 56-57 و85-88)؛ فقد بدأ الفنانون المصريون في صنع تماثيل تعرض الصورة الإغريقية للحاكم الذكر ويظهر في بعضها الشعر تحت غطاء للرأس. أما صور النساء من الأسرة الحاكمة فتحاكي صور أزواجهن. وفي الوقت نفسه كان الحكام الأوائل يأمرون برسم «صور» لهم على الطراز الإغريقي أو ترسم بالنيابة عنهم. يمكن التعرف على هذه الصور إلى حد كبير من خلال مقارنة الأعمال النحتية بصور الحكام والملكات زوجاتهم الموجودة على العملات. يظهر بعضها صورا لا تحمل طابعا مثاليا لحكام مثل بطليموس الثامن وابنيه بطليموس التاسع والعاشر؛ ففي تلك الفترة حدث انخفاض في أعداد التماثيل على الطراز الإغريقي. كذلك توقفت العملات التي صدرت في عهد بطليموس التاسع والعاشر عن استخدام الصور الملكية على وجهيها. أعيد إدخال هذه السمة مرة أخرى خلال عهد بطليموس الثاني عشر والد كليوباترا.
في المقابل تعرض صور زوجات الحكام على جدران المعابد المصرية دليلا مصورا يوضح تزايد السلطة الدينية والسياسية لملكات البطالمة. تقدم كذلك بيانا بالولاءات، لكنها تظهر الحكام كما كانوا يريدون أن يراهم الآخرون وليس على حقيقتهم. ينطبق هذا على الوجه الخصوص على بطليموس الثامن، الذي يظهر دوما مع زوجتيه رغم قضائه هو وزوجته كليوباترا الثالثة بعض الوقت في المنفى. إن هذا الثلاثي المتحد الذي يظهر على عدد كبير من الجدران لم يكن يعبر عن الواقع بقدر كبير. تظل نقوش المعابد البارزة مصدرا غير مستغل، ومع ذلك فإن لها أهمية كبرى فيما يتعلق بعرض سلطة نساء أسرة البطالمة الحاكمة. (3) كليوباترا: ابنة الملك
ما تزال هوية جدة كليوباترا لأبيها مجهولة؛ فقد تزوج جدها بطليموس التاسع اثنتين من أخواته؛ كليوباترا السادسة وكليوباترا سيليني، لكن والدة بطليموس الثاني عشر كانت إحدى المحظيات.
تظهر شجرة العائلة التقليدية ثلاثة أطفال من هذا الفرع: بطليموس الثاني عشر وبطليموس القبرصي وكليوباترا الخامسة (ترايفينا). وفقا لشجرة عائلة البطالمة التقليدية تزوج بطليموس الثاني عشر أخته وأنجبا كليوباترا برنيكي الرابعة وكليوباترا السادسة (ترايفينا) وكليوباترا السابعة وأرسينوي وبطليموس الثالث عشر وبطليموس الرابع عشر (واكر وهيجز 2001 ووايتهورن 1994: 174-187).
شكل 3-1: عائلة البطالمة من بطليموس الخامس وكليوباترا الأولى.
ومع ذلك، استنبط هولبل عام 2001 شجرة بديلة تشير إلى حصول كليوباترا سيليني، زوجة بطليموس التاسع، على لقب كليوباترا الخامسة، وأن كليوباترا ترايفينا أخت بطليموس الثاني عشر قد أصبحت كليوباترا السادسة ترايفينا. وفقا لهذه الشجرة كان الطفل الوحيد الذي نتج عن زواج بطليموس الثاني عشر وكليوباترا السادسة ترايفينا هو كليوباترا برنيكي الرابعة (2001: 223). أما الأطفال الآخرون، الذين كانت من بينهم كليوباترا السابعة، فإن والدتهم غير معروفة، وهذا لا يجعل بطليموس الثاني عشر فقط ابنا غير شرعي، وإنما أربعة أيضا من أطفاله. يقال إن والدة كليوباترا السابعة وأرسينوي وأخويها الآخرين كانت مصرية، وربما كانت تنتمي إلى أسرة من الكهنة في ممفيس (هس 1990). خرجت كليوباترا ترايفينا من التأريخ عام 69 قبل الميلاد؛ مما يدعم فكرة أنها ليست أم أطفال بطليموس الثاني عشر (هولبل 2001: 223).
اعتلى بطليموس الثاني عشر العرش بعد مقتل بطليموس الحادي عشر، بناء على اختيار أهالي الإسكندرية (هولبل 2001: 222)، وأصبح أخوه الآخر بطليموس ملك قبرص. اتباعا للتقليد البطلمي المعتاد تزوج بطليموس الثاني عشر أخته كليوباترا ترايفينا وأطلقا على طفلتهما الأولى كليوباترا برنيكي الرابعة. أطلق بطليموس الثاني عشر على نفسه ألقاب الإله المحب لأبيه (ثيوس فيلوباتور) والمحب لأخته (فيلاديلفوس)، فكان اللقب الأول تأكيدا على حقه في الحكم بصفته ابنا شرعيا لبطليموس التاسع، والثاني ربما كان وسيلة لاسترجاع العصر الذهبي للأسرة (هولبل 2001: 223)، وهي استراتيجية ستقلدها كليوباترا السابعة (أشتون 2003أ: 93-95). حصل بطليموس الثاني عشر أيضا على اللقب الديني ديونيسوس الجديد (نيوس ديونيسوس)، ومنح كنية أوليتس بسبب اتقانه العزف على المزمار (سترابو 17. 1. 11، أثينودوروس 5. 206د). يظهر تمثال من الرخام على الطراز الإغريقي بطليموس الثاني عشر (واكر وهيجز 2001: 157، رقم 155) وهو يرتدي ميترا (عصابة للرأس تمتد على طول الجبهة) خاصة بديونيسوس؛ مما يشير إلى العلاقة بين المنحوتات والألقاب التي يلقب بها الملك. يبدو أن هذا التمثال قد أعيد نحته بعدما كان يصور حاكما سابقا يتمتع بوجه أكثر امتلاء، على الأرجح أحد الفسكونيين؛ بطليموس الثامن أو بطليموس التاسع ابنه ووالد بطليموس الثاني عشر.
شكل 3-2: أسرة البطالمة من بطليموس الخامس حتى نهاية تاريخها.
كان بطليموس الثاني عشر شديد الاعتماد على الرومان، ومع تزايد العبء الذي وضعته «صداقتهم» على الاقتصاد المصري، أصبح حكمه يخضع لمراقبة متزايدة من النخبة المصرية. في عام 58 قبل الميلاد تقريبا، وبعد 18 عاما من توليه الحكم، نفي بطليموس الثاني عشر وأصبحت كليوباترا ترايفينا الحاكم الرسمي لمصر. يعتقد بعض الباحثين أن كليوباترا هذه كانت في الواقع امرأة أخرى غير أخت بطليموس الثاني عشر وزوجته، وأن اسمها أزيل من صيغ التأريخ قبل عشر سنوات بسبب وفاتها، وليس بسبب استبعادها (وايتهورن 1994: 178، 182-183). يبدو معقولا أن تصير إحدى الزوجات غير ذات حظوة ثم تعود وتسيطر على مصر بعد بضع سنوات؛ ففي النهاية يوجد عدد من الحوادث المشابهة في السنوات التي سبقت حكم بطليموس الثاني عشر مباشرة، ربما أشهرها ما فعلته جدته كليوباترا الثالثة. تشير الوثائق بوضوح أكبر إلى أن كليوباترا ترايفينا حكمت مع ابنتها كليوباترا برنيكي الرابعة، لكنها توفيت قرب نهاية عام 57 قبل الميلاد، بعد عام من توليها الحكم (هولبل 2001: 227). في عام 55 قبل الميلاد، بدعم من الرومان عاد بطليموس الثاني عشر إلى العرش وبدأ فترة حكمه الثانية، وحكم بالإعدام على كليوباترا برنيكي - التي نذكر أنها كانت أول طفلة له - وكل مؤيديها. وفي عام 52 قبل الميلاد، جعل بطليموس الثاني عشر ابنته البالغة من العمر 17 عاما كليوباترا السابعة شريكته في الحكم. منح كل الأطفال اللقب الديني: الآلهة الجدد المحبون لأختهم (ثيوي نيوي). عندما قبلت كليوباترا السابعة الحكم مع والدها، بدلا من التآمر ضده، أظهرت دهاءها السياسي.
شكل 3-3: معبد بتاح، الكرنك.
كان بطليموس الثاني عشر يكثر من البناء، وهي سمة - للمفارقة - تشير إلى ضعف الحاكم أو شعوره بالتهديد؛ ففي صعيد مصر وضعت بوابة على معبد بتاح في معبد الكرنك (شكل
3-3 ). وكانت قد أضيفت إلى هذا المعبد الصغير بوابات سابقة من حكام سابقين منذ تأسيسه. ترجع أهميته على الأرجح إلى موقعه؛ فهو يقع إلى الجنوب مباشرة من الجدار المحيط بالمعبد الرئيسي، الذي يرجع إلى عهد الأسرة الثلاثين أو أوائل عصر البطالمة. يقع معبد بتاح في المدخل الشمالي الغربي الرئيسي الممتد من معبد آمون الرئيسي، بعد مجموعة من المعابد الصغيرة وبالقرب من البوابة التي تؤدي إلى الجدران المحيطة بمعبد منتو. كانت هذه البوابة صغيرة وعلى الأرجح لم تكلف أموالا كثيرة لبنائها. وقد ترك كثير من الخراطيش فارغا. كذلك جرى توسيع معبدي حورس وسوبك في مدينة كوم إمبو إلى حد كبير في عهد بطليموس الثاني عشر، دون المساس بالمعبد القديم الذي أقامه بطليموس السادس والثامن. وكما حدث في كثير من مشروعاته الأخرى، كان التركيز في البناء على واجهة المعبد، حيث كان يبنى مدخل مسقوف ضخم من الأعمدة (شكل
3-4 ). يقال أيضا إن الجدار الصخري المحيط بالمعبد يرجع تاريخه إلى حكم بطليموس الثاني عشر (أرنولد 1999: 220). في الدلتا بنيت إضافة من الحجر الجيري إلى ضريح تريفيس في مدينة أتريب، تضم مدخلا مسقوفا من الأعمدة وبهوا من الأعمدة وحجرات (أرنولد 1999: 211-212).
شكل 3-4: مدخل المعبد المسقوف ذو الأعمدة في كوم إمبو، في عهد بطليموس الثاني عشر.
يظهر بطليموس الثاني عشر أيضا في الزخارف البارزة في السراديب الموجودة في مدينة أرمنت (هيرمونثيس). يظهر وحده في السرداب الأول (شكل
3-5 ) وهو يرتدي تاجا أزرق اللون، ويقدم قربانا إلى إله له رأس صقر يعبر عن الإله منتو رع-حور أختي وإيزيس وحورس (تيير وفولوخين 2005: 10، 29-32، الأشكال 16-17). كتبت هذه الأسماء بالشكل نفسه الموجودة عليه في كوم إمبو. وفي أجزاء أخرى من السرداب نفسه يظهر الفرعون في شكله العادي (شكل
3-6 )، ومعه رسم بارز يظهر ثور بوخيس. أما في السرداب الثاني فيظهر بطليموس الثاني عشر بالألقاب نفسها (تيير وفولوخين 2005: 38-41). على الحائط الشرقي من السرداب الثاني يرتدي بطليموس الثاني عشر تاج مصر العليا (شكل
3-7 )، (تيير وفولوخين 2005: 60، شكل 53).
شكل 3-5: بطليموس الثاني عشر يرتدي تاجا أزرق اللون من السراديب في أرمنت.
شكل 3-6: ثور بوخيس من السراديب في أرمنت .
بالإضافة إلى إقامة حفل تتويج بطليموس الثاني عشر في ممفيس، فإنه قد زارها في مناسبة أخرى واحدة على الأقل (طومسون 1988: 139). وتظهر العلاقة الوطيدة بين بطليموس الثاني عشر والكهنة في ممفيس في أحد الألواح التذكارية (عبر نقش بارز إهدائي) يوجد حاليا في المتحف البريطاني (أندروز في واكر وهيجز 2001: 184-186، رقم 192). يظهر الكاهن الأعظم المتوفى باشيرين بتاح الثالث في الجزء العلوي من اللوحة أمام طاولة للقرابين وأمام الآلهة المصريين أوزوريس وبتاح وإيزيس ونفتيس وحورس وأنوبيس وإمحوتب وراية حورس. يعرض النص المكتوب على اللوح سيرة حياة هذا الكاهن ويقول إنه أجرى طقوس تتويج بطليموس الثاني عشر عام 76 قبل الميلاد. وفي المقابل، عندما زار الكاهن الإسكندرية في عربة حربية كرم بحصوله على لقب كاهن الطقوس الملكية ومنح مسبحة من الذهب. توفي هذا الكاهن في أثناء حكم كليوباترا السابعة في 14 من شهر يوليو عام 41 قبل الميلاد.
شكل 3-7: بطليموس الثاني عشر يرتدي تاج مصر العليا من السراديب في أرمنت.
في أقصى جنوب مصر، وسع بطليموس الثاني عشر معبد إيزيس في منطقة فيلة، وزخرف البوابة الأولى. عثر أيضا على ضريح (ناوس) لبطليموس الثاني عشر في دابود، التي تقع جنوب أسوان مباشرة (أرنولد 1999: 221). ومع ذلك، من الواضح أن المنطقة الرئيسية للتطوير في عهده كانت مصر العليا والمعابد التي تشكل حتى الآن المقصد الرئيسي للرحلات النيلية السياحية الحديثة.
شكل 3-8: صورة لختم من الطمي تظهر صورة بطليموس الثاني عشر وكليوباترا الخامسة أو السابعة. بتصريح من متحف أونتاريو الملكي. حقوق الطبع محفوظة لمتحف أونتاريو الملكي.
كانت العملات التي ضربت في عهد بطليموس الثاني عشر تحمل صورته، لكن لم تكن عليها صورة زوجته، فيمكننا أن نرى صورة لرجل شاب يشبه الآلهة لديه ذقن قوي وأنف معقوف على وجهي العملات المستخدمة في الإسكندرية، وستستخدم كليوباترا ومارك أنطونيو هذه السمات الشكلية فيما بعد. توجد صورة واحدة فقط لبطليموس الثاني عشر على الأرجح وكليوباترا السابعة في أثناء فترة حكمهما المشترك - ومن المهم التأكيد على أن هذه السيدة من المرجح أن تكون كليوباترا ترايفينا - على ختم من الطمي لأوراق البردي من إدفو ويوجد الآن في متحف أونتاريو الملكي (أشتون 2001ب: 158، رقم 157). يظهر على هذا الختم (شكل
3-8 ) صورة لرجل شاب أشعث الشعر، على غرار عملات بطليموس الثاني عشر. تظهر صورة الأنثى متداخلة مع صورة الذكر من الخلف، ولها أنف بارز ويبدو أنها ترتدي تاجا (إغريقي الشكل) بدلا من الإكليل الملكي؛ مما يشير إلى أنها كانت إلهة وليست مجرد حاكمة. رغم أنه قد قيل إن هذا الثنائي هو بطليموس الثاني عشر وأخته (كريلايس 1975: الصورة رقم 68: 5)، فإنني لا أرى أي سبب شكلي يمنع أن تكون هذه السيدة هي ابنته كليوباترا السابعة.
أثرت الأسماء المصرية التي اتخذها بطليموس الثاني عشر على أسماء خلفائه الذكور، حتى أصبح التمييز بين أسماء بطليموس الثاني عشر والثالث عشر والرابع عشر والخامس عشر (تراونيكر 1992: 272-273) يحدث قدرا كبيرا من الارتباك. ومن الألقاب الإغريقية أطلقت كليوباترا على نفسها لقب المحبة لأبيها، وكان لقب المحب لأخته (فيلاديلفوس) هو الاسم الذي اختارته لطفلها الرابع بطليموس. وتماما كما أصبح بطليموس الثاني عشر ديونيسوس الجديد، أصبحت الملكة إيزيس الجديدة؛ ومن ثم لم تتأثر كليوباترا فقط بسياسات والدها، وإنما يبدو أنها واصلت اعتناق انتماءاته الدينية. تظهر الأدلة الوثائقية أن بطليموس الثاني عشر بدأ بإطلاق لقب ثيوس فيلوباتور على نفسه، ثم تسلل لقب نيوس ديونيسوس إلى صيغة الاسم بحيث أصبح اسمه يظهر في الوثائق النموذجية كالتالي: «الملك بطليموس، الإله، ديونيسوس الجديد، المحب لأبيه، المحب لأخته» (جوتييه 1916: 397). استخدم لوح ظهر في وقت لاحق الصيغة التالية: «بالنيابة عن الملك بطليموس، الإله ديونيسوس الجديد وأطفاله الآلهة المحبين الجدد لأختهم» (جوتييه 1916: 400). حقق اتخاذ كليوباترا السابعة لقب المحبة لأبيها هدفين؛ الأول: أنه أدى إلى استمرار اللقب الذي استخدمه والدها. وثانيا: أنه ربطها به بصفتها وريثته الشرعية.
اعتمد بطليموس الثاني عشر على روما في الحصول على السلطة والمكانة بصفته حاكما لمصر. وورثت كليوباترا هذا الدين وسرعان ما وجدت نفسها تعتمد على روما في قمع ثورة هائلة شنها أهالي الإسكندرية. على العكس من أسلافها، حولت كليوباترا موقف الضعف المحتمل هذا لصالحها . وفعلت هذا عن طريق إنجاب أطفال من اثنين من القادة الرومان ذوي السلطة. وإذا صدقنا المصادر التاريخية؛ فقد تسببت كليوباترا في دمار الرومان التي كانت على علاقة مباشرة بهم. (4) المصادر الأدبية: سياسات الأسرة
يناقش كثير من المصادر الرومانية المكتوبة العلاقة بين أبناء بطليموس الثاني عشر، وتوجد إشارات إلى الحكم المشترك بين الملكة وإخوتها في الأدلة الأثرية والمأخوذة من ورق البردي. يشير لوكان إلى زواج كليوباترا من إخوتها في السطور 110-113 و430-455 من قصيدته الملحمية «فرساليا»؛ ففي الموضع الأول تحدث عن انتقال السلطة من الملك (بطليموس الثالث عشر) إلى أخته بسبب علاقتها بقيصر، وفي الموضع الثاني ذكرها كوسيلة لعقد مقارنة غير صحيحة حول مقتل بومبي.
ذكر سترابو أسرة كليوباترا في المجلد 17 (1. 11)؛ إذ حكى عن نفي أوليتس (والد كليوباترا)، وبناته الثلاث وولديه، وحكم ابنته الكبرى مع زوج غير مناسب، ويقال إن أخت كليوباترا قد خنقته بسبب وقاحته. في كتاب سويتونيوس «يوليوس قيصر المؤله» يقال للقارئ إن القيصر سلم مصر إلى كليوباترا وأخيها الأصغر خوفا من أنها إذا تحولت إلى ولاية، فإن حاكمها قد يشن ثورة فيها (35).
استغل يوسيفوس إحدى الفرص، عند مناقشة إهداء أنطونيو منطقة سوريا الجوفاء للملكة، لازدراء شخصية كليوباترا من خلال الحديث عن شئونها العائلية («آثار اليهود القديمة» 15، 4. 1. 88-95): «نظرا لأنها كانت عرضة للجشع بطبيعتها، فإنها لم تترك عملا غير قانوني إلا فعلته؛ فقد ارتكبت أعمال قتل عندما قتلت أخاها بالسم ولم يتعد 15 عاما من عمره لعلمها بأنه سيصير ملكا، كذلك جعلت أنطونيو يقتل أختها أرسينوي في أثناء تعبدها في معبد أرتميس في إفسوس» (انظر أيضا كاسيوس ديو 48. 24. 2). يشير يوسيفوس مرة أخرى إلى مقتل أخي كليوباترا وأختها في كتابه «ردا على أبيون» (المجلد 2. 5). (5) كليوباترا وإخوتها
في عام 51 قبل الميلاد توفي بطليموس الثاني عشر، تاركا مصر لكليوباترا السابعة وابنه الأكبر بطليموس الثالث عشر. قيل مؤخرا إن كليوباترا ربما حكمت وحدها لأول سنة عقب وفاة والدها (بينجن 2007: 68). يوجد اعتقاد بأنه لم تعقد مراسم حفل زواج رسمي بين بطليموس الثالث عشر وأخته، وأن الاثنين حكما معا فحسب (هولبل 2001: 231). كان الحكم المشترك بين الأخ البالغ من العمر عشر سنوات وأخته مليئا بالمشكلات منذ البداية. لقد سيطر مؤيدو الملك على العرش عام 50 قبل الميلاد (هولبل 2001: 231-239)، وظهر اسم كليوباترا بعد اسم أخيها؛ مما يشير إلى أنه كان الحاكم المسيطر. وفي عام 49 قبل الميلاد طبقت صيغتان للتأريخ؛ السنة الأولى من حكم بطليموس الثالث عشر، التي كانت السنة الثالثة من الحكم المشترك. يشير ترتيب سرد التواريخ إلى أن السنة الأولى من الحكم الجديد كانت الأكثر أهمية؛ في ذلك الوقت كان بطليموس الثالث عشر قد حصل على ثلاثة أوصياء جدد؛ بوثينوس وأخيلاس وأحد معلميه، ثيودوتوس من خيوس. خططت هذه المجموعة لإقصاء كليوباترا عن الحكم، وفي عام 49 قبل الميلاد حققت هذا الهدف (هولبل 2001: 232). في خريف عام 49 قبل الميلاد أعلن الرومان بطليموس الثالث عشر الحاكم الوحيد لمصر. وصف يوليوس قيصر هذه الفترة بنفسه كجزء من مذكراته التاريخية؛ ففي كتاب «حرب الإسكندرية» (33) يذكر القيصر أنه عين الأخوين بطليموس وكليوباترا حاكمين، كما ورد في وصية بطليموس الثاني عشر. نفيت أرسينوي، أخت كليوباترا، وتركت حشود من الجنود من أجل «تدعيم سلطة الملكين بسبب ولائهما إلى قيصر». وفي كتاب قيصر «الحروب الأهلية» يوجد تعليق على الموقف في مصر تحت حكم البطالمة مباشرة قبل وصول الرومان إلى الإسكندرية؛ ففي سياق وفاة بومبي كتب قيصر يقول: «وقد تصادف أن ملك بطليموس كان هناك، وقد كان مجرد صبي، يشن حربا بقوات ضخمة على أخته كليوباترا. وخلال بضعة أشهر، بمساعدة المقربين إليه والمفضلين لديه طردها من مملكته. ولم يكن معسكر كليوباترا بعيدا عن معسكره» (3. 103).
بمجرد وصول قيصر إلى الإسكندرية كتب يقول: «نظرا لاعتقاده بأن خلافات الأسرة الحاكمة تهم الشعب الروماني وتهمه هو بصفته القنصل، وأنه من واجبه التصرف لأن التحالف الذي حدث مع بطليموس، والد الملك الحالي، كان في أوائل فترة توليه القنصلية، بقانون ومرسوم من مجلس الشيوخ، أعلن أنه قرر ضرورة تسريح كل من الملك بطليموس وأخته كليوباترا جيوشهما وتسوية خلافاتهما من خلال عرضها عليه ليصدر حكما فيها بدلا من تسويتها باستخدام القوة ...» (3. 107).
تشبه الإشارات إلى كليوباترا في المجلد (3. 108) من كتاب «الحروب الأهلية» تلك الموجودة في كتاب «حرب الإسكندرية»؛ إذ يتحدث عن وصية بطليموس الثاني عشر التي ذكر فيها أن من سيرثه سيكون الابن الأكبر والبنت الكبرى، وأن تشرف روما على هذا؛ إذ طلب منها التأكد من تطبيق هذه الوصية. ومعنى هذا أن القيصر تدخل في الأمر بدافع الواجب. (6) الآلهة الإخوة
لقيت أخت كليوباترا الكبرى، غير الشقيقة على الأرجح، مصرعها عقب عودة بطليموس الثاني عشر من المنفى. تعلمت كليوباترا من هذا بوضوح درسا مهما، وكما رأينا تحالفت مع والدها بدلا من التآمر ضده. من الواضح أن أرسينوي، التي لا يعرف تاريخ مولدها، لم يكن لديها ما يكفي من الدهاء لتتمكن من إرساء حدود السلطة؛ ففي أثناء الحرب الأهلية هربت أرسينوي من القصور مع معلمها الخاص جانيميد وانضما إلى القوات التي كان يقودها مستشار بطليموس الثالث عشر، أخيلاس، وأعلن توليها الملك (ديو كاسيوس 42. 39. 1). نشأت الخلافات واستولى جانيميد على السلطة من أخيلاس والمستشار الآخر بوثينوس؛ أعدم يوليوس قيصر هذين المستشارين؛ مما جعل جانيميد البطل الرئيسي. وفي نهاية هذا الفصل على وجه التحديد مات بطليموس الثالث عشر وعادت كليوباترا إلى السيطرة على العرش لكن مع أخيها الأصغر بطليموس الرابع عشر (بينجن 2007: 71). نفيت أرسينوي إلى أفسس في تركيا. يقول يوسيفوس (آثار اليهود القديمة 15، 4. 1. 89) إن أرسينوي، التي حكمت مصر لفترة وجيزة تحت اسم أرسينوي الرابعة، ستعدم فيما بعد بأمر من أختها على يد مارك أنطونيو (هولبل 2001: 236-237، 241). (7) عوامل التأثير على أوائل فترة حكم كليوباترا
تأثر حكم كليوباترا بشدة بسياسات والدها خاصة العلاقة الموروثة مع روما. لم يدم حكمها المشترك مع والدها إلا فترة قصيرة، لكنها كانت كافية لتضمن بها لنفسها منصبا في السلطة ولتجعلها منافسا حقيقيا على عرش مصر. استخدم بطليموس الثاني عشر مشروعات البناء كوسيلة لتعزيز مكانته كحاكم للبلاد، خاصة في الجنوب بين النخبة المصرية. استكملت ابنته بعضا من هذه المشروعات، كان أشهرها في دندرة، بدأ قبل أربع سنوات من وفاته ولم ينته حتى العصر الروماني (أرنولد 1999: 212-213). أحد مشروعات البناء الأخرى واسعة النطاق كانت الإضافات إلى معبد حورس في إدفو، التي بدأت في أوائل فترة حكمه في 2 فبراير عام 70 قبل الميلاد (أرنولد 1999: 216-220). فقد بنيت بوابة تذكارية وفناء، عملا بمثابة ساعة شمسية، في هذا المعبد . كان الفناء محاطا ببوابة تذكارية ربما انتهى العمل فيها في فترة حكم كليوباترا (أرنولد 1999: 220). كانت البوابة التذكارية (شكل
3-9 ) مزخرفة في الأصل بالأسماء المصرية لكليوباترا ترايفينا، لكنها أزيلت عقب فقدانها شعبيتها (هس 1990). تظهر الصور المتبقية بطليموس الثاني عشر وهو يضرب أعداءه بالأسلوب المصري التقليدي أمام الإله حورس. في مدينة قفط بنى بطليموس الثاني عشر بوابة جنوبية وجدارا تطويقيا، لكن يوجد اعتقاد عام بأن الزخارف لم تكتمل حتى عصر الرومان (أرنولد 1999: 216). توجد قوالب صخرية أيضا تنسب إلى بطليموس الثاني عشر في الموقع (متحف بتري كلية لندن الجامعية 14523)، ربما من البوابة الجنوبية، وربما تكون لها علاقة أيضا ببناء ضريح الإله جب. ربما تكون كليوباترا أيضا قد أقامت ضريحا للإله جب في مدينة قفط.
شكل 3-9: معبد حورس في إدفو. تظهر على البوابة التذكارية صورة لبطليموس الثاني عشر وهو يضرب أعداءه.
شكل 3-10: ضريح الإله جب في قفط. تظهر كليوباترا وحدها وهي تقدم القرابين إلى الآلهة. متحف بتري للآثار المصرية، كلية لندن الجامعية.
لم تظهر كليوباترا اهتماما باستكمال مشروعات أخرى بدأها والدها أو ارتباطا بها، ويقال إن الملكة كانت تستهدف آلهة معينة (راي 2001). ويبدو أيضا أن كليوباترا لم تستخدم معابد والدها كوسيلة لتقوية صلتها به. يمكن أن نرى هذا في الزخارف الموجودة في دندرة، التي اختارت أن يظهر فيها ارتباطها بشريكها الجديد في الحكم وخليفتها المرتقب بطليموس الخامس عشر. يوجد استثناء واحد محتمل لهذه الملاحظة؛ وهو ضريح الإله جب في قفط (شكل
3-10 ). على عكس النقوش البارزة التي ظهرت فيما بعد في المعبد في دندرة، حيث كانت كليوباترا تقف خلف ابنها بطليموس الخامس عشر، أو تظهر أنه شريكها الوحيد في الطقوس الدينية، فإن الملكة تظهر في ضريح الإله جب مستقلة عن شريكها في أجزاء منفصلة من النقوش بدلا من ظهورها معه. يظهر الحاكم الذكر أيضا وهو يقف وحده يقدم القرابين في جزء آخر من الجزء الداخلي المزخرف من المحراب. يظهر اسم كليوباترا كذلك بينما تمارس الشعائر الدينية وحدها على بوابة أحد المعابد غير المعروفة التاريخ من مدينة كلابشة (بيانشي 2003: 15). (8) إهداءات كليوباترا في أوائل حكمها (8-1) قفط
ذكرنا آنفا أعمال بطليموس الثاني عشر في مدينة قفط، وكما أشرنا، تظهر كليوباترا على ضريح صغير مخصص للإله جب (شكل
3-10 ). زينت الجدران الخارجية فيما بعد بخليفتها أغسطس، لأسباب سياسية بلا شك أكثر من كونها دينية (شكل
3-11 ). تقف كليوباترا أمام الآلهة مين وإيزيس وحورس (تراونيكر 1992: 285)، تقدم إبريقا يحتوي على البخور. ترتدي الملكة تاجا مكونا من قرص الشمس وقرني البقرة وريشتين، يرتبط عادة بملكات البطالمة، ويظهر اسمها في خرطوشتين. نرى أن النقوش البارزة المصورة (شكل
3-10 ) مصحوبة بنص يقول: «سيدة الدولتين، كليوباترا فيلوباتور (المحبة لأبيها)، المحبوبة من مين-رع في قفط، زوجة الملك، وابنة الملك، والحاكمة العظيمة ... التي تصل إلى عنان السماء» (تراونيكر 1992: 285-287، أشتون 2003د: 25-26).
شكل 3-11: ضريح الإله جب في مدينة قفط. تظهر صورة الحاكم أغسطس على الجزء الخارجي من الضريح.
يوجد بعض الخلاف حول هوية زوجها، الذي كما أشرنا، يقف وحده أيضا أمام الآلهة في أجزاء من الزخارف البارزة على الضريح في قفط (تراونيكر 1992: 322-324، أشتون 2003د: 26 رقم 9)؛ فقد قيل إن الحاكم الذكر هو بطليموس الخامس عشر قيصر، رغم أن لقب قيصر لم يكن موجودا (انظر تراونيكر 1992: 322 للاطلاع على مناقشة لأفكار وايل). تشبه الخراطيش تلك الموجودة في معبد كوم إمبو وكتبت عليها الأسماء التي كان يستخدمها بطليموس الثاني عشر (تراونيكر 1992: 272-273، تيير وفولوخين 2005: 10)؛ ونتيجة لهذا اقترح بعض العلماء أن هذا النصب التذكاري قد أهداه بطليموس الثاني عشر. لكن استخدام لقب «زوجة الملك» إشارة لكليوباترا ربما يشير إلى عدم صحة هذا الأمر، إلا إذا كان هذا اللقب يستخدم ببساطة بمعناه الرمزي والتقليدي للإشارة إلى المرأة المرافقة للملك بصرف النظر عن حالتهم الاجتماعية (بيانشي 2003: 18). توجد أمثلة سابقة على ملوك تزوجوا بناتهم؛ مثلما فعل رمسيس الثاني الذي تزوج بناته نبتاوي وبنت عنتا ومريت أمون وهنوت مير؛ فكل السيدات لقبن بلقب «زوجة الملك العظيم» و«ابنة الملك» (جريتسكي 2005: 69-70). يفضل البعض (بيانشي 2003: 18) النظر إلى ألقاب مثل أخت الملك وابنة الملك والزوجة الملكية العظيمة ولا سيما لقب «المرأة التي تسعد قلب حورس» على أنها ألقاب دينية أكثر من كونها حرفية. يستنتج بيانشي أن الألقاب التي عثر عليها في ضريح الإله جب هي لبطليموس الثاني عشر. ويقال أيضا إن الخراطيش التي تحمل أسماء ذكورية قد تنتمي إلى أحد إخوة كليوباترا، على أساس الألقاب المشتركة (تراونيكر 1992: 320، أشتون 2003د). ومن غير المحتمل أن تحل هذه المشكلة؛ فإن الاستنتاج الوحيد الأكيد لدينا هو أن ضريح الإله جب كان إهداء مبكرا من كليوباترا السابعة وأحد الحكام الذكور، ربما كان بطليموس الثاني عشر أو أحد أبنائه.
إذا كانت مكانة كليوباترا قد ارتفعت لدرجة ظهورها وحدها وهي تقدم قرابين إلى الآلهة خلال فترة حكمها المشترك مع والدها، فإن هذا الوضع لم يظهر في وصيته؛ فكما أشرنا كانت مصر مهداة بالفعل إلى ابنته كليوباترا وابنه الأكبر بطليموس الثالث عشر. ومع ذلك، بشأن خلافة بطليموس الثاني عشر يجدر بنا التفكير في درجة تأثير الرومان، الذين أصروا على ضرورة زواج ملكة سابقة؛ مما أدى إلى الحكم الكارثي قصير الأمد لبطليموس الحادي عشر. بالإضافة إلى ذلك، لا يوجد ما يشير إلى زواج بطليموس الثاني عشر من ابنته؛ فقد مارسا ببساطة حكما مشتركا.
إن وضع لقب «زوجة الملك» يشير إلى أن هذا الإهداء في المعبد الموجود في قفط حدث في أثناء زواج كليوباترا إما من بطليموس الثالث عشر أو بطليموس الرابع عشر (أشتون في عمل من تحرير ووكر وأشتون 2003: 25-26)؛ مما يجعل هذه القطعة الصغيرة دليلا مهما على المرحلة المبكرة من حكمها المشترك واستقلالها كملكة. وفي عمل مفصل نشر عن هذا النصب التذكاري عام 1992 أشير إلى أن الزوج هو بطليموس الرابع عشر (تراونيكر 1992: 316-317، 322-324).
شكل 3-12: تاج من الحجر الجيري من أحد التماثيل. يتكون التاج من ثلاثة رءوس أفعى وحفرت عليه ألقاب الملكة. متحف بتري للآثار المصرية، كلية لندن الجامعية
UC 14521 .
توجد أدلة أخرى على هذا الاقتراح؛ وهي تاج من الحجر الجيري مأخوذ من تمثال عثر عليه فلندرز بتري في أثناء عمليات التنقيب التي أجراها في مدينة قفط، أضاف هذا التاج إلى الملكة، التي كانت على الأرجح كليوباترا السابعة، لقبا جديدا : «أخت الملك» (شكل
3-12 ). كان هذا التاج لتمثال بالحجم الطبيعي لملكة من عصر البطالمة. يمكن تقليص احتمالات شخصية صاحبة التمثال على أساس سمة شكلية معينة: وجود ثلاثة رءوس أفعى (كوبرا) بدلا من رأس واحد. كانت أرسينوي الثانية أخت بطليموس الثاني وزوجته وكانت ترتدي أفعيين من نوع الكوبرا على جبهتها، ومع ذلك، فإن نوع التاج الموجود في تمثال بتري (المكون من ريشتين وقرص الشمس وقرني بقرة) ليس التاج الذي ترتديه هذه الملكة على وجه الخصوص. منحت أرسينوي تاجا أكثر زخرفة كانت تقترضه منها أحيانا كليوباترا الثالثة والسابعة ويختلف عن الشكل العام الذي كانت ترتديه الغالبية العظمى من نساء الأسرة، فنجد هنا أن السمة الوحيدة المميزة لهذا التاج هي رءوس الأفعى الثلاثة. للأسف لا يوجد في النص المكتوب على الجزء الخلفي من التاج أي اسم، لكن نظرا للتقليد البطلمي المتبع المتمثل في تكرار الاسم الأول كان من غير المحتمل أن يساعد هذا في التعرف على شخصية صاحبته. ترتبط رءوس الأفعى الثلاثة بقرن الخصب والنماء المزدوج ولا توجد إلا ثلاث ملكات فقط هن اللاتي يعتقد في وجود صلة مباشرة بينهن وبين هذا الرمز؛ أرسينوي الثانية وكليوباترا الثالثة وكليوباترا السابعة. كانت أرسينوي الثانية ترتدي دوما رأسين من رءوس الأفعى، ولذا من غير المحتمل أن يبدأ الفنانون فجأة في استخدام ثلاثة رءوس. كذلك يظهر قرن الخصب والنماء المزدوج على الوجه الخلفي من العملات التي ضربت في أثناء فترة حكم كليوباترا السابعة وعلى العملات التي يرجع تاريخها إلى حكم بطليموس الثامن (أشتون 2001أ: 40-43).
لقد أدت إعادة فحص التاج مرة أخرى على يد عدد من الباحثين إلى تكرار مشكلات العمل على أدلة مجزأة ترجع إلى عصر البطالمة. لا تكمن المشكلة في عدد الأشياء المتبقية حتى الآن ، وإنما في غياب العبارات المنقوشة على التماثيل على وجه الخصوص، التي تمثل نوعا من الأدلة. كما أشرنا، فإن تمثال بتري الذي على شكل تاج كان منسوبا في الأصل إلى أرسينوي الثانية على أساس موقع العثور عليه، والألقاب ورءوس الأفعى المتعددة. لكن هذه الفكرة فندت واقترحت كليوباترا بدلا منها. وردا على هذا الاقتراح أشير إلى أن الألقاب الموجودة على العمود الثاني مع لقب حور تأكد انتماؤها إلى بطليموس الثاني (ومن ثم إلى أرسينوي الثانية بالتبعية)، لكن ليس إلى كليوباترا السابعة (بيانشي 2003: 18-19). هذا اللقب يجعلنا نستبعد، كما أشرنا، أن يكون الزوج هو بطليموس الخامس عشر لأنه لم يلقب بالكامل بلقب حور (بصفته الحاكم الوحيد). تظل مشكلة عدم معرفتنا بخراطيش بطليموس الثالث عشر والرابع عشر. يستنتج بيانشي أن التاج الذي به ثلاثة رءوس أفعى هو لأرسينوي الثانية، على الرغم من عدم وجود أدلة على ارتباط هذا الشكل من التيجان بهذه الملكة على وجه الخصوص. ومن الممكن، في ظل الارتباك بشأن الألقاب، أن تكون مرتبطة بأبناء بطليموس الثاني عشر. إن وجهة نظر بيانشي بشأن القيمة الدينية للألقاب في مقابل قيمتها الحقيقية صحيحة؛ ففي تلك الفترة كان يطلق على الملكات اللاتي لسن أخوات الملك هذا اللقب. وتحتاج مسألة رءوس الأفعى الثلاثة إلى مزيد من الاهتمام.
بالإضافة إلى إهداءات المعابد توجد أدلة أخرى على حكم كليوباترا في صورة نقش إهدائي بارز يخلد ذكرى وفاة ثور بوخيس في أثناء حكم أغسطس. على الرغم من أن هذه الوثيقة نقشت في أثناء حكم خليفة كليوباترا، فإنها تقدم دليلا مهما على الفترة الأولى من حكم الملكة الذاتي. أمر بصنع هذا اللوح عام 51 قبل الميلاد، عندما كانت كليوباترا تحكم مع بطليموس الثالث عشر. كتب على السطر العاشر: «... لقد وضعه [ثور بوخيس] الملك بنفسه في السنة الأولى، 19 برمهات. الملكة، سيدة الدولتين، (خرطوشة فارغة)، الإلهة المحبة لأبيها، (11) نقلته في مركب آمون مع مراكب الملك، ومعه كل أهالي طيبة وأرمنت والكهنة ...» (ترجمة فيرمان في كتاب موند ومايرز 1934: 11-13، وفي كتاب جونز 2006: 35-38). على الرغم من بقاء خرطوشة كليوباترا فارغة فإن لقب «الإلهة المحبة لأبيها» يشير إلى أن هذه الملكة كانت هي كليوباترا. وجدير بالذكر أن اللوحة تسجل وجود دور ديني فعال لها في إدخال الثور الجديد وربما يعكس هذا سلطتها بالإضافة إلى اهتمامها بالتقاليد الدينية المصرية.
أخيرا، عثر على جزء من أحد التماثيل في مدينة فوه في دلتا مصر يبلغ طوله 53 سنتيمترا ومحفوظ من منطقة البطن إلى ما فوق (ووكر وهيجز 2001: 169، رقم 168)، وربما يعبر عن صورة مبكرة لكليوباترا السابعة. نجد الذقن فيه ناتئا للغاية ويشبه ذلك المحفور في تمثال بطليموس الثاني عشر من الحجر الجيري الذي عثر عليه في منطقة أم البريجات في محافظة الفيوم (أشتون 2001أ: 24، 86-87 رقم 11، وستانويك 2002: 123، 203، إي3). يتمتع تمثال فوه بمظهر شاب؛ فالعينان على شكل حبتي لوز، والحاجبان شكلهما طبيعي، والفم صغير ويبدو كما لو أنه قد أجبر على الابتسام، وهذه السمة على وجه الخصوص معتادة في تماثيل البطالمة المبكرة. ومع ذلك، فإن اللباس الفضفاض والذقن يوحيان بتاريخ يرجع إلى القرن الأول. يثير الرداء الاهتمام بقدر كبير؛ فقد ربط الشال في عقدة في وسط الصدر، وأسفل هذا الشال يوجد رداء تقليدي يشبه الثوب الضيق الذي ترتديه النساء في الأسر الملكية والإلهات. يمكن رؤية ملابس مشابهة على البوابة الموجودة بالقرب من معبد خونسو في الكرنك (شكل
3-13 )، حيث تظهر برنيكي الثانية مع زوجها بطليموس الثالث، الذي يرتدي عباءة احتفالية. وعلى الأرجح يؤدي الرداء المعقود الذي ترتديه برنيكي الهدف نفسه. يشير ظهور هذه السمة في تمثال مدينة فوه أيضا إلى وجود مناسبة رسمية، وعلى الأرجح أنها أقيمت من أجل الاحتفال بحدث معين. يعبر الثوب المعقود عن إحدى السمات المنسوبة إلى مجموعة من الصور الإلهية سنتحدث عنها في الفصل السادس. ومع ذلك، فإن تمثال مدينة فوه يضم السمات الثلاث التقليدية، الشعر المستعار المهندم مع وجود رأس أفعى واحد، ولا ينطبق بسهولة على أي من الفئات الأخرى المقترحة. لا يمكن الجزم بأن صاحبة التمثال هي كليوباترا السابعة، لكن التشابه الموجود بين تمثالها وتمثال بطليموس الثاني عشر يشير إلى أنه كان لسيدة لها علاقة به، ربما كليوباترا الخامسة أو ابنتها كليوباترا برنيكي.
شكل 3-13: بوابة معبد خونسو، الكرنك. (9) مشكلات في الفترة الأولى من حكم كليوباترا
كان للفيضان السنوي لنهر النيل أهمية كبرى لمحاصيل مصر واقتصادها. وكانت الزيادة الشديدة في الفيضان أو انخفاضه الشديد لعدد من السنوات المتعاقبة يمثلان كارثة على دولة تعتمد بالكامل على النهر في زراعة أراضيها. وكان سلوك ملك مصر يرتبط ارتباطا وثيقا بنجاح الفيضان. وكان للفيضان السنوي احترام كبير حتى إنه كان محظورا على الحكام الإبحار في أثناء موسم الفيضان السنوي، وهو مبدأ استمر تطبيقه بحزم في القرن الثاني الميلادي تحت حكم هادريان، الذي كان الإمبراطور الروماني؛ ومن ثم كان ملكا على مصر.
كانت كليوباترا سيئة الحظ في السنة الأولى من حكمها المشترك عندما عانت البلاد من تكرار ضعف إنتاج المحاصيل. وكان لنقص الغذاء الذي نتج عن انخفاض الفيضان تأثير كبير على المدن أكثر من الريف بمراحل؛ إذ يمكن في الريف زراعة الطعام محليا. في عام 50 قبل الميلاد أصدر بطليموس الثالث عشر وكليوباترا السابعة مرسوما في محاولة للتصدي لهذه المشكلة. صدر هذا المرسوم بتاريخ 27 أكتوبر عام 50 قبل الميلاد، وهو أقدم شكل من هذه الوثائق الصادرة في فترة حكم كليوباترا. عند ذكر الحكام يذكر الملك أولا (الذي كان هو بطليموس الثالث عشر) ثم كليوباترا. قضى هذا المرسوم بالسماح بنقل الحبوب إلى الإسكندرية فقط. وكانت عقوبة تجاهل هذا القرار الموت. بالإضافة إلى ذلك، ينص المرسوم على أنه في حالة ثبات التهمة، يكافأ الذين أخبروا عن المجرم بالحصول على ممتلكاته. تشير إضافة هذه الوسيلة لتشجيع الناس على الإبلاغ عن الذين ينتهكون هذا المرسوم الملكي إلى مدى جدية أهدافه. في وقت لاحق من هذا العام تحققت مخاوف كليوباترا، عندما حدث فيضان آخر منخفض. يذكر بليني أنه كان أكثر فيضان منخفض مسجل (التاريخ الطبيعي 5. 58). وتزامن في الخلفية مع هذه المشكلات الطبيعية الاضطراب السياسي الناتج عن الحروب في الإسكندرية (طومسون 2003: 32-33).
استمر عدد من المشكلات الإضافية في إعاقة حكم كليوباترا؛ ففي عام 42 قبل الميلاد ، حدثت فيضانات أخرى منخفضة (سينيكا 4أ، 2. 16)، ووفقا لما قاله أبيان («الحروب الأهلية» 4. 61 و4. 63) تلاها حدوث مجاعة ووباء. في 12 أبريل عام 41 قبل الميلاد صدر مرسوم ملكي آخر. كانت المشكلة هذه المرة في الضرائب المرتفعة التي فرضت على ملاك الأراضي. وكانت استجابة الأسرة الحاكمة إعفاء الضيعات في الريف من ضريبة «التاج» الإضافية. كان هذا الحكم نتيجة لضغط ملاك الأراضي في إقليم بوبستيت وبروسوبيت (مراكز إدارية) كانت تقع بالقرب من الإسكندرية وكانت تتصل مباشرة بالأسرة الحاكمة (طومسون 2003: 33).
توقف ضرب العملات البطلمية الذهبية لبضع سنوات قبل اعتلاء كليوباترا الحكم، ولم تستأنفه كليوباترا. بدأت الملكة تطبيق تغيير مهم بتخفيض قيمة العملة الفضية في أوائل فترة حكمها. ويقال إن هذا التعديل جعل العملة المصرية الفضية مساوية للدينار الروماني القديم. ومع ذلك، أعيد صنع العملات البرونزية في دار سك العملات الملكية في الإسكندرية (ووكر وهيجز 2001: 177). تظهر صور العملات كليوباترا على أنها حاكمة إغريقية، وعادة ما تظهر وحدها على العملات التي تضرب في مصر. تتفاوت أنواع الصور طوال فترة حكمها وتضم صورة أكثر نضجا لها ترتبط بتمثيلها على العملات في الخارج في الجزء الأخير من حكمها (ووكر 2003د). يشير هذا إلى ضعف الوضع الاقتصادي في مصر؛ ولم يكن ذلك خطأ كليوباترا وحدها. فقد اقترض والدها مبالغ كبيرة من الرومان من أجل تأكيد سلطته والحفاظ على مكانته كملك لمصر. (10) يوليوس قيصر
كما أشرنا سابقا، كتب يوليوس قيصر يحكي عن لقائه بكليوباترا في السياق العام لقصته عن حملته. لا توجد في أي موضع من رواياته أية إشارة إلى الملكة بصفة شخصية أو لعلاقته معها. اشتهر القيصر بعلاقاته النسائية، وفي حالة كليوباترا فقد وجد امرأة تتمتع بسلطة تفوق تصور النساء في روما في ذلك الوقت. نحن نعتمد بالكامل على المصادر التاريخية التي ظهرت في وقت لاحق من أجل الاطلاع على وصف لعلاقة قيصر بكليوباترا، والمراجع التي تشير إلى هذه العلاقة أقل بكثير من المراجع الموجودة عن علاقتها بمارك أنطونيو. يرجع السبب في هذا إلى حد كبير إلى حملة أوكتافيان ضد الثنائي الأخير. فقد كان من غير المحتمل أن يحظى نقد يوليوس قيصر، «والد» أوكتافيان بالتبني، بدعم من الإمبراطورية.
في كتاب بلوتارخ «حياة يوليوس قيصر» تظهر كليوباترا في الفصل رقم 48، حيث يقول بلوتارخ إن بعض الناس كانوا يعتقدون أن اشتراك القيصر في الحرب في مصر كان نتيجة لهيامه بكليوباترا. يذكر لنا بلوتارخ أن كليوباترا قد طردت من مصر، وفي الفصل 49 (حياة القيصر) يصف عودة كليوباترا الشهيرة بمساعدة أبولودوروس الصقلي، الذي أخذ الملكة في قارب صغير ورسا به عند القصر وخبأها في جوال، وليس في سجادة كما صار سائدا فيما بعد (ووكر وأشتون 2006: 41-42). ومن الواضح أن هذا اللقاء كان ناجحا فقد أصبح يطلق على كليوباترا مرة أخرى حاكمة مشتركة لمصر. كانت في الثانية والعشرين من عمرها، وكان أخوها، الذي ولد عام 61 قبل الميلاد (هولبل 2001) في العاشرة من عمره، وكان حبيبها يوليوس قيصر أكبر منها بثلاثين عاما.
تناول بعض الكتاب الرومان مشاعر قيصر تجاه كليوباترا؛ فقد كان قيصر يحب كثيرا من النساء، لكن يخبرنا أحد المؤلفين أنه «كان يحب كليوباترا على وجه الخصوص، التي كان يطيل معها ما يقيمه من حفلات حتى بزوغ الفجر، وقد سافر معها في القارب الملكي إلى داخل مصر، وكان سيصل إلى إثيوبيا لكن جيشه رفض أن يتبعه. وبالإضافة إلى ذلك، رحب بها في روما ولم يسمح لها بالعودة إلى وطنها إلا بعدما أغدق عليها بالألقاب الشرفية والهدايا» (سويتونيوس، «يوليوس قيصر المؤله» 52).
أشار كتاب رومان آخرون إلى هذين الحدثين؛ فيقال (أبيان، «الحروب الأهلية» 2. 98) إن موكب كليوباترا وقيصر كان يتكون من 400 سفينة في رحلتهما عبر نهر النيل. بهذه الطريقة استطاع قيصر التأكيد على سلطته وتمكنت كليوباترا من إظهار بلدها وثراءها وسلطتها للرومان. ويمكن تفسير حقيقة إقامة يوليوس قيصر احتفالا بالنصر عند عودته إلى روما (أبيان 2. 102) على أنها دليل على سياسة التدخل التدريجي في مصر التي ستسيطر بها روما على البلاد فيما بعد. (11) في روما
كان الموقف الذي وجدت الملكة نفسها فيه عام 46 قبل الميلاد فريدا من نوعه حتى بالمعايير الحديثة. فقد كانت الملكة مع ابنها غير الشرعي من يوليوس قيصر و«زوجها» وأخيها بطليموس الرابع عشر ضيوفا عند قيصر، ويعتقد البعض أن هذا كان في فيلته في هضبة إسكولاين (ديو، التاريخ الروماني 43. 27. 3). هذا ويقال إن كليوباترا قامت بعدد من الرحلات إلى روما بين عام 46 قبل الميلاد ومقتل يوليوس قيصر في شهر مارس من عام 44 قبل الميلاد، بدلا من الإقامة هناك باستمرار (جروين 2003: 257-274). ويبدو هذا الترتيب بوجه عام أكثر حكمة في ظل قابلية حدوث شغب في الإسكندرية في أثناء غياب الحاكم.
بالتأكيد لم تكن كليوباترا محبوبة من الغالبية العظمى من الرومان. وربما كان أكثر النقاد المعاصرين لها ثباتا على موقفه منها هو شيشرون («أتيكاس»). تظهر الملكة في ستة من خطابات هذا الكاتب الخاصة. وعادة ما تكون الظروف التي تذكر في سياقها غير مفهومة بالكامل. كتبت هذه الخطابات بين شهري أبريل ويونيو من عام 44 قبل الميلاد؛ ومن ثم كانت بعد وفاة يوليوس قيصر. على عكس كثير من المصادر، تظهر هذه الخطابات رأيا شخصيا وخاصا عن الملكة، لكنه رأي عبر شيشرون عنه صراحة أمام مجلس الشيوخ. كان كثير من إشارات شيشرون غامضا، وهو ما يرجع ببساطة إلى أن الردود على مراسلاته لم تكتب لها النجاة.
جاءت إشارة إلى مغادرة كليوباترا لروما («أتيكاس» 14. 8. 1) في خطاب كتب في 16 أبريل عام 44 قبل الميلاد. كتب شيشرون: «إن هروب الملكة لا يضايقني» (لاسي 1986: رقم 362). في أحد الخطابات (14. 20. 2)، كتب في مدينة بوتسوولي في 11 مايو عام 44 قبل الميلاد، يعلق شيشرون على شائعة لا بد أن أتيكاس أشار إليها عندما كتب إليه: «أتمنى أن تكون صحيحة عن الملكة وقيصرها هذا أيضا.» إن طبيعة هذه الشائعة ليست معروفة (لاسي 1986: رقم 374، 239 رقم 8). بعد مرور أسبوع أخبرنا في خطاب كتب في مدينة بوتسوولي في 17 من مايو عام 44 قبل الميلاد (15. 1. 15): «بدأت الشائعة حول الملكة تتلاشى.» في 24 مايو كتب شيشرون: «تمنيت لو كان الأمر صحيحا بشأن مينيديموس، وتمنيت أن يكون هذا الأمر صحيحا عن الملكة» (لاسي 1986: رقم 381)، مشيرا إلى أن الأمر كان مجرد شائعة. يرجع أشهر مراسلات شيشرون التي يشتكي فيها من الملكة ومستشاريها إلى منتصف شهر يونيو عام 44 قبل الميلاد (14. 15. 2): «إن تذكر غطرسة الملكة نفسها عندما كانت تعيش في ضيعة على الجانب الآخر من نهر التيبر يجعل الدماء تغلي في عروقي؛ لذلك أنا لا أريد التعامل معهم ... فأنا أكره الملكة. يعرف أمونيوس، الذي ضمن وعودها، أن لدي الحق في ذلك. [أما فيما يتعلق بالكتب] فقد كانت من النوع الأدبي وتليق بمكانتي، ولا مانع لدي من الإعلان عنها في اجتماع عام. أما بشأن سارا، فبالإضافة إلى وقاحته العامة، أنا شخصيا أعتقد أنه متغطرس أيضا. فأنا لم أره إلا مرة واحدة فقط في منزلي ...» (لاسي 1986: 393). ويقال (لاسي 1986: 263) إن سارا ربما يكون اختصارا لسارابيو الذي كان مستشارا لوالد كليوباترا بطليموس الثاني عشر، والذي ساعد يوليوس قيصر عام 48 قبل الميلاد ضد أعدائه (قيصر، «الحروب الأهلية» 3. 109. 4)، وأصبح نائب كليوباترا في قبرص عام 43 قبل الميلاد. من الواضح أن كليوباترا لم تكن تعيش في روما في ذلك الوقت. وجاءت إشارة إلى خروجها من المجتمع الروماني؛ ومن ثم بعدها عن الموضوع الرئيسي للخطابات في آخر موضع ذكرت فيه كليوباترا؛ ففي 14 يونيو عام 44 قبل الميلاد (14. 17. 2) كتب شيشرون: «أنا سعيد أنك لست قلقا على الملكة وأنك توافق على كلامي» (لاسي 1986: رقم 394). (11-1) الأدلة الأثرية على وجود كليوباترا في روما
سنتحدث في الفصل الأخير من هذا الكتاب عن تراث كليوباترا الذي تركته للرومان. ومع ذلك، توجد آثار تدل على زيارة الملكة روما في حياة يوليوس قيصر؛ فيظهر تمثال لكليوباترا وضعه قيصر بجوار صورة فينوس في معبد فينوس جينتريكس (أبيان، «الحروب الأهلية» 2. 102) لفتة مميزة. عندما كان أبيان يمارس مهنة الكتابة في القرن الثاني الميلادي كان التمثال ما يزال في مكانه. نحن لا نعلم شيئا عن شكله، لكن يقال إنه كان يظهر كليوباترا في شكل فينوس/أفروديت وأن نسخا مقلدة منه لا تزال موجودة. يقال دوما إن التماثيل التي تكون مصحوبة بثعابين هي نسخ لتمثال كليوباترا الروماني. ومع ذلك، فإن إضافة المرممين ثعبانا إلى تماثيل السيدات العراة القديمة لا يسهل على الإطلاق مهمة التعرف على هوية التمثال (هيجز 2001: 202). وسنتحدث عن وجود ثعبان على تمثال كليوباترا الذي نقل في موكب الاحتفال بنصر أوكتافيان في الفصل الثامن. لا يوجد سبب آخر يدفعنا إلى الاعتقاد أن تمثال كليوباترا الذي كان موجودا في معبد فينوس جينتريكس كان به ثعبان؛ ففي تلك الفترة كان يتبقى 15 عاما على وفاة كليوباترا، كما كانت في موقف سياسي قوي.
تتمثل المشكلة، كما هو الحال دوما مع كليوباترا، في أننا لا نعرف إلا القليل جدا عن أحوالها في أثناء زيارتها روما، فلا يمكننا أن نقول يقينا إن القيصر بطليموس الخامس عشر كان قد ولد بالفعل، ولكننا نعلم أن كليوباترا لا بد أنها كانت حاملا في شهر مارس عام 44 قبل الميلاد عندما قتل القيصر. فربما كان هذا الجانب المتعلق بأمومتها هو ما أرادت التأكيد عليه في أثناء الوقت الذي أمضته في إيطاليا.
شكل 3-14: تمثال من الرخام لكليوباترا السابعة. متحف جريجوريانو بروفانو، متاحف الفاتيكان.
يحتوي أحد التمثالين لرأس كليوباترا، اللذين عثر عليهما في روما، على علامة تشير إلى أنه ربما كان مصحوبا بتمثال آخر لبطليموس قيصر. عثر على الرأس الأول، الذي يوجد حاليا في متاحف الفاتيكان، في فيلا دي كوينتيلي في طريق أبيا في روما (هيجز 2001: 203-204). تعرف كورتيوس لأول مرة على الرأس بأنه صورة لكليوباترا السابعة عام 1933 (ووكر وهيجز 2001: 218-219، رقم 196). كانت الأساليب التي استخدمت في التعرف على هذا التمثال هي نفسها التي لا يزال المتخصصون في التماثيل الملكية الهلنستية يستخدمونها في عصرنا الحالي، من خلال مقارنة الصور المحفورة على العملات بالتصوير الحجري الأكبر حجما المكتمل التفاصيل. إن الأنف في هذا التمثال مفقود، ويوجد بعض التغير في لون الحجر، لكن الرأس في حالة جيدة للغاية. كان شعرها مقسما خصلات عريضة ومعقودا في الخلف. حفرت خصلات الشعر حول حافة الوجه وفي مؤخر العنق، وعلى قمة الرأس ربط الشعر في شكل عقدة (شكل
3-14 ).
شكل 3-15: تمثال من الرخام لكليوباترا السابعة. أرشيف صور التراث الثقافي البروسي في ألمانيا
bpk .
سنتحدث عن الرأس الآخر، الذي يشبه ذلك الموجود في مثال الفاتيكان، في الفصل التالي عند الحديث عن تصوير كليوباترا على أنها حاكمة إغريقية (شكل
3-15 ). أشارت الأبحاث إلى أن هذه «الصورة» قد صنعت في إيطاليا (ووكر وهيجز 2001: 200-201، رقم 198)، ربما في جنوب روما. وهي قطعة مثيرة للجدل بسبب اعتقاد كثيرين كونها حديثة ومزيفة لأنها محفوظة في حالة جيدة استثنائية (يوهانسن 2003). من الممكن أن يكون التمثال الذي تنتمي إليه في الأصل قد صنع بعد فترة إقامة الملكة في إيطاليا، وربما حتى بعد وفاتها؛ فالتمثالان كلاهما كانا سيعرضان على جمهور روماني، وتجدر الإشارة إلى أن صورة كليوباترا كانت لديها القدرة على التكيف بسهولة وكان من الممكن تصويرها بطرق مختلفة. وقد كان الإكليل العريض - إحدى السمات الموجودة في التمثالين كليهما - سمة نموذجية في تماثيل الشخصيات الملكية الإغريقية في الحقبة الهلنستية المتأخرة وتشير إلى أن تمثالها كان لحاكمة أكثر من كونه لإلهة. صنع التمثالان كلاهما على أساس صورة كليوباترا على النمط الإغريقي التي توجد على العملات في الإسكندرية، وتظهر، مثل كثير من هذه الصور في تلك الفترة، وجود علاقة قوية بين المجتمعين الإغريقي والروماني المتعايشين أحدهما مع الآخر.
أخيرا، يوجد لدينا تمثال يربط المجتمع المصري بالروماني، صنع بلا شك في أثناء فترة إقامتها في روما. فقد حفظت صورتها في شكل رأس من الرخام عليه غطاء رأس وشعر مستعار على الطراز المصري، ويعبر هذا التمثال عن الإلهة إيزيس، وحفظ بلا شك في أحد المعابد المصرية. سنتحدث عن علاقة هذا التمثال بكليوباترا في الفصل السادس من هذا الكتاب. ومع ذلك، فإن وجود معبد مصري في روما في أواخر عهد الجمهورية الرومانية لأمر جدير بالذكر فيما يتعلق بإقامة كليوباترا في المدينة.
عقب وفاة يوليوس قيصر عادت كليوباترا إلى مصر مع أخيها والحاكم المشترك معها بطليموس الرابع عشر. وعقب وصولهما مباشرة يقال إن كليوباترا أعدمت أخاها (فرفوريوس 260ف، 2. 16-17، يوسيفوس، «آثار اليهود القديمة»، 15. 89، يوسيفوس، «ردا على أبيون» 2. 58). وسرعان ما أعلن بطليموس الخامس عشر حاكما مشتركا معها.
الفصل الرابع
كليوباترا: الحاكمة، الفرعون، الوصية على العرش
(1) نماذج نسائية
علينا التمييز بين النساء اللاتي حكمن مصر، مثل كليوباترا السابعة، والنساء اللاتي كن يتمتعن بسلطة وتأثير من موقعهن كزوجات ملكيات. في بدايات المجتمع المصري كان الملك يتخذ كثيرا من الزوجات، وتصبح إحداهن هي الزوجة الرئيسية للملك (أشتون 2003أ: 1-2). يوجد دور آخر مهم وهو دور والدة الملك. ظهر من هذين الموقعين، في أوقات معينة، نساء يتمتعن بسلطة كبيرة سجلت مكانتهن العالية في المنحوتات والرسومات البارزة في المعابد. ورغم ذلك، ظلت الغالبية العظمى من النساء في الأسر الحاكمة مجهولات الهوية. وحتى عندما كانت النساء في الأسر الحاكمة تحظى بدور بارز أو بشكل معين يميزهن عن الأخريات، كانت ألقابهن ترتبط بالملك؛ فلا يوجد مصطلح واحد منفصل في اللغة المصرية يعني الملكة. وكانت النساء في الأسرة الحاكمة يتخذن ألقابا ترتبط بالحاكم الذكر، مثل «الزوجة الملكية العظيمة/للملك» و«والدة الملك» و«أخت الملك». وكما أشرنا، فإن كليوباترا نفسها كان تلقب بالألقاب المسجلة على تاج عثر عليه في مدينة قفط (شكل
3-12 ). وبدءا من المملكة المصرية الحديثة كانت ألقاب السيدات ذوات الدور الرئيسي في الأسر الحاكمة ترتبط عادة بأحد الآلهة (تروي 1986)؛ ومن ثم يحصلن على قدر من الاستقلال عن أزواجهن أو أبنائهن. لم تحظ النساء في الأسر الحاكمة بمكانة مرتفعة وسلطة كبيرة إلا في عصر أسرتين فقط: الثامنة عشرة، التي ظهرت منها حتشبسوت والملكة تي ونفرتيتي، والأسرة الخامسة والعشرين، عندما شغلت النساء في الأسرة الحاكمة أدوارا محددة.
كان ملوك مصر (الذين لقب بعضهم بلقب فرعون) دوما من الرجال. ومن بين الاستثناءات القليلة لهذه القاعدة كانت حتشبسوت، التي حصلت - رغم كونها امرأة - على لقب ملوك مصر الذكور وارتدت زيهم الرسمي (دورمان 2005: 87-90، تحرير رويهريج 2005: 164-173، رقم 88-171). كانت حتشبسوت ابنة الملك تحتمس الأول والأخت غير الشقيقة وزوجة خليفته تحتمس الثاني. يمكن تتبع وصولها لتصبح شريكة في الحكم بداية من دورها «كزوجة للإله»، ثم دورها كوصية على ابنه تحتمس الثالث، وأخيرا وصولها لتصبح شريكة في حكم مصر. ظلت في الحكم منذ نحو عام 1473 قبل الميلاد حتى 1458 قبل الميلاد. كان وضعها يشبه وضع بعض ملكات البطالمة ، مثل كليوباترا الثالثة وكليوباترا السابعة، اللاتي حكمن مع أبنائهن وكن هن المسيطرات على الحكم. أصبحت حتشبسوت فرعون مصر عن طريق دورها السياسي كزوجة للإله وأم للملك (دورمان 2005: 87). في أثناء السنوات الأولى من وصايتها على العرش كانت حتشبسوت تظهر على أنها سيدة من الأسرة الحاكمة؛ فقد كانت ترتدي دوما التاج ذا الريش الذي ترتديه زوجة الإله آمون (دورمان 2005: 87-88، الأشكال 37-38). وبعد سبع سنوات من وصايتها على تحتمس الثالث أعلنت حتشبسوت أنها ابنة الملك الأولى (دورمان 2005: 88)، وحولت مظهرها إلى مظهر الفراعنة الذكور (هايز 1957: 79-81). في ذلك الوقت قدمت حتشبسوت أسلوبا جديدا ومباشرا من أجل إضفاء الشرعية على حكمها.
إن وجود سيدات ذوات شأن على جدران معبد حتشبسوت الجنائزي أمر مثير للدهشة؛ فقد ظهرت والدة الحاكم في النقوش البارزة في المعبد (تحرير رويهريج 2005: 153، رقم 80). وتوجد صورة أخرى لحاكمة أخرى لدولة أجنبية تعرف باسم بنط؛ فتظهر بتشوه مبالغ فيه في جسدها، ويقال إن هذا الرسم ربما يعتبر رسما كاريكاتوريا لها أكثر من كونه تعبيرا عن شكلها الحقيقي (أشتون وسبانل 2000). يؤكد معبد حتشبسوت الجنائزي، في الدير البحري على الضفة الغربية من نهر النيل في طيبة، على الجوانب النسائية لدورها، خاصة في مقصورة حتحور (باتش 2005: 173-175). فتظهر في النقوش البارزة الموجودة في هذه المقصورة الحاكمة وهي جالسة تطعم هذه الإلهة التي تظهر في صورة بقرة بدلا من صورتها البشرية المعتادة. يوجد أيضا تصوير للحاكمة وهي حامل في مقصورة تحتمس (أرنولد 2005: 135-140). كانت حتشبسوت تحرص أيضا على تدعيم مكانة ابنتها؛ فقد أصبحت نفرو «زوجة الإله» مثلما فعلت والدتها من قبل. تظهر حتشبسوت، كما رأينا، في تماثيلها وفي النقوش البارزة الموجودة في المعابد وهي ترتدي زي ملوك مصر الذكور. ومع ذلك، تظهر ملامحها النسائية في وجود ثديين وثوب ترتديه تحت تنورتها يغطي جذعها، وفقا للتقاليد الفنية المصرية المعتادة. استخدمت الحاكمة أيضا شكلها الأنثوي في ألقابها (دورمان 2005: 88).
لاحقا أثناء حكم الأسرة الثامنة عشرة ظهرت سيدتان بارزتان في وقت واحد؛ هما تي زوجة أمنحوتب الثالث ووالدة الملك أمنحوتب الرابع/إخناتون، وزوجة ابنها نفرتيتي. تشبه هاتان السيدتان كثيرا ملكات أسرة البطالمة الحاكمة (أشتون 2003أ: 6-10) فيما يتعلق بالأدوار التي لعبتاها والصور التي اتخذتاها من أجل تمييزهما عن نساء الأسرة الحاكمة الأخريات. اكتسبت تي مكانة عندما حكمت بصفتها زوجة الملك. يفوق عدد التماثيل الموجودة لها وحدها أو مع زوجها كثيرا عدد تماثيل الزوجات في الأسر الحاكمة في الفترات السابقة. وبعد وفاة أمنحوتب الثالث يبدو أن تي استمرت في لعب دور مهيمن بصفتها أم الملك؛ مما سمح لنفرتيتي بالاضطلاع بدور الزوجة الملكية. يشبه وضعهما وضع ملكات البطالمة الأوليات، خاصة أرسينوي الثانية، التي اعتمدت مكانتها الإلهية وأهميتها على ارتباطها بأخيها بطليموس الثاني. أما ملكات البطالمة اللاتي ظهرن في وقت لاحق؛ فقد تجاوزن مرحلة التبعية هذه وحكمن بأنفسهن، وأحيانا كن يحظين بتفضيل الرعية مقارنة بنظرائهن المعاصرين من الرجال في الأسرة الحاكمة.
تعرضت السيدات الأخريات اللاتي حاولن الاستيلاء على السلطة إلى القمع على يد رجال الحاشية. أحد هذه الأمثلة كانت الزوجة الرئيسية في الأسرة التاسعة عشرة للملك سيتي الثاني (أشتون 2003: 13)، فمثل كثير من النساء الأخريات اللاتي كان طموحهن يفوق مكانتهن، عزلت الملكة توسرت ليحل محلها طفل صغير يكون التأثير عليه أسهل. تظهر هذه الواقعة حذرا فعليا شديدا من جانب أعضاء البلاط الملكي، فربما كان للمرأة مكانتها في المجتمع المصري، لكن يبدو أنها كانت تمثل تهديدا حقيقيا أكثر من كونها بديلا يسهل التحكم فيه للملك الذكر.
كان حكام الأسرة الخامسة والعشرين من الأجانب من مملكة كوش، ويطلق عليهم عادة الكوشيون. تقع مملكة كوش في النوبة وطالما كانت تعتبر عدوة لمصر؛ لذلك يظهر في مشاهد الضرب عادة ملك مصر وهو يسحق أعداء الدولة، ويكون أحدهم أفريقيا أسمر اللون يمثل أهل النوبة (وهي ثقافة تمتاز بلغتها المشتركة المختلفة عن لغة المنطقة، وتتمثل حاليا في جنوب مصر والسودان). حكم الكوشيون بصفتهم فراعنة أجانب نحو 400 عام قبل البطالمة. ويبدو أن الكوشيين كان لديهم، مثل الحكام البطالمة، اهتمام حقيقي بالثقافة المصرية وبالترويج لأنفسهم على أنهم ملوك لمصر بالأسلوب التقليدي.
يمكن العثور على أوجه تشابه بين إضفاء السمات الأفريقية على تماثيل الملوك الكوشيين وإضفاء الطابع الإغريقي على «صور» تماثيل الحكام البطالمة (أشتون 2001أ: 25-36). حصلت نساء الأسرة الحاكمة في تلك الفترة أيضا على مناصب دينية وسياسية مهمة وذات سيادة؛ ومن ثم يوجد تشابه منطقي بينهن وبين ملكات البطالمة. ومن هذه الأسرة الحاكمة يجدر بنا ذكر أمنريدس الأولى، أخت الحاكم بيا (747-716 قبل الميلاد) وعمة خليفته. حصلت أمنريدس، مثل كثير من السيدات البارزات قبلها، على دور «زوجة الإله آمون»، الذي تصبح بموجبه السيدة من الأسرة الحاكمة زوجة مقدسة لإله طيبة. ونظرا لكونها زوجة آمون، حصلت أمنريدس على مكافآت مالية وتبعتها سلطة سياسية. وتماما مثل حتشبسوت من قبلها، يعتقد أن أمنريدس اختارت خليفتها، ابنة أخيها شبنويبت، بصفتها «زوجة الإله آمون» (تحرير ماركو وكابيل 1997: 115-116، رقم 48). تظهر زوجات الآلهة في المقصورة المرتبطة بطقوسهم الجنائزية في معبد مدينة هابو (شكل
4-1 )، ومن السهل ملاحظة أن هذا المعبد كان المصدر الذي استلهمه كهنة البطالمة عند تصويرهم لأسلاف كليوباترا. تظهر الزخارف البارزة في هذا المعبد العلاقة الشخصية العميقة بين هؤلاء النساء. والشخصيات الذكور الوحيدة الموجودة هي الآلهة، وتصور المشاهد على الجدران الزوجة الحالية وهي تقدم القرابين إلى الزوجة المقدسة السابقة. وستتكرر هذه المشاهد في عصر البطالمة حيث يظهر الحكام وهم يقدمون القرابين إلى والديهم المتوفين والمقدسين. توجد على الجدران الداخلية للمحراب الأول صور لمتعبدين وهم يحملون القرابين إلى تماثيل الزوجة الملكية المؤلهة (شكل
4-2 ). (2) صور البطالمة
شكل 4-1: مقصورة زوجات الإله آمون، مدينة هابو.
شكل 4-2: مقصورة زوجات الإله آمون، مدينة هابو، بالتفصيل.
شكل 4-3: تمثال من الحجر الجيري لأرسينوي الثانية. متحف متروبوليتان للفنون في نيويورك، 1920 (20. 2. 21). حقوق الطبع والنشر محفوظة لمتحف متروبوليتان للفنون.
كان الكهنة المصريون يلجئون إلى صور سيدات الأسرة الحاكمة من عهد مبكر عندما تظهر حاجة إلى تقديم صورة مميزة في بداية الأسرة الحاكمة الجديدة. ظهر عدد من السيدات البارزات في الأسرة الحاكمة في عهد الأسرة الثامنة عشرة والتاسعة عشرة والخامسة والعشرين. وكما نرى في الشكل
4-3
ترتدي أرسينوي الثانية نوعا محددا من غطاء الرأس مستوحى من تاج الإله جب (ديلس 1998: 1309-1330). ظل هذا الشكل التصويري مستمرا طوال عصر البطالمة، ويتضح هذا من تصويرات الملكة بعد وفاتها. كان الاتساق مهما في السمات المستخدمة للتعرف على ملكات عصر البطالمة بسبب غياب العبارات المنقوشة على التماثيل والكم الكبير من الخراطيش الفارغة في النقوش البارزة الموجودة في المعابد. يصف مرسوم كانوبوس ومرسوم حجر رشيد عملية خلق الصور الملكية تفصيلا، ما يساعد في التعرف على الحكام والتمييز بينهم خاصة عند وجود أكثر من حاكم داخل المعبد نفسه (راجع أشتون 2001أ: 13-19 من أجل تلخيص لهذا الجزء). لحسن الحظ يوجد تمثالان عليهما عبارات منقوشة على الطراز المصري لأرسينوي الثانية؛ أحدهما يظهر الملكة بصفتها أحد الإلهين الأخوين «ثيوي أدلفوي» صنع في فترة حياتها، والآخر صنع بعد وفاتها، ربما في القرن الثاني قبل الميلاد، وهو تصوير للملكة ويوجد حاليا في متحف متروبوليتان للفنون في نيويورك (شكل
4-3 )، (أشتون 2001أ: 37-38، دليل الصور 54 ص 108-109، دليل الصور 35 ص100-101، و2001ب: دليل الصور 166 ص166-167). يظهر التمثال الأول الملكة وهي ترتدي رأسي أفعى، والثاني، الذي يحتوي على سمات إغريقية، يظهر الملكة وهي ترتدي قرنين متوازيين يعبران عن الوفرة والنماء (أشتون 2000: 4). كان عادة ما يظهر رأس أفعى واحدة وتكون رمزا لعبادة الملك للشمس، لكنها أيضا، في حالة نساء الأسرة الحاكمة، تربطهن على الأرجح بالإلهة واجيت، وبوجه عام بابنة الإله رع كما جاء في الأساطير.
ظهر رأسا الأفعى في صور لنساء الأسرة الحاكمة منذ عهد الأسرة الثامنة عشرة؛ إذ ترتدي الكوبرا الأولى تاج مصر العليا وترتدي الأخرى تاج مصر السفلى؛ ومن ثم تعبران معا عن وحدتهما (جريفيثس 1961: 50-51، روسمان 1974: 39، روبنز 1996: 24). وفي حالة أرسينوي الثانية، كان رأس الأفعى يكمل قرني النماء والوفرة وكلاهما كان له المعنى نفسه. ويمكن أن يرتبط أحد استخدامات رأسي الأفعى بلقب سيدة الدولتين (أشتون 2005أ: 4). ينطبق هذا على أرسينوي الثانية وزوجة أمنحوتب الثالث في الأسرة الثامنة عشرة ووالدة أخناتون الملكة تي.
انتقلت الصورة التي اتخذتها تي بوصفها زوجة رئيسية، خاصة استخدامها رأسي أفعى بدلا من رأس واحد فقط، إلى خليفتها نفرتيتي. يمكن رؤية هذا في أحد تمثاليها الذي كان يحمل رأسين للكوبرا لكنه عدل ليصبح به رأس كوبرا واحد، على الأرجح بسبب مكانتها الجديدة كوالدة الملك لا زوجته (أرنولد 1996: 30-35). حتى في أثناء الجزء الأول من فترة حكمها الأولى، لا تظهر تي على أنها زوجة ملكية فحسب، وإنما إلهة أيضا. تظهر الملكة تي في كثير من تماثيلها التي ترجع إلى عهد أمنحوتب الثالث وهي ترتدي رأسي أفعى (تميزها) ويوجد نسر في الوسط (يشير إلى قدسيتها). تظهر نفرتيتي بالمثل في تماثيلها الأولى والنقوش البارزة في المعابد مرتدية رأسي أفعى (أشتون 2005أ: 1-2). يدعم كل رأس لأفعى الكوبرا أحد تاجي مصر العليا ومصر السفلى، ووجودهما يمثل الدولتين (أشتون 2005أ: 5). قيل أيضا إن رأس أفعى الكوبرا المزدوج كان يستخدم في الاحتفال بذكرى حدث معين في أثناء فترة حكم سيدات الأسرة الحاكمة. في حالة الملكة تي تمثل هذا في عيد «حب سد»، وهو عيد للتجديد، كان يحتفل به عادة بعد مرور 30 عاما على حكم الملك. لم يكن كل الملوك ينتظرون 30 عاما؛ فقد أقام أخناتون هذا العيد بعد مرور ثلاث سنوات على حكمه. على الرغم من ارتداء نفرتيتي لرأسي الأفعى في أوائل حكمها، فإن ظهورها على هذا النحو كان على فترات متقطعة إذا كنا سنقبل بالتأريخ الحالي للأمثلة (أشتون 2005أ: 6). لا يظهر رأسا أفعى الكوبرا الموجودان في النقوش البارزة وتماثيل نفرتيتي ليدعما تاجي مصر العليا والسفلى، وإنما يدعمان قرني البقرة وقرص الشمس. ويوجد هذا الشكل تحديدا أيضا على التماثيل التي يعود تاريخها إلى الأسرة الخامسة والعشرين، ويقال إن فكرة هذا الشكل ترتبط بالإلهة حتحور وارتباطها بنساء الأسرة الحاكمة (أشتون 2005أ: 6). وكما أشرنا من قبل، لعب كثير من هؤلاء النساء دور زوجة الإله، وكانت تحصل عادة على الألقاب المقدسة ابنة آمون أو ابنة رع أو ابنة جب. وتجدر الإشارة إلى أن حتحور نفسها لا ترتبط برأسي الكوبرا.
ما إن بدأ استخدام شكل رأسي الأفعى حتى تبنته الغالبية العظمى من نساء الأسرة الحاكمة. وكان الاستثناء لهذه القاعدة، كما أشرنا للتو، نفرتيتي، التي عادت إلى شكل رأس الأفعى الواحدة في مرحلة متقدمة في فترة حكمها. تزامنت عودة نفرتيتي إلى رأس الأفعى الواحدة مع ترقيها إلى الوسيط الذي يمكن عبادة آتون (قرص الشمس) من خلاله كجزء من التطورات الدينية التي حدثت خلال تلك الفترة القصيرة. في ذلك الوقت سيطرت عبادة آتون لكنها لم تكن العبادة الوحيدة. من الواضح أنه كان لكل من تي ونفرتيتي دور سياسي مهم داخل البلاط وكانت الأخيرة عنصرا مهما في عبادة الإله الجديد، حيث إن عبادة آتون كانت تتم من خلال أخناتون ونفرتيتي. وأشار بعض الباحثين إلى أن هؤلاء السيدات ذوات النفوذ كان لهن دور فعال فيما حدث من تطورات في حقبة العمارنة.
أشار مقال يرجع تاريخه إلى عام 2003 في تعميم مبسط إلى حد ما، قدمه باحث متخصص في التاريخ الكلاسيكي، إلى أن رأسي أفعى الكوبرا وقرني النماء والوفرة التي كانت ترتديها أرسينوي الثانية تعبر عن حكمها مع أخيها (مالر 2003). تتمثل مشكلة هذا الافتراض في أنه يفتقر إلى أدلة داعمة مقبولة؛ فتشير عودة ظهور رأسي الأفعى في عصر البطالمة إلى أن الكهنة كانوا يعلمون ويفهمون استخداماتها السابقة. ومن سوء الحظ أن المثال الذي استخدم من أجل تدعيم هذه النظرية؛ تمثالي أرسينوي الثانية وبطليموس الثاني الموجودان حاليا في متاحف الفاتيكان (أشتون 2001أ: 84 دليل الصور 6، و100 دليل الصور 36)، هما في الواقع جزء من مجموعة ثلاثية (أشتون 2007أ). وفي المقابل خلصت رسالة دكتوراه نشرت عام 2002 إلى أن هذين الرأسين يمكن ربطهما بلقب سيدة الدولتين، كما أشرنا سابقا (أشتون 2005أ، قدمت في 2001، ألبيرسماير 2002: 44-52). وبينما تفسر هذه الفرضية رأسي الكوبرا اللتين ترتدي كل منهما تاجا، وأيضا هؤلاء السيدات اللاتي ارتبطن بهذا اللقب؛ فإنها لا تفسر كل الأمثلة على هذه الظاهرة؛ فيبدو أن النساء اللاتي ارتدين أكثر من رأس كوبرا واحد هن اللاتي كن بحاجة إلى تمييز أنفسهن على نحو ما. وتعتبر هذه الفكرة منطقية نظرا لعدد الزوجات اللاتي كان يتخذهن ملك مصر، ويبدو أن الفكرة كانت تتمثل في استخدامها في أوقات مهمة في أثناء فترة حكمهن. واستنتاجي أن رأسي الأفعى كانا يستخدمان من أجل تحديد الزوجة الرئيسية أو ابنة الملك وتمييزها عن غيرها (أشتون 2005أ: 6-8)؛ فقد كانت أرسينوي الثانية بحاجة إلى تمييز نفسها عن أرسينوي الأولى؛ لذا لا بد أن رأسي الأفعى كانا هما الحل البديهي لدى مستشاري الأسرة الحاكمة. ويوجد احتمال كبير أن تكون هذه الفكرة قد استخدمت لخدمة أغراض مختلفة في أوقات مختلفة. وبالتأكيد لا توجد علاقة بين الألقاب واستخدامها.
شهد عصر البطالمة ظهور رءوس الأفعى الثلاثة لأول مرة في الصور الملكية المصرية. ويوجد جدل كبير حول معنى هذا وأيضا حول الأفراد الذين يمكن ربط هذه السمة بهم. في معرض كليوباترا الذي أقيم عام 2000 قيل إن رءوس الأفعى الثلاثة قد تعبر عن عدد من الظروف؛ الحكم الثلاثي، أو ألقاب ابنة الملك وأخت الملك والزوجة الملكية العظمية كما ظهر في تاج متحف بتري من مدينة قفط الذي ذكر من قبل (انظر الشكل
3-12 )، أو لقب ملكة الملوك (أشتون 2001ب: 148-155، وأشتون 2001أ: 40-43). يفضل بعض المتخصصين في التماثيل الملكية للبطالمة النظر إلى رءوس الأفعى الثلاثة على أنها امتداد لصورة أرسينوي الثانية (بيانشي 2003: 18-19)، بينما خلص آخرون إلى أن بعض التماثيل تمثل كليوباترا السابعة (ستانويك 2002: إي13-15، إف5)، لكنهم يفضلون إرجاع تاريخ بعض منها على نحو أكثر شمولا إلى القرن الأول قبل الميلاد (ستانويك 2002: إي11) وعصر كليوباترا الثالثة (ستانويك 2002: 37، 76، 80 أرقام إي 13-15، إف5 وإي11). يفضل باحث واحد فقط التاريخ التقليدي الذي يعود إلى القرن الثالث عند تأريخ بعض تماثيل المجموعة بينما يرجع تاريخ تمثال متحف اللوفر (شكل
4-4 ) إلى القرن الأول قبل الميلاد (ألبيرسماير 2002: 44-45). يعتبر التحليل القائم على الأسلوب الفني منطقيا أكثر من النظر إلى رءوس الأفعى الثلاثة على أنها تعبر عن الحكم الثلاثي لكليوباترا الثانية مع أخويها بطليموس السادس وبطليموس الثامن، أو مع ابنتها كليوباترا الثالثة وبطليموس الثامن (مالر 2003: 302). نظرا لما توفر لي من وقت الآن للنظر في ردود الفعل على معرض المتحف البريطاني الذي أشير فيه إلى أن رءوس الأفعى الثلاثة ترتبط فقط بكليوباترا السابعة، ونظرا لإجرائي المزيد من الأبحاث على استخدام رءوس الأفعى المتعددة في الصور الملكية (أشتون 2001أ، و2005أ)، ظللت مقتنعة بأن التماثيل ذات رءوس الأفعى الثلاثة يمكن ربطها بكليوباترا السابعة بناء على أسباب شكلية وأسلوبية في الوقت نفسه. ومع ذلك، فإن تحديد وفهم معنى هذا الرمز سيظل بلا شك موضع خلاف.
شكل 4-4: تمثال من الحجر الصابوني لكليوباترا السابعة. متحف اللوفر، باريس.
كان التاج المعتاد الذي ترتديه ملكات البطالمة يتكون من ريشتين مع قرص الشمس وقرني البقرة، تعبيرا عن سمات الإلهة حتحور لدى الملكة مثلما فعلت نساء الأسرة الحاكمة الأوليات (روبنز 1996: 24). كان بعض الملكات يرتدين تاجا عليه نسر من أجل الإشارة إلى قدسيتهن، خاصة الملكة تي، والزوجات الكوتشيات للإله آمون في فترة حياتهن، وأرسينوي الثانية في التماثيل الدينية التي صنعت لها بعد وفاتها. في النقوش الموجودة على الجدران تظهر أرسينوي الثانية وهي ترتدي غطاء للرأس عليه نسر أيضا عند استلامها لقرابين مقدسة. تظهر الملكات عادة وهن يقدمن قرابين لأحد الآلهة وعليه يرتدين رأس أفعى كوبرا ملكية واحدة على جبهتهن. (3) كليوباترا الحاكمة
تحدثنا في الفصل الثالث عن السنوات الأولى في حكم كليوباترا مع والدها ثم مع إخوتها، وسنتحدث في الجزء المتبقي من هذا الفصل عن تطور دورها كحاكمة لمصر عقب وفاة يوليوس قيصر عام 44 قبل الميلاد. وسنتحدث عن علاقة كليوباترا بمارك أنطونيو فيما بعد في الفصل السابع. على الرغم من أن والدي أطفالها كانا من الرومان، يقال إن الرومان لم يكن لهم أي مكان داخل التقليد الملكي المصري (مالر 1983). هذا لا يعني أنها لم تكن تشغل بالها بهذين الرجلين؛ فيشير معبد يوليوس قيصر المؤله في الإسكندرية إلى أن قيصر لعب دورا سياسيا وعاطفيا في تطور الجزء الثاني من فترة حكمها. وأشير أيضا مؤخرا إلى أن الملكة كانت تستهدف آلهة محددة من أجل مضاهاة وضعها غير التقليدي (راي 2003: 9-11).
ضمن لكليوباترا حكمها مع والدها مكانتها كحاكمة لمصر. وكان القرار الذي اتخذه بترك البلد تحت الحكم المشترك لابنته وابنه الأكبر قرارا ذكيا من الناحية السياسية؛ فإذا ترك الدولة تحت حكم كليوباترا وحدها كان رجال الحاشية على الأرجح سينتهزون الفرصة باسم بطليموس الثالث عشر ويستولون على حكم الدولة. وحتى مع ضمان حقها في حكم الدولة، نفيت كليوباترا عنوة عندما نفذ مؤيدو زوجها الصغير بالضبط ما كان يخشاه والدها. قدمت الحرب الأهلية التي تلت ذلك فرصة سانحة للرومان لمزيد من التدخل في شئون الدولة وضمان وجود دور رسمي لهم في إدارتها. وكما أشرنا من قبل، لم يكن لدى المصريين أية مشكلة في تولي امرأة الحكم عليهم، وقد تقبل أهالي الإسكندرية من قبل حكم ملكات البطالمة الأوليات، مثل كليوباترا الثانية، وفضلوهن على منافسيهن من الرجال (انظر الفصل الثالث). ورغم هذا، بدا أن الرومان هم الذين كانوا أكثر انزعاجا من فكرة وجود حاكمة للبلاد. (4) المقربون من كليوباترا ومستشاروها وكهنتها
على الرغم من عدم وجود أدلة وثائقية كثيرة على حكم كليوباترا السابعة؛ فقد كتبت النجاة لتماثيل بعض موظفي الملكة (ووكر وهيجز 2001: 180-183). يعبر التمثال الأول عن رجل يدعى «با-أشيم»، الذي كان حاكما لدندرة في الفترة بين عامي 50 و30 قبل الميلاد تقريبا (بيانشي 1988: 127). لم يكن السطح الخارجي للتمثال تاما، ومع ذلك، كان النص المكتوب عليه مكتملا؛ فيبدو أن النحاتين المصريين لم يكونوا ينتهون دوما من نحت السطح الخارجي للتماثيل، فيتركون عادة ملامح رئيسية مثل اليدين والقدمين في حالة نعتبرها غير مكتملة. صنع هذا التمثال على وجه الخصوص بأمر من الموظف نفسه على الأرجح أو بالنيابة عنه. وتشير الألقاب الموجودة على العمود الخلفي (ووكر وهيجز 2001: 181) إلى أن هذا الحاكم كان يمارس دور الكاهن بصفته: «رسول تماثيل الفرعون» و«حارس كنز حورس في إدفو» و«رسول إيزيس في دندرة وفي فيلة»، إلخ. يظهر السطر الأخير من النص المكتوب اسم والد با-أشيم ووظيفته، فكان اسمه «با-سرج» وكان قائدا في الجيش.
أحد الموظفين الآخرين الذين عملوا مع كليوباترا وظهر تمثال لهم رجل يدعى حور، الذي كان كاهنا للإله تحوت (ووكر وهيجز 2001: 182-183). عثر على هذا التمثال في الإسكندرية، ويظهر صاحبه على مشهد من نقش بارز وهو يقدم القرابين إلى تحوت الذي كان كاتبا لدى الآلهة . وفقا لهذا الدور يظهر حور حليق الرأس كجزء من طقوس النظافة المعتادة قبل المثول أمام أحد الآلهة. ومع ذلك يظهر في التمثال وعلى رأسه جدائل قصيرة. في فترة حياته أعاد حور بناء معبد للإله أوزوريس كان قد انهار وأصبح حطاما بسبب حفر قناة بالقرب منه. يقول السطر الثالث في النص المكتوب على العمود الخلفي إن حور اهتم بالقرابين المقدسة المقدمة إلى الإله آمون-رع. ويشير هذا إلى أن تمثال حور نحت بناء على رغبته، أو أنه ربما غير دوره الكهنوتي في فترة حياته. يعتبر هذا التمثال تصويرا جديرا بالملاحظة لصورة رجل يتراوح عمره على ما يبدو من أواخر الأربعينيات إلى منتصف الخمسينيات، يوجد بعض التجاعيد عند فمه وذقنه وحول عينيه. كان هذا النوع من التصوير غير المثالي معتادا للموظفين في عصر البطالمة وأوائل عصر الرومان. (5) الأدلة الوثائقية على حكم كليوباترا لمصر
للأسف لم ينج إلا عدد قليل من الوثائق من فترة حكم كليوباترا، وما نجا من هذه الوثائق أعيد استخدامه كلفائف للمومياوات في ذلك العصر. يمكن تقسيم الأوامر الملكية إلى ثلاثة أنواع رئيسية: المراسيم العامة، التي لا تكون موجهة إلى فرد معين، والتعليمات الموجهة إلى أحد المسئولين بلقبه، والتعليمات الموجهة إلى أحد المسئولين باسمه فقط (فان مينن 2003: 35). يوجد بعض هذه الوثائق في صورتها الأصلية على ورق البردي، بينما لا يوجد إلا نسخ صخرية فقط من البعض الآخر. يشرح هذا عملية الإدارة حيث كانت التعليمات تنقل عبر مرسوم ملكي إلى أحد المسئولين، يأمر عندها بصنع نسخة حجرية حتى يراها الجميع. لا يبدو أن النوع الثالث من الأوامر، الذي يوجه إلى شخص باسمه، قد ظهر إلا في عصر كليوباترا السابعة، على الأرجح في أثناء حكمها المشترك مع والدها (فان مينن 2003: 35)، وهو تطور جدير بالذكر في أسلوب تواصل الحكام مع مؤيديهم. لم يظهر اسم الوظيفة التي يشغلها المخاطب (الرجل المسئول عن الوظيفة المتاحة) إلا أواخر عصر البطالمة، كما يتضح في خطابين أرسلتهما كليوباترا، وقد يشير هذا إلى أنه قد أدخل من أجل التعامل مع هذا النوع الجديد من الأوامر الملكية (فان مينن 2003: 36). (5-1) مراسيم اللجوء إلى المعابد من فترة حكم كليوباترا السابعة
ظهرت مراسيم اللجوء إلى المعابد لأول مرة في عهد بطليموس العاشر (ريجزبي 1996: 544). على الرغم من النظرة التقليدية لتلك المراسيم التي تعتبرها دليلا على ضعف سلطة الدولة، اقترح البعض أن منحها كان أحد السبل التي تعيد بها المعابد الأصغر حجما والأقل سلطة التأكيد على حقوقها التقليدية. قيل أيضا إنها بدلا من أن تكون مجرد إشارة إلى وجود مشكلات بين المتنافسين على المميزات الملكية والكهنة والأسرة الحاكمة، تعبر هذه المراسيم عن وجود خلافات بين المتنافسين بعضهم مع بعض (هاينن 1994: 157-168). كانت طلبات اللجوء ترد من كثير من مختلف أفراد شعب البطالمة إلى معابد الآلهة المصرية، ومن الإغريق إلى معابد الآلهة المصرية والآلهة الإغريقية، وفي حالة واحدة، وجد طلب لجوء إلى معبد إله اليهود (ريجزبي 1996: 544). يوجد عدد من هذه المراسيم من فترة حكم كليوباترا السابعة (للاطلاع على النصوص انظر ريجزبي 1996: 569-573، وطومسون 2003، وفان مينن 2003). يرجع أقدم تاريخ إلى 7 مارس و14 مارس عام 46 قبل الميلاد، ويأتي من معبد إيزيس بالقرب من مدينة بطلمية. كانت بطلمية مدينة إغريقية أقيمت في أوائل عهد البطالمة تحت حكم بطليموس الأول أو الثاني، وكانت لها الامتيازات نفسها التي كانت لمدينة الإسكندرية. قدم الالتماس من رجل إغريقي إلى الإلهة إيزيس، وهي بالطبع واحدة من الآلهة المصرية التقليدية. النص موجه إلى المسئول باسمه فقط وليس بوظيفته، وهو كالتالي: (أ) من ثيون إلى مدينة بطلمية، التحية؛ مرفق نسخة من الإعلان المرسل إلينا مع الأمر الذي جاء ردا عليه، حتى تعرفه وترفقه في الأرشيف العام بحسب ما تراه مناسبا. اهتموا بأنفسكم جيدا، إلى اللقاء. السنة السادسة، 12 برمهات. (ب) إلى ثيون: عليك بإبلاغ الأشخاص المعنيين أن معبد إيزيس، الذي بني بأمر من كاليماخس الحاكم العسكري لجنوب بطلمية، سيعفى من الضرائب ويحظر انتهاك حرمته هو والمنازل المبنية حوله حتى جدران المدينة. (ج) لينفذ هذا الأمر. السنة السادسة، 5 برمهات.
نقش هذا المرسوم على لوح من الجرانيت، يوجد حاليا ضمن مجموعة مقتنيات روسية (ريجزبي 1996: 569). يبلغ طول هذا اللوح نحو 99 سنتيمترا وعرضه 56 سنتيمترا؛ ويصل ارتفاع الكلام بين 2 و2,5 سنتيمترا. يظهر هذا المرسوم الطريقة التي يقدم بها التماس من أجل الحصول على تصريح وطريقة صدوره. وربما تعكس السرعة التي يستجاب بها للطلب، في خلال أسبوع، المكانة الخاصة لمدينة بطلمية، رغم أن المعبد كان يقع خارج جدران المدينة (ريجزبي 1996: 570-571). وتشير سرعة التنسيق أيضا إلى أن ثيون كان في الإسكندرية من أجل الحصول على الإذن الملكي الذي يتجلى في عبارة «لينفذ هذا الأمر» والتاريخ المذكور.
تشير وثيقة أخرى إلى أحد معابد اليهود، ربما في مدينة ليونتوبوليس في منطقة الدلتا، ويرجع تاريخها إلى الحكم المشترك بين كليوباترا وبطليموس الخامس عشر (ريجزبي 1996: 571-572، بعد بينجن 1995). يقال إن هذا اللوح كان مصنوعا من معدن الكالسيت (ريجزبي 1996: 572)، رغم أن هذا أمر غير معتاد على الإطلاق. كتبت الغالبية العظمى من النص باللغة الإغريقية، لكن توجد جملة إضافية باللغة اللاتينية تقول: «أصدرت الملكة والملك أمرا» (ريجزبي 1996: 573). يحتوي القسم المكتوب باللغة الإغريقية على نقش غريب يتحدث عن استبدال لوح تأسيسي سابق، أهدي إلى أحد المعابد اليهودية في أثناء حكم «بطليموس يورجيتيس»، الذي ربما كان بطليموس الثالث أو الثامن. يشير استخدام اللغة اللاتينية إلى أن المسئولين عن كتابة هذا اللوح كانوا من الرومان؛ يقول ريجزبي إنهم ربما كانوا رجالا من جيش أنطونيو. كذلك فإن حقيقة أن مكان العبادة لم يكن معبدا يرتبط بمكانة الملكة أو سلطتها، تشير إلى أنها كحاكمة كانت تهتم برعاياها كافة (طومسون 2003: 33).
لم تحفظ وثائق اللجوء الأخرى التي تعود إلى عهد كليوباترا السابعة بأكملها. توجد الوثيقة الأولى حاليا في متحف جامعة روما (ريجزبي 1996: 571). أما الوثيقة الثانية الموجودة على شكل لوح على الطراز المصري فتظهر مشهدا تقليديا لتقديم الحاكمة القرابين إلى الإله تحوت (ريجزبي 1996: 573).
كما أشرنا، تمنحنا هذه المراسيم نظرة ثاقبة على طريقة عمل حكومة كليوباترا؛ وهي أنها بدلا من أن تكتب إلى خمسين مركزا (عاصمة
إدارية) في مصر كل منها على حدة، يخاطب أحد المسئولين الموثوق بهم مباشرة باسمه وليس بوظيفته ، ومن المفترض أنه كان عندها ما يضمن أن ينشر التشريع بالنيابة عن الحاكم (فان مينن 2003: 34-36). كان الكتاب يعينون من أجل كتابة مثل هذه الخطابات، لكن اقترح مؤخرا إن الملكة كان لا بد لها من التوقيع على مثل هذه الوثائق بنفسها وأن المتلقي كان يعرف توقيع حاكمته (فان مينن 2003: 37-39). ظهر أحد الأمثلة على هذا؛ ورقة بردي كانت جزءا من غطاء إحدى المومياوات في الجبانة الهلنستية في قرية أبو صير الملق، اكتشفت في أوائل القرن العشرين لكنها لم تقرأ وتنشر إلا مؤخرا (فان منينن 2000: 29-34). زعم فان منينن إن أمر «لينفذ هذا» كتبته كليوباترا بنفسها، لكن كثيرا من علماء البرديات يعارضون هذا الزعم، رغم تكرار ذكر فان منينن لأدلته عام 2003 مرة أخرى على كون هذا توقيع الملكة. سواء كانت ورقة البردي هذه، التي يرجع تاريخها إلى عام 33 قبل الميلاد، قد وقعتها كليوباترا أم لا، فإن قيمتها الفعلية ضئيلة للغاية بخلاف كونها مثالا لخط الملكة.
إن محتويات الوثيقة سابقة الذكر في غاية الأهمية فيما يتعلق بمعرفتنا بنظام الإدارة في تلك الفترة؛ ففيها تمنح كليوباترا امتيازات ضريبية كبيرة لأحد قادة الجيش الرومان اسمه بوبليوس كانيديوس، الذي كان أحد حلفاء مارك أنطونيو المقربين؛ فقد سمح لكانيديوس بتصدير 10 آلاف شوال قمح من مصر وحصل على رخصة باستيراد 5 آلاف قارورة من الخمر الكريتي إلى داخل البلاد دون دفع ضريبة (ووكر وهيجز 2001: 180). كان هذا المواطن الروماني معفى أيضا من دفع ضريبة على الأرض التي يملكها في مصر وامتد هذا الإعفاء إلى مستأجري الأرض منه؛ فمن الواضح أن كليوباترا كانت تحاول الحصول على دعم وولاء هذه الشخصية الرومانية المؤثرة.
في الجزء الذي أسهمت به طومسون عام 2003 في مجلد «إعادة تقييم كليوباترا»، عرضت الألقاب التي أعطيت لكليوباترا في عقد إغريقي يرجع تاريخه إلى عامها السابع عشر ويطلق عليها فيه «كليوباترا ثيا نيوتيرا، فيلوباتور، فيلوباتريس» (طومسون 2003: 31-34). وترجمة هذه الألقاب هي «كليوباترا الإلهة الجديدة، المحبة لأبيها، المحبة لبلدها». قال بعض العلماء إن هذه البلد هي مصر، بينما قال آخرون إن «بلد» كليوباترا كانت اليونان المقدونية (طومسون 2003: 31، وبينجن 2007: 58-62). تستنتج طومسون من الأدلة الوثائقية القليلة الباقية أن كليوباترا كانت تعتبر مصر وطنها وأنها كافحت في أثناء حكمها من أجل حماية تلك الدولة واستعادة قوتها. بالطبع كانت تقدم امتيازات مثل التي منحتها لكانيديوس، لكنها كانت تفسر على أنها محاولات من أجل الحصول على دعم لرؤيتها. وبالتأكيد تدعم الأدلة الأثرية فكرة أن كليوباترا كانت تعتبر نفسها مصرية وكانت تظهر على هذه الهيئة بالكامل عند ذهابها إلى وطنها الأم. وعلى الرغم من علاقتها بالقيصر وعلى وجه الخصوص مارك أنطونيو، كانت كليوباترا تتمسك بمنصب ابنها كشريك لها في الحكم ووريثها. (6) كليوباترا فرعون مصر
كان منصب ملك مصر يعبر في مفهومه عن وسيط مقدس بين البشر الفانين والآلهة. وبالإضافة إلى هذا المفهوم الراسخ، أنشأ حكام البطالمة وأزواجهم المزيد من الأدوار المقدسة لهم من أجل تعزيز وضعهم بين الإغريق والمصريين (انظر الفصل السادس).
تظهر صورة من نقش بارز مهداة باسم «الملكة كليوباترا الإلهة المحبة لأبيها» فرعونا ذكرا وهو يقدم القرابين إلى إيزيس وحورس فوق النص المكتوب (ووكر وهيجز 2001: 156، رقم 154). فسر هذا اللوح في الأصل على أنه مثال على ارتداء كليوباترا لزي الفراعنة الرجال، إلا أن الحالة السيئة للنص وإعادة تقطيع الحجر الواضحة حول النص المنقوش قيل إنها دليل على أن هذا اللوح قد أعيد تقطيعه؛ ومن ثم أعيد استخدامه. قدم هذا اللوح باسم كليوباترا ولم يكن يعبر عن مرسوم ملكي رسمي. ومن غير المؤكد على ما يبدو إذا كانت الملكة سمحت باستخدام مثل هذه الصورة على نحو رسمي أم لا. يبدو أن صورة كليوباترا كانت تخضع لمراقبة دقيقة (أشتون 2003د: 25-30)، فإذا كانت كليوباترا تصور في صورة فرعون ذكر، فإن اللوح المكتوب بالديموطيقية الموجود في المتحف البريطاني، الذي توجد عليه صورتان لفرعون ذكر ومعه خرطوشة فارغة، قد يكون تصويرا للملكة وليس ابنها بطليموس قيصر. ومع ذلك تجدر الإشارة إلى أن كليوباترا تظهر على النقوش البارزة في المعابد مع ابنها في زي ملكة وليس زي فرعون ذكر. فقد يكون التشبه بالذكور، مثلما فعلت كليوباترا الثالثة بظهورها بمظهر ذكوري في الصور، لا يتلاءم إلى حد ما مع ملكة قدمت نفسها على أنها وصية على ابنها وربطت نفسها بالإلهة إيزيس والدة حورس (الذي يرتبط به عادة الملك الحاكم). في مصر، عقب والدة ابنها، استمرت كليوباترا في التأكيد على دورها كأم الملك (أشتون 2003د: 26-29).
شكل 4-5: تمثال من البازلت لكليوباترا الثالثة. متحف تاريخ الفن، فيينا.
عثر مؤخرا على لوح آخر تظهر عليه كليوباترا السابعة مرتدية زي فرعون ذكر (فارمينبول 2006: 205-206، رقم 46، وكلاريسي 2007).
1
يوجد هذا اللوح حاليا ضمن مجموعة مقتنيات صينية ويبدو غير مكتمل، فيظهر مشهد تقديم القرابين حاكما يرتدي تنورة وتاجي مصر العليا والسفلى وهو يقدم الرمز الهيروغليفي لكلمة «حقل» إلى أسد راقد على مذبح. فوق رأس الحاكم توجد خرطوشة مكتوب عليها اسم «كليوباترا». يوجد نقش باللغة الديموطيقية (وهي أحد أشكال الخط الهيروغليفي، يكتب بحروف متصلة) تحت المشهد في مكان من الواضح أنه كان مخصصا لكتابة نقش إهدائي أكبر حجما. عندما نشر نص اللوح أشار كلاريسي إلى الفرق بين المشهد والنص في عمق حفره وجودته. يمكن تفسير هذه الملاحظة بالطبع على أنهما نفذا على يدي شخصين مختلفين؛ بحيث صنع الأول المشهد الزخرفي وحفر الثاني النقش الكتابي. ومع ذلك، فإن المساحة الكبيرة تحت مشهد تقديم القرابين تشير إلى أن العنصرين لم يتما في المرحلة نفسها وأن المشهد قد نحت على نحو منفصل عن الإهداء. يقول النص المكتوب بالديموطيقية «بيت دفن الأسد (المقدس)» (كلاريسي 2007). إذا كان هذا هو الشكل الأصلي للوح، فإنه يمثل تطورا مهما في معرفتنا طريقة تصوير آخر ملكة في عصر البطالمة. من الواضح أن الذي أهدى هذا اللوح شعر بأنه من المقبول إضافة خرطوشة باسم كليوباترا إلى صورة حاكم ذكر تماما على سبيل إعادة استخدام اللوح مثلما أعيد استخدام اللوح الموجود في متحف اللوفر. ما زلت غير مقتنعة بأن كليوباترا السابعة كانت تظهر رسميا بشكل حاكم ذكر، ومع ذلك إذا كانت صور الحكام الذكور السابقين عليها تستخدم على نحو غير رسمي من رعاياها، فمن الواضح وجود موافقة على تصويرها بهذا الشكل. (7) الأسماء والألقاب
أشار بعض الدارسين المعاصرين إلى أن ألقاب كليوباترا المصرية لم تكن أكثر من مجرد تعبير عن انتمائها إلى الكهنوت المصري (انظر شوفو 2000: 46، تيت 2003 للتعليقات على ذلك). ورغم ذلك، لم تكن النساء المصريات في الأسرة الحاكمة، باستثناء المنتميات إلى أسرة العمارنة، يحصلن عادة إلا على اسم واحد فقط (الاسم الذي يحصلن عليه عند الولادة)، الذي يظهر على خرطوشة واحدة (تيت 2003د: 3-8). أضاف بعض ملكات أسرة البطالمة، ومن بينهن كليوباترا السابعة، اسم حورس إلى أسمائهن، وكان حورس هو أول اسم من بين خمسة أسماء يطلقها الملك الذكر الحاكم على نفسه. وعليه كان استخدام سيدة حاكمة لهذا التقليد المتأصل أمرا جديرا بالملاحظة ويشير، كما يستنتج تيت، إلى اتباع الكهنة المصريين أسلوبا مبتكرا لتصوير حكامهم الجدد.
لم يكن قرار كليوباترا باحتفاظها بلقب فيلوباتور (المحبة لأبيها) الذي حصلت عليه منذ حكمها المشترك الأول مع والدها تقليدا معتادا في أسرة البطالمة؛ فعادة كان الحكام يغيرون أسماءهم على أساس شريك حياتهم الجديد؛ ففي حالة كليوباترا الثانية، كانت قد بدأت حكمها بلقب فيلوميتور (المحبة لوالدتها)، نسبة لاسم زوجها الأول وأخيها بطليموس السادس، ثم أصبحت يورجيتيس (المحسنة) عندما تزوجت أخاها الأصغر بطليموس الثامن. ثم عادت مرة أخرى إلى لقبها السابق عندما سيطرت على العرش، ولم تعد إلى استخدام لقب يورجيتيس إلا عندما عادت إلى الحكم مع بطليموس الثامن وابنتها؛ ومن ثم كانت الألقاب الدينية وسيلة لإظهار المكانة الدينية، وكانت أيضا وسيلة لتأكيد مكانة المرء السياسية. وباحتفاظ كليوباترا بالإشارة إلى والدها، التي تجسدت مصادفة في لقب المحبة لأبيها، تمكنت من التأكيد على حقها في الحكم.
كانت الألقاب المصرية التي حصلت عليها كليوباترا السابعة تقليدية وترتبط غالبا بألقاب نساء الأسرة الحاكمة الأوليات؛ فقد كان كثير منها عبارة عن نسخ نسائية من ألقاب ذكورية وكان لكثير منها ارتباط مباشر بدور الملكة ومواقفها. هذه الألقاب الملكية هي كالتالي: «أنثى حورس» (تروي 1986: د2 / 18، 139-144). كان حورس الإله الذي يرتبط به الملك الحي والذي يصور الملك على أنه التجسيد الأرضي له. ارتبطت النسخة النسائية من حورس بدور الوصي على العرش (تروي 1986: 115-144)، واتخذتها ملكات البطالمة الأوليات (أشتون 2003أ: 112-113). كذلك كانت ألقاب
ḫkrt
بمعنى «حاكمة» (تروي 1986: د2 / 10) و
ḫkrt nt3
بمعنى «حاكمة الدولة» (تروي 1986: د2 / 11) أشكالا أنثوية من صيغ لألقاب ذكورية. «السيدة النبيلة» (تروي 1986: د2 / 1، 133-134). هذه ليست ترجمة دقيقة ولا تعبر فعليا عن أهمية اللقب أو قوته، الذي توجد منه أيضا صيغة ذكورية كانت تستخدم ككنية لإله الأرض جب، عندما كان يؤدي دور الوسيط بين ست وحورس (تروي 1986: 133). وقيل إن الصيغة الأنثوية من هذا اللقب لا بد أنها كانت مرتبطة بمنصب كاهنة الإله جب ودور وصاية نساء الأسرة الحاكمة على العرش. ولا تصعب ملاحظة سبب ارتباط لقب
rt-p’t
بكليوباترا السابعة، التي استخدمت أيضا كنية «ابنة جب» (الفصل السادس) وكانت بالطبع وصية على العرش وحاكمة مشتركة مع ابنها بطليموس الخامس عشر. «سيدة الدولتين» (تروي 1986: د2 / 14، 133-138). يساوي هذا اللقب بين دور الملكة ودور الملك، الذي يحكم دولتين ويحافظ على مفهوم ماعت (أي النظام داخل الكيان المصري). ارتبط هذا اللقب بدور والدة الملك في ترتيلة أهديت إلى الابنة والزوجة الملكية إياح حتب الأولى في الأسرة السابعة عشرة (تروي 1986: 135). ساد دور والدة الملك في النصف الثاني من حكم كليوباترا السابعة. ويصنف لقب «سيدة الجنوب والشمال» (تروي 1986: د1 / 4) على أنه أحد الألقاب ذات الصلة ويعتبر وسيلة أخرى للتأكيد على سيطرتها على الأراضي المصرية. هذا ويعبر لقب «ملكة مصر العليا للأراضي ذات التاج الأبيض، وملكة مصر السفلى للأراضي ذات التاج الأحمر» (تروي 1986: د3 / 10) أيضا عن الشكل الأنثوي من أحد الألقاب الذكورية التقليدية القوية؛ فقد كان توحيد الدوليتين: مصر العليا والسفلى أحد الأدوار المهمة للملك الحاكم. «عظيمة الثناء»
wrt ḥswt (ب4 / 11) يرتبط بدورها الشعائري كمنشدة. يرتبط أيضا بدور الكاهنة لقب «العظيمة صاحبة صولجان هيتس
ḥts » (تروي 1986: ب3 / 6، 83-85). ويقال أيضا إن هذا الصولجان، الذي ظهر كلقب في المملكة الوسطى واستمر طوال المملكة الحديثة وحتى العصر الفرعوني المتأخر، ارتبط بدور حتحور وحق النساء في الحكم (تروي 1986: 83). كان شكل هذا الصولجان أصغر من كثير من الصولجانات الموجودة على النقوش البارزة بالمعابد. ويظهر في صور نساء الأسرة الحاكمة من الأسرة الثامنة عشرة بجانب رأس الأفعى والتاج والضفيرة الجانبية (تروي 1986: 84 الشكل 55). لم يكن الصولجان حكرا على نساء الأسرة الحاكمة؛ بل على العكس؛ فقد ارتبطت مراسم هيتس بالملك. وارتبط كذلك لقب «سيدة بهو القصر الجميلة» (تروي 1986: أ4 / 10) بدور الكاهنة (تروي 1986: 96). (8) كليوباترا الكاهنة
بالإضافة إلى الألقاب الكهنوتية التي استخدمتها كليوباترا السابعة يوجد عدد كبير من الصور في النقوش البارزة في المعابد تظهر الملكة وهي تؤدي دور مقدمة القرابين؛ فتظهر كليوباترا في النقوش البارزة في المعابد، تماما مثل نساء الأسرة الحاكمة السابقات في عصر البطالمة، وهي تقف خلف شريكها في الحكم الذي كان ابنها. كان هذا التغير المناقض لاستقلالها السابق بلا شك نتيجة انتهاء النزاع على السلطة؛ فقد كانت كليوباترا الحاكمة الشرعية وكان ابنها هو شريكها الذي كانت وصية عليه. نرى كليوباترا في النقوش البارزة في المعابد على أنها الكاهنة والخادمة الرسمية للآلهة. كانت تيجانها تتخذ الشكل المعتاد الذي كانت ملكات البطالمة السابقات يلبسنه؛ إذ تتكون من قرص الشمس وريشتين وقرني بقرة. ومع ذلك تظهر كليوباترا في الجدران العلوية للضريح الداخلي في دندرة وهي ترتدي تاج أرسينوي الثانية. تتقاسم سلطة الحكم مع ابنها بطليموس الخامس عشر، الذي عادة ما يظهر وحده. (9) تماثيل لكليوباترا السابعة على الطراز المصري
من خلال التحليل الأسلوبي والتصويري اتضح أن عددا من التماثيل يمثل كليوباترا السابعة. لا يتفق جميع الباحثين على نسبة هذه التماثيل إلى كليوباترا ويفضل البعض تقديم بديل واحد أو أكثر لهوية تماثيل فردية. تشير حقيقة التشكيك في هوية التماثيل في حد ذاتها إلى مدى الارتباط الوثيق بين صور ملكات البطالمة. أما الهويتان البديلتان المقترحتان للتماثيل فهما كليوباترا الثالثة وأرسينوي الثانية، وقد كانت الملكتان كلتاهما مثالا يحتذى به لدى كليوباترا السابعة (أشتون 2001أ: 148-153). لن نتحدث هنا إلا عن تماثيل كليوباترا التي تظهر فيها كحاكمة، ولمعرفة المزيد عن تماثيلها كإلهة انظر الفصل السادس.
تنقسم تماثيل سيدات أسرة البطالمة الحاكمة المصممة على الطراز المصري إلى فئتين: الأولى ذات السمات على الطراز الإغريقي مثل خصلات الشعر الملتوية، وقرن الوفرة ونمط الملابس التي يعتبرها البعض إغريقية (أشتون 2000). أما المجموعة الثانية فهي أقرب إلى التماثيل التي صنعت في مصر لقرون عدة. تعبر هذه المجموعة الثانية عن ملكات البطالمة كحاكمات، كما يتضح من استخدامها في النقوش البارزة في المعابد والغالبية العظمى من التماثيل مكتملة التفاصيل. صنع بعض تماثيل هذه المجموعة على غرار الصور الشخصية. في القرن الثالث قبل الميلاد كانت القاعدة العامة أن تحاكي وجوه الملكات المنحوتة وجوه الحكام الذكور، وهو ما استمر بدوره في أساليب الأسرة الثلاثين (أشتون 2004ب: 544). استمر هذا الأسلوب في بعض الورش في القرن الأول قبل الميلاد، كما يشير أحد تماثيل كليوباترا السابعة الذي يصورها على أنها إيزيس (أشتون 2004ب تنقيح). قد تفسر هذه الملحوظة العدد الكبير من التماثيل الذكورية التي تحمل هذه الملامح، فكما أشرنا في الفصل الثالث، يوجد عدد قليل من تماثيل الحكام الذكور التي استعارت ملامح التصوير على النمط الإغريقي، وعادة ما تظهر الشعر من تحت غطاء للرأس (أشتون 2001أ: 25-36، ستانويك 2002: 47-50). هذا وتعتبر هذه التماثيل أسلوبا ذكيا وفعالا لتوصيل رسالة ثنائية الثقافة (أشتون 2001أ: 32-34). استمر تصوير نساء الأسرة الحاكمة يحاكي سمات «الصور الشخصية» لأزواجهن، كما اتضح لنا من التمثال السابق الذكر لأرسينوي الثانية الذي يعود تاريخه إلى حكم بطليموس الثامن، والذي يحاكي الوجه الممتلئ لبطليموس الثامن (شكل
4-3 ، أشتون 2001أ: 47، 108-109، رقم 54؛ ستانويك 2002: 117، 190، ج28). هذا وقد حدد تاريخ التماثيل التي سنذكرها فيما يلي على أساس سماتها الأسلوبية وأحيانا على أساس وجود رءوس الأفعى الثلاثة.
شكل 4-6: تمثال من البازلت لكليوباترا السابعة. متحف الإرميتاج الحكومي، سانت بطرسبرج.
شكل 4-7: عملة من سبيكة نحاسية تظهر عليها كليوباترا السابعة وبطليموس قيصر وهو طفل. متحف فيتزويليام في جامعة كامبريدج قسم العملات والأوسمة.
يوجد حاليا تمثال على النمط المصري التقليدي به سمة إغريقية واحدة مستعارة في متحف الإرميتاج في سانت بطرسبرج (أشتون 2001أ: 48، 114-115، رقم 63؛ ستانويك 2002: 76، د10). كان هذا التمثال (شكل
4-6 ) مفيدا في تحديد أن التماثيل التي تحمل رءوس الأفعى الثلاثة هي لكليوباترا السابعة (ووكر وهيجز 2001: 160-161، رقم 160). يمسك هذا التمثال، المنحوت من البازلت، بقرن الوفرة الإغريقي في يده اليسرى، وهو قرن مختلف عن قرن الوفرة الواحد المعتاد؛ فهو قرن مزدوج. وكما أشرنا من قبل، كان قرن الوفرة المزدوج مرتبطا بأرسينوي الثانية بوصفه نظيرا مباشرا لرأسي الأفعى. على العكس من هذا، يزين جبهة تمثال متحف الإرميتاج ثلاث أفاع. ويبدو من غير المحتمل أن يستخدم الفنانون كلا من رأسي الأفعى ورءوس الأفعى الثلاثة لتصوير كليوباترا السابعة؛ نظرا للإجراءات الحريصة على ضمان الثبات المشار إليها في المراسيم والنماذج التي كانت تستخدم في الورش (أشتون 2001أ: 26؛ ستانويك 2002: 90-93). ورغم ذلك، قيل في الأصل إن هذا تمثال لأرسينوي الثانية بناء على قرن الوفرة الثنائي، ولا يزال بعض الدارسين يعتقدون أنه ربما يعبر عن هذه الملكة. استخدمت كليوباترا السابعة قرن الوفرة الثنائي أيضا على ظهر العملات التي ضربت من أجل الاحتفال بمولد ابنها بطليموس الخامس عشر (شكل
4-7 ). وبالإضافة إلى ذلك، يمكن إرجاع هذا التمثال على أساس الخصائص الأسلوبية إلى أواخر عهد البطالمة؛ فالفم المقوس قليلا للأسفل والذقن المدبب كلاهما من الملامح التي توجد أيضا في تماثيل بطليموس الثاني عشر، كما ظهر في تمثال ربما يرتبط بكليوباترا السابعة من مدينة فوه في دلتا مصر. ترتدي الملكة التي توجد في متحف الإرميتاج شعرا مستعارا منسقا ومنسدلا على كتفيها وعلى ظهرها، والعمود الخلفي للتمثال مرتفع على غير المعتاد إلى نقطة موازية لقمة الرأس تقريبا، وهي سمة يشترك فيها مع تماثيل أخرى من المجموعة التي تحمل رءوس الأفعى الثلاثة (أشتون 2001أ: 114-117). يبلغ طول هذا التمثال أكثر من متر واحد بقليل ونحت بإتقان بالغ. يوجد في يد الملكة اليمنى رمز مفتاح الحياة (العنخ)، وهو رمز يعبر عن منح الحياة ويمكن رؤيته في كثير من الصور في النقوش البارزة في المعابد. كما يشير البطن المنتفخ والفخذان المستديران بلا شك إلى دور الملكة المتسم بالعطاء. ولا يظهر الفستان الضيق الذي يرتديه التمثال فعليا إلا عند الرقبة وحول المعصم وفوق الكاحل بقليل، وكالمعتاد تظهر الملكة حافية القدمين.
شكل 4-8: تمثال من البازلت لكليوباترا السابعة. متحف روزيكروشن، سان خوسيه، كاليفورنيا.
ثمة تمثال آخر، هذه المرة مصري بالكامل من حيث سماته التصويرية، يوجد حاليا في متحف روزيكروشن في سان خوسيه في كاليفورنيا (شكل
4-8 )، (أشتون 2001أ: 41، 102-103، رقم 39؛ ستانويك 2002: 76، 118، د9). صنع هذا التمثال بنفس المعايير وتقريبا يصل إلى نفس طول تمثال متحف الإرميتاج. يطبق التمثال يديه على قضيبين غير واضحي المعالم (وهذا أسلوب لشغل المساحة ساد استخدامه في التماثيل المصرية). ترتدي صاحبة التمثال شعرا مستعارا منسقا منسدلا على كتفيها وظهرها، وتوجد ثلاثة رءوس أفعى على جبهتها. تشبه ملامح وجه التمثال الملامح الموجودة في تمثال الإرميتاج، من الفم المقوس قليلا للأسفل والذقن الناتئ، لكن الوجه يبدو أكثر نضجا قليلا في مظهره. ويظهر الفستان حول العنق والكاحلين (وقد رممت القدمان) وعند المرفقين. تعرف الحلقات الموجودة حول العنق بحلقات فينوس وتشير إلى الجمال والرفاهية؛ أي تعبر ببساطة عن أن صاحب التمثال كان ممتلئ الجسم ويستطيع إنفاق المال على التغذية الجيدة. مثل تمثال الإرميتاج نجد بطن هذا التمثال منتفخا وبه شكل مستدير واضح فارغ من المنتصف، وهو ما يطلق عليه مؤرخو الفن الجزء العلوي البدين من البطن.
أخيرا، يوجد من ضمن هذه المجموعة تمثال آخر على الطراز المصري بالكامل، يخلو من الملامح الإغريقية، ويوجد حاليا في متحف اللوفر في باريس (شكل
4-4 )، (ووكر وهيجز 2001: 163، رقم 162؛ أشتون 2001أ: 41، 102-103، دليل الصور 40؛ ستانويك 2002: 76، 122، د26 - كليوباترا الثالثة). اكتشف هذا التمثال في أثناء البحث الذي أجري من أجل معرض كليوباترا عام 2000، ونحت على ما يبدو من الحجر الصابوني، وهو نوع من الحجر ساد استخدامه في أواخر عهد البطالمة وأوائل عصر الرومان في مصر. يتبع التمثال الأسلوب المصري بالكامل. فقد الجزء السفلي منه، لكن تظهر إحدى الصور التي صنعت له عندما كان لا يزال موجودا ضمن مجموعة فرنسية خاصة نسخة أكثر اكتمالا. بالطبع قد يكون الجزء السفلي مرمما، فلا يزال من الممكن رؤية ثقب الوتد الذي كان الجزء السفلي متصلا من خلاله في التمثال. ترتدي صاحبة التمثال الشعر المستعار المعتاد تعلوه رءوس الأفعى الثلاثة، لكن توجد في أعلى الرأس حلقة صغيرة من أفاعي الكوبرا، لا بد أنها كانت تشكل قاعدة التاج. يبلغ طول التمثال نحو 36,5 سنتيمترا؛ لذا فإن حجمه أقل من حجم التمثالين الآخرين، ويختلف عنهما في أن الملكة تمسك صولجانا تعلوه زهرة الزنبق في يدها اليسرى، التي تمتد عبر بطنها مما يجعل الصولجان يبدو امتدادا لساعدها الأيسر. نجد أن شفتي الفم المقوس قليلا إلى أسفل أكثر امتلاء من التماثيل الأخرى ويبدو شكل الوجه أكثر استدارة بقليل، ما يمثل نوعا أوضح أسلوبا وأكثر تقليدية من تصوير الوجه وفقا للأسلوب المصري المتعارف عليه. تعبر كل هذه التماثيل المصرية عن كليوباترا السابعة بصفتها حاكمة مقارنة بالتماثيل الأقدم لسيدات الأسرة الحاكمة البارزات بصفتهن الزوجات الرئيسيات أو بنات ملك مصر . تظهر كليوباترا في هذه التماثيل في صورة ملكة مصرية حقا، تتمسك بالتقليد المصري الملكي، ولكن مع إضافة تغيير في شكل الصورة في شكل إدخال رءوس الكوبرا الثلاثة. (10) المعابد
بالإضافة إلى دراسة تماثيل كليوباترا السابعة من المهم فحص المعابد التي ارتبطت بهذه الملكة. يعتبر هذا النوع من الأدلة على وجه الخصوص مهما في أي تقييم كامل لكليوباترا ودورها، ومع ذلك فإن أية مناقشات مفصلة حول البقايا المادية عادة ما ينقصها شيء. أجرى المعهد الفرنسي للآثار الشرقية دراسات كاملة عن كثير من هذه المعابد، ورغم ذلك فإن مظهرها المصري بالكامل جعل كتاب سيرة كليوباترا يتجاهلون عادة هذا النوع من الأدلة لا سيما الحائط الجنوبي لمعبد حتحور في دندرة. سنتحدث عن المنشآت التي أهدتها كليوباترا في خلال النصف الثاني من فترة حكمها في الفقرات التالية التي تحمل أسماء المعابد. (10-1) أرمنت
تعرف أرمنت أيضا باسم هيرمونثيس وهي تبعد نحو 20 دقيقة بالسيارة من المركز السياحي الحديث في الأقصر. في العصور القديمة كان هذا يجعل المعبد الموجود في المدينة على مسافة قريبة نسبيا من معابد الكرنك والأقصر في طيبة. وهي تحيط حاليا القرية التي بنيت في العصر الحديث، والتي تقع على الضفة الغربية من نهر النيل، الموقع القديم المحاط بالأسوار. ترسم كثير من الدراسات صورة كئيبة عن حالة الحفاظ على الآثار في الموقع، رغم ذلك يوجد عدد من الزخارف بالنقوش البارزة تتعلق بكليوباترا السابعة ووالدها. وكما أشرنا، يرجع تاريخ سراديب المعبد الرئيسي إلى عهد بطليموس الثاني عشر (شكل
3-5
و
3-8 ).
شكل 4-9: إطار أحد الأبواب من المعبد في مدينة أرمنت به خرطوشة لكليوباترا (يخزن حاليا مقلوبا رأسا على عقب).
بني بيت الولادة في أثناء حكم الملكة مع ابنها وتوجد أدلة على وجودها هناك رغم الدمار الذي حل بالبناء. تظهر خرطوشة كليوباترا على الشريط العلوي في أحد النقوش البارزة (شكل
4-9 ). كتب على هذه الخرطوشة التي توجد وحدها عبارة كليوباترا المحبة لأبيها بالهيروغليفية
nṯrt mr(t)-it.s (فون بيكرات 1984: 294، ه1). يوجد أمام المشاهد على يمين الاسم صقر حورس فاردا جناحيه من أجل حماية الخرطوشة. دائما ما نرى رمز حورس مع الرفيق الذكر لكليوباترا؛ وهو ابنها بطليموس الخامس عشر، في النقوش البارزة في دندرة (انظر أسفل) وربما يشير هذا إلى أن وضع الملكة، أو ربما أولوياتها، قد تغيرت بين فترات تنفيذ مشروعات الزخرفة في المعبدين. كان أكبر إسهام لكليوباترا في المعبد الموجود بأرمنت هو بيت الولادة. سجل المصورون والفنانون القدماء شكل البناء لكنه مع الأسف تهدم ودمرت نقوشه البارزة بين عامي 1861 و1862. كان موضع هذا البيت خلف المعبد الرئيسي (أرنولد 1999: 222-224)، ومثل كثير من مشروعات كليوباترا، يحتمل أن العمل به بدأ في أثناء فترة حكمها مع والدها. أطلق على كليوباترا لقب «أنثى حورس» وسميت في فترة ما «صورة أبيها» (تيت 2003ب: 4).
ظهرت محاولات لإعادة بناء هذا المبنى رقميا (أرنولد 1999: 222-223، الأشكال 179 و180). ويبدو واضحا أن البناء الرئيسي كان محاطا برواق معمد وكان المعبد يحتوي على ثلاث غرف. اقترح أرنولد أن البناء ربما بني على ثلاث مراحل منفصلة: المعبد الرئيسي أولا، ثم كشك له مدخل عال به أربعة أعمدة على جانبيه وستة أعمدة في الواجهة، أضيف إلى واجهة المبنى الأساسي، ثم كشك آخر أمام هذا البناء. يوجد بهذه المرحلة الأخيرة عمودان على الجانبين وأربعة أعمدة في الواجهة ويبلغ ارتفاعها 16,55 أمتار. كانت طبليات تاج العمود (وهي الجزء الموجود فوق رأس العمود ) أكثر عمقا من المعتاد، ويقول أرنولد إنه كان من المفترض إضافة أشكال منحوتة للإله بس. يمكن تكوين فكرة عن الشكل الذي كان من المفترض أن يبدو عليه هذا البناء من خلال مقارنته ببيت الولادة الموجود في إدفو.
شكل 4-10: رسم لمشهد الولادة في بيت الولادة (ماميزي) في أرمنت (بعد ليبسيوس).
شكل 4-11: زخرفة بارزة تظهر كليوباترا الثالثة، دير المدينة.
سجل ليبسيوس داخل المحراب بعضا من أروع الزخارف البارزة التي تظهر ولادة حورس الابن (ليبسيوس 1849-1859، المجلد رقم 4: الصورة 60أ). على جهة اليمين يقف الإلهان آمون ونخبيت، وخلفهما تقف كليوباترا السابعة وهي ترفع يديها بالدعاء. ترتدي كليوباترا تاجها المعتاد المكون من قرص الشمس وقرني البقرة وترتدي غطاء الرأس على شكل الكوبرا الملكية بدلا من النسر المقدس. طبع اسمها داخل خرطوشة واحدة. تظهر عادة في بيوت الولادة إيزيس وهي ترضع الطفل حورس، لكن المشهد الموجود في أرمنت يظهر في الواقع ولادة الطفل. تمسك الممرضات بالأم بينما تجذب أخريات الطفل منها؛ بعد ذلك تمرر أخرى الطفل حديث الولادة إلى إحدى الممرضات التي تظهر ممسكة به وهي تجلس على ركبتيها. يظهر التشابه واضحا بين هذا الرسم وبين كليوباترا وابنها، ويظهر فوق الطفل، وهو يجذب من رحم أمه، جعران مجنح، يرتبط بابن آمون الذي يظهر هنا. وفي أماكن أخرى تظهر رسومات مجسمة لممرضات لهن رأس ثور يشبهن امرأة ترضع الطفل إشارة إلى ثور بوخيس الذي عاش في أرمنت. وفي أسفل المشهد يشرب حورس مباشرة من ضروع بقرة. يصاحب مشهد الممرضات المقدسات مشهد آخر أكثر تقليدية، وهو مشهد إرضاع إيزيس لابنها المعبود (ليبسيوس 1849-1859، المجلد 4: الصورة 59ج). (10-2) دندرة
يرجع تاريخ المعبد الأصلي لحتحور في دندرة إلى عصر المملكة الحديثة وقد توسع في عهد حاكم الأسرة الثلاثين نخت أنبو الأول (أرنولد 1999: 115). حدثت إضافات مبكرة إلى المباني الموجودة داخل المعبد في أثناء عهد بطليموس السادس والثامن والتاسع. وضعت خطط لاستبدال معبد حتحور الرئيسي في أثناء حكم بطليموس الثاني عشر وافتتح المعبد الرئيسي في 16 من يوليو في السنة ال 27 من حكمه، التي توافق عام 54 قبل الميلاد، قبل أربعة أعوام من وفاته (عامر ومورارديه 1983: 255؛ كوفيل 1998: 5). نفذت أعمال البناء والزخرفة في أثناء حكم كليوباترا السابعة؛ ولهذا السبب يعتبر هذا المعبد مصدرا مهما للمعلومات عن تصوير الملكة، حتى إن كانت الخراطيش تركت فارغة، كما يحدث عادة في الجدران الداخلية. انتهى بناء المكان على يد الحاكمين الرومانيين أغسطس وتيبيريوس وربما في وقت لاحق في عهد نيرو وتراجان وأنطونينوس بيوس (ديفوشيل 1985: 174).
2
تحتوي معظم الدراسات التي نشرت حول موضوع كليوباترا على صورة للجدار الجنوبي، الذي يعرض مشهدا مزدوجا شهيرا لكليوباترا وابنها بطليموس قيصر وهما يشاركان في أحد الطقوس (شكل
4-12 ). يؤرخ لوح موجود في المتحف البريطاني هذا الشكل الزخرفي إلى العام الخامس عشر من حكمها (راي 2003: 10).
شكل 4-12: الجدار الجنوبي لمعبد حتحور في دندرة.
يظهر على الجدار الخلفي للمعبد بطليموس الخامس عشر وهو يقدم مبخرة إلى الآلهة. تظهر هويته كحاكم لمصر العليا والسفلى من خلال التاجين الموجودين على قرني كبش ورأسي كوبرا. يسمى غطاء الرأس الموجود تحت التاج «التاج الأزرق» ويرتبط بالحرب. هذا الاختيار مثير للاهتمام ويظهر في مواضع أخرى على أنه أحد التيجان المعتادة التي يرتديها هذا الحاكم الصغير؛ تزخرف تنورته القصيرة، التي يرتديها مع تنورة احتفالية أطول منها، بمشهد للضرب. شاع استخدام هذه الصور على بوابات المعابد المحاطة ببرجين (انظر شكل
3-9 )، وتصور الملك وهو يهاجم الأسرى الأجانب. الخراطيش الموجودة فوق المشهد فارغة. هذا ويظهر بطليموس الخامس عشر على الجدار الجنوبي في دندرة على أنه ملك مصر؛ فيقف في مكان السيطرة أمام والدته، ويحميه صقر أيضا، تعبيرا عن حورس، يطير فوق رأسه. كتب اسمه، بطليموس قيصر، على الخراطيش المصاحبة لصورته. وتظهر كليوباترا بصفتها شخصية ملكية تشارك في طابور تقديم القرابين؛ فتمسك بالصلاصل (آلة موسيقية) في إحدى يديها وبعقد الإلهة حتحور في يدها الأخرى (بينجن 2007: 73). ترتدي كذلك التاج الذي يرتبط بالغالبية العظمى من ملكات البطالمة والذي يتكون من قرص الشمس وقرني البقرة مع ريشتين فوق حلقة من رءوس الكوبرا كقاعدة للتاج. ترتدي على جبهتها رأس كوبرا معلق على إكليل وينسدل شعرها المستعار وراء كتفيها على ظهرها. يشار إليها على أنها «سيدة الدولتين»، وهو لقب يتكرر في جميع زخارف المعبد أينما تظهر. تظهر الخراطيش الموجودة في الأماكن الأخرى فارغة في معظم الأحيان. وتقف بين هذين الحاكمين روح بطليموس الخامس عشر (كا).
تظهر الصورة نفسها على اليمين. وتقف بين كليوباترا وابنها شخصية أصغر حجما تمسك مفتاح الحياة وعصا؛ تظهر لنا علامة كا في صورة اليدين المرفوعتين أنه روح بطليموس قيصر (كا). يقف أمام هذين الحاكمين الإلهين إحي ووالدته حتحور ويحاكيان وقفة كليوباترا وابنها. وكما أشار راي (2003: 9)، كانت حتحور النظير الإلهي المثالي لكليوباترا؛ لأن رفيقها، حورس، الذي يظهر على النقش البارز خلف حتحور وابن كليوباترا، لم يعش داخل المعبد نفسه وإنما كان يبعد عنه بعديد من الأميال في إدفو. قال راي إن كليوباترا كانت تنجذب بطبيعتها إلى مثل هذا التشبيه الإلهي (2003: 9-11). أما الشخصيات الأخرى فهي من ثالوث إيزيس وأوزوريس وحورس ويقفون جميعا في صف أمام الحاكمين. وعلى اليسار يقف الحاكمان أمام الآلهة التي تتمثل في إيزيس وابنها حورس وأوزوريس (راي 2003: 10).
ساد أسلوبان للزخرفة في معبد دندرة (بيانشي 2003: 14-15). الأسلوب الذي يعرف باسم الأسلوب الاحتفالي ويتمثل في المشهد الضخم المنقوش على الحائط الخلفي للمعبد. ونجد في هذا المشهد اهتماما بالتفاصيل لا نجده في داخل المعبد (بيانشي 2003: 14). أما الأسلوب الثاني فيوجد داخل المعبد ويفتقر إلى التفاصيل، كما نرى في الخراطيش الكثيرة الفارغة وأيضا في أسلوب النحت. وتكون عادة أبعاد ملامح جسم الشخصيات الموجودة على الجدران وفي السراديب الداخلية، مثل الذراعين واليدين، غير صحيحة (انظر بيانشي 2003: الصورة 1ب). كذلك يوجد اهتمام أقل بملء المساحات الموجودة حول الشخصيات أو ربما، على وجه التحديد، في حالة نحت الشخصيات بعد الانتهاء من النص (بيانشي 2003: 15)، يصبح نحت الزخارف التصويرية موحدا بدلا من كونه وصفيا.
يتضح من استعراض للزخارف البارزة داخل المعبد أن جميع الخراطيش البطلمية تقريبا فارغة. تسود صورة الملك الوحيد وأحيانا تنضم إليه مرافقة. ولا يظهر اسم هذه المرافقة أيضا، لكن يشار إليها بلقب «حاكمة وسيدة الدولتين». عادة ما توجد خرطوشة واحدة فارغة، لكن أحيانا توجد خرطوشتان. ونادرا ما تظهر هذه المرافقة وحدها ودائما ما يكون موضعا ثانويا فتسمح لشريكها في الحكم بالوقوف مباشرة أمام الآلهة. عادة ما تسمك برمز مفتاح الحياة في إحدى يديها وترفع يدها الأخرى للدعاء. وفي بعض الأحيان تقدم القرابين. نشرت كوفيل هذه الزخارف البارزة والنقوش المرتبطة بها (1998، 1999، 2000أ، 2000ب، 2001، و2004أ، و2004ب). فيما يلي سنشير إلى صور لكليوباترا السابعة من داخل المعبد. وأزعم أن صور السيدة الملكية التي لم يذكر اسمها والتي ترافق الملك، الذي يقف أمامها في جميع مشاهد تقديم القرابين، هي صور لكليوباترا السابعة وابنها بطليموس الخامس عشر. تظهر هذه الصور داخل المعبد الرئيسي، على الجدران الداخلية والخارجية للمقصورات. كان من الممكن تنفيذ هذه المرحلة من الزخارف تحديدا تنفيذا جيدا ضمن برنامج العمل؛ فقد زينت السراديب، ضمن المرحلة الأولى، بصور لكليوباترا السابعة (بيانشي 2003). لم يعش بطليموس الثاني عشر إلا ثلاث سنوات أخرى بعدما أهدى هذا الجزء إلى معبد دندرة، ويبدو أن ابنته استكملت المشروع. عقب وفاة كليوباترا سارع أغسطس في ترك بصمته في ذلك المكان. ولحسن حظنا كباحثين نكتب عن المعابد التي أهدتها كليوباترا؛ فقد ترك عمال الإمبراطور أعمالها داخل المعبد وخارجه.
في الحجرة د، في الجدار الغربي، الشريط السفلي (كوفيل 2000: المجلد الأول، الصورة 14، والمجلد الثاني، الصورة 15 لأعلى و27)، تظهر كليوباترا خلف شريكها وهو يرتدي تاج مصر العليا والسفلى ويقدم عقدا إلى حتحور. تقف كليوباترا رافعة إحدى ذراعيها للدعاء والأخرى بجوارها وتمسك بمفتاح الحياة. ترتدي كليوباترا تاجا من النوع المعتاد الذي ترتديه ملكات البطالمة، تماما مثل صورتها على الجدار الخلفي للمعبد، ويتكون التاج من قرص الشمس وقرني بقرة وريشتين. توجد خرطوشة واحدة فارغة عليها لقب «حاكمة، سيدة الدولتين» فوق صورتها، وتوجد عند الحاكم خرطوشتان فارغتان. في الزاوية الجنوبية للغرفة ه تظهر كليوباترا مرة أخرى (كوفيل 2000: المجلد الأول، 62، والمجلد الثاني الصورة 40 السفلى) بالشكل نفسه وبالألقاب نفسها. في الشريط السفلي الموجود على الجدار الشرقي تمسك الملكة بطاولة قرابين تقليدا لشريكها في الحكم (كوفيل 2000: المجلد الثاني، الصورة 45)، وتظهر في الشريط السفلي على الجدار الشمالي مع لقب «سيدة الدولتين» (كوفيل 2000: المجلد الأول، 71). وفي الجدار الغربي للحجرة فتقدم كليوباترا في الشكل السفلي إناءين من الخمر (كوفيل 2000: المجلد الثاني، الصورة 97).
على الأعمدة الخارجية للحائط الجنوبي للجزء الخارجي من المعبد (كوفيل 1998: الصورة 7) تظهر كليوباترا مع شريكها في الحكم، وفي المواضع الأخرى يظهر الحاكم وحده. ترتدي الملكة تاجها وزيها المعتاد كما وضحنا وترفع إحدى يديها للدعاء وتمسك بالأخرى مفتاح الحياة. توضح التفاصيل (كوفيل 1998: الصورة
xlix
و
lvii
و
lxxvi
و
Ixxvi
و
Ixxxiv ) التشابه بين صورها. وتستخدم الألقاب المعتادة لهذه الحاكمة؛ «سيدة الدولتين» (كوفيل 1998: 168-169 و176-179 و200 و208-210).
كذلك تظهر كليوباترا مع شريكها في الحكم على بوابة الدهليز الداخلية والوسطى وهي تمسك بإناءين من الخمر، وعلى الجدار الشرقي لحجرة الملابس في الشريط السفلي وهي تمسك بمفتاح الحياة وترفع إحدى يديها، وعلى باب الخزانة نجدها بوقفتها وزيها المعتاد لكن مع خرطوشتين سوداوين، وفي مقصورة حتحتور العليا أيضا (كوفيل 2001: الصور
i-ii ، و
iii ، و
xii ، و
xiv ، و
xxiv ، و
xxvi ). ربما يوجد معنى لاستخدام كل من الخرطوشة المفردة (كوفيل 2001: الصور
xcviii
و
cxiv ) والخرطوشة المزدوجة (كوفيل 2001: الصورة
cxix ). وكانت الألقاب الموجودة (كوفيل 2001: 210-211، 137-139، 244-247) هي الألقاب المعتاد استخدامها معها كحاكمة: «سيدة الدولتين». عندما توجد خرطوشتان ينقسم اللقبان. يمكننا رؤية الخرطوشتين المزدوجتين الفارغتين كذلك في غرفة الجدار الغربي، في الشريط الجنوبي الشرقي الثاني من الأعلى (المجلد الثالث، 38-43، السطرين 4 و5، الصورة
i
و
ii ، السطرين 5 و6). تقف كليوباترا في الشكل وهي ترفع إحدى يديها للدعاء خلف زوجها الذي يقدم طائر بنو إلى حتحور (كوفيل 2000أ: الصورة 1). تظهر مع كليوباترا أيضا ألقابها المعتادة وخرطوشتان فارغتان (كوفيل 2000: 34-39).
تظهر إحدى الرسومات المبكرة على الجدار الشمالي قطعتين من النقوش البارزة عليهما صورتان متعاقبتان لكليوباترا، وربما كانت تقف خلف شريكها الذي لا توجد صورته الآن (كوفيل 2004: الصورة
viii ). في الجدار الشمالي من الحجرة أ في السرداب الجنوبي تظهر كليوباترا بزيها المعتاد وبوقفتها المعتادة مع خرطوشتين فارغتين، وفي السرداب الغربي رقم 3 تظهر مع شريكها في الحكم وهي ترفع يديها كلتيهما للدعاء ومع خرطوشة عليها كلام منقوش (كوفيل 2004أ: الصورة
lx ). تظهر الخرطوشة المفردة مرة أخرى على الجدار الغربي من السرداب نفسه (غربي 3) وتعود الملكة إلى وقفتها السابقة حيث ترفع يدا واحدة وتمسك مفتاح الحياة بالأخرى. أما الألقاب الموجودة فهي المعتاد استخدامها في الإشارة إلى دورها كحاكمة: «سيدة الدولتين» (كوفيل 2004أ: 462-463).
شكل 4-13: بطليموس الخامس عشر قيصر وكليوباترا السابعة يقدمان القرابين، معبد حتحور في دندرة، وترتدي كليوباترا التاج ذا الشكل المعتاد.
على جدران الأروقة يوجد تغير ملحوظ في أحد مشاهد تقديم القرابين التي تظهر فيها كليوباترا (كوفيل 1999: الصور
v
و
x )، حيث تظهر فيها الملكة بردائها المعتاد ووقفتها المعتادة (الأشكال
4-9
و
4-12
و
4-13 ) ومعها خرطوشة واحدة، لكنها في مشهد معين ترتدي تاج أرسينوي الثانية (شكل
4-14 ). هذا وتظهر كليوباترا في مشهد واحد له أهمية خاصة، على الشريط السفلي من الغرفة الرابعة شرقا في الجدار الغربي (كوفيل 1999: الصورة
xvi )، وحدها دون بطليموس قيصر. وهذا هو المثال الوحيد الذي استطعت العثور عليه على جدران المعبد أو فيما نشرته كوفيل. توجد مع كليوباترا خرطوشة واحدة فارغة وتقف خلف تجسيد لمصر السفلى وإله الفيضان، حابي، الذي يحمل بردية الدلتا. في منتصف المشهد توجد صورة حورس في شكل صقر يقف على طاولة القرابين. وعلى يمين المشهد في الجانب الآخر من طاولة القرابين يقف شريك كليوباترا في الحكم مرتديا التاج المزدوج لمصر العليا والسفلى، ويقف خلف تجسيد لمصر العليا وحابي وهو يمسك زهرة اللوتس الخاصة بالجنوب.
شكل 4-14: بطليموس الخامس عشر قيصر وكليوباترا يقدمان القرابين، معبد حتحور في دندرة، وترتدي كليوباترا تاج أرسينوي الثانية.
يظهر بطليموس الخامس عشر عادة مصحوبا بالآلهة في مشاهد تقديم القرابين؛ مما قد يفسر سبب ظهوره وحده. إن الرسالة العامة التي تظهر في الزخارف الداخلية البارزة في معبد دندرة أن بطليموس الخامس عشر هو الحاكم وأنه يشارك عادة في المراسم وتقديم القرابين دون والدته. هذا وترمز الخراطيش الفارغة إلى عدم الاستقرار الذي ساد في أواخر عصر البطالمة. لا يظهر اسم كليوباترا إلا في مواضع قليلة (كوفيل 2004ب: 555). تظهر الخرطوشة المفردة في إحدى المرات في مقصورة حتحور الصغيرة وكتب عليها اسمها «كليوباترا» فقط بلا ألقاب (شكل
4-15 ). مع ذلك، تظهر الملكة في المواضع الأخرى من هذا الجزء من المبنى تصاحبها الخراطيش الفارغة المعتادة (شكل
4-16 ).
نسبت أيضا مقصورات سطح المعبد إلى كليوباترا (كوفيل 1997: 76-77). فقد صممت هذه المقصورات من أجل الكسوف الذي حدث في 7 مارس عام 51 قبل الميلاد، وافتتحت في 28 ديسمبر عام 47 قبل الميلاد؛ مما يوضح العلاقة الوثيقة بين تصميمات بطليموس الثاني عشر واستكمال ابنته لمشروعاته.
شكل 4-15: مقصورة حتحور في دندرة. (10-3) كلابشة
لفت بيانشي الانتباه في مقاله الصادر عام 2003 ضمن مجلد «إعادة تقييم كليوباترا»، إلى نقشين بارزين آخرين يعتقد أنهما يصوران كليوباترا السابعة. يشير النقش الأول إلى الملكة على نحو خفي إذ يسجل النص المكتوب إهداء من كليوباترا بينما يعرض الإفريز الرمزي والألقاب صورة الإمبراطور أغسطس وأسماءه. يظهر هذا النص على إحدى بوابات المعبد الموجود في كلابشة (بيانشي 2003: 15) ويوجد حاليا في المتحف المصري في برلين. يوجد مكان على النقش البارز لشخصين لكن لا يظهر إلا شخص واحد يتمثل في صورة أغسطس التي تملأ المساحة بأكملها. تشير هذه المساحة إلى أن هذه النقوش قد نحتت في أثناء عصر البطالمة، ويؤكد الكلام المنقوش الذي يشير إلى كليوباترا هوية الحاكمين الأصليين وهما كليوباترا وشركاؤها الذكور في الحكم (بيانشي 2003: 15). إذا كان أعيد نحت هذا النقش وأضيفت إليه صورة أغسطس كما تشير الأدلة، فإن هذا الفعل يختلف عن سياسته المعتادة في وضع صورته بالقرب من صورة الملكة كما حدث في دندرة وقفط. (10-4) أجزاء أخرى من النقوش البارزة
شكل 4-16: خرطوشة كتب عليها اسم «كليوباترا» من مقصورة حتحور في دندرة.
يوجد حاليا جزء من أحد النقوش ضمن مجموعة خاصة يحتوي على كتابة تشير إلى أن الشخصية الملكية الثانية المفقودة كانت أنثى (بيانشي 2003: 15). تنتمي هذه الخرطوشة إلى النوع الذي يوجد في سراديب معبد أرمنت، ويرجع تاريخها إلى حكم بطليموس الثاني عشر. تقول الكتابة الموجودة عليها «البيت الكبير» (وهو الاسم الذي يستخدم للإشارة إلى الفرعون). كانت كليوباترا السابعة الملكة البطلمية الوحيدة التي تظهر وحدها في الصور الموجودة على نقوش المعابد، وكما وضحنا في هذا العرض المختصر ، فإن ظهورها عقب خلافة ابنها بطليموس الخامس عشر قيصر لها، قد زاد في النقوش مع شريكها في الحكم. (11) كليوباترا ملكة هلنستية
لا توجد أدلة كثيرة على أن كليوباترا كانت ترغب في أن تظهر على أنها حاكمة هلنستية في مصر. والاستثناء الوحيد لهذه الملاحظة هو صورتها على العملات وعلى عدد قليل من قطع الرخام، والتماثيل ذات الطابع الإغريقي التي تتخذ شكل صور شخصية ونسبت إليها. ونظرا لأن العملات لم تكن تستخدم عادة في مصر، أفترض أن هذه الوسيلة كانت موجهة إلى جمهور عالمي أو ربما إلى الجيوش التي كانت تحمي الملكة ودولتها. إن استمرار كليوباترا في استخدام اللقب الديني «المحبة لأبيها» يعتبر أحد الأمثلة على الطابع غير المصري، إلا أن الشعائر الدينية لهذه الحاكمة قد اعتنقها بحماس الكهنة والمعابد المصرية في أثناء فترة حكم بطليموس الثاني؛ ومن ثم أصبحت جزءا من الشعائر الدينية القومية لأكثر من 200 عام. ومع ذلك نجد في هذا السياق استمرارا لأحد المفاهيم الإغريقية الأساسية؛ فعلى الرغم من وجود الكثير من الجدل حول أصول الشعائر الدينية الملكية لأسرة البطالمة الحاكمة، فإن حقيقة اشتراك الحكام الهلنستيين المعاصرين مع نظائرهم البطالمة في الألقاب نفسها يشير إلى أن الفكرة كانت موروثة من البلاط المقدوني أو مستوحاة من الإسكندر.
من بين الأبحاث التي عرضت في مؤتمر المتحف البريطاني عام 2003 «إعادة تقييم كليوباترا» (ووكر وأشتون 2003) أشير إلى عدد من الصور الشخصية المحتملة لكليوباترا على النمط الإغريقي الهلنستي. من المهم التأكيد على أن هذه الصور الشخصية على الأرجح لا تقترب من تصوير الشكل الفعلي لكليوباترا أكثر من صورها على الطراز المصري، فيميل مؤرخو الفن إلى تصنيف هذه الصور على أنها «طبيعانية»، وهذا المصطلح هو أحد المصطلحات المضللة الذي يرتبط بافتراضات داخل الثقافة الأوروبية. تتسم الصورة الأولى على الطراز الإغريقي (ووكر وهيجز 2003: 71-74) بأنها أصغر من الصور الأخرى المتعارف عليها من الطراز نفسه؛ فيصل طولها إلى 23 سنتيمترا ولها عنق طويل واضح؛ مما يشير إلى أنها ركبت من قبل على جسد، وربما صنع من مادة مختلفة. لا توجد معلومات مؤكدة عن مصدرها المصري؛ فقد كان الرأس في البداية ضمن مجموعة في متحف جيميه وتوجد حاليا في متحف اللوفر. تتسم خصلات الشعر المميزة التي تتخذ شكل قوقعة الحلزون وتظهر على جبهة التمثال بأنها أكثر التزاما بالنسق الإغريقي من تلك الموجودة في التماثيل الإغريقية الأخرى التي اعتبرت تمثل كليوباترا. لوحظت هذه السمة المميزة لأول مرة في شكل أضفي عليه الطابع القديم لصور كليوباترا الثانية والثالثة ثم تكرر استخدامه في بعض التماثيل على الطراز المصري التي اعتبرت تمثل كليوباترا السابعة (أشتون 2001أ: 47). يبدو شعر الرأس الموجود في متحف اللوفر قد صفف على شكل خصلات عريضة مربوطة للخلف وترتدي الملكة إكليلا، وهي سمة لا توجد في تماثيل الملكة المصممة على الطراز المصري؛ ففي التماثيل المصرية يكون تصفيف الشعر المتموج مصحوبا بتموجات منمقة تكون غرة على جبهتها. لا تظهر على الصورة علامات الشباب مثل الأمثلة الموجودة في روما أو غيرها التي تظهر كليوباترا السابعة أو ابنتها كليوباترا سيليني في مدينة شرشال في الجزائر (ووكر وهيجز 2003: 72).
يبدو أن الرأس الذي نتحدث عنه يظهر سيدة ناضجة، وقد أدى هذا، مع التحليل الأسلوبي، إلى جعل بعض الدارسين يقترحون أن هذه الصورة صنعت بعد وفاتها (كريلايس 1975: 86). يبدو هذا الاقتراح غير محتمل نظرا لأن كليوباترا تبدو في صورة ملكة حية أكثر من إلهة. وإذا كان هذا الرأس يمثل بالفعل هذه الملكة على وجه التحديد فمن المرجح أنه صنع في أثناء حياتها، وقد يقدم بديلا لتماثيلها الشابة التي صنعت في روما (الشكلان
3-14
و
3-15 ). أشير أيضا إلى أن تاريخ هذا التمثال يرجع إلى حكم كليوباترا سيليني بناء على التموجات المصففة على شكل قوقعة حلزون، التي نجد مثيلا لها في صور مومياوات القرن الأول الميلادي، لكن كما أشرنا سابقا يمكننا رؤية هذه السمة أيضا في صور ترجع إلى عهد كليوباترا الثانية والثالثة والسابعة. يتمثل الفرق الأساسي بين الرأس الموجود في متحف اللوفر وصور كليوباترا الثانية والثالثة في أن ملامحها أكثر نضجا لكنها أنثوية؛ فلا توجد أية إشارة إلى الصور ذات المظهر الذكوري التي نجدها في صور كليوباترا الثالثة تحديدا (شكل
4-5 ). في الحقيقة تبدو تماثيل كليوباترا السابعة ذات الطابع الإغريقي أنها تعبر عن محاولة متعمدة للعودة إلى نماذج أوائل القرن الثالث قبل الميلاد (أشتون 2003أ: 95). فإن صور كليوباترا الشخصية هي هجين من صور الملكات أرسينوي الثانية وبرنيكي الثانية وأرسينوي الثالثة وتشترك في بعض سماتها مع سمات صور والدها، خاصة أنفه وذقنه الناتئ. كذلك يشبه الوجه الممتلئ وجه برنيكي الثانية (أشتون 2003أ: 80-85)، وبوجه عام لا تختلف الملامح الناضجة الموجودة في رأس متحف اللوفر عن ملامح أرسينوي الثالثة، ومع ذلك، نرى في رءوس الملكة المصنوعة على الطراز الإغريقي الموجودة في إيطاليا، الطابع الشاب الذي يحاكي نمط صور أرسينوي الثانية؛ مثلها الأعلى (قارن أشتون 2003أ: 76-79).
يوجد رأس رخامي آخر ضمن مجموعة خاصة لها الأبعاد المعتادة الأقل من الحجم الطبيعي والتي ارتبطت أيضا بكليوباترا في شبابها (بيانشي 2003: 20، الصورة 6). تماما مثل الرأس الموجود في متحف اللوفر نرى في ذلك التمثال عنقا طويلا ونحيلا؛ مما يشير إلى التقليد البطلمي الكلاسيكي المعتاد الذي يتمثل في تركيب صورة الوجه على جسم مصنوع من مادة أخرى. يبدو أن نحت الشعر لم يكتمل أكثر من كون سطحه قد تآكل، ما يتفق مع الأسلوب السكندري الذي يتمثل في إنهاء التماثيل الرخامية بطبقة من الجبس (الجص). يوجد إكليل عريض يمكن رؤيته بسهولة؛ مما يشير إلى أن هذا التمثال لشخصية ملكية. توجد علامات مقنعة على أن هذا التمثال يصور وجه كليوباترا السابعة؛ فالفم عابس والذقن واضح المعالم والشكل العام للوجه مستدير والأنف مستقيم والجبهة صغيرة. قورنت هذه الملامح بالملامح الموجودة على العملات التي ضربت في دمشق عام 37-36 قبل الميلاد (بيانشي 2003: رقم 105)، إشارة إلى أن هذه إحدى صورها المبكرة، ويدعم مظهرها الشاب هذه النظرية.
يلفت بيانشي الانتباه أيضا إلى صورة شخصية أخرى على الطراز الإغريقي توجد أيضا في مجموعة خاصة (2003: 19، الصورة 5). تظهر هذه الصورة سيدة أكثر نضجا لديها ملامح أكثر قسوة. حفرت العينان عميقا، ويظهر الفم مقوسا لأسفل بالطريقة المعتادة أما الشفتان فرفيعتان جدا؛ مما يتسبب في وجود تجاعيد على جانبي الفم. نحتت عظام الوجنتين أعلى من المعتاد والذقن ناتئ ومدبب في شكل جانبي. تشبه هذه الصورة الشخصية كثيرا تمثال كليوباترا الشهير الموجود في الفاتيكان، الذي صنع في إيطاليا (شكل
3-14 ). الرأس مكسور عند الرقبة؛ لذلك من غير الممكن تحديد إن كان هذا الجزء ركب على الجسم أم كان جزءا من تمثال كامل. يقال إن الرأس صنع في الإسكندرية على أساس الشعر غير المكتمل في أعلى الرأس الذي نحت بخشونة؛ ولذلك افترض أنه قد وضع عليه في النهاية طبقة من الجبس كجزء من عملية التصنيع المعتادة. أما الشعر الذي يؤطر الوجه فقد نحت جيدا ويشمل عقدة كبيرة في مقدمة الرأس. تظهر هذه السمة على وجه الخصوص بشكل أصغر حجما في كل من تمثالي رأس كليوباترا في برلين والفاتيكان (ووكر 2003ب)، ويقال إن كليوباترا اتبعت هذا الأسلوب في مرحلة مهمة في أثناء فترة حكمها. من الواضح أن هذه السمة كانت جزءا من الأسلوب الفني الذي طبق في أثناء فترة إقامتها في روما، كما اتضح من تماثيلها سابقة الذكر. توجد سمة مربكة في التمثال المكتشف حديثا تتمثل في ضفيرة شعر تمتد أسفل عقدة الشعر والشعر المربوط غير المكتمل الموجود في الرأس من الخلف، رغم أنها قد تكون مجرد إكليل. لكن على عكس الشكل المعتاد للإكليل نجد هذا الشكل رفيعا، مما قد يشير إلى أن الشكل المعتاد العريض للإكليل قد أضيف فوقه وكان مصنوعا إما من الجبس أو الذهب. (12) سك العملات
تقدم العملات السكندرية إشارة أخرى إلى وضع كليوباترا السابعة كملكة هلنستية. تجدر الإشارة إلى أن الملكة تظهر وحدها على العملات التي ضربت في مصر بدلا من استخدام هذه العملات كوسيلة للترويج لابنها. تذكرنا صورة الملكة بصورة والدها؛ بشكل الذقن الواضح المعالم والفم المقوس إلى الأسفل والعينين الكبيرتين (إشارة إلى هرقل الذي ظهر في مرحلة مبكرة من الأسرة) والأنف الحاد المعقوف قليلا. لا أريد أن أتحدث في هذا السياق عن مسألة جمال كليوباترا؛ فيبدو أنه لا طائل ولا فائدة من معرفة هل كانت الملكة جذابة بالنسبة للمشاهد الحديث. أفضل وصف صورتها بأنها تعبر عن القوة وتتضمن إشارة واضحة إلى صورة والدها، وأؤكد على العلاقة القوية بينهما.
كانت العملات تصنع فقط من سبائك النحاس والفضة. أما العملات الذهبية التي ظهرت في أوائل عصر البطالمة فكانت صناعتها قد توقفت منذ زمن طويل (ووكر وهيجز 2001: 177). كذلك اختزلت العملات الفضية إلى 40 في المائة فضة مقارنة بنحو 80 إلى 90 في المائة من الفضة في أثناء حكم بطليموس الثاني عشر و98 إلى 99 في المائة فضة في عملات التيترادراخما التي صنعت في عصر البطالمة الأوائل (هازارد 2000: 89-107). ضربت الدراخما الفضية في السنة السادسة والحادية عشرة من حكم كليوباترا؛ 47 / 46 و42 / 41 قبل الميلاد على التوالي (ووكر وهيجز 2001: 177، رقم 178). تظهر الصورة الموجودة على أحد وجهي العملة الملكة وهي ترتدي إكليلا ملكيا مع وجود تجعيدات الشعر الصغيرة المعتادة على جبهتها وعلى مؤخر رقبتها من الخلف. على الوجه الآخر يوجد النسر البطلمي ويقول الشعار المكتوب «الملكة كليوباترا».
كانت العملات البرونزية أكثر العملات التي تضرب شيوعا في عهد كليوباترا. ورغم أن صناعة العملات البرونزية انخفضت في أثناء عهد أسلافها السابقين عليها مباشرة، فإن كليوباترا بدأت مرة أخرى صناعة واسعة النطاق باستخدام هذا المعدن (ووكر وهيجز 2001: 177-178). يصعب تحديد تاريخ مثل هذه العملات بسنة معينة. وتقدر قيمة العملات بالعلامة الموجودة عليها (علامة
pi
أو
mu
الإغريقية) أكثر من وزنها، كما كانت الطريقة المعتادة في ذلك الوقت (ووكر وهيجز 2001: 178، رقم 183-185). يشير قرار الملكة هذا، إلى جانب تقليل نسبة الفضة المستخدمة في العملات الفضية، إلى سياسة مدروسة للتحكم في سك العملات السكندري، وسنتحدث عن تبعات هذه السياسة بمزيد من التفصيل في الفصل السابع. ربما يمكننا تقسيم العملات في مجموعات ثم ترتيبها نسبيا حسب تطور نوع صورة كليوباترا على أحد وجهي العملة، مع وضع الصور المبالغ فيها بالقرب من الفترة التي كانت الملكة تسك فيها عملات عليها صورتها مع مارك أنطونيو. تشير مقارنة الأمثلة التي ذكرها كل من ووكر وهيجز (2001: 177 رقم 180-182) إلى حدوث تطور على مدار فترة حكمها التي امتدت أكثر من 21 عاما، فيوجد نوعان مميزان من الصور التي تظهر على العملات التي ضربت في الإسكندرية (ووكر 2003ب: 508-509): يظهر النوع الأول صورة مثالية (ووكر 2003ب: شكل 1أ)، أما النوع الآخر فيقترب من صور أسلاف كليوباترا خاصة والدها (ووكر 2003ب: شكل 1ب). يظهر النوعان الملكة بصفتها حاكمة كما يتضح من الإكليل الملكي بدلا من التاج المقدس. ومع ذلك، يقال إن هذا النوع من الصور، الذي يشار إليه دوما على أنه «واقعي» بسبب الأنف والذقن الناتئين، كان المقصود به الإشارة ضمنيا إلى يوليوس قيصر ويحاكي شكل الصور في الجمهورية الرومانية (سبير 1999: 347-350؛ ووكر 2003ب: 508-509). لم يكن أي من شكلي الصور مقتصرا فقط على الإسكندرية؛ وقد ساعدت أمثلة العملات الأجنبية كثيرا في فهم تطورها التاريخي. (13) كليوباترا: الوصية على العرش
نادرا ما يذكر بطليموس الخامس عشر في المصادر الرومانية، فيوجد العديد من الإشارات إلى علاقة كليوباترا بيوليوس قيصر في قصيدة لوكان «فرساليا» (63-109)، بما في ذلك مولد طفلهما «أخ لجوليا» (90). هذا ويشير كتاب بلوتارخ «يوليوس قيصر» (الفصل 49) إلى أن قيصر ترك كليوباترا على العرش عقب حروب الإسكندرية وذهب إلى سوريا. يقول المؤلف إنه عندما ترك يوليوس قيصر مصر عام 37 قبل الميلاد كانت كليوباترا حاملا في شهرها السابع (القيصر 49. 10)، وأنه «بعد فترة وجيزة أنجبت ابنا منه أطلق عليه أهالي الإسكندرية اسم قيصرون» (جونز 2006: 58). كذلك يذكر بلوتارخ أن بطليموس الخامس عشر كان ابن القيصر في روايته عن عطايا الإسكندرية («حياة أنطونيو» الفصل 54؛ جونز 2006: 116)، وعند الإشارة إلى مصيره في وقت انتحار كليوباترا (جونز 2006: 187).
كتب سويتونيوس («يوليوس قيصر المؤله»، الفصل 52) يقول: إن كليوباترا سمح لها بمناداة ابنها من القيصر باسم قيصر (جونز 2006: 79). يستمر الكاتب معلقا إن «الكثير من الكتاب الإغريق يقولون إنه كان يشبه يوليوس قيصر في كل من شكله وتصرفاته.» أكد مارك أنطونيو لمجلس الشيوخ أن قيصر اعترف بالفعل بالطفل، ومع ذلك قيل إن أحد أصدقاء قيصر، جايوس أوبيوس، نشر كتابا فيما بعد يقول فيه إن بطليموس قيصر ليس ابن القيصر (إدواردز 2000). سنتحدث بمزيد من التفصيل عن مصير بطليموس الخامس عشر في الفصل التاسع.
عقب عودة كليوباترا إلى روما عام 44 قبل الميلاد، لم تضيع الوقت وعزلت أخاها الأصغر وجعلت ابنها بطليموس قيصر هو الحاكم المشترك معها، ومع ذلك لم تظهر أدلة على دور ابنها كحاكم إلا في مرحلة متأخرة من حكمها. يوجد خلاف حول تاريخ مولد بطليموس قيصر؛ فقد ساد الاعتقاد لعدة سنين أن طفل كليوباترا الأول ولد عام 46 قبل الميلاد عقب زيارة يوليوس قيصر الأولى إلى مصر، وأنها حملته في أثناء الوقت الذي قضاه قيصر في مصر بهدف ضمان سلامة هذه الولاية التابعة لدولته. لكن التاريخ الموثوق في صحته سجل في رواية على لوح مكتوب باللغة الديموطيقية من معبد السرابيوم في ممفيس ويوجد حاليا في متحف اللوفر. يؤرخ هذا اللوح ليوم ميلاد قرئ على أنه يشير إلى مولد بطليموس قيصر في 23 يونيو عام 47 قبل الميلاد (هولبل 2001: 238). ومع ذلك أشار مقال مهم نشر عام 2001 إلى أن الاسم المذكور بجوار هذا التاريخ، الذي اعتقد أنه قيصر؛ ومن ثم يشير إلى بطليموس قيصر، لم تكن قراءته صحيحة (ديوفوشيل 2001).
أما عن أطفالها الآخرين الذين أنجبتهم من مارك أنطونيو، وكانوا ثلاثة؛ التوأمين كليوباترا سيليني والإسكندر هيليوس، ثم بطليموس فيلاديلفوس، فيوجد بعض الإشارات إليهم. في كتاب «أغسطس المؤله» (17) يدعي سويتونيوس أن مارك أنطونيو أوصى بأن يرثه أبناؤه من كليوباترا؛ ولهذا السبب؛ أي «لتخليه عن عادات المواطن الروماني»، أعلن عدوا للدولة الرومانية. يصف المؤرخ ديو في الفصل السادس من كتابه «التاريخ الروماني» الاستعدادات التي اتخذها كل من أنطونيو وكليوباترا من أجل تأكيد وضع أطفالهما، ولم يذكر بطليموس قيصر فقط وإنما أيضا أنتيلوس ابن أنطونيو من فولفيا. يقول ديو إن هذين الحاكمين فعلا هذا من أجل «إثارة حماس المصريين، الذين شعروا أخيرا أنه أصبح لديهم ملك رجل، ومن أجل جعل باقي الشعب يواصلون الصراع تحت قيادة هذين الولدين، في حال حدوث أمر غير متوقع لوالديهم.» يشير هذا المؤرخ إلى أن هذا الفعل أدى إلى سقوط الولدين، اللذين رأى أوكتافيان أنهما يمثلان تهديدا له؛ لذا حكم عليهما بالإعدام بمجرد القبض عليهما.
حصل الأمير الصغير على لقب «الإله المحب لوالدته» و«الإله المحب لأبيه» (بينجن 2007: 64). في أثناء السنة السادسة عشرة لوصاية كليوباترا على العرش؛ السنة ال 37 / 36 قبل الميلاد، بدأت الملكة نظام تأريخ مزدوج، فأطلقت على هذا العام السنة الأولى بالتزامن مع عطايا الإسكندرية (بينجن 2007: 57). (14) تماثيل بطليموس الخامس عشر
توجد مجموعتان من التماثيل التي تنسب إلى بطليموس الخامس عشر. الأولى على الطراز المصري مع اقتراض ملامح إغريقية حسب التقليد البطلمي المعتاد، وتتضمن تماثيل مدعومة بالعمود الخلفي المعتاد ومنحوتة من صخر صلب. أما المجموعة الثانية فتنتمي إلى التقليد الإغريقي. تصنع التماثيل في هذه المجموعة من الحجارة المستخدمة في نحت التماثيل المصرية: الجرانيت أو الحجر الصابوني أو الحجر الجيري، لكنها مصنوعة على الطراز الإغريقي بالقاعدة المستطيلة المدببة، ويظهر فيها عادة عضو التمثال الذكري وملحقات على الكتفين. يعرف هذا النوع من التماثيل باسم هيرم؛ لأن النماذج الأولى له كانت تحمل عادة رأس الإله هيرميز في أعلى القاعدة الحجرية وكانت تستخدم في الأصل من أجل وضع علامة على الطرق. تتسم النماذج المقترحة التي تحمل رأس بطليموس قيصر بملامح وشكل على الطراز الإغريقي.
تحمل التماثيل الموجودة في المجموعتين كلتيهما الملامح الشكلية التي تشير إلى أنها تصور أميرا شابا. فجميعها تشترك في ملامح الوجه التي تشبه ملامح التماثيل التي اعتبر أنها تمثل كليوباترا السابعة (أشتون 2003د: 26-30). تشبه تماثيل بطليموس قيصر النوع الذي يشار إليه حاليا على أنه ثنائي اللغة. يرجع هذا إلى تمتعها بالسمات الضرورية التي تحدد كون هذا التمثال لأحد ملوك مصر وتخاطب المشاهد المصري، وبالإضافة إلى ذلك، تظهر سمات الوجه صورة يمكن تمييزها (لكنها ليست واقعية بالضرورة) وفقا للشكل الإغريقي المتعارف عليه؛ ومن ثم، تقدم لنا هذه التماثيل أمثلة على شكل بطليموس الخامس عشر بالنسبة للإغريق؛ فقد عبرت صوره عن الثقافتين كلتيهما وقدمت أيضا رسالة لا شعورية مهمة تتعلق بصلته بمصر، فربما تكون روما قد رفضت الاعتراف به على أنه الوريث الشرعي ليوليوس قيصر، لكن مصر رحبت بهذا الحاكم الشاب مع والدته وبصفته الوريث الشرعي لوالدته.
شكل 4-17: تمثال حورس مع بطليموس الخامس عشر قيصر الشاب في صورة كاهن، معبد حورس في إدفو.
يعرض تمثال يقع بين الفئتين اللتين تحدثنا عنهما آنفا بطليموس قيصر في صورة كاهن في معبد حورس في إدفو (شكل
4-17 ). يقف صقر حورس الضخم خلف التمثال الصغير، الذي يعتقد أنه يمثل ابن كليوباترا بصفته أميرا (فايل جودشو 2001: 183-189). إن فكرة الصقر الذي يقف خلف الحاكم تعبيرا عن الحماية هي أحد الأفكار الراسخة، ويوجد تمثال أصغر حجما لكنه الأقرب في تاريخ الصنع للتمثال المزعوم لبطليموس الخامس عشر الموجود حاليا في متحف متروبوليتان، في نيويورك، ويرجع إلى عصر الأسرة الثلاثين.
شكل 4-18: تمثال من البازلت لبطليموس قيصر، متحف بروكلين للفنون، بروكلين.
ومع كل هذه التماثيل البطلمية، يوجد بعض الجدل حول هوية تماثيل بطليموس الخامس عشر، فيوجد ستة مرشحين محتملين للمجموعة الأولى من التماثيل؛ أي التماثيل المصرية ذات الملامح الشكلية على الطراز الإغريقي. إن أكثر نموذج مكتمل من هذه التماثيل هو تمثال مجهول المصدر يوجد حاليا في متحف بروكلين للفنون (أشتون 2001أ: 30-32، 96-97، رقم 30؛ ستانويك 2002: 61، 125، إي16). يرد في كل ما نشر حول هذه القطعة أنها صنعت في القرن الأول قبل الميلاد. هذا وقد صنع هذا التمثال على الطراز المصري، ويحتوي على عمود خلفي ويقف الشخص على النحو المعتاد في ذلك النوع من التماثيل مقدما قدمه اليسرى إلى الأمام (شكل
4-18 ). لم يعثر على القدمين والقاعدة، ويصل طول الجزء المتبقي إلى 30 سنتيمترا؛ لذا يمكن مقارنة هذه القطعة في الحجم بالتماثيل الموجودة في الإرميتاج وسان خوسيه اللذين يمثلان كليوباترا السابعة (الشكلان
4-6
و
4-8 ، الفصل الرابع). يرتدي الأمير في هذا التمثال إكليلا مسطحا (إحدى سمات الفن الإغريقي والمصري)، ورأس كوبرا واحدا ملتصقا بالإكليل من الأمام. نرى أن الشعر قصير ومصفف إلى الأمام. أما الذقن المربع الناتئ والفم المقوس لأسفل فهما سمتان معتادتان في الصور المنسوبة لوالدته. يوجد رأس مشابه من أحد التماثيل حاليا في المتحف الوطني في وارسو (أشتون 2001أ: 96-97، رقم 30). يرتدي الحاكم في هذا التمثال الثاني إكليلا فقط دون رأس أفعى؛ مما يشير إلى أن هذا النموذج كان على الطراز الإغريقي. إن نسب هذه القطعة بالتحديد إلى بطليموس قيصر أمر يحظى بتأكيد أقل في الكتابات ذات الصلة، ومع ذلك، فإن الملامح تبدو متطابقة جيدا مع تمثال بروكلين السالف الذكر.
يوجد ثلاثة تماثيل أخرى قد تكون لبطليموس قيصر، وكلها معروفة الأصل وعلى الطراز المصري (حيث الوقفة بتقديم القدم اليسرى والعمود الخلفي والتنورة القصيرة، وغطاء للرأس يرتديه الحكام الرجال وبعض الآلهة، الذي يدعى «نيميس»). يوجد بعض الشكوك بشأن التمثال الأول؛ فيقال إنه عثر عليه في الكرنك ويوجد حاليا في المتحف المصري في القاهرة ويصل طوله إلى 96 سنتيمترا (أشتون 2001أ: 98-99، رقم 33؛ ستانويك 2002: 38، 119-120، د14، يؤرخ القطعة إلى عصري بطليموس التاسع والعاشر). تشبه ملامح الوجه الملامح المذكورة سابقا، لكن أسلوب تصفيف الشعر تحت غطاء الرأس مختلف، وأشار البعض إلى احتمال كون تاريخه يعود إلى أوائل العصر الروماني. توجد سمة أخرى مهمة مفقودة في هذا التمثال المصري في الأساس؛ وهي وجود رأس أفعى على الجبهة. يوجد نموذجان على التماثيل المصرية، التي يرجع تاريخها إلى أوائل العصر الروماني، يفتقران أيضا إلى الكوبرا الملكية (كيس 1984: 142، الشكل 78 و147، والأشكال 96-97).
شكل 4-19: تمثال من الجرانيت لبطليموس قيصر، المتحف اليوناني الروماني في الإسكندرية.
يوجد خلاف حول هوية النموذج الثاني في هذه المجموعة، لكن يتفق المتخصصون بوجه عام على أن تاريخه يرجع إلى عهد حكم كليوباترا السابعة (شكل
4-19 ). والسؤال هنا هل هذا التمثال يعبر عن بطليموس الثاني عشر أو بطليموس الخامس عشر قيصر أو مارك أنطونيو (أشتون 2003د؛ ستانويك 2002: 18 إي1 وإي2؛ أشتون 2006: مراجعة ستانويك: 548). من غير المحتمل على الإطلاق أن يكون التمثال لمارك أنطونيو نظرا لعدم تشبه الرومان بالفراعنة، ومثل التمثال الموجود بالقاهرة، تظهر هذه القطعة حاكما يرتدي غطاء الرأس نيميس، لكن يظهر فيه أيضا رأس الأفعى المعتاد. عثر على هذا التمثال في شرق الإسكندرية ويوجد حاليا في المتحف اليوناني الروماني هناك. إن هذا التمثال هو جزء تمثال مزدوج، أحدهما تمثال لكليوباترا السابعة بصفتها إيزيس (شكل
4-20 ) عثر عليه في موقع سنتحدث عنه في الفصل السادس . يحمل التمثال ملامح شابة تشبه تلك الموجودة في تماثيل أخرى لبطليموس الخامس عشر. تشير الرسومات من فترة اكتشاف هذا التمثال إلى أنه كان يرتدي تاجا مصريا يعرف باسم «هيم هيم». ويرتبط هذا التاج بالتحديد بالحكام وبالإله حربوقراط؛ ومن ثم يعتبر استخدامه في تمثال لبطليموس الخامس عشر اختيارا منطقيا بوصفه ابن كليوباترا التي تظهر على أنها إيزيس. أما بشأن التماثيل الأخرى التي يظهر فيها الاثنان معا، فيظهران على أنهما متساويان؛ إذ تظهر كليوباترا في تمثال الإسكندرية على أنها إلهة ويظهر ابنها على أنه حاكم لمصر.
شكل 4-20: تمثال من الجرانيت لكليوباترا السابعة بوصفها إيزيس. حقوق الطبع محفوظة لمتحف ماريمونت الملكي.
إن التمثال الثالث في هذه المجموعة هو الأحدث اكتشافا على الإطلاق، ومثل التمثال المزدوج السابق، عثر عليه في الإسكندرية. عرض هذا التمثال في البداية على أنه تمثال للإمبراطور أغسطس في صورة فرعون مصر. إلا أنه قيل فيما بعد إن ملامح الوجه تشبه ملامح كليوباترا السابعة وإن صورته الشابة هي لابنها بطليموس الخامس عشر (أشتون 2003د: 29-30). يتميز هذا التمثال بسمة لا توجد في غيره من تماثيل البطالمة، أو بالتأكيد في التماثيل الفرعونية، ألا وهي وجود ثقبين أسفل ثنيات غطاء الرأس نيميس. من الواضح أن هذا العنصر كان يسمح بتركيب عنصر إضافي، ويقال إن هذا العنصر كان قرني آمون وأنه من خلالهما يرتبط بطليموس الخامس عشر بالعصر الذهبي لأسرة البطالمة الحاكمة من خلال ربط نفسه بالإسكندر الأكبر، الذي يقال إنه ابن الإله.
تنسب أيضا مجموعة كبيرة أخرى وعدد كبير من التماثيل في شكل «الهيرم» الإغريقي إلى بطليموس قيصر. توجد هذه التماثيل حاليا في المتاحف التالية: المتحف المدني في بولونيا (أشتون 2001أ: 98-99، رقم 32)؛ متحف بروكلين (أشتون 2001أ: 68، رقم 3. 1)؛ متحف بتري في لندن (آشتون 2001أ: 68، رقم 3. 2) متحف فيتزويليام في كامبريدج (أشتون 2004: 20-21، رقم 6)، ومتحف القاهرة (غير معلن عنها). صفف الشعر في جميع هذه التماثيل على النحو نفسه الموجود في تمثال رأس متحف وارسو وتمثال بروكلين. كذلك تتشابه ملامح الوجه، لكنها ليست متطابقة مما يشير إلى أن هذه التماثيل ليست جزءا من مجموعة صنعت في الورشة نفسها. جميع التماثيل بالأبعاد نفسها تقريبا، حيث يصل عرضها إلى 10 سنتيمترات بما في ذلك الكتفان، باستثناء تمثال القاهرة، الذي كان أكبر حجما بكثير. يبدو على الأرجح أن هذه التماثيل كان لها هدف ديني، إما داخل المعابد أو الأضرحة الفردية. للأسف، لا يوجد منشأ محدد لأي من التماثيل. وتتمتع كلها بسمة مميزة ألا وهي الإكليل الملتوي، الذي لا يعرف المقصود به بالضبط حتى الآن. تعتبر هذه التماثيل مهمة لأنها تشير إلى وجود إنتاج بالجملة لشكل معين من التماثيل للحاكم الشاب. يشيع وجود هذه الصور في شكل تماثيل لرءوس على الطراز الإغريقي أثناء القرن الثالث قبل الميلاد (أشتون 2001أ: 9)، لكن لم تعد تنتج بعد ذلك بالأعداد نفسها. هذا وتشير إعادة ظهور الصور الشخصية الملكية لأغراض دينية إلى حدوث نهضة في أواخر عهد البطالمة.
هوامش
الفصل الخامس
عاصمة كليوباترا وبلاطها
(1) الإسكندرية عاصمة البطالمة
وفقا لما كتبه ديودور عام 59 قبل الميلاد تقريبا كان يوجد بالإسكندرية 300 ألف مواطن حر من بين إجمالي عدد السكان الذي قدر بنحو 500 ألف (رولاندسون 2003: 253). كان أهالي الإسكندرية، الذين مثلوا قوة هائلة طوال حكم البطالمة، يتدخلون دوما إذا شعروا أن حاكمهم الشرعي في خطر. في عام 131 قبل الميلاد اختاروا كليوباترا الثانية لتحكم بدلا من زوجها وأخيها بطليموس الثامن وزوجته الثانية الجديدة، التي كانت ابنتها كليوباترا الثالثة. وعندما أرادت كليوباترا الثالثة فيما بعد استبدال ابنها بطليموس التاسع كحاكم مشارك لها استخدمت أهالي الإسكندرية في تنفيذ وصيتها. اختلقت هذه الملكة بذكاء قصة مفادها أن ابنها هدد حياتها، وعرضت بعضا من حراسها للضرب من أجل تدعيم القصة. مارست حشود الشعب ضغطها ونفي الملك (أشتون 2003أ: 65-66). وعندما قتلت كليوباترا برنيكي على يد بطليموس الحادي عشر عقب مرور أقل من ثلاثة أسابيع على زواجهما، أعدم المعتدي في المدرج الإغريقي على يد أهالي الإسكندرية (أشتون 2003أ: 66-67). حتى في أثناء حكم كليوباترا السابعة لعب سكان هذه العاصمة دورا مهما في الصراع على الحكم بين الإخوة الحاكمين. وهذه مجرد أمثلة قليلة توضح سلطة أهالي الإسكندرية.
كانت الإسكندرية العاصمة الإدارية كما كانت مقر الإقامة الملكي في أغلب فترة حكم البطالمة. تعتبر هذه المدينة عادة العاصمة الثقافية لمصر، لكن هذا ينطبق فقط على الثقافة الإغريقية. مولت الأسرة الحاكمة مؤسسة أطلق عليها اسم الموسيون، أو ضريح الربات، ومنه اشتقت كلمة متحف بالإنجليزية
museum . كان الموسيون الإغريقي أقرب شبها بمركز بحثي خاص يهدف إلى تمجيد رعاته. كان مانتيون أحد المصريين القلائل الذين حصلوا على رعاية من البيت الملكي، ويستشهد به عادة كمثال على رغبة الحكام الأوائل في تدعيم الثقافة الوطنية (فريزر 1972: 505-511). يبدو أن الباحثين المتخصصين في الدراسات الكلاسيكية في عصرنا الحالي يغفلون أنه أمام هذا المركز الواحد للثقافة الإغريقية كانت تقام مئات المعابد المصرية التي تروج للثقافة واللغة والمعرفة العلمية المصرية. تمثل العصر الذهبي للموسيون في القرن الثالث قبل الميلاد. يذكر الباحثون عادة المشكلات السياسية، الداخلية والخارجية، على أنها السبب في انهيار هذه المؤسسة العلمية.
رغم ذلك أظهرت دراسة للبقايا الأثرية والأدلة المادية على رعاية البطالمة لهذه المؤسسة على مدار حكمهم، أن اهتمامات الحكام في مصر تحولت إلى الظهور بمظهر الفراعنة المصريين بدلا من الملوك الهلنستيين (أشتون 2003ب: 213-224). هذا ويصعب تحديد إذا كان الحكام يفضلون فعليا هويتهم المصرية أم كانت هذه الخطوة تهدف في الأساس إلى كسب دعم الكهنوت المصري لهم. ونظرا لاتسام كثير من حكام القرن الثاني قبل الميلاد بحب المظاهر، يمكننا أن نرى بسهولة السبب في اختيارهم إظهار أنفسهم على أنهم ملوك مصريون بدلا من اعتبارهم ملوكا هلنستيين. على الرغم من ذلك، فإن موقفهم تجاه فرض الضرائب كان مختلفا إلى حد بعيد؛ إذ طبق البطالمة نظاما اقتصاديا يقوم على استخدام العملات النقدية. كما اتبع الحكام سياسة التخلص التدريجي من الاستقلال الاقتصادي للمعابد. كانت المخصصات تصرف لكن المعابد كانت تعتمد على كرم الشخصيات الحاكمة.
كان الكهنة المصريون يمثلون النظير المحلي للإغريق الإسكندريين. وفي سياق الديانة المصرية أقر الكهنة بشرعية حكم البطالمة وقدموا سبلا يمكن من خلالها الترويج للحكام. يقول هولبل (2001: 280-289) إن درجة حسن العلاقة بين الحاكم والكهنة كانت تعتمد على استعداد كل منهما لأداء دوره المطلوب. ومع ذلك كان الكهنة في حاجة إلى ملك (ليس بالضرورة من البطالمة)؛ فبدون حاكم لا يمكن للنظام الديني المصري أن يؤدي وظيفته. كانت المعابد تعتمد أيضا على البيت الملكي في جزء كبير من عائدها، إما عن طريق الإعفاءات الضريبية أو من خلال تمويل أعمال البناء والعبادات، التي كانت تتيح عددا من الوظائف. ومثلما كانت الإدارة الإغريقية تحصل على امتيازات من الملك (صامويل 1993: 179)، كان الكهنة المصريون يحصلون على امتيازات أيضا. كان الحكام يزورون المعابد باستمرار؛ فوفقا لنص الإهداء الموجود في معبد حورس في إدفو، زار بطليموس الثامن وكليوباترا الثانية الموقع فعليا (هولبل 2001: 280).
تظهر المعابد التي أهداها الحكام الأربعة الأوائل في الإسكندرية وممفيس استعدادا من الحكام ووعيا لتدعيم التبادل الثقافي المشترك بين الثقافتين الإغريقية والمصرية. في الإسكندرية أنشأ الحكام معبدا إغريقيا للإلهين المصريين أوزوريس وأبيس وجمعا الاثنين في اسم أوزارأبيس، الذي تمثل رمز عبادته في ثور أبيس المتوفى في ممفيس. أما النسخة الإغريقية من هذا الإله فقد حصلت على تمثال للعبادة على الطراز الإغريقي وارتبطت ارتباطا وثيقا بالبيت الملكي (أشتون 2004أ: 21-25). أما في ممفيس، التي كانت مقر إقامة العائلة الملكية في الجزء الأول من حكم بطليموس الأول؛ فقد حافظ الحكام على علاقة وطيدة بالكهنة وتوج كثير منهم هناك. في أوائل العصر البطلمي أهدى الحكام نصبا تذكاريا منحوتا على طراز نصب النصر التذكارية الهلنستية في ذلك الموقع (أشتون 2003د: 10-14). للوهلة الأولى تبدو التماثيل على الطراز الإغريقي للفلاسفة وكتاب المسرحيات والشعراء إضافة لا تليق بمعبد مصري تقليدي وتعبر عن عدم احترام. ومع ذلك، قيل إن هذه التماثيل تجسد العلماء الإغريق الذين قضوا وقتا في مصر؛ ومن ثم تضفي صبغة شرعية على وضع الحكام الإغريق الجدد في التاريخ المصري. (2) الإسكندرية عاصمة لحكم كليوباترا: البقايا الأثرية
اختلفت الإسكندرية في أثناء حكم كليوباترا السابعة تماما عما كانت عليه في عهد حكام البطالمة الأوائل. يقول الجغرافي سترابو، الذي زار المدينة بعد وفاة كليوباترا مباشرة، إن حدودها توسعت نحو الشرق. يعجز الباحثون في العصر الحالي عن أن يفهموا بالكامل مدى هذا التوسع؛ فلا بد أن معبد إيزيس، الذي يرجع تاريخه إلى عهد كليوباترا، كان موجودا في موقع رئيسي. ولا بد أن بناءه كان يمثل أكبر مشروع بناء على الإطلاق في فترة حكم الملكة، وعلى عكس كثير من المعابد الأخرى الأبعد جهة الجنوب، يبدو أن معبد إيزيس في الإسكندرية بدأ يستخدم في أثناء حكمها واستمر استخدامه طوال فترة حكم الرومان. يعتبر الجزآن العلويان المتبقيان من التمثال المزدوج الضخم لكليوباترا وابنها، الذي أهدي في الموقع، دليلا على مدى ضخامة للبناء. إن تمثال كليوباترا في صورة إيزيس هو أحد التماثيل المميزة الباقية من فترة حكمها (شكل
4-19 ). كان هذا المعبد مختلفا تماما عن المعبد المخصص ليوليوس قيصر، القيصروم، الذي يقع بالقرب من وسط العاصمة البطلمية القديمة.
شكل 5-1: تمثال من الرخام لكليوباترا السابعة في صورة إيزيس، عثر عليه في معبد إيزيس في روما. أرشيف صور متاحف كابيتوليني.
بدأ العمل في معبد يوليوس قيصر في عهد كليوباترا السابعة لكنها تركته غير مكتمل وقت وفاتها. اهتم أغسطس ، الذي اختاره القيصر ليكون خليفة له، تلقائيا باستكمال المشروع. وبفضل الوصف المفصل للمعبد في منتصف القرن الأول قبل الميلاد، وأعمال التنقيب في الموقع في عامي 1992و1993، أصبحنا نعرف قدرا كبيرا من المعلومات حول الشكل النهائي لهذا المعبد (أمبرور 2002: 112-123). وقبل أعمال أغسطس البنائية، كان المعبد المهدى إلى يوليوس قيصر المؤله يضم مقاما أو مذبحا مخصصا لمارك أنطونيو (أمبرور 2002: 112). وصف فيلون السكندري هذا المعبد الروماني كالتالي: «لا توجد في أي مكان آخر ساحة مثل التي يطلق عليها السباستيوم، وهو عبارة عن معبد للقيصر (أغسطس)، راعي البحارة، يوجد على مكان مرتفع من الأرض في مواجهة المرافئ ... يتكون من فناء ضخم مزين بأروقة معمدة ومكتبات وقاعات لإقامة الولائم وبساتين وبوابات على الطراز الإغريقي ومحاكم واسعة وغرف مفتوحة.» جلب أغسطس أيضا مسلتين من هليوبوليس، من معبد مهجور يقع بالقرب من مطار القاهرة الحديث (هاباتشي 1987: 152-182)، تعرف حاليا باسم مسلات كليوباترا. توجد حاليا المسلات التي تعود إلى عهد تحتمس الثالث على ضفاف نهر التيمز في لندن وفي حديقة سنترال بارك في نيويورك.
تشير أعمال التنقيب (أمبرور 2002: 115-117) إلى أن المعبد ظل يستخدم كدار للعبادة مخصصة للديانة الملكية في أواخر القرن الثاني الميلادي. وفي القرن الرابع الميلادي أصبح موقعا لكاتدرائية مسيحية (أمبرور 2002: 116-117). ربما ما زال في وسع هذا الموقع الضخم منحنا المزيد من المعلومات حول وقت تطوير وهدم المباني الموجودة في هذه المنطقة من المدينة وكيفية حدوث ذلك.
ذكر سترابو أن القصور الملكية كانت توجد على طول شاطئ البحر، على الأرجح لأن هذا كان الموقع الأفضل في المدينة، لا سيما في ظل الرطوبة التي يتسم بها فصل الصيف في الإسكندرية. إن موقع الكورنيش الحديث حاليا على الواجهة البحرية لا يمت بصلة لموقع الشاطئ أثناء حكم البطالمة، فحاليا توجد قصور البطالمة تحت سطح البحر وتحت الكتل الإسمنتية الضخمة التي وضعت لتعمل كحواجز للأمواج. في عام 1995 أعلن عن اكتشاف فريق من علماء الآثار الغارقة لقصور كليوباترا. وقد استنتجوا هذا عقب التعرف على تمثالين لأبي الهول من الجرانيت، يقال إنهما كانا يحملان ملامح وجه والد كليوباترا (تحرير جوديو وكلاوس 2006: 56؛ كيس 1998: 169-188). عثر على تمثالي أبي الهول هذين مع تمثال لكاهن روماني يحمل تمثالا للإله أوزوريس-كانوبوس. وكما أشار الإعلان الأول عن هذه القطعة بالذات، فإن هذا النوع من التماثيل لم يصنع إلا في العصر الروماني (دونو 1998: 189-194). كذلك أرى أن الأدلة على هوية تمثالي أبي الهول هذين ضعيفة للغاية؛ فإن ملامح وجههما أقرب للشبه بالشكل العام لأبي الهول الذي ظهر في أوائل عصر الرومان (أشتون 2002ب)، ولا يشبه ملامح الوجه المميزة لوالد كليوباترا. كما أن تحديد تاريخ مجمع المباني هذا لا بد أن يتسم بمزيد من الحرص؛ فإن الأدلة تشير إلى أن هذه البقايا المادية يرجع تاريخها إلى أوائل عهد الرومان أكثر من انتمائها إلى عصر كليوباترا السابعة بالذات كما أشير.
لقد خصص قيصر نفسه قبرا لبومباي، القائد الروماني الذي قتل على يد بطليموس الثالث عشر والذي قدم رأسه إلى قيصر، عقب نزوله إلى الإسكندرية مباشرة عام 48 قبل الميلاد. لكن بحلول زيارة الإمبراطور هادريان إلى العاصمة المصرية عام 130 قبل الميلاد كان هذا القبر قد تهدم. وقد أمر هادريان بترميمه وأعاد افتتاحه. (3) القصص والتصورات
رأى الكتاب الرومان أن الانحلال الأخلاقي في البلاط الملكي البطلمي وإغراقه في الرفاهية كان أمرا شائنا. اعتبرت السلالات الهلنستية الترف إحدى السمات الإيجابية (سميث 1988: 52)، لكن كثيرا من المحللين الرومان أظهره على أنه أحد أسباب سقوط أنطونيو (بلوتارخ «حياة أنطونيو» 28). كان البلاط البطلمي وكل ما يرمز إليه يتناقض بشدة مع نمط الحياة المتواضع نسبيا الذي اتبعه أوكتافيان. ويبدو أن الكتاب الذين جاءوا فيما بعد لم يهتموا بحقيقة أن البيت الإمبراطوري الروماني قد تطور ليصبح نموذجا يتفوق بالفعل في بذخه على البلاط البطلمي.
حتى قيصر انبهر بثراء كليوباترا، وهو ما قد يفسر إلى حد ما كيف أسرت الملكة هذا القائد الروماني (لوكان، «فرساليا» 123-200). يتناول جزء كبير من قصيدة لوكان الانحلال الناتج عن الإغراق في الترف في مصر: «كانت العوارض مكسوة بطبقات من الذهب؛ ولم توجد أية ألواح خشبية رقيقة على الجدران، إنما بنيت من كتل صلبة من الرخام تضيء القصر» (ترجمة جويس 1993: 135-138). أكملت عوامل مثل: وجود عبيد من عدة بلدان واستخدام خمر ولحم حيوانات مقدسة في مصر، عملية الانهيار (150-200).
يشير بليني الأكبر إلى الترف الموجود في البلاط البطلمي عبر ذكر امتلاك كليوباترا أكبر لآلئ في التاريخ بالإضافة إلى الوليمة التي أقامتها مع مارك أنطونيو. يقال إن كليوباترا زعمت أنها كانت تنفق 10 مليون سستركة (عملة رومانية قديمة) في الوليمة الواحدة. يصف بليني هذا فيقول:
بناء على تعليمات سابقة وضع الخدم أمامها وعاء واحدا يحتوي على الخل، من أقوى الأنواع الذي بإمكانه إذابة اللآلئ. وكانت في ذلك الوقت ترتدي في أذنيها تلك اللآلئ الرائعة والفريدة التي ابدعتها الطبيعة. كان الفضول يسيطر على أنطونيو ليرى ماذا ستفعل. خلعت أحد قرطيها وأسقطت اللؤلؤة في الخل وعندما ذابت شربته.
تبدو هذه القصة خيالية بوضوح ويقال إن الخل قد استخدم حتى تسهل استعادة اللؤلؤة (التاريخ الطبيعي 11، طبعة لوب: 224 قسم 121). ومع ذلك تظل هذه القصة موجودة كمثال على فساد البلاط البطلمي. يستخدم بليني هذه الفرصة ليعلق قائلا: إن هذا الرهان لم يكن المعركة الوحيدة التي خسرها أنطونيو.
في المجلد الرابع، الفصل 29 يذكر أثينوس أن مصدره في رواية هذه القصة كان سقراط الرودسي الذي سرد في مجلده الثالث من كتاب «الحروب الأهلية» صور الضيافة التي قدمتها آخر ملكة لمصر. كان من بين الهدايا التي قدمتها إلى ضيوفها تماثيل إثيوبية تحمل المصابيح وأثاثا من الوليمة وأطباقا من التي تناولوا طعامهم فيها (6. 299ج). وعندما أدركت كليوباترا أن الرومان كانوا يراقبون نمط حياتها الباذخ، تحولت من استخدام أدوات المائدة المصنوعة من الذهب والفضة إلى استخدام «أدوات المائدة العادية»؛ مما يوحي بأن استخدام أدوات المائدة الذهبية والفضية كان القاعدة (طومسون 2003: 83-84).
أعاد بلوتارخ («حياة أنطونيو» 28) سرد ذهول الطبيب فيلوتاس من أمفيسا عند رؤيته لكم الطعام الذي يعد من أجل وليمة ملكية صغيرة في المدينة. تحتوي هذه الفقرة أيضا على إشارة إلى رابطة محبي الحياة المتفردين، التي ترأستها كليوباترا ومارك أنطونيو. ومن المثير للدهشة بقاء قاعدة تمثال حتى الآن تسجل وجود هذه الرابطة (انظر فيما يلي).
بالنسبة للكتاب والمؤرخين الرومان كان مفهوم الترف مرادفا لأسلوب كليوباترا الأناني في التعامل مع من حولها. كتب يوسيفوس في كتابه «آثار اليهود القديمة» 14-15: «لم تكن تلك المرأة المسرفة تكتفي بشيء؛ فقد كانت شهيتها تتحكم فيها حتى إن العالم بأكمله لم يستطع إرضاء رغبات خيالها.» وبعد وصفه كيف قتلت كليوباترا معظم أفراد أسرتها، قال يوسيفوس أيضا (4. 1. 88):
من أجل أي قدر من المال يوجد أمل ضئيل في حيازته، كانت تنتهك المعابد والقبور على حد سواء، فلم يكن يحترم أي مكان مقدس بحيث تحذر إزالة أثاثه، ولم يسلم أي مكان غير ديني من المعاناة بشتى الطرق المحظورة ما دام يوجد احتمال أن يرضي جشع تلك المرأة الشريرة. إجمالا، لم تكن تلك المرأة المسرفة تكتفي بشيء، فقد كانت شهيتها تتحكم فيها حتى إن العالم بأكمله لم يستطع إرضاء رغبات خيالها. (4) العلم في عصر كليوباترا
من المهم أن نتذكر أن الإسكندرية في عهد كليوباترا كانت مدينة يسودها السخط وتعج بالمشكلات وتعاني من الاحتلال. تظهر الإشارات إلى السنوات الأولى في حكمها المشترك مع بطليموس الثالث عشر أن الحرائق التي كان الرومان يشعلونها من أجل إعادة السيطرة على المدينة دمرت جزءا كبيرا من المنطقة التي كانت تشكل وسط المدينة. دمرت هذه الحرائق كذلك مكتبة الإسكندرية الشهيرة. كانت المدينة في وقت من الأوقات موقع جذب للعلماء من كافة أنحاء العالم الإغريقي، وفي أوائل فترة حكم البطالمة حظي كثير من الشعراء وكتاب المسرحيات والعلماء والفلاسفة وعلماء الرياضيات المشاهير برعاية الأسرة الحاكمة البطلمية كجزء من الموسيون. ولت هذه الأيام قبل سنوات طويلة من حكم بطليموس الثاني عشر وكليوباترا السابعة. ومع ذلك، يوجد بعض الأدلة على حدوث نهضة في أثناء السنوات الأخيرة من عهد البطالمة، ربما حثت أنطونيو على تعويض محتويات المكتبة المدمرة من خلال إهداء كليوباترا مخطوطات مكتبة مدينة بيرجامون، التي توجد حاليا في تركيا الحديثة، والتي كانت إحدى المكتبات المنافسة لمكتبة الإسكندرية في وقت ما (بلوتارخ «حياة أنطونيو» 58؛ فريزر 1972: المجلد الأول، 335 والمجلد الثاني ، 494 رقم 299). كان الموسيون لا يزال مركزا للفلاسفة في أثناء السنوات الأخيرة من حكم البطالمة، وللباحثين أمثال يودوروس الذي كتب تعليقات على أعمال الفلاسفة الأوائل (فريزر 1972: المجلد الأول، 334-335). وكتب آخرون مثل بوتامون السكندري وأنيسيديموس من كنوسوس عن مفاهيم فلسفية جديدة وطرحوا بعضا منها (شوفو 2000: 174). وعلى عكس الفترات المبكرة التي كان فيها العلماء تحت سيطرة البيت الملكي، بدا أن الأكاديميين في الإسكندرية في عهد كليوباترا لم يكن لديهم أي التزام تجاه حكامهم (شوفو 2000: 175).
رافق أيضا الفيلسوف السكندري ديون، الذي لعب دورا مهما في نفي بطليموس الثاني عشر، كليوباترا إلى روما وأصبح معلم أوكتافيان. لم يعد ديون إلى مصر إلا عقب هزيمة كليوباترا ويقال إنه حث تلميذه السابق على إعدام بطليموس قيصر. كذلك غير آخرون مثل فيلوستراتوس، الذي كان أحد مستشاري كليوباترا، ولاءهم عقب وفاتها (شوفو 2000: 175). (5) خارج العاصمة
تحدثنا بالتفصيل في مواضع أخرى في هذا الكتاب عن معابد وصور كليوباترا في سياق الحديث عن دورها كحاكمة ووصية على العرش وإلهة. وربما تجدر بنا الإشارة إلى تطور إهداءات كليوباترا عبر أدوارها المختلفة وتلخيص ما نسب إليها من حيث سياساتها الدينية وتوجهاتها السياسية. وعلى الرغم من عدم وجود آثار مادية لكليوباترا في مدينة ممفيس، يبدو على الأرجح أنها استمرت في السعي للحصول على النصح والدعم من الكهنة هناك بالطريقة نفسها التي كون والدها بها علاقة وطيدة مع ذلك الكيان على وجه الخصوص. خارج الإسكندرية، كانت إهداءات كليوباترا الأساسية تتمركز جميعها في صعيد مصر. وكما أشرنا، كان كثير من هذه الإهداءات في مواقع بدأ بطليموس الثاني عشر بناءها، لكن الملكة أظهرت ولاءها الشديد إلى ابنها ومستقبل سلالتها؛ فبدلا من ربط نفسها بوالدها، أظهرت زخارف المعابد في دندرة وأرمنت رسوما زخرفية تروج لابن كليوباترا. وكانت عقيدتها بالطبع يحتفى بها في جميع المعابد المصرية، كما تشير الكتابات على جدران معبد إيزيس في جزيرة فيلة، التي تشير إلى أن تمثال كليوباترا الموجود هناك أعيد طلاؤه بالذهب (كواجبر 1988: 41).
بالطبع لم تقصر كليوباترا رعايتها على المشروعات الجديدة في الإسكندرية فحسب، فيشير لوح مهدى إلى ثور بوخيس أن الملكة كانت تهتم شخصيا بالشعائر المصرية. وكما أشرنا من قبل، يقال إن الملكة أوصلت ثور بوخيس الجديد بالقارب إلى موطنه؛ مما يشير إلى أنها كانت موجودة ربما حتى على القارب الذي نقل هذا الإله الجديد. ومع ذلك، من غير المعروف إلى أي مدى كانت لغة التعامل هذه مجرد لغة نمطية. تحدثنا بالفعل عن الزخارف الموجودة على معبد حتحور في دندرة ببعض التفاصيل، وكذلك المشروعات الأصغر حجما في أرمنت وقفط التي تحمل قيمة كبيرة أيضا نظرا لأهميتها الدينية. ومن الجدير بالذكر أن كليوباترا، على عكس والدها وأسلافها، لا توجد آثار لها في الكرنك، الذي يمثل أكبر تجمع للمعابد في مصر وأكثرها تأثيرا.
كما أشرنا من قبل، يقال إن كليوباترا اصطحبت قيصر إلى أعالي النيل لرؤية مصر العليا ومعابدها. ويمكن تفسير هذه الرحلة بطريقتين؛ أولا: أن كليوباترا أرادت أن تظهر للقائد الروماني ثراء دولتها وتراثها هي أيضا. أو ثانيا: أن الرومان أرادوا تأكيد سلطتهم وسيطرتهم على مصر. وربما تكون الحقيقة مزيجا من التفسيرين معا. قال سويتونيوس («يوليوس قيصر المؤله» 52. 1): إن القيصر لم يسمح لجيشه بالذهاب معه وإنه أبحر مع كليوباترا حتى وصلا تقريبا إلى إثيوبيا (التي تعني على الأرجح السودان/النوبة).
ظلت مدينة بطلمية أو «بسوي» المصرية تحتفظ بمكانة مهمة حتى نهاية عصر البطالمة. قال سترابو إنها كانت أكبر قرية في طيبة وفي نفس حجم ممفيس (17. 1. 42. 46)، ويقدر أنه كان يعيش فيها نحو 50 ألف شخص (طومسون 1988: 50). وحاليا، لا يوجد إلا عدد قليل من الآثار الباقية الظاهرة في الموقع، الموجودة بالقرب من مدينة سوهاج الحديثة. كانت هذه المدينة مركزا إداريا في جنوب مصر، وتصدق على ذلك بالفعل الوثائق التي تعود إلى العصر البطلمي. فقد الموقع أهميته في أثناء الاحتلال الروماني، لكنه ظل مأهولا. ومن المثير للاهتمام أن نعرف هل هذه المدينة إغريقية الشكل أم مصرية الشكل، خاصة عقب الاكتشافات الأخيرة لمنحوتات وأشكال معمارية على الطراز المصري في الإسكندرية نظيرتها الشمالية. تعبر هاتان المدينتان الإغريقيتان معا عن دور كليوباترا بوصفها سيدة الدولتين. ما زلنا لا نعرف هل كانت المدينة الجنوبية، بالإضافة إلى المعابد المصرية التقليدية، تحظى برعاية الملكة، ولا يمكن تحديد ذلك بدقة إلا من خلال المزيد من البحث في الموقع والبقايا الموجودة فيه.
الفصل السادس
كليوباترا الإلهة
(1) تطور السياسات الدينية في عهد ملكات البطالمة
في سياق هذا الكتاب يبدو من الملائم أكثر استعراض التطورات الدينية التي حدثت في عهد سيدات الأسرة الحاكمة (لمزيد من المعلومات انظر أشتون 2003أ: 115-142). عقب وفاة بطليموس الأول وبرنيكي الأولى أعطاهما ابنهما بطليموس الثاني صفة الآلهة. وتأسست عقيدتهما؛ عقيدة الآلهة المخلصة (سيوي سوتيريس) في الإسكندرية، لكنها كانت منفصلة عن عقيدة الإسكندر. في الواقع لم ترتبط عقيدة الآلهة المخلصة بعقيدة الإسكندر التي كانت العقيدة الرئيسية للأسرة الحاكمة إلا في عهد الإصلاحات التي أدخلها بطليموس الرابع (هولبل 2001: 169-170؛ فريزر 1972: المجلد الأول، 218)، عندما بني قبر جديد للإسكندر وبني هرم فوقه (لوكان
vii ، 692-699؛ فريزر 1972: المجلد الأول، 16؛ المجلد الثاني 35 رقم 83)، وكانت هذه العقيدة ذات طابع إغريقي. فكان كاهن الإسكندر والبطالمة فيما بعد، مع كاهنات الملكات المختلفات يستخدمون في جميع صيغ التأريخ الرسمية والقانونية. أما عقيدة الأسرة المصرية الحاكمة، التي تظهر في المعابد المصرية والسياقات الأخرى، فكانت ذات كيان مختلف تماما. يوضح نقش بارز في معبد حورس في إدفو تسلسل عقيدة أسرة البطالمة الحاكمة جيدا (شكل
6-1 ).
شكل 6-1: نقش بارز يظهر العقائد الملكية، معبد حورس في إدفو.
كانت أرسينوي الثانية أول سيدة بارزة في هذه الأسرة، فكانت أخت بطليموس الثاني وزوجته الثانية وحكمت مع أخيها منذ نحو عام 275 حتى 270 قبل الميلاد. وقد ظهرت عقيدة ثانية للحاكمين بطليموس الثاني وأرسينوي الثانية وهي الآلهة الإخوة (ثيوي أدلفوي) وارتبطت، على عكس عقيدة والديهما، بعقيدة الإسكندر الملكية السكندرية. أسس بطليموس الثاني عقب وفاة أخته عبادة خاصة بأرسينوي الثانية تمثلها كاهنة خاصة تدعى كانيفوروس وتحمل سلة، وقد انضمت إلى عقيدة الإسكندر الملكية. افتتحت معابد جديدة لأرسينوي في الإسكندرية والفيوم وأماكن أخرى في مصر. كذلك بنيت معابد أخرى لها في ممتلكات البطالمة خارج البلاد؛ فعلى سبيل المثال، خصص بطليموس الثاني معبدا مستديرا لأخته في جزيرة ساموثريس في اليونان. تظهر أرسينوي في الزخارف البارزة في معبد الإلهة المصرية إيزيس في فيلة (شكل
6-2 ) بصفتها عضوا مكتملا في أسرة الآلهة العظماء المصريين. تظهر واقفة خلف إيزيس وتتسلم القرابين من أخيها وزوجها بطليموس الثاني، وترتدي تاجها المميز وكتب اسمها باللغة الهيروغليفية داخل خرطوشة. تظهر الإشارات النصية أن معابد الملكة في الفيوم كانت مميزة عن معابد الآلهة الإخوة (كواجبر 1988: 43-44؛ فريزر 1972: المجلد الأول 228). وبالإضافة إلى المعابد الخاصة بهذه الآلهة الجديدة، شاركت تلك الآلهة في معابد الآلهة الأخرى. كان الإله المشارك في المعابد يظهر داخل المعابد المخصصة للآلهة الرئيسية الأخرى. كانت هذه وسيلة موفرة لتأسيس عقيدة جديدة بدلا من بناء معابد جديدة. هذا ويخصص كاهن لهذه العقيدة أو يشرف عليها الكهنة الموجودون بالفعل بدلا من بناء معابد جديدة على شرف الإله الجديد. كذلك كانت تسمى قرى على اسم هذه الآلهة الجديدة .
شكل 6-2: نقش بارز يظهر أرسينوي الثانية، معبد إيزيس في فيلة.
في صيغ التأريخ يشير بطليموس الثالث دوما إلى الآلهة الإخوة على أنهما والداه، رغم أن أرسينوي الأولى كانت والدته؛ فيمكننا رؤية تقبله السريع لهذه الملكة واستعداده للارتباط بها واضحا على البوابة الموجودة أمام معبد خونسو في الكرنك (شكل
6-3 )، التي يظهر عليها بطليموس الثالث وهو يقدم القرابين إلى والده بطليموس الثاني وعمته وزوجة أبيه أرسينوي الثانية. في القرن الثاني قبل الميلاد، عقب وفاة بطليموس السادس استمرت كليوباترا الثانية في الحكم مع بطليموس الثامن لكن الملك اتخذ زوجة ثانية، وهي كليوباترا الثالثة ابنة أخته كليوباترا الثانية. في عام 132 / 131 قبل الميلاد نظمت كليوباترا الثانية ثورة ضد أخيها ونصبت نفسها ملكة على مصر العليا، ومنحت نفسها ألقاب الملكة كليوباترا، الإلهة المحبة لوالدتها (فيلوميتور)، والمخلصة (سوتريا)؛ ومن ثم أعادت إحياء اللقب الذي استخدمته مع بطليموس السادس (وايتهورن 1994: 118).
شكل 6-3: نقش بارز من بوابة خونسو، الكرنك.
رفعت كليوباترا الثالثة مكانتها الإلهية لمكانة أعلى من تلك التي كان مسموحا بها للملكات الأخريات من قبلها (أشتون 2003أ: 126، 138-142). تشير صيغ التأريخ المذكورة على أوراق البردي إلى أنها كانت تعتقد نفسها تجسيدا لإيزيس. تولت كذلك أدوارا كهنوتية، فنصبت نفسها كاهنا لعقيدة الإسكندر، وهو دور كان يؤديه عادة الحاكم الذكر. خصصت الملكة خمسة كهنة سكندريين من أصل تسعة لعقيدتها الشخصية (هولبل 2001: 280، 285). كذلك تعكس صورتها تعبيرا طموحا عن سلطتها الفردية؛ إذ تحتل مركز السيادة في المشاهد الموجودة على النقوش البارزة، وهي تقف أمام ابنها بطليموس التاسع، في مشهد لتقديم القرابين في معبد الكرنك (كواجبر 1988: 51، رقم 60) وفي بيت الولادة في دير المدينة (شكل
4-8 ). عبرت كذلك عن سلطتها من خلال المنحوتات، التي تظهر فيها بملامح ذات طابع ذكوري أكبر. تنطبق هذه الملحوظة على تماثيلها على الطراز الإغريقي والمصري (تحرير ووكر وهيجز 2001: 59-60). ومع ذلك، ليس من الواضح هل كان هذا مجرد محاكاة لملامح وجه شركائها الذكور في الحكم أم أنه كان تعبيرا عن سلطتها الشخصية وأحد أساليب تصويرها على نحو ذكوري مناسب أكثر (أشتون 2001أ: 44؛ 2003أ : 140-141). لا يبدو أن ملكات البطالمة شعرن بوجه عام بالاضطرار إلى الظهور بمظهر فرعون ذكر من أجل تعزيز سطلتهن؛ فقد كانت رفعة المكانة تتحقق من خلال تحويل الألقاب الذكورية إلى أنثوية، على سبيل المثال لقب «أنثى حورس»، الذي استخدمته برنيكي الثانية، وهي ملكة من الواضح أنها لم تتمتع بقوة سياسية أو دينية إلا عقب وفاتها (أشتون 2003أ: 79-81، 112-113). (2) كليوباترا السابعة في مصر
ظهرت عدة طرق لتأليه حكام البطالمة؛ في البداية كانوا يرتبطون بأحد الآلهة المعروفة، وكانت هذه أبسط الطرق لرفع المكانة الملكية. وكان هذا الإجراء الاحترازي ضروريا في العالم الإغريقي، حيث لم تكن فكرة وجود آلهة على قيد الحياة تحظى بقبول على نطاق واسع. وبالطبع كان الإسكندر الأكبر الاستثناء الوحيد لهذه القاعدة، رغم أنه من غير المعروف يقينا إن كان هذا الحاكم قد صور نفسه على أنه إله بين الإغريق في أثناء حياته أم لا (سميث 1988: 39، 40، 110). منذ عهد بطليموس الثاني حدث ترابط وثيق بين الحاكم الحالي ووالديه المتوفين من خلال إنشاء عبادة خاصة بهما بعد موتهما. تقبل الناس المكانة المقدسة للبطالمة وساد تبجيلهم في عقيدة ملكية كانت تشمل الزوجين الحاكمين وأسلافهما. بالمثل في حالة السيدات، كانت الحاكمة تمنح عقيدة خاصة بها، وكان هذا يحدث بعد الوفاة في القرن الثالث قبل الميلاد. ومع ذلك، بداية من حكم كليوباترا الأولى، أصبح الحكام يعترف بهم كآلهة وهم لا يزالون على قيد الحياة، ولم تكن هذه الحاكمة فحسب أول من يطلق عليها اسم كليوباترا، وإنما كانت أيضا أول سيدة من الأسرة الحاكمة تشغل بنجاح منصب الوصاية على العرش وتقدس على أنها أحد الآلهة في فترة حياتها (أشتون 2003أ: 129).
أدت كليوباترا السابعة بوصفها حاكمة مصرية دورها المقدس وكانت وسيطا بين الآلهة المصرية التقليدية والشعب. اشتملت هذه الوظيفة على عدد من المسئوليات المهمة وتطلبت إدارة جيدة للكهنة المصريين. ويبدو أن كليوباترا كانت تأخذ منصبها هذا على محمل الجد ومارست بحماس دورها كحاكمة وإلهة مقدسة في الوقت نفسه.
ظهرت الملكة في صورة شخصية مقدسة منذ بداية حكمها؛ ففي لوح يرجع إلى العام الأول من حكمها الفردي (بيانشي 1988: 188-189، رقم 78؛ تحرير ووكر وهيجز 2001: 156-157) تلقب ب «ثيا» ما يعني باليونانية الإلهة. أهدي هذا اللوح باسم كليوباترا وكتب عليه: «باسم الملكة كليوباترا، الإلهة، المحبة لأبيها، إلى مكان الارتباط (المقدس) بسنونياتياك (إيزيس)، التي يكون رئيسها هو الكاهن الرئيسي (ليسونيس) أونوفريس. السنة الأولى، 1 أبيب (2 يوليو، 51 قبل الميلاد)» (رولاندسون (تحرير) 1998: 37-38). كما أشرنا، انصب الاهتمام على الصورة الموجودة في أعلى هذا النقش البارز؛ وهي لفرعون ذكر يقدم القرابين إلى إيزيس وحورس. في السابق كانت سيدات الأسرة الحاكمة، مثل زوجات الإله آمون (انظر الفصل الثالث) يظهرن وهن يرتدين غطاء الرأس الملكي على شكل نسر. لا يبدو أن الأمر ينطبق طوال الوقت على كليوباترا السابعة؛ إذ تشير ألقابها إلى عدم وجود شك فيما يتعلق بمكانتها المقدسة؛ ومع ذلك تظهر الملكة في معظم تماثيلها وصورها في صورة حاكمة وليست إلهة. وسنتحدث عن استثناءات هذه القاعدة بمزيد من التفصيل فيما يلي. (3) ألقاب كليوباترا المقدسة
عبرت ألقاب كليوباترا الإغريقية عن مكانتها المقدسة؛ فقد كانت الألقاب الإغريقية أكثر مرونة من نظيرتها المصرية، رغم تمكن الكهنة المصريين من كتابة الألقاب الإغريقية مثل «المحبة لأبيها» بالحروف الهيروغليفية، تماما مثلما كتبوا اسم «قيصر» فيما بعد، فلا يبدو أنهم استخدموا لقب «إيزيس الجديدة» وفضلوا استخدام الألقاب المتعارف عليها بالفعل (الفصل الرابع). كذلك لم يكن من الضروري إطلاق لقب الإلهة على كليوباترا؛ فقد كانت مكانتها كحاكمة لمصر تشير إلى أنها كانت شخصية مقدسة وفقا للديانة المصرية التي صورتها على أنها أنثى حورس. كذلك كانت الآلهة التي ارتبطت بها أسماء كليوباترا طوال الوقت هي الآلهة التي ارتبطت بها أرسينوي الثانية من قبل. أتاحت لنا هذه العلاقات، بالإضافة إلى برنامجها في بناء المعابد، إدراكا عميقا نسبيا لانتماءات كليوباترا الدينية.
أشرنا من قبل إلى الألقاب المصرية التي اتخذتها كليوباترا عند حديثنا عن دورها كحاكمة. كان معظم هذه الألقاب يتعلق بدورها كحاكمة وسيدة بارزة في الأسرة الحاكمة، ومع ذلك يصفها أحد الألقاب بابنة جب (تروي 1986: أ1 / 7)، وهو لقب استخدمته أرسينوي الثانية، التي ارتدت تاجا على شكل الإله جب. تظهر كليوباترا السابعة مرتدية التاج نفسه على لوح موجود في متحف تورينو (أشتون 2001أ: 48)، وعلى نقش بارز واحد على الجدران الداخلية لمعبد حتحور في دندرة (شكل
4-14 ).
كما أشرنا، عند الحديث عن ألقاب كليوباترا الإغريقية كان يطلق عليها «ثيا نيوتيرا» (الإلهة الأحدث). وقد اتخذت الملكة لقبا أطول وهو «ثيا نيوتيرا فيلوباتور كيا فيلوباتريس» (الإلهة الأحدث، المحبة لأبيها وبلدها) في العام السابع عشر من حكمها (بينجن 2007: 76). ويعتقد أن استخدام لقب الإلهة الأحدث ارتبط بكليوباترا. (4) تماثيل كليوباترا المقدسة
استمرت عقيدة كليوباترا الشخصية حتى عام 373 ميلاديا، لما يقرب من 350 عاما بعد وفاتها، كما تشير العبارة المنقوشة بالديموطيقية التي تقول: «لقد غطيت تمثال كليوباترا بالذهب» (كواجبر 1988: 41). كان هذا التمثال الديني تمثالا خشبيا صغيرا وكان يعتبر إلها لا مجرد تجسيد للملكة. وكحال كثير من أسلافها كانت كليوباترا السابعة إلهة تشارك الآلهة الآخرين معابدهم. يوجد تمثالان خشبيان صغيران لشخصية دينية تحمل خرطوشة كتب عليها اسم كليوباترا باللغة الهيروغليفية (أشتون 2001أ: 65، 2. 3 و102-103، دليل الصور 41؛ بيانشي 2003: 16-17، الصور 2-3). التمثال الأول، الذي يوجد حاليا في متحف سياتل للفنون، هو تمثال مكتمل ملون يبلغ طوله 30 سنتيمترا في شكل سيدة جالسة ترتدي رداء مربوطا أسفل الصدر، يظهر حلمتي الثدي بطريقة غير مسبوقة. ترتدي الإلهة في هذا التمثال شعرا مستعارا وتاج حتحور/إيزيس في شكل قرص الشمس وقرني البقرة، وتوجد بقايا رأس الكوبرا على جبهته.
أما التمثال الثاني، الذي كان في السابق ضمن مجموعة ستافورد، فهو أكبر حجما ويصل طوله إلى 23 سنتيمترا ويتكون من رأس وكتفين فقط. ويتضمن زخارف منحوتة ولا توجد عليه آثار لأية أصباغ على السطح. يرتدي التمثال ياقة وشعرا مستعارا مصففا وقاعدة تاج في شكل دائرة من رءوس الكوبرا. يوجد على جبهة التمثال رأسان للكوبرا يرتدي أحدهما تاج مصر العليا والآخر تاج مصر السفلى وفي المنتصف يوجد رأس نسر مصنوع من سبيكة النحاس. صنعت العينان من الكالسيت ومما قيل إنه حجر اللازورد، ولكنه قد يكون زجاجا أزرق. يوجد شك في محله حول أصالة الكتابات المنقوشة وكذلك التماثيل نفسها، لكن ربما يقدم هذان الشكلان الخشبيان فكرة عن الشكل الذي كان عليه تمثال فيلة الديني الذي ذكر في الكتابة الديموطيقية الموجودة على الجدران عن كليوباترا السابعة.
توجد مجموعة من التماثيل الحجرية التي ربما تعبر عن كليوباترا السابعة بصفتها واحدة من الآلهة. تتميز هذه المجموعة عن التماثيل المذكورة في الفصل الرابع بأنها تحمل ملامح على الطراز الإغريقي، فتوجد بها واحدة أو أكثر من السمات الآتية: الشعر المستعار المجعد، قرن الوفرة، الرداء الفضفاض ذي الطيات. ترتدي هذه التماثيل أيضا رداء من نوع فريد، يتكون من جزأين ويربط إما فوق الصدر أو في منتصفه. إن هذا الشكل من الملابس مصري الطراز (بيانشي 1980)، لكنه يظهر أحيانا بشكل من الطيات التي يشيع وجودها أكثر في التماثيل المصنوعة على الطراز الإغريقي. استخدم هذا النوع من التماثيل في العصر الروماني للإشارة إلى الإلهة إيزيس (أشتون 2004أ: 49-50). إن السبب الذي يدفعنا إلى اعتقاد كون هذه التماثيل تصويرا دينيا وليس ملكيا هو وجود تماثيل منقوشة أقدم تتخذ هذا الشكل، ويرد فيها لقب «الإلهة» بعد اسم الملكة مثل التمثال سابق الذكر لأرسينوي الثانية الموجود حاليا في متحف ميتروبوليتان في نيويورك (شكل
4-3 )؛ (ووكر وهيجز 2001: 166-167، رقم 166؛ انظر أشتون 2001أ: 45-53، للاطلاع على مناقشة لهذه المجموعة من التماثيل).
شكل 6-4: تمثال رخامي لكليوباترا السابعة، متحف متروبوليتان، نيويورك.
يمكن ربط المثال الأول من التماثيل الخشبية سابقة الذكر بكليوباترا بسبب وجود خرطوشة كتب عليها اسمها بالهيروغليفية. لا يوجد مصدر معروف للتمثال (شكل
6-4 ) وهو موجود حاليا في متحف متروبوليتان للفنون في نيويورك (ووكر وهيجز 2001: 165، رقم 164؛ أشتون 2001أ: 41-42، 116-117، رقم 65، دليل الصور رقم 64؛ ستانويك 2002: 80، 125، إي14). إن حجم هذا التمثال أصغر بقليل من التماثيل الأخرى على الطراز المصري المنسوبة للملكة، التي تظهرها في صورة حاكمة/ملكة. صنع هذا التمثال من رخام جزيرة مرمرة، وهو نوع شاع استخدامه في الإسكندرية في عهد الرومان (أشتون 2001أ: 49 رقم 266). مثل التماثيل الأخرى، يحتوي هذا التمثال على عمود خلفي طويل كان يدعم تاجا في الأصل. تمسك يد التمثال اليسرى بقرن وفرة واحد واليد اليمنى تتدلى بكف مفتوحة على غير المعتاد على جانب الجسم بدلا من الإمساك بما يعرف باسم العمود الغامض حسب الأسلوب المصري المعتاد. ومثلما حدث مع التمثالين الخشبيين أثيرت شكوك حول أصالة هذه الخرطوشة (بيانشي 2003: 17-18) بناء على اتجاه العلامات وشكل العلامة الرابعة، التي كان يجب أن تظهر في شكل وهق (حبل لصيد الحيوانات) ولكنها ظهرت فعليا في صورة ثعبان؛ ومن ثم ربما تكون الخرطوشة إضافة حديثة كتبت في وقت لاحق. يظهر الشبه بالملكة في هذا التمثال أكثر من القطعة المكسورة الموجودة حاليا في متحف بروكلين للفنون (شكل
6-5 ؛ ووكر وهيجز 2001: 164، رقم 163؛ أشتون 2001أ: 49-50، 116-117، رقم 64؛ ستانويك 2002: 80، 124-125، إي14). صفف الشعر على نحو مماثل في كلا التمثالين؛ فهو مجموعة من الخصلات المجعدة تضم صفا من الشعر المجعد على شكل حلزون تشكل غرة، مع وجود ثلاثة رءوس للأفعى على إكليل بسيط الشكل. تشبه التجاعيد وشكل الإكليل رءوس كليوباترا الرخامية المصنوعة على الطراز الروماني (هيجز 2001: 203-207)، وصورة الملكة على العملات. كانت العينان في تمثال بروكلين مركبتين في الأصل وكان الشكل العام يعبر عن سيدة شابة، ذات وجنتين مستديرتين، وشفتين ممتلئتين مقوستين إلى الأسفل، وأنف صغير. إن أسلوب نحت هذا التمثال وطرازه مصريان بالكامل. كذلك كان العمود الخلفي يدعم تاجا في وقت من الأوقات. يختلف أسلوب نحت تمثال متحف متروبوليتان إلى حد ما من حيث ملامحه ذات الزوايا الأكثر حدة والمنحوتة بدقة أقل. تختلف عينا الملكة الموجودة في متحف متروبوليتان من حيث إنهما منحوتتان وليستا مركبتين، لكنهما تظلان كبيرتي الحجم على نحو مناسب. كذلك نجد أن فم تمثال متحف متروبوليتان مقوس إلى الأسفل مثل كثير من التماثيل في هذه المجموعة، لكن الشفتين لهما مظهر مشدود أكثر. يشبه استخدام رءوس الكوبرا الثلاثة النظام السائد في مجموعة التماثيل التي تحدثنا عن انتمائها إلى كليوباترا السابعة في الفصل الرابع.
شكل 6-5: تمثال من الحجر الجيري لكليوباترا السابعة، متحف بروكلين. صندوق تشارلز إدوين ويلبور.
من بين مجموعة التماثيل الدينية المقترحة، تجدر الإشارة إلى تمثال آخر له شكل مشابه، بخصلات الشعر المجعدة والرداء المعقود ويرتدي إكليلا. يرجع تاريخ هذا التمثال إلى القرن الأول قبل الميلاد على أساس طرازه وبسبب شكل عموده الخلفي الطويل، الذي يوجد شكل مشابه له في كثير من التماثيل التي تتضمن ثلاثة رءوس أفعى (أشتون 2001أ: 114-115، دليل الصور رقم 62). توجد هذه القطعة حاليا في حديقة المتحف اليوناني الروماني بالإسكندرية وهي إحدى القطع القليلة ذات الأصل المعروف؛ فقد عثر عليها في كانوبس (أبو قير حاليا) شرق الإسكندرية، وهي منطقة ارتبطت بالعاصمة في عهد كليوباترا السابعة. إنه تمثال ضخم الحجم تبلغ المسافة من ركبتيه حتى رأسه نحو 2,35 متر، ونحت من الجرانيت. تعرض الذراعان والصدر إلى ضرر بالغ، ويبدو أن الوجه قد خلع عمدا من الرأس. يوجد وجه من تمثال مشابه حاليا ضمن مجموعة خاصة. توجد أكثر من خصلة مجعدة محفوظة على هذا الوجه مما ينفي إمكانية انتمائه إلى التمثال الموجود بالإسكندرية، لكن حجم هذه القطعة وطرازها يشيران إلى انتمائها إلى تمثال مشابه، بل ربما أنتج في الورشة نفسها. يبدو الرأس بمظهر شاب وتظهر ملامحه على نحو طبيعي أكثر من التماثيل الأخرى المصنوعة على الطراز المصري. يشبه هذا التمثال التماثيل الرومانية لكليوباترا السابعة التي ذكرناها من قبل، خاصة الرءوس الموجودة حاليا في الفاتيكان وبرلين (الشكلان
3-14
و
3-15 ).
شكل 6-6: تمثال من البازلت لكليوباترا السابعة، المتحف المصري، تورينو. حقوق الطبع محفوظة لمتحف تورينو للآثار المصرية.
ثمة تمثال أكثر التزاما بالطراز المصري التقليدي يوجد حاليا في المتحف المصري في تورينو وينسب أيضا إلى كليوباترا السابعة (ووكر وهيجز 2001: 168، رقم 167؛ أشتون 2001أ: 39، 100-101، رقم 38؛ ستانويك 2002: 80، 127، إف5، هو على الأرجح لكليوباترا السابعة). يختلف شكل هذا التمثال عن الأمثلة التي ذكرت من قبل في هذا الفصل، لكنه يظهر الملكة بملامح شابة تشبه ملامح التمثال الموجود في متحف بروكلين؛ فالفم مقوس إلى الأسفل والذقن ناتئ والوجه عريض والوجنتان مستديرتان (شكل
6-6 ). يرتدي التمثال فستانا ضيقا كما يتضح من خط الياقة الرفيعة الموجودة حول الرقبة، وله شعر مستعار مصفف ينسدل على الظهر والكتفين، وفي أعلاه يوجد جناحا نسر (غطاء الرأس المقدس). توجد ثلاثة أشكال على الجبهة؛ رغم أننا نتوقع أن الشكل الموجود في المنتصف هو رأس النسر لكنه يبدو مثل رأس الكوبرا الحامية. وربما تكون هذه الملكة ترتدي ثلاثة رءوس أفعى. في تلك الحالة يصبح إضافة عنصر رابع، النسر، أمرا عبثيا، ونجد إشارة إلى هذا في الشعر المستعار. على قمة الرأس يوجد جزء متبق من قاعدة تاج. يشبه هذا التمثال على وجه الخصوص تمثال بطليموس الخامس عشر الموجود في المعبد المخصص ليوليوس قيصر في الإسكندرية؛ فربما توجد صلة متعمدة بين الاثنين. تحدد أن هذا التمثال ينتمي إلى القرن الثالث قبل الميلاد على أساس ملامح الوجه (ووكر وهيجز 2001: 168-169). لا يضع هذا الاستنتاج في اعتباره الصور التي تستلهم أساليب التصوير القديمة والتي ظهرت مرة أخرى في عهد كليوباترا السابعة. يظهر تفرد هذا التمثال أيضا في عدم وجود أمثلة أخرى لتماثيل ملكات البطالمة تستخدم النسر التقليدي من أجل التعبير عن أن هذه الصورة تنتمي لأحد الآلهة؛ فلا يظهر غطاء الرأس الذي يحتوي على شكل النسر إلا في النقوش البارزة الموجودة في معبد الراحلة أرسينوي الثانية (شكل
6-2 ). (5) إيزيس
كما أشرنا، فإن جدة كليوباترا السابعة الكبرى، كليوباترا الثالثة، كانت تعتقد أنها تجسيد حي للإلهة إيزيس (أشتون 2003أ: 118-119). كانت هذه هي المرحلة الثانية في تطور إضفاء صفة الألوهية على نساء أسرة البطالمة الحاكمة. وكما أشرنا، فقد أدت جدية اعتقاد كليوباترا الثالثة أنها واحدة من الآلهة إلى تخصيص عدد من الشعائر لعبادتها وحدها. كانت هذه السيدة ذات نفوذ، حتى إنها كانت تظهر أمام ابنها على جدران بيت الولادة في دير المدينة (شكل
4-8 )، وهي سيدة لم تظهر فحسب بملامح ذكورية في صورها، وإنما كانت تؤدي الأدوار التي كانت حكرا من قبل على الرجال فقط، مثل دور كاهن عقيدة الإسكندر والبطالمة. ارتبطت نساء الأسرة الحاكمة منذ وقت طويل بصفات حتحور التي تميز دور الملكة، وارتبطت والدة الملك بطبيعة الحال بالإلهة إيزيس، والدة حورس، الذي كان الملك الحالي تجسيدا له على الأرض. وكان تصريح كليوباترا الثالثة بأنها هي إيزيس مختلفا قليلا عن الارتباط السائد، وفي حالة كليوباترا السابعة كانت فكرة «إيزيس الجديدة» تشير إلى سلطات خاصة وإعادة إحياء إحدى الآلهة التقليدية. استمر مفهوم الإله «الجديد» (بالإغريقية نيوس أو نيا) طوال فترة الحكم الإمبراطوري الروماني؛ فقد كان بطليموس الثاني عشر، والد كليوباترا، يرى نفسه ديونيسوس الجديد، وربما كان اعتقاد كليوباترا في كونها إيزيس متأثرا بعقيدة والدها.
تكمن المشكلة في تحديد تماثيل كليوباترا التي تجسدها في صورة إيزيس الجديدة في العثور على أحد الملامح التي تميزها عن التماثيل الكثيرة المعتادة لهذه الإلهة. في وصف بلوتارخ لعطايا الإسكندرية (حدث له أهمية عالمية تحدث عنه أكثر في الصفحات 158-161)، يقال إن كليوباترا كانت ترتدي الثوب المقدس لإيزيس وكانت تحمل لقب إيزيس الجديدة («حياة أنطونيو» 54. 5-9؛ جونز 2006: 116). لا يوجد شكل معروف لثوب إيزيس، وربما يشير هذا الوصف إلى تاج معين أو غطاء رأس وليس إلى ثوب؛ ففي تلك الفترة كانت إيزيس ترتدي عادة ثوبا ضيقا يمكن رؤيته في تماثيل النساء بوجه عام. لم يدخل الشال المربوط المشار إليه عادة باسم «عقدة إيزيس» على صور هذه الإلهة إلا في نهاية القرن الأول الميلادي (بيانشي 1980؛ أشتون 2000؛ 2004د: 56). أما ارتداء كليوباترا ملابس تشبه ملابس إيزيس في هذه المناسبة فيشير إلى أن هذه العطايا كانت احتفالية أكثر من كونها حدثا سياسيا وحسب.
إنه من حظنا السعيد أن إحدى صور كليوباترا في شكل إيزيس من معبد إيزيس في الإسكندرية قد ظلت باقية حتى عصرنا الحالي (شكل
4-20 ). وهي تمثال تقليدي على الطراز المصري ضخم الحجم ذو وجه شاب. كان هذا التمثال جزءا من تمثال مزدوج كان الذكر فيه هو بطليموس الخامس عشر. يصل ارتفاع الجزء المتبقي من الصدر حتى قاعدة التاج 3 أمتار. وترتدي الملكة شعرا مستعارا مصففا، وقاعدة مستديرة لتاج من رءوس الكوبرا وغطاء للرأس على شكل نسر. يبدو أن التمثال كان به رأس نسر واحد في الجزء الأمامي من غطاء الرأس. ويبدو مميزا إلى حد كبير، ومن المنصف أن نقول: إن الصور الفوتوغرافية لا توفيه حقه. يوجد هذا التمثال حاليا في متحف ماريمونت الملكي ويعرض على جدار داخل الأروقة المصرية على ارتفاع كبير، لكنه ما يزال أقل ارتفاعا مما كان عليه في الأصل (بسبب التصميم الهندسي!) من الممكن رؤية هذه القطعة من الأسفل ومن شرفة الدور الأول. إن المميز في هذا التمثال على وجه الخصوص، بالإضافة إلى حجمه، العينان المنحوتتان بحيث تنظران مباشرة إلى المشاهد بطريقة غير معتادة في المنحوتات المصرية. حفظت الأيدي أيضا في بلجيكا، والغريب في الأمر أن أيدي التمثالين متشابكة، مما يشير إلى المكانة المتساوية للشخصين. للأسف أصبح الجزء السفلي، الذي رسمت صورة له في أوائل القرن العشرين، مفقودا حاليا. ودون وجود تمثال الذكر المصاحب لها، الذي يظهر بطليموس الخامس عشر (البعض يعتقد أنه بطليموس الثاني عشر) في صورة الحاكم، سيكون من المستحيل تمييز هذا التمثال عن صور إيزيس. في هذا الموضع تحمي كليوباترا ابنها؛ فتمسك الشخصيتان، على قدم المساواة، إحداهما بيدي الأخرى (أشتون 2007ب).
في عام 1841 حدد ويلكنسون أن التماثيل سابقة الذكر لكليوباترا وبطليموس الخامس عشر تظهر ملكا على أنه أوزوريس (شكل
4-19 )؛ ومن ثم فهو الملك الراحل، بينما تظهر ملكته على أنها إيزيس (172؛ الشكل
4-20 ). يجسد تمثال السيدة صورة مثالية لإيزيس، التي تعرف بتاجها وبغطاء الرأس على شكل نسر فوق رأسها. يتمثل رداؤها في الثوب الضيق المعتاد الذي ترتديه نساء الأسرة الحاكمة والربات على حد سواء. كما ذكرنا كانت ملامح وجه الذكر ملامح شابة ويرتدي غطاء الرأس التقليدي. وقد توصل إلى هذا الربط بناء على شكل اعتبر مفتاح الحياة، لكنه قد يكون كذلك سوطا يمسك به التمثال في يده اليسرى، عبر الكتف الأيسر؛ فنحن نعتمد في هذه المعلومات بالكامل على صورة رسمها هاريس، القنصل البريطاني، ملحقة بخطاب كتبه جوزيف بونومي إلى السير جون جاردنر ويلكنسون في 18 من أكتوبر عام 1842. فقد حاليا جذع الحاكم الذكر من التمثال، على الرغم من استمرار إمكانية رؤية طرف الصولجان أو المدراس فوق كتف التمثال مباشرة، المحفوظ حاليا في المتحف اليوناني الروماني. إحدى المشاكل الرئيسية التي تعوقنا عن تقبل كون هذا التمثال تصويرا للملك في شكل أوزوريس هو غطاء الرأس؛ إذ يرتدي الملوك عادة التاج الأبيض ذا الريشتين عندما يجسدون في صورة أوزوريس (أشتون 2004ب: 548-549). تظهر الصور أيضا الحاكم في إحدى المرات وهو يرتدي ما يعرف بتاج هيم هيم. وهو نوع محدد من غطاء الرأس يرتديه غالبا الملك الحي وارتبط أيضا بحورس الطفل (الذي عرف فيما بعد بحربوقراط). من ثم يبدو من المنطقي أن يكون هذا الثنائي هما كليوباترا في شكل إيزيس، ربما حتى مرتدية زي إيزيس الجديدة، مع ابنها الذي يظهر في شكل الطفل حورس. يشير آخرون إلى أن هذا التمثال ربما يعبر عن والدها بطليموس الثاني عشر في صورة أوزوريس (ستانويك 2002: 18). ويصل ارتفاع التمثالين في الأصل إلى نحو 9 أمتار وكانا يعبران عن رسالة ثقافية قوية؛ وهي أن الحاكمين مصريان.
طمست معالم الموقع المرتبط بمعبد إيزيس بسبب التطورات الحديثة ولم يلق اهتماما كبيرا من الباحثين الذين يدرسون كليوباترا السابعة، ربما نظرا لكون معظمهم مؤرخين وليسوا علماء آثار. في عام 2003 (أشتون 2001ب: 120-122؛ 2003: 120-122)، قيل إن الضريح كان يقع بالقرب من مكان العثور على التمثالين وذلك بناء على تحديد مكان معبد إيزيس. هذا وسينشر شرح كامل لطبيعة الموقع كجزء من مجلد لفاعليات المؤتمر (أشتون 2007ب)، وسأذكر ملخصا له فيما يلي.
يظهر الموقع الذي يعرف حاليا بأنه معبد إيزيس في خرائط القرن التاسع عشر خارج الجدران الرئيسية للإسكندرية ناحية الشرق وأطلق عليه العديد من الأسماء المختلفة منها المعبد، والحطام والتماثيل وتليستريون (معبد الإلهة الإغريقية ديميتر). تظهر إحدى الخرائط الحكومية صورة للمنطقة على ضفاف بحيرة الحضرة، وتحتوي على أعمدة وأشكال لأبي الهول وأجزاء من تماثيل. يرد في الوصف المعاصر للموقع سمات مشابهة ويشير كثير من المسافرين إلى الحجم الضخم للأبنية ذات الصلة التي نحتت في الصخر؛ ويذكرون كذلك التماثيل الضخمة وأبا الهول، وفي أحد المواضع ذكر وجود معبد مستدير (أشتون 2007ب). إن هذه السمة على وجه الخصوص مهمة لأن هذا الشكل من الأبنية كان مرتبطا على نحو مباشر بعقائد الأسرة البطلمية، خاصة تلك التي نسبت إلى أرسينوي الثانية في جزيرة ساموثريس والإسكندرية. سجلت صورة رسمها ليبسيوس (1842: المجلد 1 و2)، تمثالا آخر في شكل فيل من الجرانيت يوجد حاليا في متحف تاريخ الفن في فيينا. يبدو أن المعبد ضم مزيجا من العناصر الإغريقية والمصرية وكان ضخم الحجم وبالغ الأهمية. جرت أعمال التنقيب في الموقع عام 1892 عندما سجل بوتي، مدير المتحف اليوناني الروماني بالإسكندرية، تماثيل لأبي الهول تنتمي إلى الأسرة التاسعة عشرة والسادسة والعشرين، ربما تكون تلك التي وصفها المسافرون القدامى. يشير هذا إلى أن منحوتات أقدم قد نقلت إلى الموقع، على الأرجح من أجل تعزيز طابعه المصري، ربما كانت في الأصل من المعبد المهجور في هليوبوليس. كان هذا أمرا شائعا في عصر البطالمة وأصبح أكثر رواجا فيما بعد في عصر الرومان، الذين نقلوا الآثار المصرية بحرا إلى روما (أشتون 2004أ: 48-49 و2007أ).
في نوفمبر عام 2004 أجرى فريق بريطاني بلجيكي، يعمل بمساعدة مركز الدراسات السكندرية، مسحا جيوفيزيائيا لمنطقة أشير إليها كموقع محتمل للمعبد، من خلال مقارنة خرائط القرن التاسع عشر لكل من سمايث وفلكي (أشتون 2005ب: 30-32). تباينت النتائج، ويرجع هذا بقدر كبير إلى التشوش الناتج عن المركبات الواقفة، والطريق المحيط بالمنطقة، والسطح المضغوط ومستويات المياه المالحة في المكان الذي كانت تشغله البحيرة. وعلى الرغم من هذه المشكلات، عثر على كثير من الانحرافات في منطقة محددة وضمت ما يحتمل أن يكون زاوية جدار تبلغ أبعادها نحو 30 مترا في 30 مترا. هذا ويتطلب التعرف على السمات الموجودة تحت سطح الأرض حفر خندق من أجل التأكد من أن هذه المباني قديمة. وفي وقت تأليف هذا الكتاب قدم طلب بالحفر إلى المجلس المصري الأعلى للآثار لكنه يتطلب الحصول على حق دخول مناطق أصبحت الآن ملكية خاصة لبعض الأفراد. هذا ومن المقرر إقامة معرض في متحف ماريمونت الملكي عام 2010. ما زال أمامنا الكثير لاكتشافه وإعادة تقييمه وفهمه عن كليوباترا. والبدء بتناول هذه الملكة ضمن سياقها الصحيح هو نقطة انطلاق جيدة. (6) شخصية مقدسة عالمية
ظهرت كليوباترا أيضا على أنها إلهة في روما. وكان الدليل الأول على هذا، كما أشرنا، في تمثال يوجد في معبد فينوس جينتريكس، يقال إنه أهدي من يوليوس قيصر، لكنه للأسف لم يعد موجودا. كتب أبيان («الحروب الأهلية» 2. 102) ما يلي بشأن هذا التمثال: «أقام يوليوس قيصر تمثالا جميلا لكليوباترا بجوار تمثال الإلهة فينوس؛ ولا يزال موجودا هناك حتى الآن [أوائل القرن الثاني الميلادي].» يتوقع بعض الباحثين في العصر الحديث أن رأس كليوباترا الموجود حاليا في متاحف الفاتيكان، الذي يوجد به جزء صخري زائد على إحدى وجنتيه، صنع على غرار التمثال الأصلي وهذا الجزء الزائد هو موضع إصبع بطليموس الخامس عشر وهو يلمس وجنة أمه، على نمط أفروديت وابنها إيروس (انظر هيجز 2001: 204 للاطلاع على المناقشة).
يوجد تمثال آخر لفينوس ارتبط أيضا بكليوباترا. هذا التمثال هو نسخة رومانية لتمثال هلنستي أصلي يوجد حاليا في جزء مونت مارتيني الملحق بمتاحف كابيتوليني. قيل إن صنع هذا التمثال بدأ في أثناء حكم الإمبراطور كلوديوس، الذي كان حفيد مارك أنطونيو (انظر مورينو 1994؛ هيجز 2001: 208-209 للمناقشة). أقيم مؤخرا (في 2006) معرض حول هذه القطعة وقيل إن هذا التمثال هو نسخة مباشرة لصورة كليوباترا الموجودة في معبد فينوس جينتريكس في روما (أندريا 2006: 14-47). يتخذ هذا التمثال، المعروف باسم إيسكويلين فينوس، شكل سيدة عارية ترتدي تاجا إغريقيا، وشعرها مربوط إلى الخلف في عقدة. يوجد بجوارها إبريق ماء ملفوف عليه ثعبان من الخارج (ومن ثم جاءت الصلة المقترحة بينه وبين كليوباترا عبر أداة انتحارها المحتملة)، ووضع رداء هذه السيدة على الإناء. في دليل صور معرض كليوباترا السابق عام 2001 (ووكر وهيجز 2001: 208-209) حدث خلاف حول تحديد هوية التمثال بناء على ملامح الوجه القاسية. ومع هذا يوجد العديد من السمات المشتركة بينه وبين التماثيل الشهيرة على الطراز الروماني لكليوباترا الموجودة في متحفي الفاتيكان وبرلين. أضيف الثعبان بالتأكيد في مرحلة لاحقة، ربما إلى النسخة التي تلت وفاة الملكة، ويتفق مع المصادر الرومانية المكتوبة، التي تتحدث عن تمثال كليوباترا الذي حمل في موكب أوكتافيان للاحتفال بالنصر؛ ومن ثم ربما يكون هذا التمثال هجينا من تمثال المعبد ويكون هو الذي حمل في موكب النصر.
عثر على أحد أبرز تماثيل كليوباترا بالقرب من معبد لإيزيس في روما ويوجد حاليا أيضا في جزء مونت مارتيني الملحق بمتاحف كابيتوليني (شكل
5-1 )، (ووكر وهيجز 2001: 216-217، رقم 194). أعيد استخدام الرأس كحجارة في بناء كنيسة القديسين بطرس ومارسلينو في شارع فيا لابيكانا. أنشأ هذا المعبد الروماني لإيزيس أعضاء الحكم الثلاثي مارك أنطونيو وأوكتافيان وليبيدوس، الذين أقاموا تحالفهم عام 43 قبل الميلاد. صنع هذا الرأس من الرخام الباروسي المستورد وكان مكانه فوق جسم تمثال مصنوع على النمط المعتاد للمدرسة السكندرية الهلنستية. تشبه ملامح الوجه كثيرا التماثيل الأخرى الكلاسيكية لكليوباترا التي عثر عليها في روما (انظر الفصل الرابع). إن المظهر العام للتمثال هو مظهر شاب ومثالي. ورغم ذلك، يشترك في سمات معينة مع التماثيل على الطراز المصري، خاصة في تحديد الذقن والشفتين الممتلئتين. تحطم الأنف لكن الشكل العام لوجه التمثال يوحي بأن حجمه كان كبيرا، ربما لا يختلف كثيرا عن تماثيل والد كليوباترا. صنع هذا التمثال وفقا للتقاليد الفنية الكلاسيكية، لكنه يحتوي على سمات شكلية مصرية تتمثل في الشعر المستعار المصفف وغطاء رأس على هيئة نسر منحوت بدقة. لم يعد رأس النسر موجودا في الوقت الحالي لكنه ربما أضيف في الأصل باستخدام سبيكة من النحاس (البرونز) أو الذهب أو الفضة، ومع ذلك لا توجد آثار للصدأ أو اللصق في الفتحة. كان يوجد أيضا تاج صغير على الطراز المصري فوق الرأس ؛ يتخذ على الأرجح شكل التاج المعتاد لإيزيس، الذي يتكون من قرني البقرة وقرص الشمس. إن الفتحة الموجودة في هذا التمثال ليست عميقة؛ مما يشير إلى أن مقاييس التمثال كانت أصغر من المقاييس التي كان الفنانون المصريون يتبعونها عادة. إن هذه السمات الشاذة بالتحديد في الصناعة هي التي تجعل هذا الجزء من التمثال مثيرا جدا للاهتمام وتجعل من الصعب يقينا تحديد المدرسة التي كانت مسئولة عن صناعته: المصرية أم الهلنستية الإغريقية أم الرومانية. إنه أول مثال على تمثال صنع وفقا للمعايير الكلاسيكية التي تدمج أو تحاكي السمات المصرية؛ ومن ثم تمصره (ووكر وهيجز 2001: 216-217 رقم 194؛ أشتون 2003أ: 122). لقد قيل إن التمثال نحت في مصر ونقل إلى روما نظرا للنحت الماهر للشعر المستعار والنسر، بالإضافة إلى السمة المعتادة في أفراد أسرة البطالمة المتمثلة في الأذن الكبيرة، التي لم توضع على نحو متناسق في هذا المثال.
يمكننا رؤية الشكل المكتمل للوجه على خاتم ذهبي صغير (شكل
6-7 )؛ (ووكر وهيجز 2001: 217، رقم 195). حتى مع صغر حجم الخاتم (يبلغ طوله نحو 1,7 سنتيمتر) يمكننا رؤية الوجنتين الممتلئتين المستديرتين والأنف الحاد والعينين الكبيرتين لصاحبته؛ مما يشير إلى احتمال انتماء الصورة إلى كليوباترا السابعة. تظهر الملكة في الصورة مرتدية غطاء الرأس التقليدي على شكل النسر الخاص بالربات، وينسدل شعرها المستعار على كتفيها وظهرها، وترتدي تاجا مكونا من قرص الشمس وقرني البقرة. يظهر ثديها الأيمن في الأمام، ربما في إشارة إلى إيزيس.
شكل 6-7: خاتم ذهبي نقشت عليه صورة كليوباترا السابعة. متحف فيكتوريا وألبرت، لندن. حقوق الطبع محفوظة لمتحف فيكتوريا وألبرت، لندن.
ظهرت كليوباترا أيضا في زي الإلهة أفروديت؛ النظير الإغريقي لإيزيس، على عملة ضربت في قبرص، التي كانت ملكا للبطالمة، من أجل الاحتفال بمولد ابنها من يوليوس قيصر (شكل
4-7 ؛ أيضا ووكر وهيجز 2001: 178، رقم 186). أعاد قيصر جزيرة قبرص إلى كليوباترا كأحد ممتلكات البطالمة. وربما لهذا السبب نجد شكلا مميزا لصور الملكة على العملات التي ضربت على هذه الجزيرة. عمل قرنا النماء أيضا على ربط كليوباترا بأرسينوي الثانية، جدتها. يظهر على الوجه الآخر للعملة صورة لوجه كليوباترا وهي ترتدي تاجا إغريقيا (التاج الذي ترتديه الربات). توجد أمام الملكة بقعة صغيرة، يعتقد أنها تمثل ابنها بطليموس قيصر، ويوجد صولجان خلفها. وعلى الرغم من الإشارة الرمزية إلى المكانة المقدسة كتب على ظهر العملة: «الملكة كليوباترا»، قد يشير هذا إلى قدسية دور الحاكم. وتجدر بنا الإشارة إلى أن كليوباترا ترتدي في صورها على عملات أخرى الإكليل الملكي، وليس التاج المقدس، عندما تظهر في صورة حاكمة مصر. إن تاريخ هذه العملة بالتحديد غير مؤكد ويميل الباحثون إلى تحديد تاريخها على نطاق واسع بين عامي 51 و30 قبل الميلاد، وهي فترة تغطي مدة حكمها بالكامل. وقيل مؤخرا إن هذا الطفل لم يكن ابن يوليوس قيصر وإنما أحد أطفالها التالين (كرويزر 2000: 6، 29-30). جاءت إعادة تحديد هوية الطفل هذه على أساس اقتراح إعادة تأريخ العملة إلى ما بعد عام 39 قبل الميلاد. هذا وقد شكك البعض في تاريخ إقامة كليوباترا في روما (كاركوبينو 1937: 48).
ضرب عدد من العملات في قبرص في أثناء حكم كليوباترا السابعة، قيل مؤخرا إنها كانت تظهر عليها الملكة أيضا مرتدية التاج الإغريقي المقدس؛ مما يشير إلى أنها ظهرت كإلهة على أحد وجهي العملة وظهر قرنا النماء على الوجه الآخر (كرويزر 2000: 41-45). حتى ذلك الوقت كان يعتقد أن هذه العملات ترجع إلى عهد بطليموس الرابع ويعتقد أنها تحمل صورة أرسينوي الثالثة. ومع ذلك، فإن قرني النماء يرشحان أرسينوي الثانية أو كليوباترا السابعة أكثر لتكون إحداهما صاحبة الصورة الموجودة على أحد وجهي العملة (كرويزر 2000: 41). إن ملامح الوجه في الأمثلة المذكورة أقرب إلى الشبه بكليوباترا السابعة. ويقال إن هذه المجموعة من العملات خاصة بدأت في الظهور عام 38 قبل الميلاد (كرويزر 2000: 41). لم تنشر هذه الفرضيات على نطاق واسع؛ ولذا لم تؤد إلى رد فعل أكاديمي من دارسي العملات وجامعيها، ومع هذا، فإنها جديرة بالذكر وتستحق من الباحثين مزيدا من الفحص.
الفصل السابع
كليوباترا ومارك أنطونيو والشرق
(1) لقاء أنطونيو وكليوباترا
من المرجح أن يكون أنطونيو التقى بكليوباترا في شبابها عندما كان يخدم في الجيش تحت إمرة القائد الروماني جابينيوس عام 55 قبل الميلاد (بلوتارخ «حياة أنطونيو»: 3؛ جونز 2006: 95-96). إن لقاءهما الرسمي، عقب وفاة يوليوس قيصر، مشهور رغم أننا نعتمد بالكامل في روايته على أدلة من المصادر الأدبية التي كتبت بعد هذا الحدث ببعض الوقت. كتب أحد المؤلفين القدامى يقول: «لقد انبهر أنطونيو بشخصيتها، تماما مثلما انبهر بحسنها، وأسرته كما لو كان شابا صغيرا، رغم أنه كان في الأربعين من عمره. ويقال إنه كان دوما متأثرا بها على هذا النحو، وإنه وقع في حبها من النظرة الأولى منذ وقت طويل عندما كانت لا تزال فتاة صغيرة، وكان هو يعمل قائدا للخيالة تحت قيادة جابينيوس في الإسكندرية» (أبيان «الحروب الأهلية»، المجلد الخامس، الفصل الثامن؛ ترجمة ثاكري، طبعة لوب).
في الفصل الخامس والعشرين من كتاب «حياة أنطونيو» يقول بلوتارخ إن أسباب لقائها بمارك أنطونيو كانت من أجل الرد على اتهام بجمع المال من أجل جابينيوس ومساعدته ضد أعضاء الحكومة الثلاثية. وفي لقائهما الرسمي في مدينة طرسوس ظهرت كليوباترا بمظهر الربة في «سفينة مكسوة بالذهب ذات أشرعة أرجوانية بها مجدفين يجدفون بمجاديف فضية وعازفين يعزفون على مزامير بمصاحبة القيثارات.» ويستمر بلوتارخ (26) في وصفه لكليوباترا وهي تجلس متكئة تحت ظلة ذهبية مرتدية زي الإلهة الإغريقية أفروديت ومعها غلمان يرتدون زي كيوبيد في حين ارتدت وصيفاتها زي حوريات البحر، وآلهة الرياح وآلهة الخصوبة (جونز 2006: 99-103). ثم ينتقل بلوتارخ (27) إلى وصف المأدبة التي أقامها أنطونيو في المقابل. هكذا تمكن بلوتارخ من تصوير توازن في هذه العلاقة؛ فكليوباترا تتسم بالذكاء والجمال وهي المسيطرة، أما أنطونيو فهو جندي يطلب العشاء. ويتحول اللوم على سقوط أنطونيو، كما يراه الرومان، من أنطونيو نفسه بشخصيته الساذجة إلى كليوباترا التي تخطط وتدبر.
يقول يوسيفوس («آثار اليهود القديمة»، المجلد 13. 1. 324) ببساطة إن كليوباترا جعلت مارك أنطونيو «أسيرا لحبها». يتعارض هذا مع وصف بلوتارخ المطول في كتاب «حياة أنطونيو». تشيع فكرة خضوع أنطونيو لمفاتن كليوباترا من النظرة الأولى في جميع الكتابات القديمة (أبيان «الحروب الأهلية»، المجلد الخامس، الفصل الأول). علق أبيان قائلا: إن هذه العاطفة «جلبت الدمار عليهما وعلى مصر كلها أيضا»، وهو رأي قد يكون متأثرا بهويته المصرية، وإن كان سكندري المنشأ عاش في مصر تحت الحكم الروماني. يشير أبيان أيضا (المجلد الخامس، الفصل التاسع) إلى أنه بمجرد فوز كليوباترا بحب أنطونيو، استخدمت مكانتها في معاقبة أعدائها بما فيهم أختها أرسينوي الرابعة، التي نفيت إلى أفسس. (2) العلاقة مع مارك أنطونيو
توجد فكرتان رئيسيتان يهتم بهما الكتاب القدماء في موضوع أنطونيو وكليوباترا؛ أولا: العلاقة بينهما، وهنا ينظر إلى كليوباترا على أنها المسئولة عن سقوط هذا القائد الروماني. وتتمثل الفكرة الرئيسية الثانية في استخدام كليوباترا لسلطة أنطونيو السياسية من أجل الحصول على أراض أجنبية. حتى الآن يوجد أكثر وصف تفصيلي لعلاقة كليوباترا بمارك أنطونيو في كتاب بلوتارخ «حياة أنطونيو»، فتذكر عاطفة أنطونيو الجياشة تجاه كليوباترا (السمة التي تظهر دوما في المصادر الأدبية لإظهار نقاط ضعفه) في الفصول 32 و36 و37 من الكتاب. ويشير الفصل الثالث والثلاثون إلى التحذير المشئوم من العرافة المصرية لأنطونيو، وتهديد أوكتافيان، وربما يكون تكرار ذكر كليوباترا وعاطفة أنطونيو تجاهها على مدار الفصل الثالث والثلاثين لا يهدف إلا إلى التأكيد للقارئ على التهديد الحقيقي الذي كانت تمثله كليوباترا لهذا القائد، حتى إن بلوتارخ يقول إنه عندما لم تكن كليوباترا مع أنطونيو كان يتصرف كقائد قوي وكفء. وفي الفصل 51 عندما أجلت كليوباترا انضمامها مرة أخرى لأنطونيو في سوريا، يقال إن هذا القائد الروماني أسرف في شرب الخمر. وبمجرد وصول كليوباترا وزع أنطونيو على جنوده المال، مدعيا أنه هدية من الملكة، ويقال إن كليوباترا وزعت على الرجال ملابس من مالها.
توضح المصادر الرومانية فكرة تأثير كليوباترا ومصر على حصافة حكم أنطونيو ورجاحة عقله عبر سرد روايات عن اتباعه لتقاليد غير رومانية. استخدم ارتباط أنطونيو بديونيسوس بصفته تجسيدا جديدا لهذا الإله والتماثيل التي أمر بصنعها والتي صنعت له، في شرح فشله (بلوتارخ «حياة أنطونيو» 60). إن حقيقة كون بطليموس قيصر سجل ضمن قائمة المواطنين السكندريين الشباب وأنه حصل مع أنتيلوس على الرداء الروماني الأبيض الفضفاض تدعم هذه الفكرة (71). بالتأكيد من المستحيل معرفة ما إذا كانت هذه القصص قد لفقت من أجل تصوير شخصية كليوباترا كما يراها الرومان، إلا أن اختيار هذه الأحداث بالذات مثير للاهتمام.
توجد مقارنة مباشرة أيضا بين أنطونيو وغريمه أوكتافيان في المصادر الرومانية. فيعرض بلوتارخ، على سبيل المثال («حياة أنطونيو» 73)، نبذة مبسطة عن نفسية أوكتافيان، الذي يقال إنه كان يتمتع بالذكاء والدهاء، وعن كليوباترا التي كانت «مدركة لجمالها الشخصي وشديدة الفخر به». أما أنطونيو، من ناحية أخرى، فيصور على أنه غيور ولا يتصرف بعقلانية؛ فيضرب مبعوث أوكتافيان بسبب بقائه لوقت طويل مع كليوباترا، ثم يندم على أفعاله ويكتب خطاب اعتذار لعدوه. وفي الفصل نفسه نرى جانبا آخر من كليوباترا، فهي سيدة قد تفعل أي شيء من أجل تهدئة أنطونيو وطمأنته، فنراها تقيم حفلا فخما من أجل الاحتفال بعيد ميلاده. كذلك تظهر كليوباترا دوما أنها السبب في القرارات السيئة التي يتخذها أنطونيو في مؤلف يوسيفوس («الحرب اليهودية» 1، 12. 5. 243)، ويقول عنه إنه كان «عبدا لعاطفته تجاه كليوباترا». ويشكك أيضا في نزاهة الملكة نفسها («الحرب اليهودية» 1، 8. 4. 359-363). (3) نساء أخريات في حياة أنطونيو
كان أنطونيو متزوجا عندما التقى بكليوباترا، تماما مثل يوليوس قيصر. وفي كتاب أبيان («الحروب الأهلية» 5. 11) يظهر أن لكليوباترا تأثيرا مهدئا على أنطونيو، الذي يقال إنه «لم يكن يذهب إلا إلى المعابد والمدارس ومناقشات المتعلمين، ويقضي وقتا مع الإغريق احتراما لكليوباترا، التي كرس لها كامل إقامته المؤقتة في الإسكندرية» (ترجمة ثاكري، طبعة لوب). يذكر أبيان أيضا («الحروب الأهلية» 5. 19) سيدة أخرى مسيطرة في حياة أنطونيو؛ وهي زوجته فولفيا. كانت فولفيا ناشطة سياسيا، وعلى حد قول أبيان نفسه، سببت مشكلة كبيرة لمارك أنطونيو، فيتحدث في الجزء الثاني من الفصل 59 عن رد فعله تجاه وفاتها: «يبدو أن وفاة هذه السيدة المشاغبة، التي أثارت حربا كارثية بسبب غيرتها من كليوباترا، كانت حادثا سعيدا للغاية لكلا الطرفين اللذين أرادا التخلص منها. ومع ذلك، حزن أنطونيو كثيرا بهذه الواقعة لأنه اعتبر نفسه إلى حد ما السبب فيها» (ترجمة ثاكري، طبعة لوب). كتب أبيان في الفصل 66 أن مارك أنطونيو أعدم رجلا يدعى مانيوس لأنه أغضب فولفيا بسبب ذكره لعلاقة أنطونيو بكليوباترا. وفي الفصل 76 يرد ذكر أوكتافيا، أخت أوكتافيان، بصفتها زوجة أنطونيو الجديدة، ويقال إن أنطونيو قضى الشتاء مع زوجته الجديدة وإنه كان يحبها كثيرا، رغم أن أبيان يضيف: إن هذا يرجع إلى حبه الشديد للنساء.
في كتاب بلوتارخ «حياة أنطونيو» تذكر كليوباترا لأول مرة في الفصل العاشر، حيث كتب بلوتارخ يقول: «... إن كليوباترا تدين لفولفيا بتعليم أنطونيو إطاعة زوجته؛ فعندما التقت به كليوباترا كان مروضا بالفعل وتعلم تقبل سيطرة النساء» (ترجمة سكوت- كيلفرت 1965). لا يقابل القارئ الملكة مرة أخرى إلا في الفصل 25، عندما «تدخل» حياة مارك أنطونيو في القصة، فتوصف في هذا الموضع على أنها تمثل «أكبر ضرر بجمالها الأخاذ». وكما ذكرنا، يشكل نمط حياة أنطونيو وكليوباترا الفاسد جزءا من كتاب «حياة أنطونيو» لبلوتارخ (28). وفي تناقض واضح يشار إلى زوجة أنطونيو فولفيا؛ إذ يذكر بلوتارخ صراعها مع أوكتافيان، وهكذا ينقلنا من العالم الخيالي العابث حيث المآدب وتمثيل المسرحيات كي يذكرنا بالحقيقة القاسية للحرب. وصف بلوتارخ، في أواخر الفصل 30 كيف أن فولفيا فقدت حياتها وهي تحارب من أجل قضية أنطونيو. وفي الفصل 31 يذكر زواج أنطونيو من أوكتافيا، أخت أوكتافيان، ويعرف القارئ أيضا أن أنطونيو لم ينكر علاقته بكليوباترا لكنه لم يعترف أنها زوجته. وفي أواخر الفصل 53 عندما أصبحت العلاقة بين أنطونيو وكليوباترا في أوجها، تظهر أوكتافيا في احترامها ونكرانها لذاتها على أنها النقيض لأنانية كليوباترا، التي شعرت بالتهديد من زوجة أنطونيو الجديدة، كما ذكر في الكتاب. وورد أيضا أن كليوباترا تظاهرت بأنها غارقة في حب أنطونيو حتى تثنيه عن تركها. وتمثل ولاء أوكتافيا في رفضها ترك أنطونيو وناشدت أخاها بعدم شن حرب على زوجها الذي ضل طريقه (الفصل 54). اعتنت أوكتافيا بأطفال أنطونيو من زوجته السابقة فولفيا، وستعتني بعد انتحاره هو وكليوباترا بأطفالهما.
في الفصل 69 من كتاب سويتونيوس «أغسطس المؤله» تذكر كليوباترا في مجموعة من الأسئلة الافتراضية التي طرحها مارك أنطونيو دفاعا عن علاقته غير الشرعية معها يزعم فيها أنه كتب يقول: «ما الذي يزعجك؟ أن لدي مكانة عند الملكة؟ هل هي زوجتي؟ هل بدأ هذا للتو أم أن الأمر مستمر من تسع سنوات؟» (إدواردز 2000).
يذكر أثينوس («مأدبة الحكماء» 4. 29) أنه يقال إن كليوباترا تزوجت مارك أنطونيو في قيليقية. يذكر أيضا يوسيفوس أنطونيو على أنه زوجها في «ردا على أبيون» (69). قال بعض الكتاب في العصر الحديث: إن الزواج حدث في أثناء احتفالات عطايا الإسكندرية عام 34 قبل الميلاد (هولبل 2001: 244). وإذا كان الزواج قد حدث بالفعل فإن القانون الروماني لم يقره لأن أنطونيو كان ما يزال متزوجا من أوكتافيا. طلق أنطونيو أوكتافيا في عام 32 قبل الميلاد، وعقب هذا بوقت قصير أعلن أوكتافيان الحرب (بلوتارخ «حياة أنطونيو » 57. 4-5).
في مصر، أمام جموع الشعب لم يقم حفل زفاف، وإنما وقع عقد بين الزوجين. سمح هذا العقد بوقوع الطلاق، وأعطى بعض الحقوق إلى حد ما للطرفين. بالنسبة للإغريق، لا سيما الأسرة الحاكمة، كانت الشرعية أمرا مهما. بالطبع وصل أطفال غير شرعيين إلى الحكم، وكان والد كليوباترا أحدهم، لكن الموقف الذي وجدت كليوباترا نفسها فيه كان فريدا من نوعه؛ فقد أصبحت هي حاكمة مصر وتلعب دور العشيقة؛ فالعلاقات السابقة خارج إطار الزواج في الأسرة الملكية كانت تتضمن الحاكم الذكر لمصر وعشيقته. وعلى نحو غريب كانت كليوباترا تؤدي الدورين معا، الحاكمة والعشيقة. كان كل من يوليوس قيصر وأنطونيو متزوجين من زوجات رومانيات. في حالة أنطونيو، كان لديه زوجتان؛ فولفيا وأوكتافيا فيما بعد، وقد تزوج الأخيرة بعد ولادة أطفاله من كليوباترا. تعتمد أهمية الزواج بالنسبة لكليوباترا إلى حد كبير على موضع طموحاتها؛ فإذا كانت تهتم بالحفاظ على الأسرة الحاكمة المصرية فقد نجحت في ذلك، ليس من خلال أنطونيو ولا أطفالها منه، وإنما من خلال ابنها الأول. قد يقول البعض إن كليوباترا حولت وفاة القيصر وتأليهه فيما بعد إلى صالحها. ومع ذلك، إذا كانت طموحات كليوباترا تتخطى حدود مصر وأقاليمها (كما قد نستنتج من عطايا الإسكندرية) فإن الوضع القانوني لأطفالها الرومان يصبح إحدى القضايا السياسية الرئيسية.
كان هناك أيضا عشيق ذكر لأنطونيو اسمه ميسالا ، كان رفيق بروتس، ثم أصبح، على حد قول أبيان («الحروب الأهلية» 4. 38) «على صلة وثيقة» بأنطونيو إلى أن أضحى أنطونيو عبدا لكليوباترا. وهكذا لم تظهر كليوباترا على أنها دمرت مصالح أنطونيو فحسب، بل ربما يستخدم هجره لميسالا أيضا كدليل على تخليه عن التقاليد الرومانية. (3-1) وضع مارك أنطونيو في مصر
لم يتقلد مارك أنطونيو أي منصب رسمي داخل النظام الملكي المصري؛ فقد كان بطليموس قيصر هو وريث كليوباترا المختار ولم يستطع أنطونيو حتى ادعاء أنه والده. فلم يكن الجنرال الروماني يمارس دور الحاكم والوصي إلا خارج البلاد، ولا يوجد إلا عدد قليل من الآثار لمارك أنطونيو في مصر. يتمثل أحد هذه الاستثناءات في قاعدة تمثال عثر عليها في الإسكندرية، تشير إلى رابطة محبي الحياة المتفردين، المشار إليها في كتاب بلوتارخ «حياة أنطونيو» (28؛ ووكر وهيجز 2001: 232). تشير الكتابة المنقوشة إلى تمثال لمارك أنطونيو، غير موجود حاليا لكنه بالتأكيد كان مصنوعا على الطراز الإغريقي/الروماني، كما يظهر من آثار الأقدام الموجودة فوق القاعدة، وربما كان مصنوعا من البرونز. صنعت قاعدة التمثال من الجرانيت وكتب النقش عليها بالإغريقية ويقول: «أنطونيو، العاشق العظيم، العاشق الذي لا نظير له، وباراسيتوس [أقام هذا التمثال] تكريما لربه والمنعم عليه، اليوم ال 29 من كيهك السنة ال 19»؛ وكان تاريخ ذلك 28 ديسمبر عام 34 قبل الميلاد. وباراسيتوس (أي المتطفل) هو اسم صانع التمثال وهو على الأرجح تورية تشير إلى حالة التطفل التي كان عليها واعتماده على مارك أنطونيو وأمواله.
يبدو أن أنطونيو تبنى مفهوم الألوهية، وهو اهتمام أدى إلى سقوط قيصر، إذا كانت المصادر صحيحة، وللمفارقة سيصبح تأليه الحاكم مقبولا في حالة أوكتافيان عند توليه الحكم بصفته إمبراطورا وتحوله إلى أغسطس. ويقال إن أنطونيو كان يرتدي زي ديونيسوس في أثناء الاحتفالات الرسمية بالإسكندرية. (4) كليوباترا سفيرة لمصر
تركزت علاقات كليوباترا الخارجية على روما في الأساس. وسيطرت هذه العلاقة على كثير من جوانب حكمها؛ ونتيجة لذلك سيطرت على كثير من سير حياة الملكة. توجد ثلاثة محاور رئيسية تكون السياسة الخارجية في عهد كليوباترا؛ أولا: وجود الرومان في مصر، وثانيا: وجود كليوباترا في روما، وأخيرا: الأراضي والامتيازات التي حصلت عليها كليوباترا، خاصة من مارك أنطونيو في الجزء الثاني من حكمها، فأصبحت سوريا وقبرص تحديدا مناطق مهمة لدى كليوباترا.
كانت نسبة كبيرة من القوات المسلحة في مصر في عهد كليوباترا من الرومان (شوفو 2000: 167-168)؛ فقد أعيد أوليتس إلى العرش بمساعدة القوات الرومانية وإضافة إلى ذلك ترك قيصر ثلاثة فيالق في الإسكندرية لحماية حكم الملكة الضعيف مع أخويها. كانت قوات كليوباترا البحرية لا تزال قوية وكانت تقدم بها المساعدة للقادة الرومان في أثناء فترة حكمها. لقد ورثت كليوباترا مملكة ضعيفة من كافة النواحي تعتمد على المساعدة الخارجية في الحفاظ على نظامها. ورغم ذلك، كانت إنجازاتها التي حققتها بمجرد انفرادها بالحكم مذهلة، لا سيما بسبب كثرة الوقت الذي قضته في الخارج في أثناء حكمها، والذي سمح لأعدائها داخل البلاد بالسيطرة على الحكم في أثناء غيابها. ثمة تصور بأن أوليتس وابنته كانا يعتقدان أنهما يستطيعان حكم منطقة البحر المتوسط كجزء من قوة رومانية بطلمية مشتركة (هولبل 2001: 306). (4-1) ممتلكات البطالمة خارج مصر
عندما تولت كليوباترا الحكم تقلص حجم ممتلكات البطالمة الخارجية إلى حد كبير؛ فقد قدمت الأراضي هدايا للأعضاء غير الشرعيين في العائلة وإلى الرومان كأداة للتفاوض، فقد كان آخر حكام الأسرة متعطشين للسلطة حتى إنهم كانوا مستعدين على ما يبدو للموافقة على أي عدد من الصفقات التي ربما دمرت فرص خلفائهم في البقاء. كانت كليوباترا مختلفة إلى حد ما عن أسلافها المباشرين وتمكنت في الجزء الثاني من حكمها من تجميع أراض قد تضاهي ممتلكات البطالمة الأولى.
كان ينظر إلى كليوباترا على أنها تمثل تهديدا حقيقيا للأراضي الرومانية؛ فقد كانت الأراضي الرومانية تحت حكم مارك أنطونيو مقسمة إلى فئتين؛ الأراضي تحت حكم الملوك التابعين الذين يعينهم أنطونيو، والأراضي التي ضمها بومبي في السابق (ووكر وهيجز 2001: 233). اتهم بروبيرتيوس كليوباترا بمحاولة «... نشر ... خيمها ... في هضبة الكابيتول» («المرثيات» 3. 11. 55-56؛ سلافيت 2002) في قلب روما ويستمر في التساؤل «ما معنى تاريخنا إذا كان يؤدي إلى حكم امرأة؟» (61، سلافيت 2002). يشير بعض الكتاب، مثل يوسيفوس على سبيل المثال، إلى أن كليوباترا طلبت من أنطونيو الأراضي التي حصلت عليها.
طالما لعبت جزيرة قبرص دورا سياسيا مهما في إيواء المنفيين. لقد تركت الجزيرة لروما عام 80 قبل الميلاد وفي عام 58 قبل الميلاد ضمت إليها نهائيا (هولبل 2001: 226). تباطأ الرومان في السيطرة على هذه المنطقة. في موسوعة سترابو («الجغرافيا» 14. 5. 3) ذكرت الأراضي التي حصلت عليها كليوباترا عرضيا وضمت أماكسيا، التي كان الخشب يشترى منها من أجل بناء السفن، ومكان الإقامة الملكي الذي كان ملكا للملكة، وقبرص التي أعطاها أنطونيو لكليوباترا وأختها أرسينوي (14. 6. 6).
استدعى أنطونيو كليوباترا وطفليها التوأمين البالغين من العمر 4 سنوات إلى أنطاكية عام 37 قبل الميلاد (بلوتارخ، «حياة أنطونيو» 36. 5). وحصلا في ذلك الوقت على لقبيهما كليوباترا سيليني والإسكندر هيليوس. كان أنطونيو مسئولا عن إمبراطورية روما الشرقية وفي شتاء عام 37 / 36 قبل الميلاد أضاف عددا كبيرا من الأراضي إلى الأراضي البطلمية التي تحكمها كليوباترا (هولبل 2001: 242-244). منحت كليوباترا مدينة قنسرين في لبنان عقب وفاة ملكها (فرفوريوس 260 إف2. 17)، ومنطقة يهودا في فلسطين، ومملكة الأنباط المجاورة لها. عززت هذه «الهدايا» ممتلكات البطالمة إلى حد كبير ويوجد اتفاق عام حاليا على أن أنطونيو لم يقدمها تعبيرا عن عاطفته تجاه الملكة وإنما كجزء من برنامجه السياسي في الشرق (هولبل 2001: 242). توجد أهمية كبيرة للعملات التي ضربت في هذه المنطقة بسبب أسلوب عرضها لهذين الحاكمين؛ إذ تشير إلى أن أنطونيو وكليوباترا حكما هذه المنطقة ككيان واحد (هولبل 2001: 242). (4-2) التعامل مع حكام آخرين
انصب اهتمام يوسيفوس بطبيعة الحال في الأساس على منطقة يهودا وخاصة علاقة كليوباترا بهيرودس الأول، الذي كان يستأجر دولته من الملكة، عقب حصولها عليها كهدية من مارك أنطونيو. في كتابه «الحرب اليهودية» المجلد الأول 12. 5. 243 في سياق حاجة هيرودس الأول إلى دعم عسكري من مصر، وعلى الرغم من استقبال كليوباترا «الرائع» لهذا الحاكم، يقول يوسيفوس إن هيرودس الأول قرر المخاطرة بالإبحار إلى روما من أجل الحصول على الدعم بدلا من مساعدة الملكة نظير الحصول على دعمها («الحرب اليهودية» المجلد الأول، 14. 2. 279). وفي المجلد الأول من كتاب «الحرب اليهودية» 8. 4. 359-363 ذكر أن «كليوباترا، عقب قتلها لعائلتها، الواحد تلو الآخر، حتى لم يبق أي من أقاربها، أصبحت الآن متعطشة لدماء الأجانب؛ إذ عرضت على أنطونيو اتهامات افترائية ضد مسئولين كبار في سوريا، ثم حثته على إعدامهم؛ اعتقادا منها أنها لن تجد صعوبة في الاستيلاء على ممتلكاتهم، وامتد طموحها إلى الحصول على منطقة يهودا وشبه الجزيرة العربية، وكانت تخطط سرا لتدمير ملكيهما هيرودس ومالخوس على التوالي» (ترجمة ثاكري، طبعة لوب). في كتب يوسيفوس يقع على عاتق كليوباترا جزء كبير من حملة اللوم التي يشنها، لا لتأثيرها فقط على أنطونيو وإنما بسبب فسقها.
يبدو أن يوسيفوس اهتم بسياسات كليوباترا السياسية أكثر من علاقتها بمارك أنطونيو، فيصف احتجاز الملك النبطي مالخوس بقدر من التفصيل في 14. 2 (375-376). وفي المجلد 15 (2. 5. 24) يذكر يوسيفوس مكاتبة بين كليوباترا وألكسندرا، زوجة الإسكندر بن أرسطوبولس. كتبت ألكسندرا إلى كليوباترا تسألها أن تطلب من أنطونيو إعطاء وظيفة الكاهن الأعلى لابنها. وكانت مريم ابنة ألكسندرا متزوجة من هيرودس. اتهم هيرودس ألكسندرا بالتآمر ضده (2. 7. 32) من خلال العمل مع كليوباترا على حرمانه من سلطته. يتحدث المؤلف بتفصيل أكبر عن العلاقة بين هاتين السيدتين في 15. 3. 2. 45-46. فيقول إن هيرودس أجبر زوجته على البقاء في القصر:
ومن ثم كتبت إلى كليوباترا تخبرها في رثاء مطول عن الوضع الذي وجدت نفسها فيه وتحثها على مساعدتها قدر استطاعتها. وعليه أخبرتها كليوباترا بأن تهرب سرا مع ابنها وتأتي إلى مصر. بدت هذه فكرة جيدة لألكسندرا، ووضعت الخطة التالية: صنعت نعشين كما لو كانت ستنقل جثث موتى ودخلت فيهما هي وابنها بعد إعطاء الأوامر للذين يعلمون بالخطة من خدمها بنقل النعشين بعيدا عن القصر في أثناء الليل. ذهبوا بعد الخروج من القصر إلى البحر وكانت توجد سفينة في انتظارهما من أجل الإبحار بهما إلى مصر. إلا أن خادمها إيسوب ذكر الخطة بتهور لسابيون أحد أصدقائها، ظنا منه بأنه على علم بها، وقبض على ألكسندرا وهي تهرب (3. 2. 48).
ربما يظهر التشابه بين هذا الموقف ولقاء كليوباترا المبكر بالقيصر، عندما اختبأت حتى تستطيع دخول القصور الملكية. هيرودس «تغاضى عن جرم ألكسندرا لأنه لم يجرؤ على اتخاذ أي إجراءات قاسية تجاهها، حتى وإن كان يرغب في هذا؛ لأن كليوباترا بدافع كرهها له لم تكن لتسمح باتهامها.» والغرض من هذه القصة أن يتمكن يوسيفوس أن يظهر أن هيرودس «تصرف بنبل» عند التعامل مع الموقف.
في المجلد 15 (3. 5. 62-65) يذكر المزيد من تدخل كليوباترا، فيقول يوسيفوس، على عكس المصادر التاريخية الأخرى، أن:
ألكسندرا كتبت إلى كليوباترا عن خطة هيرودس وقتل ابنها. ونظرا لأن كليوباترا كانت ترغب منذ وقت طويل أن تأتي من أجل مساعدة ألكسندرا استجابة لتوسلاتها، وأشفقت على حظها السيئ؛ فقد جعلت الأمر كله شغلها الشاغل، ولم تتوقف عن حث أنطونيو على الانتقام لمقتل ابن ألكسندرا؛ إذ قالت إنه لم يكن من الصواب أن يقدم هيرودس، الذي عينه أنطونيو ملكا على دولة لم يكن له الحق في حكمها، على مثل هذا الفعل غير الشرعي تجاه ملوكها الفعليين.
قيل إن تدخل كليوباترا هذا حدث في عامي 35-34 قبل الميلاد، عندما كان أنطونيو في مصر. ويشار إلى المزيد من ظلم كليوباترا لهيرودس في المجلد 15 (3. 8. 75-77)، عندما عاقب أنطونيو الملكة على ما يبدو لتدخلها في شئون هيرودس. يشير يوسيفوس إلى أن اهتمام مصر بهيرودس كان بالكامل من أجل ضم أراضي يهودا كجزء من أراضيها. ويذكر طمع الملكة مرة أخرى في الموضع 3. 8. 79، عندما يقول المؤلف إن أنطونيو أعطاها سوريا الجوفاء.
يحمل يوسيفوس كليوباترا أيضا مسئولية الحروب التي نشبت بين هيرودس والملك النبطي مالخوس (5. 1. 110 و5. 3. 131-132)، التي كانت في صالحها وكانت وسيلة للحصول على المزيد من الأراضي. يشار أيضا إلى استحقاق الملكة اللوم في الموضع 6. 6. 191 عندما قيل لأنطونيو إن الطريقة الوحيدة لإنقاذ نفسه وسلطته هي التخلص من كليوباترا. وعقب سقوط كليوباترا وأنطونيو، قيل إن مريم التي ذكرت مسبقا لم ينقذها من الموت إلا هيرودس بسبب هزيمتهما (7. 3. 215). حصل هيرودس نفسه على 400 من أهالي بلاد الغال الذين كانوا حراسا شخصيين لكليوباترا بالإضافة إلى مكاسبه من الأراضي (7. 3. 217). وفي المجلد 15 (2. 6. 28) توجد إشارة أيضا إلى حبيب أنطونيو أو جنديه المفضل كوينتوس ديليوس (أيضا في كتاب يوسيفوس «آثار اليهود القديمة» 14. 394 و«الحرب اليهودية» 1. 290)، الذي تركه وانضم إلى أوكتافيان قبل معركة أكتيوم. كتب ديليوس فيما بعد قصة عن حملات أنطونيو على بلاد فارس، التي ذكرها هوراس (القصيدة الغنائية 2. 3).
في جزء لاحق من المجلد 15 (7. 9. 256-258) ورد تعليق يتحدث عن أحداث ماضية ويتناول سالومي (أخت هيرودس) التي تزوجت من حاكم منطقة إدوم، وكانت إحدى الشخصيات النسائية الأخرى البارزة التي يعتقد بوضوح أنها كانت تتدخل في الشئون الدولية. طالبت سالومي بالسيطرة على أراضي دولتها، وعرضت إعلان ولاء دولتها إلى الملكة. ويقال إن كليوباترا طلبت من أنطونيو الحصول على هذه المنطقة لكنه رفض.
في كتاب «الحروب الأهلية» (4. 61) يصف أبيان بالتفصيل أفعال كاسيوس، الذي طلب المساعدة من كليوباترا وسيرابيو (نائبها في قبرص)؛ فيقول إن الملكة رفضت مساعدته بسبب معاناة مصر من المجاعة، لكن أبيان يضيف أن السبب الحقيقي كان تعاونها مع دولابيلا وإرسالها إليه بفيالق وأسطول. أرسلت كليوباترا أسطولها لمساعدة أوكتافيان وأنطونيو ضد كاسيوس، ويقال لنا إن كاسيوس اعتقد أن مصر دولة ضعيفة بسبب ما بها من مجاعة وبسبب ترك الفيالق الرومانية لها. ترجع أسباب دعم كليوباترا لأوكتافيان وأنطونيو إلى علاقتها بقيصر (الذي كانا يدافعان عن اسمه) وأيضا بسبب خوفها من كاسيوس، وبذلك تظهر نوعين من المشاعر التي تتسم بها النساء عادة. يقول أبيان أيضا في كتابه «الحروب الأهلية» (4. 82) إن الأسطول دمرته عاصفة على السواحل الليبية وإن كليوباترا عادت إلى وطنها معتلة الصحة. (5) موكب الانتصار على الملك الأرميني وعطايا الإسكندرية
عقب عامين عصيبين من الحملات على فرثيا ثم أرمينيا، انتصر أنطونيو في النهاية، وأحضر ملك أرمينيا المهزوم معه إلى الإسكندرية وقدمه إلى كليوباترا (يوسيفوس، «آثار اليهود القديمة» 15، 4. 3. 104). ارتدى أنطونيو لهذا الموكب زي ديونيسوس، في إشارة واضحة إلى بطليموس الثاني عشر الذي أظهر نفسه على أنه ديونيسوس الجديد. يشير عدد من الكتاب إلى هذا الحدث، الذي وقع في معبد سيرابيس. استقبلت كليوباترا ضيوفها وهي تجلس على عرش من الذهب (بلوتارخ، «حياة أنطونيو» 50؛ ديو
XLIX 41. 1 ). ثم أقيم احتفال آخر، وهو حدث أصبح يعرف باسم عطايا الإسكندرية . أقيم هذا الاحتفال في ساحة عامة أكبر وهي ملعب الألعاب الرياضية. في وصف بلوتارخ («حياة أنطونيو» 50) يقول للقارئ إن ملك أرمينيا المهزوم أرسل إلى الإسكندرية من أجل كليوباترا ومصر؛ مما يشير إلى أن نفوذ كليوباترا كان له تأثير أوسع نطاقا بكثير.
ذكرنا بالفعل عطايا الإسكندرية عند الحديث عن تشبه كليوباترا بالإلهة إيزيس. توجد روايتان لهذا الحدث في كتاب بلوتارخ «حياة أنطونيو» 54. 5-9، وكتاب ديو «التاريخ الروماني» 49. 40. 2-41. 4 (جونز 2006: 115-117). أقيم هذا الاحتفال عقب انتصار أنطونيو في حملته على أرمينيا واستخدمه المؤلفون الرومان بهدف إظهار زيادة تطبع مارك أنطونيو بالطبع «الشرقي»؛ إذ لم يكن أسلوب الاحتفال هو الأسلوب الروماني المعتاد في الاحتفال بالانتصار العسكري. الأهم من هذا أن هذه الفقرات التي تصف الحدث في هذه الكتب تثبت عدم ارتباط أنطونيو بروما؛ حتى إن بلوتارخ يقول الأمر نفسه في تعليقه على الاحتفال.
يقول بلوتارخ إن الاحتفال الرئيسي أقيم في ملعب الألعاب الرياضية، حيث وضعت منصة من الفضة عليها عرشان من الذهب لكليوباترا وأنطونيو، وعروش أصغر حجما للأطفال. قدم أنطونيو كليوباترا بوصفها ملكة مصر وقبرص وليبيا ووسط سوريا، وبطليموس الخامس عشر على أنه شريكها في الحكم. حصل ألكسندر هيليوس على أرمينيا وميديا وفرثيا. وحصل بطليموس فيلاديلفوس على فينيقيا وسوريا وقيليقية. يقول بلوتارخ أيضا إن ابني أنطونيو حصلا على لقب ملك الملوك. كان البطالمة يرتدون زيا مناسبا لهذه المناسبة؛ فقد كانت كليوباترا ترتدي زي إيزيس وتحمل لقب إيزيس الجديدة، وكان ألكسندر هيليوس يرتدي غطاء الرأس المميز لأهالي منطقة ميديا، وبطليموس فيلاديلفوس يرتدي حذاء الجندي طويل الرقبة، وعباءة وقبعة من الصوف وتاجا إشارة إلى أسلافه المقدونيين. لم تذكر كليوباترا سيليني في هذا الموضع، ونص الفقرة كالتالي (53):
بعدما امتلأ الملعب بحشد من الناس ووضع على منصة من الفضة عرشان من الذهب، أحدهما لأنطونيو والآخر لكليوباترا، وعروش أخرى أصغر حجما لأبنائه، أعلن أنطونيو أولا: أن كليوباترا هي ملكة مصر وقبرص وليبيا وسوريا الجوفاء، وتتشارك في حكمها مع بطليموس قيصر. هذا ويوجد اعتقاد بأن بطليموس قيصر هو ابن قيصر الراحل، الذي ترك كليوباترا حاملا به. وثانيا: أعطى لأبنائه من كليوباترا لقب ملوك الملوك، وخصص لألكسندر أرمينيا وميديا وفرثيا (حين يتم إخضاعها)، وأعطي لبطليموس فينيقيا وسوريا وقيليقية، وفي الوقت نفسه قدم ولديه؛ ألكسندر مرتديا زي ميديا، الذي يشمل تاجا وغطاء رأس عموديا، في حين ارتدى بطليموس حذاء طويل الرقبة وعباءة قصيرة وقبعة واسعة الحافة محاطة بإكليل؛ فقد كان هذا الزي هو زي الملوك الذين جاءوا بعد الإسكندر، بينما كان الزي الأول زي أهالي ميديا وأرمينيا. وبعدما احتضن الولدان والديهما حصل أحدهما على حارس شخصي أرمني وحصل الآخر على حارس مقدوني. (ترجمة ثاكري، طبعة لوب)
في رواية ديو نجد أن الملك الأرمني وأسرته أحضروا إلى كليوباترا، التي كانت تجلس على عرش من الذهب فوق منصة من الفضة. وعقب هذا العرض أقام أنطونيو مأدبة لأهالي الإسكندرية وكليوباترا وأطفالها وجلس معهم. وفي خطابه أعلن كليوباترا ملكة الملوك، وبطليموس الخامس عشر ملك الملوك. وأعطى لكليوباترا وابنها حكم مصر وقبرص. وأعطى إلى أصغر أبنائه، بطليموس فيلاديلفوس، حكم سوريا وكافة أراضي وادي نهر الفرات حتى مضيق الدردنيل. حصلت كليوباترا سيليني على ليبيا وبرقة، وأخيرا حصل ألكسندر هيليوس، توأمها، على أرمينيا والأراضي الموجودة على طول نهر الفرات حتى الهند.
كانت المشكلة، كما يشير ديو، أن هذه الأراضي لم تكن ملك مارك أنطونيو ليهبها. أشار بعض الباحثين إلى أن عطايا الإسكندرية كانت مجرد عرض وأنه فعليا لم يحصل أي فرد على أية أراض (شوفو 2002: 60). ومع ذلك توجد في النص التاريخي بعض السمات التي تحتاج إلى مزيد من الدراسة؛ فقد غضب مجلس الشيوخ الروماني عند سماع أخبار هذه العطايا (بلوتارخ «حياة أنطونيو» 55)، ويبدو أن تفاصيل محتوى هذا الاحتفال استخدمت في هذا السياق من أجل التأكيد على طبيعته التي اتسمت بالتباهي.
في رواية بلوتارخ جلس الأطفال، بما فيهم بطليموس الخامس عشر، على عروش أصغر حجما تحت عرشي كليوباترا وأنطونيو. أما في رواية ديو تتميز كليوباترا عن الآخرين بجلوسها على عرش. إذا كانت الروايات دقيقة فإن كليوباترا تلعب دورا مختلفا تماما عن ذلك الذي يظهر على نقوش المعابد المصرية البارزة التي يظهر فيها بطليموس الخامس عشر؛ ففي دندرة يسيطر الحاكم الشاب على المشاهد التي تظهره في موقعه عندما تكون معه والدته بالإضافة إلى ظهوره وحده عادة على الجدران الداخلية. يقول ديو إن ألقاب ملكة الملوك وملك الملوك منحت إلى الملكة وابنها، وهو ما يتفق أكثر مع الصور التي عثر عليها في المعابد. ومع ذلك، يقول بلوتارخ إن لقب ملك الملوك لم يمنح إلا لأبناء مارك أنطونيو. ويمكنني توقع أن كليوباترا سيليني حصلت على بعض الأراضي، كما جاء في رواية ديو، لكن كان هذا أمرا غير مسبوق حتى بمعايير البطالمة؛ ففي المجتمعات القديمة كان بالطبع يفترض بالنساء الزواج والانتقال إلى دولة أزواجهن. ربما كانت الأمور ستختلف إذا كان بطليموس قيصر بنتا، وربما كانت كليوباترا عندها ستحكم مع ابنتها. كانت تلك ستصبح مشكلة مثيرة للاهتمام تحتاج إلى حل. لعب أنطونيو طوال العرض دور حاكم دولة أجنبية. لا يرد في أي موضع في المصادر التاريخية أي ذكر لحكمه لمصر، وفي الواقع كان يتصرف، على حد قول ديو، باسم يوليوس قيصر.
يقال إنه تمثالين لألكسندر هيليوس بالرداء الشرقي ما زالا موجودين (ووكر وهيجز 2001: 250-251، رقم 270). يظهر التمثالان شابا يتمتع بوجه ممتلئ مستدير شبهه البعض بالوجه الذي يظهر في صور الإمبراطور نيرو (هيرمان 1988: 288-293)، لكنه لا يختلف كثيرا عن صور بطليموس الثامن، خاصة فيما يتعلق بوجود الوجه الممتلئ والذقن الممتلئ المستدير والعينين القريبتين إحداهما من الأخرى. يعتبر التمثالان كبيرين حجما بالنسبة للتماثيل المصنوعة من سبيكة نحاسية؛ أحدهما يوجد حاليا في متحف متروبوليتان ويصل ارتفاعه إلى 64 سنتيمترا. يرتدي الطفل نوعين مميزين من الملابس؛ غطاء رأس على شكل هرم وبنطالا طويلا على الطراز الذي يرتديه الفرس عادة في الفن الإغريقي. ومع ذلك، لا يوجد شيء محدد يمكن من خلاله تحديد هوية هذا التمثال على أنه تمثيل لألكسندر هيليوس في زيه الشرقي في أثناء الحفل.
يقول يوسيفوس («آثار اليهود القديمة» 15. 4. 1. 88-95) إن أنطونيو أعطى كليوباترا المدن التي تقع بين النهر الكبير الجنوبي (إليوثروس) ومصر باستثناء مدينتي صور وصيدا، اللتين تعرفان أنهما كانتا حرتين منذ عهد أسلافه، رغم «أنها طالبت بشدة بالحصول عليهما» (ترجمة ثاكري، طبعة لوب). في 4. 4. 106 يرد ذكر هيرودس مرة أخرى وهو يمدح كليوباترا التي كان عليه استئجار أرضه منها. وعند ذكر أن هيردوس كان سيعرض نفسه لخطر إذا لم يفعل ذلك فإن هذا لا يشير إلى سلطة الملكة فحسب وإنما إلى تأييد أنطونيو لها وبالتالي الرومان. (6) عملات كليوباترا وأنطونيو في الخارج
ضرب عدد من العملات احتفالا بالأراضي التي حصلت عليها كليوباترا حديثا. في بعض الأحيان تظهر كليوباترا وأنطونيو معا على العملة، بحيث تكون الملكة على أحد وجهي العملة والقائد الروماني على الوجه الآخر.
ضرب بعض العملات في خالكيس، إحدى المناطق التي حصلت عليها كليوباترا من مارك أنطونيو، ويظهر على أحد وجهي العملة رأس كليوباترا وكتفاها، وعلى الوجه الآخر يظهر أنطونيو. وفي أحيان أخرى كان يحل إله معروف محل أنطونيو (ووكر وهيجز 2001: 233، رقم 214-217). صدرت العملات التي ضربت في الفترة بين عامي 32 و31 قبل الميلاد باسم كليوباترا ويقول الكلام المنقوش عليها «للملكة كليوباترا». تظهر كليوباترا كحاكمة؛ فشعرها مصفف ومربوط إلى الخلف كالمعتاد وترتدي إكليلا. لا يظهر من صورة مارك أنطونيو إلا الرأس والعنق. وتتشابه الصورتان من حيث التأكيد على ملامح الوجه الجادة، والعين الكبيرة، التي تعتبر دون شك إشارة إلى سلالة هرقل التي ينتميان إليها بشكل أو بآخر (ووكر وهيجز 2001: 236).
تظهر العملات التي ضربت في أنطاكية حدوث تطورات في شكل ملامح هذين الحاكمين (ووكر 2003ب)؛ فيظهر أنطونيو وكليوباترا مرة أخرى كل على حدة على عملات ضربت في هذه المنطقة، ويظهران معا أيضا، فتظهر كليوباترا على التيترادراخما الفضية، التي ضربت بين عامي 37 و32 قبل الميلاد، على أحد وجهي العملة مع عبارة «الملكة كليوباترا ثيا الثانية». يعني مصطلح «ثيا» الإلهة بالإغريقية، ويشير أيضا إلى أحد أسلاف كليوباترا؛ كليوباترا ثيا. يظهر أنطونيو على الوجه الآخر للعملة مع عبارة «أنطونيو الإمبراطور للمرة الثالثة وعضو الحكومة الثلاثية». يشبه شكلهما الشكل الموجود على عملات خالكيس؛ فلا يظهر من كليوباترا إلا رأسها وكتفاها، وترتدي في هذا التمثال رداء مزخرفا وقلادة، ولا يظهر أنطونيو إلا عند أسفل رقبتها. ظهر الحاكمان كلاهما على العملات التي ضربت في أنطاكية منفصلين أحدهما عن الآخر (ووكر وهيجز 2001: 234، رقم 218-222). في حالة كليوباترا تظهر الصورة نفسها والزي الذي ترتديه على عملات غير معروفة المصدر في شكل دنانير فضية (ووكر 2003: 509-510). تظهر كليوباترا على هذه العملات مع عبارة «ملكة الملوك وأطفالها الملوك» مكتوبة باللاتينية بدلا من الإغريقية كما هي العادة. ويحتفل أنطونيو بانتصاره على أرمينيا على أحد وجهي العملة بعبارة «مارك أنطونيو انتصر على أرمينيا». ويقال إن الدنانير ارتبطت على نحو مباشر بتخليد ذكرى عطايا الإسكندرية (ووكر 2003ب : 510).
كذلك ضربت عملات برونزية تظهر الزوجين الملكيين؛ كالمعتاد كليوباترا على أحد وجهي العملة وأنطونيو على الوجه الآخر، في بطلمية-عكا (ووكر وهيجز 2001: 235، رقم 231). وفي عام 34 / 33 قبل الميلاد، ضربت في مدينة دورا، على طول الساحل جنوب بطلمية، عملات يظهر عليها الحاكمان معا (جنبا إلى جنب وجه واحد من العملة).
يحاكي ظهور كليوباترا بالزي الشرقي على عدد من هذه العملات على الأرجح زيها الحقيقي في موكب احتفال عطايا الإسكندرية. لم يكن أنطونيو وكليوباترا أول الذين أظهروا هذا النوع من التبادل الثقافي؛ فقد اشتهر الإسكندر بارتداء ملابس الشعوب التي يهزمها ومن الواضح أن أسرة كليوباترا نفسها كانت متحمسة لأداء أدوارها المصرية.
إن ملامح وجه كليوباترا التي ظهرت على هذه العملات بالتحديد هي التي دفعت كثيرين إلى الإشارة إلى أنفها الكبير المعقوف وذقنها الحاد؛ فقد كانت هذه الملامح تحاكي ملامح وجه والد الملكة؛ بطليموس الثاني عشر، ويبدو أنها ظهرت بدورها في صور مارك أنطونيو. (6-1) عملات تظهر عليها كليوباترا وحدها
ضربت دار لسك العملة، يتحدد مكانها عادة بدمشق رغم أن هذا في الواقع غير مؤكد، عملات تظهر عليها كليوباترا (ووكر وهيجز 2001: 235، رقم 223-224 و230). إذا كانت هذه العملات ضربت في دمشق فإنها كانت تكريما لكليوباترا لأن هذه المدينة فعليا لم تكن منطقة تابعة للبطالمة (ووكر 2003ب: 510-511؛ ووكر وهيجز 2001: 235، رقم 230). تظهر الملامح الموجودة على العملة الملكة بإكليلها المعتاد، وربما كانت أنحف قليلا في النموذج الظاهر في الصور سابقة الذكر (ووكر وهيجز 2001) مقارنة بشكلها المعتاد. صدر هذا النوع من العملات في عام 37 / 36 قبل الميلاد و33 / 32 قبل الميلاد، ومن ثم في أواخر فترة حكم كليوباترا. تظهر الصورة رأس وكتفي الملكة بدلا من رأسها فقط وترتدي فيها قلادة مزخرفة.
ضربت عملات برونزية في فينيقيا أيضا وأرخت بأعوام مختلفة من حكم كليوباترا، بدأت من 37 / 36 قبل الميلاد، على سبيل المثال في أورثوسيا (ووكر وهيجز 2001: 235، رقم 225-226)، وطرابلس (ووكر وهيجز 2001: 235، رقم 227)، وبيريتوس (ووكر وهيجز 2001: 235، رقم 228-229). يظهر في هذه الصور الرأس والعنق فقط، وترتدي الملكة الإكليل المعتاد، وشعرها مقسم إلى خصلات عريضة ومربوط إلى الخلف . توجد أشكال متنوعة من الصور، لكن في الغالب كان الذقن والأنف بارزين على غرار ملامح صور بطليموس الثاني عشر. وفي بعض الصور يظهر القرطان بوضوح. (7) معركة أكتيوم وما بعدها
يوجد عدد من الأسباب لإعلان أوكتافيان الحرب على كليوباترا هي: طلاق أخته، والأراضي التي تنتمي فعليا لروما وأعطيت لكليوباترا، والأسلوب السافر الذي احتفى به أنطونيو بعلاقته بكليوباترا، على سبيل المثال بظهورهما معا على العملات.
في أثناء السنوات الأخيرة من حكم أنطونيو وكليوباترا قضيا وقتا طويلا خارج مصر (هولبل 2001: 244-247). وفي مطلع عام 32 قبل الميلاد استقر الزوجان في أفسس، وفي شهر أبريل من هذا العام ذهبا إلى جزيرة ساموس، وفي شهر مايو أو يونيو زارا أثينا. وفي شتاء عام 32 / 31 قبل الميلاد انتقل أنطونيو وكليوباترا إلى مدينة باتراس وفي الربيع التالي اندلعت الحرب، وانتهت في 2 سبتمبر عام 31 قبل الميلاد بمعركة أكتيوم، على الساحل الغربي لليونان.
في كتاب بلوتارخ «حياة أنطونيو» طوال الاستعداد للمعركة (60) تظهر كليوباترا بأنها لا تأخذ الأمور على محمل الجد، وفي الفصل 63 تلام على القرار المصيري بمحاربة أوكتافيان في البحر بدلا من البر؛ فقد تكون لدى أنطونيو قوة أكبر. لا تظهر كليوباترا فعليا في وصف المعركة، إلا في أواخر الفصل 66 عندما أدارت سفنها وتركت المعركة، ويشتهر أنطونيو بلحاقه بكليوباترا؛ ومن ثم هزم الزوجان على يد أوكتافيان والأسطول الروماني. وفقا لما يقوله بلوتارخ، بعد معركة أكتيوم وبعد فترة قصيرة من الاكتئاب (67 و69)، عاد الزوجان إلى الإسكندرية وإلى نمط حياتهما المستهتر. حلت رابطة «محبي الحياة المتفردين» وتكونت «رابطة الذين لا يفرقهم الموت»، وفي إشارة أخرى لتقبل كليوباترا للوضع القائم، يقول إنها بدأت في تجميع المخلوقات السامة واختبار سمها على المساجين (71).
يبدأ ديو (1) بوصف المعركة البحرية التي اندلعت في الثاني من سبتمبر. وعقب هروب أنطونيو وكليوباترا يقول إن أوكتافيان أرسل من يطاردهما لكنه عندما أدرك أنه لن يمسك بهذين الهاربين حول انتباهه إلى مؤيديهم والقوارب المتبقية، التي استسلمت دون قتال. في الفصل السادس لا يظهر أنطونيو وكليوباترا على أنهما رهينتان مكتئبتان وإنما يقال إنهما كانا يستعدان للحرب. ويظهر ديو أن خطتهما الاحتياطية كانت تتمثل في الإبحار إلى إسبانيا وتحريك ثورة فيها أو الذهاب إلى البحر الأحمر وشن حرب على روما من هناك. وتظهر كليوباترا أنها الأكثر خداعا. ويقول إنها أرسلت صولجانا وتاجا إلى أوكتافيان إشارة إلى أنها تقدم إليه مملكتها. يقول ديو إنها كانت تأمل أن يشفق عليها (على الأرجح لكونها امرأة). ثم يقول: إن أوكتافيان، بعد قبول الهدايا، عرض عليها صفقة بأنها إذا قتلت أنطونيو فسيعفو عنها ويتركها تحكم مصر.
يذكر ديو (7) قائمة بالحلفاء المزعومين الذين تخلوا عن أنطونيو وكليوباترا والذين استمر ولاؤهم لملوكهم. ويتحدث عن يأس كل من أنطونيو وكليوباترا في الفصل الثامن؛ إذ يقول إنهما أرسلا مبعوثين واحدا تلو الآخر يذكران أوكتافيان بصداقتهما معه ويعرضان عليه ثروة ضخمة. قبل أوكتافيان هدايا من ابن أنطونيو أنتيلوس لكنه لم يرسل إليه شيئا في المقابل. في حين يقول إنه في حالة كليوباترا «أرسل إليها كثيرا من التهديدات والوعود على حد سواء». يدعي ديو أن كليوباترا «جمعت كل ثروتها في قبرها، الذي كان يبنى على أراض ملكية، وهددت بإحراق نفسها معها كلها إذا فشلت في الحصول على أبسط مطالبها.» عندما أدرك أوكتافيان أنه لم يكن أفضل من يتفاوض مع الملكة، التي تظهر طبيعتها غير العقلانية في هذه الفقرة، أرسل أوكتافيان رجلا أعتق من الأسر اسمه ثيرسس ليتفاوض معها. يدعي ديو أيضا أن ثيرسس كان يفترض به أن يخبر الملكة أن «أوكتافيان يحبها» أملا في أن تترك أنطونيو لأنها «كانت تظن أنها تستحق أن يحبها كل البشر».
بعد فاصل قصير عن تحركات أنطونيو، عاد ديو إلى الحديث عن كليوباترا وأوكتافيان، وذكر استيلاء أوكتافيان على مدينة الفرما، التي سقطت «ظاهريا بسبب اجتياح الجنود لها، لكن السبب الفعلي في سقوطها كان خيانة كليوباترا». ويقول: إن السبب الرئيسي في ترك الملكة لهذه المدينة هو أنها كانت تعتقد أن أوكتافيان يحبها. ويواصل ديو حديثه قائلا إنه عند دخول أوكتافيان الإسكندرية منعت الملكة أهالي الإسكندرية من مهاجمته؛ لأنها «لم تتوقع الحصول على عفوه والسيادة على المصريين فحسب، وإنما على الإمبراطورية الرومانية بأكملها».
من ناحية أخرى، يذكر أن مارك أنطونيو (10) حاول منع أوكتافيان من الاستيلاء على الإسكندرية بالقوة والرشوة، عن طريق قذف منشورات على مخيم أوكتافيان يعرض فيها على جنود الأخير مكافآت إذا تركوا جيشه. هزم أنطونيو على البر وفي مساعيه لرشوة رجال أوكتافيان؛ لذا عاد إلى أسطوله، كما يرد، عازما على الاستعداد إما لمعركة بحرية أخرى أو الهروب إلى إسبانيا. ويقال إن رد فعل كليوباترا تمثل في حل الأسطول؛ مما يشير إلى عدم اتفاق بين الحبيبين. في ذلك الوقت حبست كليوباترا نفسها في ضريحها. كان تفسير ديو لترك كليوباترا لأنطونيو أنها كانت تأمل أن ينضم إليها. وفي تحليل نفسي لتصرف كليوباترا يقول ديو إنها كانت تأمل أن ينهي أنطونيو حياته عند سماعه لخبر وفاتها.
يقول ديو (15) إن أوكتافيان عفا عن أهالي الإسكندرية والمصريين الذين أيدوا كليوباترا. يواصل ديو حديثه فيذكر بعد الاستيلاء على مصر:
لم تمطر السماء ماء فقط في مكان لم تكن تسقط فيه قطرة ماء من قبل، وإنما أمطرت دماء، وظهرت ومضات من الدروع في السحب التي أمطرت هذه الدماء. وفي الأماكن الأخرى كان يدوي صوت قرع الطبول والصنج وموسيقى المزامير والأبواق، ثم ظهرت لهم فجأة أفعى هائلة الحجم وأصدرت صوت فحيح يصم الآذان. في الوقت نفسه شوهدت مذنبات وظهرت أشباح رجال أموات، وعبست التماثيل، وخار أبيس منتحبا وانخرط في البكاء. (ترجمة ثاير، طبعة لوب)
يقال إن كليوباترا أخذت كل القرابين حتى من «الأضرحة المقدسة»، وقد ذكر يوسيفوس هذه الفكرة أيضا.
يحتوي كتاب يوسيفوس «الحرب اليهودية» 20. 1. 389-391، و22. 3. 440 على إشارات إلى كليوباترا عقب حرب أكتيوم؛ ففي 20. 1 يقول: إن هيرودس قال:
عندما لم أعد حليفا مفيدا (عقب معركة أكتيوم)، أصبحت أقرب مستشار له [مارك أنطونيو]، وأخبرته أن الحل الوحيد لمشكلاته هو موت كليوباترا. ووعدت بإعطائه المال، وتوفير مكان لحمايته وجيش وأن أقف بجواره كرفيقه في ساحة المعركة ضدك يا أوكتافيان، شريطة أن يقتلها فحسب. لكن يبدو أن شيئا من هذا لم يدخل أذنيه بسبب افتتانه بكليوباترا وبتدبير من الرب الذي منحك السيادة. (ترجمة ثاير، طبعة لوب)
من الواضح أن يوسيفوس، في تسجيله لأفعال هيرودس، اتبع النهج الرسمي للرومان في إلقاء اللوم على كليوباترا بدلا من أنطونيو القائد الروماني الذي يسهل خداعه.
توجد أيضا أجزاء متفرقة من أوراق البردي باللغة اللاتينية تحتوي على فقرات تتحدث عن الأحداث عقب معركة أكتيوم، تحدث عنها جاروتي باللاتينية (1958). تصف هذه الأجزاء الصغيرة هروب كليوباترا بعد معركة أكتيوم (1958: 51-56)، وتتحدث عن كورنيليوس جالوس، الشاعر وأول حاكم على مصر (56-58)، وعن كليوباترا ومارك أنطونيو (58-61)، وعن كورنيليوس جالوس والفيالق الرومانية (61-67). تتحدث الأعمدة أيضا عن الفترة التي أعقبت وصول أوكتافيان إلى مدينة الفرما (70-76)، وتخطيط أنطونيو وكليوباترا للانتحار (81-86) مع وضوح تأزم الموقف.
عثر على نقش بارز من الرخام، يظهر على الأرجح سفينة حربية رومانية من معركة أكتيوم، في مقبرة كبيرة قديمة في مدينة برانستي. أصبحت هذه المدينة الصغيرة تعرف حاليا باسم بالسترينا وتقع في ضواحي روما النائية. تشتهر هذه المدينة بصنع قطع كبيرة من فسيفساء النيل، التي شكلت جزءا من الأسلوب الرئيسي المتبع في زخرفة المعابد الرومانية (ميبوم 1995؛ ووكر 2003ج). يوجد حاليا النقش الرخامي البارز لهذه السفينة الحربية في متاحف الفاتيكان (ووكر وهيجز 2001: 262-263، رقم 311). تنتمي هذه الكتلة في الأساس إلى إفريز وتظهر عليها سفينة حربية ذات صفين من المجاديف عليها 11 رجلا. نحتت هذه الأشكال بمستويات مختلفة من النقش البارز مما يجعل الشكل يبدو ثلاثي الأبعاد. على جانب الشكل يظهر جندي على صهوة جواد. تشير صورة مرسومة ظهرت في القرن السابع عشر للنقش نفسه إلى أنه جاء من مقبرة ترجع إلى عصر الجمهورية الرومانية، وهو ما يشير في هذه الحالة إلى أنه كان جزءا في الأصل من نصب تذكاري جنائزي (ووكر وهيجز 2001: 262). أثيرت علاقة النقش بمصر ومعركة أكتيوم على أساس التمساح الموجود بجوار مقدمة السفينة. وقيل إن صاحب هذا النصب التذكاري الجنائزي ربما كان أحد جنود أنطونيو في مصر في ذلك الوقت. كذلك وردت إشارة إلى الصلة بين فسيفساء بالسترينا من ناحية وكليوباترا وأنطونيو من ناحية أخرى (ووكر 2003).
الفصل الثامن
وفاة ملكة وميلاد إلهة
(1) المصادر المكتوبة
عقب وفاة كليوباترا مباشرة أحاطت التكهنات بمصرعها. تركز الروايات القديمة على طريقة انتحارها، خصوصا هل تناولت السم بنفسها أو لدغتها حية. يقول بلوتارخ («حياة أنطونيو» 86): إنه في ظل غياب الملكة عن موكب النصر في روما، أحضر أوكتافيان تمثالا للملكة ومعها حية. يترجم عادة الحال المستخدم في وصف الحية إلى اللغة الإغريقية في هذا السياق بتعبير «التشبث بقوة». إلى أي مدى أصبح هذا التمثال جزءا من الأسطورة هي إحدى القضايا التي تستحق أن نأخذها بعين الاعتبار، خاصة أن الإشارة إليه لم ترد إلا بعد مرور عدة سنوات على الحدث. يبدو محتملا أن يكون هذا الثعبان، نظرا لمحدودية فهم الرومان للصور المصرية في القرن الأول قبل الميلاد، مجرد رأس الأفعى الذي يميز التماثيل المصنوعة على الطراز المصري، وأن هذه الحية هي رأس الأفعى الذي يظهر على جبهة التمثال، ولا تعبر بالضرورة عن كليوباترا وإنما عن أية ملكة مصرية ترتدي الكوبرا الملكية. وبالطبع يستحيل تحديد المصدر الفعلي لقصة التمثال مع الكوبرا بدقة. يشكك المؤرخون في العصر الحديث في إمكانية تهريب كوبرا يبلغ طولها مترين إلى داخل الضريح. كذلك قيل إن التمثال نفسه هو مصدر فرضية انتحار كليوباترا عبر لدغة ثعبان. كذلك أشار جميع الكتاب الأوائل، مثل سترابو وفيرجيل وبروبيرتيوس وهوراس إلى أن كليوباترا انتحرت عن طريق لدغة أفعى سامة (وايتهورن 1994: 191-192). وهكذا يدور الجدل في حلقة مفرغة. بالطبع من المحتمل أن تكون الشائعة التي تحيط بوسيلة الانتحار لا تمت بصلة إلى الحديث عن التمثال. وتعتبر المشكلات المتعلقة بتحديد مدى دقة هذه الروايات جزءا من أسطورة كليوباترا. وأحيانا يكون من المفيد أن نشكك في الإشارات التي تدعم على نحو مناسب الخط السردي الشائع للرواية التاريخية، بدلا من مجرد تقبلها أو تبريرها.
يقدم هوراس في بعض المواضع رواية موجزة لوفاة كليوباترا. تعتمد هذه الرواية على معلومات معاصرة لا بد أنها انتشرت في قطاعات معينة من المجتمع الروماني، ومن الواضح أنها كانت تهدف إلى تكريم أوكتافيان ، الذي أصبح يسمى الآن أغسطس، وتعزيز مكانته، فهو راعي هذه المجموعة من الشعراء والرجل الذي أنقذ الوضع، وهو من يقول عنه هوراس إنه «أخرجها [كليوباترا] من حالة الجنون إلى حالة من الرعب الحقيقي»؛ أي أجبرها كما نقول اليوم على «التحكم في نفسها». تظهر كليوباترا في كتابات هوراس على أنها امرأة مضطربة لم تكفر عن ذنوبها بالانتحار إلا كي تنقذ نفسها من التعرض لمزيد من الإحراج. لم يكن من السهل أبدا أن تكون امرأة في عالم يحكمه الرجال، ويبدو من المنطقي استنتاج أن سمعة كليوباترا ساءت نتيجة لعلاقتها بأنطونيو، الذي يبدو أن تصرفاته تعرضت لنقد الكتاب المعاصرين، بصرف النظر عن علاقته بالملكة. وعليه نجد كليوباترا قد تورطت في فساد مارك أنطونيو، ونجد كذلك أن نقطة ضعفه المتمثلة في اتباعه للملكة فكرة رئيسية شائعة في المصادر المكتوبة. وفي نهاية قصيدة هوراس الغنائية نجد تفسيرا لانتحار كليوباترا لطالما استشهد به كثير من كتاب سيرتها، فيقول: إن كليوباترا لم تكن تريد الوقوع في الأسر ولا أن تعرض في روما على أنها إحدى غنائم الحرب.
في قصائد الرثاء لبروبيرتيوس 3. 11 تغلبت الضرورة الشعرية بحيث وصف الشاعر كيف أن كليوباترا قيدت وعرضت في الموكب في روما وعلامات لدغة الأفعى واضحة على ذراعيها (سلافيت 2002: 67-70). في الواقع تشير مصادر أخرى إلى تمثال للملكة. كتب سترابو بعد وفاتها بوقت قصير، في المجلد 17. 1. 10، وأشار إلى نظريتين تحيطان بالحدث؛ فكتب أن الملكة خضعت لسلطة أوكتافيان وهي على قيد الحياة لكنها سرعان ما أنهت حياتها بعد ذلك إما عن طريق «لدغة من أفعى أو عن طريق وضع دهان سام» (ترجمة ثاير، طبعة لوب). تشيع فكرة دهاء كليوباترا في الروايات التاريخية لوفاتها؛ فعلى سبيل المثال كتب فيليوس باتركولوس (2: 87) يقول: إن «كليوباترا تمكنت من مراوغة حراسها اليقظين وهربت أفعى إليها، وأنهت حياتها عن طريق لدغتها السامة دون أن يسيطر عليها خوفها كأنثى» (ترجمة ثاير، طبعة لوب).
لم يرد فعليا الحديث بالتفصيل عن وفاة كليوباترا إلا في كتابات بلوتارخ وكاسيوس ديو اللاحقة، فلم يكتب هذان الكاتبان إلا بعد وقت طويل من وقوع هذا الحادث وتحتوي الروايتان كلتاهما على أجزاء ظنية إلى حد كبير. كذلك فإن رواية بلوتارخ هي مجرد جزء في سيرة مارك أنطونيو. (1-1) وفاة أنطونيو
يعرف القارئ أنه عقب هزيمة مارك أنطونيو وكليوباترا في معركة أكتيوم وما تلا ذلك من فرار جيشهما، هربت كليوباترا إلى ضريحها (76) و«أنزلت الأبواب المعلقة المدعمة بقضبان ومزاليج وأرسلت رسلا يخبرون أنطونيو بوفاتها». في مقولة مزعومة يتحسر أنطونيو على أن كليوباترا كانت أكثر شجاعة منه بانتحارها؛ إذ اختارت الاختيار الكريم؛ حتى إن عبده إيروس استطاع إنهاء حياته، بينما فشل أنطونيو في محاولته لفعل هذا. حمل أنطونيو الجريح إلى نصب كليوباترا التذكاري. ويوجد اعتقاد في أن هذا البناء كان على مستويين أو كان مرتفعا عن الأرض؛ لأنه عندما لم تفتح الملكة الأبواب رفع أنطونيو حتى يستطيع الدخول (انظر أيضا ديو). يركز بلوتارخ كثيرا على هذا «المشهد المثير للشفقة» لهذا الحاكم الروماني الجريح وهو يرفع إلى كليوباترا. مرة أخرى يشار إلى قوة كليوباترا وهي تكافح من أجل ضم أنطونيو إليها. سرد بلوتارخ هذا المشهد بالتفصيل، كما لو كان شهده بعينيه:
كانت هذه المهمة تكاد تفوق قوة أية امرأة، ولم تستطع كليوباترا إلا بصعوبة بالغة، وهي تمسك بالحبل بكلتا يديها وتظهر على وجهها المشوه علامات الإنهاك، أن ترفعه إليها، بينما كان الموجودون على الأرض يشجعونها بصيحاتهم ويشاركونها في حزنها.
يرد وصف وفاة أنطونيو في الجزء 77؛ حيث مات متأثرا بجراحه.
يخبر بلوتارخ القارئ أيضا عن رغبات أنطونيو (58)، فيقول إنه ذكر في وصيته أن يرسل جثمانه إلى كليوباترا في مصر، لافتراضه على الأرجح أنه سيموت في معركة خارج البلاد. انتقد الرومان المآدب التي كان أنطونيو يقيمها، وقراءته لخطابات الحب على الملأ، وهداياه إلى كليوباترا. حتى إن ديليوس (الشاب المفضل لدى أنطونيو) يقال إنه كان يخشى على حياته (59). (1-2) كليوباترا وأوكتافيان
قال أوكتافيان إنه سيمنح كليوباترا أي شيء ضمن حدود المعقول شريطة أن تقتل أنطونيو أو تطرده من مصر. ويمثل وصول أوكتافيان إلى مدينة الفرما وما تلا ذلك من استسلامها بداية الاحتلال الروماني (بلوتارخ، «حياة أنطونيو»، 74). يعرف القارئ أيضا أن كليوباترا بنت «عددا من النصب التذكارية والمقابر المرتفعة الرائعة الجمال بالقرب من معبد إيزيس»، وأنها جمعت ثروتها كلها في مكان واحد. بعد هذا الفصل يركز بلوتارخ على وفاة الملكة (انظر الجزء القادم).
انتقالا من الحديث عن وفاة أنطونيو، يستمر بلوتارخ في كتابه «حياة أنطونيو» بالحديث عن العلاقة التي تلت ذلك بين كليوباترا وأوكتافيان (78). يقول بلوتارخ إن هذا القائد الروماني كان يخاف من احتمال إضرام كليوباترا النيران في ثروتها وإنه أراد القبض عليها حتى تشارك في موكب النصر الذي سيقيمه في روما. لا شك أن كليوباترا أدركت هذا المصير، فيقول المؤلف إن طلبها الوحيد من أوكتافيان كان تكرارا لجزء من التماسها الأصلي بالسماح لأطفالها بخلافتها وتولي الحكم في مملكتها. يتفق هذا مع تقديمها لبطليموس قيصر على أنه شريكها في الحكم ووريثها. وفي الفصل 83 تلتقي كليوباترا بأوكتافيان وجها لوجه. شمل وصف بلوتارخ لمظهرها الخارجي ملحوظة يقول فيها إن جاذبيتها وجمالها لا تزالان ظاهرة رغم حالة الأسى التي تمر بها. توجد رواية إضافية تحكي عن شخصية كليوباترا الحادة الطبع؛ فعند اكتشافها أن أحد خدمها أخبر أوكتافيان بأنها تخفي جزءا كبيرا من ثروتها قفزت الملكة على قدميها وأمسكت به من شعره ولكمته في وجهه.
تظهر قدرة كليوباترا على خداع أوكتافيان؛ ومن ثم إيقاعه في سحرها كما قد يفترض المرء، في هذه الفقرة أيضا . ادعت كليوباترا أن الكنوز التي وضعتها جانبا كانت هدايا لأوكتافيا وليفيا (الأولى أخت أوكتافيان والثانية زوجته)، ويخبرنا المؤلف أن القائد الروماني اعتبر هذا علامة إيجابية على رغبة كليوباترا في الحياة. (1-3) انتحار كليوباترا
يصور بلوتارخ في الفصل 60 سيدة تقبلت قدرها لكن يبدو أنها ما زالت تنكر المصير المحتمل الذي ينتظر حبيبها وكذلك وريث عرشها، فيقال إن كليوباترا طلبت أن يظل أطفالها على العرش في مصر وأن يعود أنطونيو إلى أثينا، إن لم يسمح له بالبقاء في مصر (بلوتارخ «حياة أنطونيو» 72). إلا أن طلبها هذا قد رفض (73).
يذكر بلوتارخ (79) بعد هذا أولى محاولات كليوباترا للانتحار، عندما حاول اثنان من رجال أوكتافيان إلهاءها وتسلق المبنى. حاولت الملكة طعن نفسها لكن منعها بروكوليوس، أحد رجال أوكتافيان، الذي بحث عندها عن سم. جاءت محاولة الانتحار الثانية، بالإضراب عن الطعام، عقب دفن جثمان مارك أنطونيو (82). وفي الفصلين 84 و85 يذكر حرق جثمان أنطونيو وإشراف كليوباترا على مراسم جنازته، بينما تخطط لموتها.
فيما يلي عرض لما ورد في الفصل 85 عن وفاة كليوباترا، فيقول بلوتارخ:
إذن حزنت كليوباترا على أنطونيو وتوجت الجرة التي تحفظ رماده بطوق من الزهور وقبلتها. ثم أمرت بإعداد الحمام لها، وعندما انتهت من حمامها استلقت وأحضر لها الخدم وجبة رائعة. في ذلك الوقت، وصل فلاح مصري يحمل سلة، وعندما سأله الحرس عما بداخلها، أزال أوراق الشجر الموجودة فوقها وأراهم أنها مليئة بالتين. اندهش الحراس من حجم التين وجماله، بينما ابتسم الرجل ودعاهم إلى أخذ البعض منه، وهكذا هدأت شكوكهم وسمحوا له بإدخال فاكهته هذه إلى الملكة. وعندما تناولت كليوباترا عشاءها، أخذت لوحا كانت قد كتبت عليه شيئا من قبل ووضعت عليه ختمها وأرسلته إلى أوكتافيان قيصر. لم يمض وقت حتى صرفت جميع خدمها عدا خادمتين مخلصتين وأغلقت أبواب الضريح.
حاول أوكتافيان إنقاذ الملكة عندما تسلم رسالتها، لكنه فشل. ويخبرنا المؤلف أنه عندما فتح حرسه القبر وجدوا كليوباترا في زيها الملكي ومعها خادمتاها إيراس وتشارميون تحتضران. يحتوي الفصل 86 على تحليل بلوتارخ للقصص المحيطة بوفاة كليوباترا. توجد قصتان محتملتان؛ الأولى: أنه كان هناك ثعبان مخبأ تحت أوراق الشجر في سلة التين وعندما أزالت كليوباترا التين لدغها في ذراعها. أما الرواية الثانية فتقول إن الثعبان أحضر في وعاء وإن الملكة استفزته بوخزه بإبرة ذهبية حتى هاجم ذراعها. أما النسخة الثالثة من هذه القصة فتبدو الأكثر احتمالا وهي: أن كليوباترا كانت تحمل مشطا مجوفا في شعرها تخزن فيه السم. تبدو حيرة بلوتارخ واضحة؛ فهو يقول إنه لم يعثر على أية أفعى ولم يبد على الملكة العلامات المعتادة لرد الفعل تجاه السم. ويعلق على هذا قائلا إنه ورد عن بعض الناس رؤية ثقوب في ذراعها. ويبدو أن أوكتافيان كان يدعم نظرية الثعبان؛ لأنه عرض في موكب انتصاره بدلا من الملكة نفسها تمثالا لها مع أفعى. دفنت كليوباترا بجوار أنطونيو ويقال إن جثمانها وضع بجوار جثمانه. أنقذ أرشيبيوس، أحد أصدقائها، تماثيلها ودفع إلى أوكتافيان ألفي تالانت من أجل إنقاذها. ويقال إن هذه التماثيل كانت مصرية وما زالت موجودة (ووكر وهيجز 2001).
يتحدث سويتونيوس أيضا عن وفاة كليوباترا، وإن كان بإيجاز، في كتابه «أغسطس المؤله» (17). فيقول للقارئ: إن أغسطس «أراد بشدة أن يسوق كليوباترا وهي أسيرة في موكب انتصاره، حتى إنه أحضر أفارقة معروفين بقدرتهم على التعامل مع الثعابين من أجل مص السائل المسموم من لدغة الثعبان في ذراعها.» ويقول أيضا إن أغسطس كرم الملكة ومارك أنطونيو بالسماح بإتمام العمل في القبر الذي بنت جزءا منه وبالسماح للاثنين بأن يدفنا معا.
كتب ديو، مثل بلوتارخ، عرضا مطولا لوفاة كليوباترا (بدءا من الفصل 10 فصاعدا)، وتشبه الرواية إلى حد كبير رواية بلوتارخ في كتابه «حياة أنطونيو». تبدأ القصة بهروب كليوباترا إلى قبرها ومعها رجل مخصي وخادمتان. وكما في رواية بلوتارخ ترسل رسالة إلى مارك أنطونيو تقول له فيها إنها قد ماتت. وفي رواية ديو طلب أنطونيو من الواقفين قتله، لكن رفيقه قتل نفسه. أراد أنطونيو أن يحاكي شجاعته وطعن نفسه بسيفه، وسقط على الأرض. اعتقد الباقون أنه مات. وهنا يرد وصف مفصل للقبر الذي حبست كليوباترا نفسها فيه، فيذكر المؤلف أن الأبواب كانت مغلقة بإحكام، لكن الجزء العلوي بالقرب من السقف لم يكن قد اكتمل بعد في ذلك الوقت. «حمل أنطونيو إلى الضريح ورفع إلى أعلى المبنى بالحبال التي كانت تتدلى من أجل رفع كتل الحجارة. وتوفي أنطونيو هناك بين ذراعي كليوباترا» (ترجمة ثاير، طبعة لوب).
في الفصل 11، بعد وفاة أنطونيو، استطاعت كليوباترا تحويل اهتمامها وعاطفتها تجاه أوكتافيان، إذا كان لنا أن نصدق كلام ديو. فيقول: إن كليوباترا وثقت في أوكتافيان، لكن ليس بالكامل. ويقول ديو: إن الملكة ظلت في ضريحها ومعها «نار من أجل إحراق ثروتها» ومجموعة من «الأفاعي والزواحف الأخرى من أجل قتل نفسها، وجربت هذه الحيوانات على أشخاص، حتى ترى كيف تقتل في كل مرة». كان هدفها شراء عفو والحفاظ على مصر. ويتفق هذا مع رواية بلوتارخ عن الأحداث.
يقول ديو، مثل بلوتارخ، إن أوكتافيان كان حريصا على الإمساك بكليوباترا وهي على قيد الحياة حتى يقدمها في موكب انتصاره. يوجد اتفاق بوجه عام بين المؤرخين القدماء والمعاصرين على أن خوف كليوباترا من حدوث هذا هو ما دفعها إلى الانتحار. وعقب المحاولة الأولى الفاشلة، أرسل أوكتافيان رجلا محررا آخر إلى كليوباترا وهو جايوس بروكوليوس، الذي قبض على الملكة قبل نهاية اجتماعه بها، وأبعد عنها الأشياء سابقة الذكر التي قد تؤذي بها نفسها وتدمر بها أيضا ثرواتها. هكذا لم يبق أمام كليوباترا إلا أن تحنط جثمان أنطونيو ثم أخذت فيما بعد من الضريح إلى القصور الملكية. بعدها طلبت الملكة لقاء أوكتافيان.
يصف الفصل 12 بالتفصيل اللقاء بين كليوباترا وأوكتافيان، ويسهب ديو في وصف محاولة كليوباترا إغراء القائد الروماني. إن صورة كليوباترا في هذا الموضع هي بلا شك وليدة الخيال الذكوري (انظر الفصل الأول): «وعليه جهزت غرفة رائعة وأريكة فاخرة، وارتدت ملابسها بإهمال مصطنع، وفي الواقع كان زي الحداد يبدو جيدا عليها، وجلست على الأريكة.» يقول ديو إن كليوباترا أحاطت نفسها بصور يوليوس قيصر، وأمسكت بخطاباته. ويقول ديو إنه عندما دخل أغسطس قدمت له كليوباترا خطابات القيصر حتى تحاول إغراء عدوها، فكتب ديو يقول:
بعدما قالت هذا، أكملت قراءة الكثير من التعبيرات العاطفية التي كتبها القيصر. وعندها كانت تنتحب وتقبل الخطابات، ومن جديد ركعت أمام صوره وأخذت تظهر لها الاحترام والتبجيل. ظلت تحول عينيها تجاه أوكتافيان قيصر وترثي مصيرها بنبرات حزينة. وتحدثت بصوت مؤثر متسائلة مرة: «فما جدوى خطاباتك هذه لي يا قيصر؟» ثم أضافت: «لكنني أراك حيا في هذا الرجل الموجود هنا» ومن جديد هتفت «يا ليتني مت قبلك» مضيفة «لكن ما دام هو معي، فكأنك أنت معي». كان تلك هي أساليب الدهاء التي استخدمتها في حوارها وتصرفاتها، فكانت ترمقه بنظرات عذبة وتهمس إليه بكلمات رقيقة. (ترجمة ثاير، طبعة لوب)
يقول المؤلف إن أوكتافيان لم يظهر أية مشاعر تجاه أسيرته وفي يأس ألقت كليوباترا نفسها عند قدميه وبكت. تظهر كليوباترا في هذا الموضع ضعيفة الشخصية (فقد كانت امرأة في النهاية). وعند هزيمتها طلبت كليوباترا السماح لها بأن تدفن مع أنطونيو. أراد أوكتافيان بالطبع، كما يعلم القارئ، أن تظل كليوباترا على قيد الحياة (13)، وربما عندما أدركت كليوباترا هذا يقال إنها غيرت خططها وتظاهرت بعدم الرغبة في الموت. ولم ترد الوفاة في حد ذاتها إلا في فقرة قصيرة فيقول ديو:
أولا أعطت أبافروديتس رسالة مغلقة كي يوصلها بنفسه إلى أوكتافيان قيصر، ترجوه فيها أن يصدر أمرا بدفنها بجوار أنطونيو، وتظاهرت بأن الرسالة تتحدث عن أمر آخر، ثم بعد أن تخلصت بهذه الحجة من وجوده معها، بدأت في تنفيذ مهمتها، فارتدت أجمل ثوب لديها، وجلست في أنسب وضع ممكن، وأمسكت بيديها جميع شعارات الملكية، وهكذا ماتت. (ترجمة ثاير، طبعة لوب)
في الفصل 14 أفرد ديو لنفسه مساحة لتأمل التكهنات المحيطة بوفاة كليوباترا، فتحول إلى ما يشبه المحقق السري. ويبدو أن ديو لم يملك سوى القليل من الأدلة الحقيقية التي تدعم تكهناته، وربما لهذا السبب نجد هذه التكهنات في جزء منفصل عن وصف وفاة كليوباترا، فكتب ديو يقول:
من الواضح أن لا أحد يعلم الطريقة التي ماتت بها؛ إذ إن العلامات الوحيدة الموجودة على جسدها كانت مجرد ثقوب خفيفة على ذراعها. يقول البعض إنها وضعت أفعى على جسدها كانت قد أحضرت إليها في إناء للماء، أو ربما كانت مخبأة في بعض الزهور. يقول آخرون إنها دهنت دبوسا اعتادت ربط شعرها به ببعض السم الذي كان يملك خاصية أنه لا يؤذي الجسم في الظروف العادية على الإطلاق، لكنه إذا وصل ولو حتى إلى قطرة واحدة من الدم فإنه يدمر الجسم بهدوء ودون ألم. وإنها كانت تضع هذا الدبوس من قبل كالمعتاد في شعرها، لكن وقت وفاتها صنعت جرحا سطحيا في ذراعها وغرست الدبوس في دمها. حدثت وفاتها إما بهذه الطريقة أو بطريقة أخرى مشابهة، ومعها اثنتان من خادماتها. أما بالنسبة للمخصي؛ فقد ذهب بإرادته إلى الأفاعي عندما قبض على كليوباترا، وبعدما تعرض للدغ قفز داخل كفن كان معدا له. (ترجمة ثاير، طبعة لوب)
يقول المؤلف إن أوكتافيان صدمه خبر انتحار كليوباترا. يشير ديو أيضا إلى الأفارقة الذين ذكرهم سويتونيوس، الذين حاولوا إنقاذ الملكة. وعلى الرغم من ذكر ديو أن كليوباترا كانت تحتفظ بزواحف وتضع فكرة الانتحار في ذهنها، فإنه لا يذكر إلا أن المخصي قتل نفسه بلدغة ثعبان (بالدوين 1964: 182). ومع ذلك، فإن حقيقة ذكر كل من بلوتارخ وديو أن أغسطس حاول إنقاذ كليوباترا باستخدام قدرات الأفارقة تشير إلى أنه كان يعتقد أنها استخدمت سم الثعبان في الانتحار (بالدوين 1964: 182)، ورغم ذلك من غير المعروف إذا كان هذا الجزء من القصة قد استخدم لمجرد توضيح محاولاته لإبقاء الملكة على قيد الحياة. كذلك لا يعني تطابق روايتي مؤلفين بالضرورة دقة عملهما، وإنما أنهما استخدما المصادر المكتوبة نفسها في عملهما.
عندما فشل أوكتافيان في إنقاذ كليوباترا «أعجب بها وأشفق عليها على حد سواء، وحزن بشدة، كما لو كان قد حرم من كل مجد انتصاره.» يواصل ديو في الفصل 15 تحليل شخصية هذين الزوجين اللذين «سببا كثيرا من المآسي للمصريين وللعديد من الرومان؛ فشنا حربا ولقيا حتفهما بالطريقة التي وصفتها». يقول المؤلف إن الزوجين حنطا ودفنا في القبر نفسه.
يشكك عدد قليل من المؤلفين في صحة الظروف المحيطة بوفاة كليوباترا، ويفضلون تكرار الرواية المألوفة عن الأيام الأخيرة في حياة الملكة. في عام 1925 لم يكتف شبيجلبيرج بقوله إن كليوباترا السابعة ماتت بلدغة الثعبان فحسب بل زعم كذلك أن الدلالة الرمزية المرتبطة بالثعبان كانت مقصودة وطريقة الوفاة منتقاة بعناية. تتمثل الدلالة الرمزية التي أشار إليها شبيجلبيرج في الكوبرا الملكية التي تحمي الحكام وبعض الآلهة. ناقش جريفيث (1961: 113-118) هذه الفرضية وكان محقا إلى حد ما في شكه في فكرة تحول رمز الغرض منه حماية الحاكم إلى عكس الغرض منه . كان جريفيث محقا أيضا في شكه في نظرية أخرى قدمها شبيجلبيرج تقول إن الثعبان كان مرتبطا بالإلهة إيزيس؛ فإن هذه العلاقة، وفقا لاستنتاج جريفيثس، اختراع روماني ظهر في وقت لاحق ولا يوجد أي دليل من العصر البطلمي يشير إلى ظهور كوبرا مع إيزيس، باستثناء تلك التي كانت تزين تاجها أو تظهر على جبهتها (أشتون 2004ج: 56-60). هذا وقد ترسخت الدلالة الرمزية الكلاسيكية للثعبان على أنه كائن يرتبط بالهلاك قبل وفاة كليوباترا بوقت طويل، ونظرا لأن المؤلفين الذين ذكروا هذا الأمر كانوا أنفسهم جزءا من الثقافة الكلاسيكية فمن غير المنطقي استنتاج أن تكون نظرية الأفعى مرتبطة بالأدب الإغريقي (بالدوين 1964: 181). (2) المواقف القديمة تجاه الانتحار
لعبت روما دورا مهما في قصة انتحار كليوباترا، رغم أنه من المهم التأكيد على أن إزهاق الملكة لروحها أراحها إلى حد ما من نقادها؛ ففي الثقافة الإغريقية القديمة كان الانتحار بالسم وسيلة لإعدام السجناء، وربما كان سقراط أحد أشهر الشخصيات التاريخية التي أجبرت على شرب سم الشوكران. نشرت دراسة عن الانتحار في العالم القديم عام 1990 (فان هوف) وتضم أمثلة أسطورية وتاريخية، فيستعرض فان هوف أسباب الانتحار المختلفة ويستنتج أن كليوباترا يفضل إدراجها تحت فئة الانتحار الناتج عن الخزي أو لكونها «لم تعد ما كانت عليه» (فان هوف 1990: 107-120، خاصة 115)، وفي هذا الإطار تبدو دوافع الخزي (110) والرغبة في الهروب من الأسر (111) أسبابا محتملة. ومع ذلك، توجد أسباب أخرى يحتمل توافقها مع موقف كليوباترا، مثل اليأس (85-94) والحزن (99-105)، وهي أسباب معقولة أيضا لانتحار الملكة.
استعرضت الدراسة أيضا وفاة خدم كليوباترا بجانب وفاة الملكة، فيقول فان هوف إنه لم تكن هناك أمثلة سابقة قبل «الحقبة الهيلينية» على قتل الخدم لأنفسهم بسبب وفاة مالكهم (فان هوف 1990: 18). وهو استنتاج تعوزه الدقة؛ ففكرة دفن الخدم مع الموتى كانت موجودة بالفعل في الأسرة الأولى في مصر؛ فالمقابر الملكية في مدينة أبيدوس تشير إلى أن الحكام كانوا يدفنون مع خدمهم. كذلك يوجد بعض الروايات في مصر عن اختيار أشخاص على قيد الحياة ودفنهم بجوار مالكهم/أفراد أسرتهم. ومنذ عهد الفترة الانتقالية الثانية في مصر احتلت تماثيل شبتي/أوشبتي الصغيرة محل الخدم الحقيقيين؛ ومن ثم يبدو انتحار تشارميون وإيراس نابعا على الأرجح من مفهوم دعم المتوفى في الحياة الأخرى الموجود في الثقافة المصرية، بالإضافة إلى إظهار ولائهما للملكة.
تثني المصادر الرومانية المكتوبة على شجاعة كليوباترا بانتحارها. يصور هوراس كليوباترا على أنها شخصية فاسقة، لكنها تتمتع بشجاعة الرجال «فهي لم ترتعد من الخوف، مثل النساء، عند التفكير فيما قد يفعله الخنجر»، فيشير هوراس مرتين في البيت الشعري نفسه إلى شجاعتها وفي المقطع نفسه توجد إشارة إلى تسممها بسم الثعبان؛ فقد نظر الرومان إلى اختيارها الانتحار على الأسر بإعجاب شديد؛ فعلى الأقل تصرفت تصرفا شريفا، على ما يبدو.
وفي المجلد الثاني من كتاب فيليوس باتركولوس «الأحداث التاريخية» تصور كليوباترا على أنها مثال آخر على ضعف أنطونيو أكثر من كونها سببا في هلاكه. يكفر أنطونيو عن أخطائه بالانتحار في الفصل 87 ثم يخبر المؤلف القارئ بأن كليوباترا أنهت حياتها بسم أفعى «دون التأثر بخوف النساء». هذا ويلمح يوسيفوس («الحرب اليهودية» 1 20. 3. 396-397) إلى شجاعة كليوباترا في سياق الحديث عن وفاتها، وتظهر في القصيدة الغنائية 37 لهوراس، الذي كتب يقول: «زادت قسوتها عندما أصبحت في مواجهة الموت. فنظرت بشجاعة، كأنها لا تبالي، إلى حطام قصرها، ومدت يدها في جرأة ولمست الثعابين السامة، ثم رفعتها إليها وأحكمت قبضتها عليها، وقربتها منها كي يشرب قلبها حتى يرتوي من سمها الأسود» (ترجمة فيري 1997: 97).
نادرا ما يظهر الانتحار في الكتابات المصرية؛ فقد سمح للموظفين بإزهاق أرواحهم بعد مؤامرة الحريم التي حدثت في أثناء حكم رمسيس الثالث، الذي حكم تقريبا من 1184 حتى 1153 قبل الميلاد (تايلور 2001: 41). وحدثت حالة الانتحار الأخرى الوحيدة الموثقة جيدا بعد فترة من عهد كليوباترا السابعة؛ وكانت لأنتينوس حبيبة الإمبراطور هادريان، التي غرقت في النيل عام 130 ميلاديا (لامبرت 1984: 128-142). وتعتبر حالة الانتحار أو هذه الحادثة على وجه الخصوص - التي تزخر المصادر بالتكهنات عنها - مختلفة بسبب وجود اعتقاد في أن الذين يتعرضون للغرق هم مباركون (تايلور 2001: 41). منح الإمبراطور هادريان أنتينوس مكانة الربة وانتشرت العقيدة التي خصصها لهذه الإلهة الجديدة بنجاح من مصر إلى جميع أنحاء الإمبراطورية الرومانية.
يوجد أيضا نص أكثر قدما يعود إلى المملكة الوسطى (بردية برلين 3024؛ فوكنر 1956: 21-40)، يتوسل فيها رجل لروحه كي تنهي حياته. يقول هذا الرجل إن اسمه مبغوض أكثر من رائحة النسور (فوكنر 1956: 27، السطر 87)، ويقارن الموت «بتعافي رجل مريض، أشبه بالخروج من أبواب السجن بعد الاعتقال» (فوكنر 1956: 29، السطر 131). ومع ذلك لا أستطيع أن أرى في قراءة فوكنر للنص دليلا يشير إلى أن هذا الرجل يعتزم إزهاق حياته؛ فإنه يتوسل لروحه أن تخرج من جسده حتى يتسنى له خوض شعائر الانتقال الضرورية للحياة الأخرى. وينتقد المتحدث في هذا النص روحه لعدم قدرتها على التخفيف من معاناته ويتوسل إلى روحه أن تتصرف بعقلانية. وكما يشير فوكنر في تعليقه على النص، يذكرنا آخر سطرين بمشهد عودة الروح إلى الجسم بعد الموت، وأن هذا الرجل، وفقا للمعتقدات المصرية القديمة، إذا مات بأسباب طبيعية ودفن بالطريقة الصحيحة فإنه ليس ثمة ما يمنع روحه من العودة والسماح بميلاده مرة أخرى في الحياة الآخرة (1956: 40).
يتمثل المفتاح إلى الحياة الآخرة لدى المصريين في أن تظل أجسادهم الفانية سليمة حتى يتاح لروح الفرد العودة إلى جثمانه. وبمجرد أن يتمكن المتوفى من الإجابة عن مجموعة من الأسئلة ويظهر أن قلبه (ومن ثم ضميره) نقي وأخف فعليا من ريشة العدالة، فإنه يولد مرة أخرى في الحياة الآخرة عندما تشرق الشمس فوقه لمدة ساعة واحدة في كل ليلة (تايلور 2001: 15-44)؛ ومن ثم فإن مفتاح الحياة الآخرة لدى المصريين كان يتمثل في بقاء الجسم سليما. وكما يشير كثير من كتاب السيرة في العصر الحالي، لم تكن كليوباترا ملكة فحسب وإنما كانت إلهة في حياتها، ولهذا لم تكن تخشى الموت، كما تظهر النصوص. إن وجهة النظر هذه مبسطة إلى حد ما وبينما توجد روايات عن احتفال عامة الشعب بوفاة الملك؛ ومن ثم ولادته مرة أخرى في شكل أوزوريس، لم تتحول كليوباترا المتشبهة بإيزيس إلى حتحور الغرب بمثل هذه السهولة.
كان الملوك المصريون يحصلون على عبادة جنائزية، حيث يخصص مجموعة من الكهنة لرعاية المتوفى. كانت هذه المعابد منفصلة عادة عن القبور، حيث يرتاح الجسد، وتعبر عن الاستمرار الرمزي للاهتمام بروح المتوفى. يختلف هذا المفهوم عن العبادات البطلمية للملوك والملكات التي تظهر بعد موتهم، حيث يتحول المتوفى عند وفاته إلى إله؛ ففي السياقات المصرية التقليدية يمجد المتوفى في وضع الموت ولا يكتفى بمجرد الاحتفاء بحياته وانتقاله. تقع عبادة أرسينوي الثانية نوعا ما بين المفهومين؛ فنرى أن الملكة قبلت ضمن هيكل الآلهة، لكنها لم تحصل على هذه المكانة إلا بسبب وفاتها.
من ثم، عندما يشير المؤرخون في العصر الحديث إلى عدم وجود ما يدعو كليوباترا إلى السعي إلى الخلود بسبب مكانتها كإلهة وهي على قيد الحياة (وايتهورن 1994: 193)، فإنهم لا يدركون بالكامل مفهوم الموت لدى المصريين. يختلف هذا المفهوم تماما عن مفهوم الإلهة الحية. إن عبادة كليوباترا بوصفها أحد الآلهة ستستمر، لكن دورها كحاكمة فانية يحتم عليها التأكد من اجتيازها موقف الحساب من أجل الوصول إلى الحياة الأخرى. ويمكننا بالطبع في هذه الحالة افتراض أن كليوباترا كانت تمارس شعائر الديانة المصرية، فإذا كان أفراد العائلة الملكية المتوفون يدفنون وفقا للشعائر المصرية في عهد قديم يرجع إلى القرن الثالث قبل الميلاد، فمن المرجح أن يحصل حاكم في القرن الأول على مثل هذا الشرف. وإذا كان المصريون مخطئين رغم كل شيء في تصورهم للحياة الآخرة، فإن كل شيء كان مهيأ لحياة الإغريق الآخرة، لكن إذا عكسنا هذا الوضع فلن تتحقق النتيجة نفسها. (3) القتل: نظرية بديلة
لا توجد نظرية مؤامرة قديمة تدور حول علاقة أوكتافيان بوفاة كليوباترا. ومع ذلك، شكك بعض المؤرخين في أواخر القرن التاسع عشر في درجة تورط أوكتافيان في الحادث (وايتهورن 1994: 194). لم يكن التساؤل يدور بشكل مباشر حول قتل أوكتافيان لكليوباترا، وإنما بتسهيله لانتحارها عن طريق عدم توفير حراس لمراقبتها، فكما يشير وايتهورن لم يكن يجب سجن ملكة بالطريقة نفسها التي تسجن بها الشخصيات غير الملكية (1994: 195)، ويشير إلى إشارتين قديمتين لمحاولة انتحارها في كتابات بلوتارخ للدلالة على أن رغبتها تلك كانت مؤكدة. وبالطبع من المحتمل أن بلوتارخ كان يمهد بذلك لختام روايته. يدرك وايتهورن هذا الأسلوب الأدبي جيدا ويشير إليه في بداية الفصل الذي يتحدث فيه عن وفاة كليوباترا، لكنه يستخدم الإشارتين هنا من أجل إظهار عزمها على الموت. وأنا أذكر هذه النقطة لأوضح مدى سهولة إمكانية تقبل المؤرخ للأجزاء التي تدعم حججه في إحدى الروايات في حين يرفض الأجزاء التي لا تدعمها.
مؤخرا أبدت حلقة تليفزيونية خاصة مدتها ساعة من إنتاج شركة أتلانتك لقناة ديسكفري الولايات المتحدة/القناة الخامسة اهتماما بوفاة الملكة. في هذه الحلقة بعنوان «غموض وفاة كليوباترا» استخدم المحلل الجنائي بات براون مصادر رومانية مختارة من أجل تحديد هل انتحرت كليوباترا أم قتلت. لم يشكك أي من المصادر الرومانية في إنهاء كليوباترا لحياتها؛ ففي الواقع يبدو كثير من الكتاب المعاصرين والقدماء على حد سواء، حريصين على التأكيد على تعامل أوكتافيان الرحيم مع مارك أنطونيو والملكة عند وفاتهما. ولن يعرف أحد أبدا ما إذا كانت هذه الشفقة الظاهرية تخفي وراءها قاتلا وليس مجرد قائد أراد استعراض كليوباترا في موكب انتصاره. ومع ذلك ليس ثمة ما يدعم هذه النظرية؛ فلا تقدم التقييمات النفسية للحكام المتوفين الموجودة في المصادر الثانوية أية مساعدة تذكر في تحديد قدرة شخص ما على الانتحار. وتوجد المشكلة نفسها في الروايات القديمة لكنها تسمح لنا على الأقل بمعرفة الرواية الرومانية الرسمية لوفاة كليوباترا.
استنتج مقال عام 1990 أن كليوباترا كانت تعاني من اضطراب الشخصية النرجسية (أورلاند وآخرون، 1990: 169-175). يوصف اضطراب الشخصية النرجسية بأنه نمط متغلغل من الشعور بالعظمة، سواء كانت العظمة حقيقية أم خيالية. يشتهي المصابون بهذه الحالة الإعجاب ويفتقرون إلى التعاطف مع الآخرين. قد تصل المؤشرات على المرض إلى خمسة أو أكثر من الأعراض التالية: تضخم الإحساس بأهمية الذات، تضخيم المصابين لإنجازاتهم، تخيل النجاح أو الجمال أو الذكاء أو السلطة أو الحب المثالي، الاعتقاد في تميزهم أو تفردهم، الحاجة إلى إعجاب الأخرين المفرط بهم، وجود توقعات غير منطقية، استغلال الآخرين من أجل تحقيق أهدافهم، عدم الاستعداد لإدراك مشاعر الآخرين أو الاعتراف بها، الشعور بالحسد تجاه الآخرين أو الاعتقاد في حسد الآخرين لهم، التصرف بتكبر. من الواضح أن نقاد كليوباترا اعتقدوا أنها كانت تعاني من اضطراب الشخصية النرجسية، رغم أنهم لم يطلعوا بالتأكيد على مثل هذا التشخيص. وربما من الجدير بالذكر أن معظم الزعماء في التاريخ، كما يرد في المصادر الأدبية، لديهم على ما يبدو بعض من السمات السابقة. ولا يسعني إلا افتراض أن حقيقة كون كليوباترا امرأة جعلت السمات الشخصية التي تبديها، والتي عادة ما تدعم في الرجال، غير مقبولة أو مستهجنة. (4) مراسم الدفن القديمة والمعاصرة
في القرن الثالث قبل الميلاد حرق بعض الإغريق في الإسكندرية وحفظ رمادهم في إناء خزفي شاع استخدامه في حفظ الماء (يدعى هيدريا). وفي الجزء الأول من القرن العشرين عثر على كثير من هذه الأواني في الضاحية الشرقية الجنائزية من الحضرة في الإسكندرية؛ ولذلك عرفت هذه الأواني، التي ينقش عليها عادة اسم المتوفى، باسم «أواني الحضرة». أظهر التحليل أن كثيرا من هذه الأواني تم استيرادها من جزيرة كريت اليونانية ثم أضاف أهالي الإسكندرية عليها بصمتهم. ومع ذلك، لم يمض وقت طويل حتى بدأ الحرفيون المصريون في تقليد شكل هذه الأواني وزخارفها، وبالتالي سمحوا لعائلة المتوفى باختيار مشهد مناسب يعبر عن مهنة المتوفى أو هوايته المفضلة. ومن المرجح أيضا أن هذه الأواني كانت تصنع قبل الوفاة (لايتفوت في كتاب من تحرير ووكر وهيجز، 2001: 117-120).
من ناحية أخرى، كان قسم آخر من أهالي الإسكندرية - الصفوة على الأرجح - يدفنون في مقابر مزخرفة بإتقان. حمل بعض من غرف الدفن هذه ملامح مصرية، لكن سيطر الطراز الإغريقي على زخارفها وتوابيتها. حفرت جميع هذه القبور في الصخر لذا توجد تحت سطح الأرض، ويمكن الوصول إليها عن طريق درج (فنيت 2002: 46)، وتظهر القبور في منطقة الفنار القديم بحي الأنفوشي (القبر 2) المشاهد والسمات المعمارية التي تميز القبور المصرية التقليدية متجسدة في قبور إغريقية خالصة أقيمت في وقت قديم يرجع إلى القرن الثاني قبل الميلاد (فنيت 2002: 77-85). وتشبهها القبور الموجودة في منطقة مصطفى باشا كامل (فيداك 1990: 131-132). يحتوي القبر رقم 1 في هذا الموقع على سمات معمارية ورسومات على الطراز الإغريقي، لكنه يحتوي على تماثيل لأبي الهول تحمي المداخل إلى الحجرات المتعددة (فنيت 2002: 50-61). يقترب استخدام تماثيل أبي الهول في مقابر مصطفى باشا من الأسلوب الإغريقي، حيث كانت الحيوانات، خاصة الأسود، تحرس المقابر في القرن الرابع قبل الميلاد. في الثقافة المصرية تحمي عادة تماثيل أبي الهول أروقة المواكب في المعابد. كانت هذه القبور تنتمي إلى مواطن إغريقي غني لكنها لم تكن تذكارية على غرار القبور الملكية.
يوجد قبران آخران تجدر الإشارة إليهما في هذا السياق. يعرف الأول باسم قبر الألباستر (بوناكاسا ومينا 2000)، وارتبط عادة بقبر الإسكندر. كان كثيرا ما يفترض أن هذا البناء الصخري المنفرد يوجد فوق مجموعة من الحجرات الموجودة تحت الأرض، لكن عمليات السبر التي أجريت مؤخرا تحت البناء دحضت هذه الفرضية (أمبرور، مراسلات شخصية 2004). يوجد هذا القبر حاليا في منطقة تسمى المقابر اللاتينية، تقع على حدود المنطقة التي عرفت بأنها وسط المدينة القديمة. رغم مقارنة تصميم قبر الألباستر بالمقابر المقدونية، فإنه أكثر شبها بمقام مقدس في مظهره الخارجي، وربما كان جزءا مخصصا للدفن من معبد صغير أو ربما كان مجرد مقام.
يتخذ أحد القبور التذكارية القليلة التي لا تزال موجودة حتى الآن شكلا مصغرا من منارة الإسكندرية ويقع خارج الإسكندرية على بحيرة مريوط في قرية أبو صير (أمبرور 2002: 222-225). يوجد تحت البناء قبر صغير؛ وقد حفرت القبور في الصخر وهي ترجع إلى القرن الثاني قبل الميلاد، وليس واضحا إذا كان هذا النموذج الذي يبلغ ربع حجم المنارة كان يستخدم كقبر في الأساس أم أنه استخدم فقط كشاهد للقبر (أمبرور 2002: 225). يقول فيداك (1990: 133) إن هذا البناء كان جزءا من التصميم الأصلي للقبر.
يوجد أيضا ضريح الإسكندر وأسرة البطالمة الملكية، الذي عرف باسم سيما أو سوما. هذا الضريح السكندري هو ثاني ضريح للإسكندر؛ فقد كان جثمانه يوجد في البداية في العاصمة القديمة ممفيس (هولبل 2001: 15)، على الأرجح بينما كانت تبنى العاصمة الجديدة. هذا وتشير المصادر الأدبية القديمة إلى أن بطليموس الأول أنشأ عبادة للإسكندر في قبره وأن أفراد أسرة البطالمة الحاكمة دفنوا بجوار هذا الحاكم (هولبل 2001: 169-170). ويدعم هذه المصادر الكهنوت الذي سمي على اسمه والذي تكون من أجل خدمة عبادات حكام وملكات البطالمة المتوفين (أشتون 2003أ: 123-128 ملخص). وفي أثناء حكم بطليموس الرابع (222-204 قبل الميلاد) أعيد بناء قبر الإسكندر (زينوبيوس 3. 94، وسترابو 18. 1. 8)، وأدخلت إصلاحات على العبادات الملكية، فتوسع مجمع القبر والمعبد وتغير الطراز ليضم هرما؛ مما أضفى على شكل المقبرة مزيدا من الطابع المصري، لتحاكي المعابد الجنائزية للمملكة الحديثة.
ظلت عبادة بطليموس الأول وبرنيكي الأولى منفصلتين من البداية عن عبادة الإسكندر، لكن انضم إلى عبادته كل من عبادة بطليموس الثاني وأرسينوي الثانية. في أثناء مهرجان بطولمايا في 215 / 214 قبل الميلاد نقل بطليموس الرابع أيضا عبادة الإلهين المخلصين (بطليموس الأول وملكته) إلى داخل العبادة الملكية الرئيسية. لا يوجد سبب واضح للفصل الذي حدث في البداية، وربما اعتبرت هذه العلاقة الوطيدة بين الإسكندر وأحد قواده أمرا غير لائق. وكجزء من إصلاحات بطليموس الرابع بدأ أيضا عبادة خاصة بالأسرة الحاكمة في جنوب مدينة بطلمية وبني ضريح ضخم جديد (السيما) في الإسكندرية. لم يضم هذا القبر العبادات فحسب، بل ضم أيضا جثمان الحكام المتوفين. كان هذا القبر المشترك ما يزال في مكانه عندما زار أوكتافيان الإسكندرية وتسبب، كما تحكي الحادثة الشهيرة، في إسقاط أنف الإسكندر عندما عانق جثمانه (ديو
LI ، 16،
LXXV ، و13).
يشير هذا إلى أن الحكام كانوا يدفنون ولا يحرقون، ويوجد دليل آخر، كما أشرنا، من مرسوم كانوبوس يرجع إلى عهد بطليموس الثالث، يتحدث عن تحنيط الأميرة برنيكي. يظهر هذا أن العائلة الملكية كانت تدفن وفقا للشعائر المصرية (هولبل 2001: 109). ونظرا لاستمرار عبادة كليوباترا السابعة حتى أواخر القرن الرابع الميلادي، يبدو من المحتمل أنها حصلت أيضا على شعائر دفن مصرية كاملة، لكن لم يبق أي توثيق لهذا. يفترض بعض المؤرخين في العصر الحديث أن جثمان كل من كليوباترا ومارك أنطونيو حنطا (جريم 2003: 48). وعلى النقيض كان حرق جثث الموتى شائعا في روما في القرن الأول قبل الميلاد ، لذا كان من المتوقع أن يقع عليه اختيار أنطونيو؛ ومن ثم لا توجد أسباب كافية لتوقع عكس ذلك (ووكر 1985: 7 عن إحراق جثة أغسطس). يبدو حرق الجثث اختيارا بعيد الاحتمال ولا توجد سوابق لحالات حرق جثث ملكية في مصر. تشير الكلمات التي استخدمها بلوتارخ لوصف مكان دفن مارك أنطونيو والبناء الذي انتحرت فيه كليوباترا (الكلمتان الإغريقيتان
to taphno
و
to domation ) إلى قبر وضريح (بلينج 1988: 316، 322).
توجد معابد جنائزية وقبور ملكية مصرية قديمة قد تكون كليوباترا بنت ضريحها على غرارها. يمثل معبد حتشبسوت الجنائزي في الضفة الغربية من مدينة طيبة نظيرا محتملا لمعبد كليوباترا الجنائزي الصغير. يحتفي هذا البناء المهيب بإنجازات واحدة من ملكات مصر القلائل بطريقة تقليدية، وتكمن قوته أيضا في عرض الأقارب السيدات للملكة التي توفيت مؤخرا. بني معبد حتشبسوت؛ النصب التذكاري المهيب للحاكمة المتوفاة، بالقرب من موقع معبد أقدم يرجع إلى عهد المملكة الوسطى. تظهر الصور في النقوش البارزة التي تزين المعبد إنجازات هذه الحاكمة وتظهر قوتها في تأدية دور الملك.
يوجد نموذج آخر واضح ربما اقتدت به كليوباترا السابعة عند بناء ضريحها ألا وهو المقصورة الجنائزية سالفة الذكر لشبنويبت الأولى، زوجة الإله الملكية في الأسرة الخامسة والعشرين، ولأمنريدس، على الضفة الغربية أيضا في طيبة، داخل المعبد الجنائزي الأقدم لرمسيس الثالث في مدينة هابو (الشكلان
4-1
و
4-2 ). تظهر المشاهد الموجودة في المقصورة عبادة المتوفاة المؤلهة من خليفتها. حصلت هاتان السيدتان تماما مثل كليوباترا على مكانة مقدسة بسبب منصبهما، وتمتعتا بمزيد من السلطة نتيجة لمكانتهما المقدسة بوصفهما زوجتي الإله آمون (ماركوي وكابيل 2006: 115-116). (5) ضريح كليوباترا
يفترض المتخصصون في الدراسات الكلاسيكية أن تصميم ضريح كليوباترا كان إغريقيا؛ إذ تصور معظم «عمليات إعادة البناء» مبنى لا يختلف كثيرا عن قبور القرن الرابع مثل قبر الحاكم موسولوس في مدينة هاليكارناسوس، الذي يحتوي على غرفة تحت سطح الأرض ودور أول مرتفع عن سطح الأرض. أعاد فرومر (جريم 2003: 48-49) تصميم مخطط افتراضي لقبر كليوباترا على طراز إغريقي بالكامل. يتكون البناء المقترح من طابق أرضي وطابق أول، مع وجود أعمدة زخرفية في بوابة المبنى وباب في الطابق الأرضي. يحتوي الطابق الأول على نوافذ ويوجد بالداخل سلم واحد على الأقل يصل إلى هذا الطابق ورواق يسمح بدخول الضوء إلى داخل جميع أرجاء المبنى. شكك وايتهورن أيضا في صحة ولاء كليوباترا للثقافة المصرية، مشيرا إلى أنها كانت إغريقية مقدونية وظهرت على هذا النحو على العملات (1994: 193). لكن الأبحاث الأخيرة أظهرت أن كليوباترا كانت مصرية أكثر بمراحل من كونها إغريقية، ويجب ألا ننسى أن ضريحها كان في كثير من النواحي نصبا تذكاريا يعبر عن مشاعر شخصية عارمة، على عكس العملات التي صدرت في ظل وضع أهداف دولية وسياسية في الاعتبار.
لا يوجد دليل يدعم فرضية أن قبر كليوباترا كان بالكامل على الطراز الإغريقي؛ فعلى الأقل قد يفترض المرء وجود بعض الرموز المصرية، مثلما يوجد في بعض القبور الأقدم عهدا في الإسكندرية، كما أشرنا سابقا. يدعي بلوتارخ وديو أن المبنى كان مكونا من طابقين. وكما رأينا استخدم الكتاب القدماء رمزية الطابق الأول من أجل إظهار ضعف مارك أنطونيو (الذي رفع جسمه الضعيف المصاب إليه)، وضعف كليوباترا التي احتجزت فعليا مع ما بقي من ثرواتها. يفترض الباحثون بناء على هذا أن القبر كان على الطراز الإغريقي. بني بعض المعابد المصرية الجنائزية، مثل معبد حتشبسوت المذكور آنفا في الدير البحري، على عدة طوابق، وتحتوي معابد البطالمة على سلم بداخلها يصل إلى الطابق الأول. وعلى الأرجح يعتبر معبد حتحور في دندرة أكثر مثال مناسب على هذا من حيث تاريخه وارتباطه بكليوباترا السابعة. يعتمد كثير من الأمور على حجم القبر وقاعة الصلاة به وعلى ما إذا كان البناء، الذي يقال إن كليوباترا احتمت بداخله، كان فعليا القبر الذي اعتزمت أن تدفن فيه أم أنه كان بناء ملحقا به، ربما حتى خزانة مال. (6) موقع قبر كليوباترا السابعة
لم يعثر على قبر كليوباترا، أو على الأقل لم يتعرف عليه علماء الآثار؛ ونتيجة لهذا، نعتمد حتى في هذا الكتاب، كما ذكرنا سابقا، على المصادر الأدبية في وصف البناء، الذي لعب دورا محوريا في أيام الملكة الأخيرة، هذا إن كانت تلك المصادر دقيقة. لا يتعرض إلا عدد قليل من الكتاب في عصرنا الحالي لنماذج هذا البناء ولطريقة الدفن الصحيحة المناسبة لحاكم مصر. سنعتمد مرة أخرى على المصادر الأدبية لمعرفة موقع هذا القبر، فيقول بلوتارخ («حياة أنطونيو» 74) إن قبر كليوباترا كان بالقرب من ضريح/معبد الإلهة إيزيس. ويخبرنا بأن هذه المنطقة كانت مليئة بالمباني المرتفعة رائعة الجمال. ومع ذلك لم يذكر أي من المؤلفين القدماء في أي جزء من المدينة كانت توجد هذه المنطقة. وربما تساعد الأعمال الميدانية الحديثة في الإسكندرية في تحديد المكان الذي كان يوجد فيه معبد إيزيس الذي أنشأته كليوباترا، وربما يؤدي هذا بدوره إلى تحديد المنطقة التي كان الضريح فيها. يعتقد أن قبر كليوباترا كان منفصلا عن قبر الإسكندر والبطالمة. ويعتقد أيضا أنه لم يكن قد اكتمل في وقت ظهور الروايات الأدبية عن انتحارها، التي وردت عن بلوتارخ وديو. ومرة أخرى نعتمد على المصادر الأدبية الرومانية في الحصول على هذه المعلومات، لكنه كان تقليدا معتادا في السياق الثقافي المصري والروماني أن يبني الحاكم قبره في أثناء حياته.
في عام 2003 قيل إن ضريح كليوباترا السابعة ربما يكون ملحقا بمعبد إيزيس في الجهة الشرقية من مدينة الإسكندرية، المعروفة حاليا باسم سموحة، وعلى الحدود القديمة بين الحضرة ومدينة إلفسينا السكندرية (أشتون 2003أ: 120-122). يمكن تجميع الشكل الخارجي للمعبد سالف الذكر من وصف الموقع الذي ورد عن المسافرين في القرن الثامن عشر ومن الاكتشافات التي يمكن ربطها بهذا الموقع. تضم هذه الاكتشافات التمثال الضخم المزدوج (المذكور في الفصل السادس)، وأعمدة، وتماثيل لأبي الهول، ومعبدا مستديرا، وفيلا من الجرانيت (أشتون تحت الطبع 2007د). يوجد نظير لهذا الفيل في عصر الرومان ويشير إلى أن الموقع ظل مشغولا في أثناء الاحتلال الروماني. ومع ذلك، حتى حدوث المزيد من الاستكشاف للموقع، الذي يوجد حاليا تحت عدد من المدارس وموقف أوتوبيسات ومركز شرطة وأرض خاصة (أشتون 2005د)، فإن افتراض أن الضريح كان يوجد في الموقع؛ في الجزء الشرقي من المدينة، يجب أن يظل مجرد تخمين. إن شكل معبد إيزيس ينطبق عليه ما ذكره بلوتارخ («حياة أنطونيو» 74) عند حديثه عن القبر.
قرأ المسافرون على طائرات مصر للطيران في شهري يناير وفبراير عام 2006 عن قبر آخر مقترح لكليوباترا في أبي صير، التي تقع بالقرب من الإسكندرية على بحيرة مريوط. وقد بدأ العمل في هذا الموقع بعد اقتراح من عالمة آثار كلاسيكية من جامعة جمهورية الدومينيكان (كيه مارتينيز) بأن قبر كليوباترا قد يكون في هذه المنطقة. وفقا لما ورد في المقال، ستجري أعمال التنقيب تحت إشراف المجلس الأعلى للآثار المصري (حواس 2006: 22). وهكذا يستمر البحث عن كليوباترا.
الفصل التاسع
تراث كليوباترا
(1) الانتصار الروماني
انتصر أوكتافيان في خريف عام 29 قبل الميلاد كما ذكره ديو كاسيوس (المجلد 51، الفصلان 21-22):
كانت الممتلكات الأخرى رائعة ... لكن كان أبهاها وأفضلها تلك التي تخلد ذكرى مصر. ومن بين الأشياء التي حملت تمثال لكليوباترا وهي مستلقية في وضع وفاتها على أريكة، حتى يمكن عرضها في الموكب مع الأسرى الآخرين ومع أطفالها، الإسكندر هيليوس وكليوباترا سيليني. بعدما انتهى أوكتافيان من هذه الاحتفالات، افتتح معبد منيرفا (المعروف أيضا باسم كالسيديكوم)، ومبنى مجلس الشيوخ يوليا، الذي بني تكريما لوالده. وأرسل إلى هذا المجلس تمثال النصر، الذي لا يزال هناك، مدعيا على ما يبدو أنه تسلم الإمبراطورية منها [أي من إلهة النصر]. كان هذا التمثال ينتمي لأهالي تارانتو وأحضر من هناك إلى روما، ووضع في مجلس الشيوخ وزين بغنائم مصر. (ترجمة ميدوز 2001: 14)
ضربت عملات تحمل صورة تمساح تمثل مصر احتفالا بنصر أوكتافيان. وفي بلاد الغال حملت نسخة من هذه العملات شكل تمساح مربوط في نخلة ومعه إكليل النصر. وهكذا كان الاحتفال بالنصر الروماني خارج مصر. (2) مصر في عهد أغسطس
في عام 27 قبل الميلاد حصل أوكتافيان على لقب أغسطس من مجلس الشيوخ الروماني، وأعلن الحاكم نفسه المواطن الأول في النظام الجمهوري الجديد بعد استعادته، وأول إمبراطور لروما. ورغم أن هذا الإمبراطور كان يضمر العداء علنا تجاه الثقافة والديانة المصرية، فإنه استخدم مع هذا التماثيل المصرية في الترويج لانتصاره على كليوباترا . وكانت المعابد التي افتتحها أغسطس في مصر وسيلة واضحة للترويج لمركزه الجديد كحاكم للدولة. ومع ذلك عندما سئل عما إذا كان يريد رؤية ثور أبيس في ممفيس، رفض (ديو 51. 16). كانت تحضر المسلات من مصر إلى روما وتوضع في ميدان الإله مارس وسيرك ماكسيموس (ألفانو 2001: 286). وبالإضافة إلى هذا أدخل العديد من العناصر المصرية على تصميم أغسطس لضريحه الخاص. بدأ العمل في هذا الضريح مباشرة بعد عودة الإمبراطور إلى روما، ويقال إنه استخدم كمقارنة سياسية مباشرة مع مارك أنطونيو الذي ذكر في وصيته أنه يريد أن يدفن في مصر مع كليوباترا (زانكر 1990: 72-77). وضعت المسلات المصرية التي توجد في مدخل المقبرة الضخمة في الأمام إشارة لنصر أغسطس على منافسه. ووصف سترابو («الجغرافيا» 5. 3. 9) البناء وتمثال أغسطس، والحدائق التي توجد خلفه. زين البناء في وقت لاحق بقائمة بإنجازات أغسطس طوال فترة حكمه الطويلة.
لم يسيطر على روما «الهوس بالمصريات» حقا إلا في أواخر القرن الأول الميلادي. فلم تلعب العائلة الإمبراطورية دورا نشطا في الترويج للعبادات المصرية إلا في عهد الإمبراطور دوميتيان على وجه الخصوص. ولا يسع المجال في هذا الكتاب لمناقشة هذه المبادرات بأي قدر من التفصيل. ومع ذلك فإن شعبية مصر التي حدثت في القرنين الأول والثاني الميلاديين كانت دون شك بسبب كليوباترا، لا لمجرد أن هزيمتها أدت إلى إعلان سيطرة الرومان على ولاية مصر رسميا، وإنما لأن الكثير من أباطرة الرومان، تماما مثل البطالمة من قبلهم، كانوا يستمتعون بالطبيعة الغريبة للثقافة المصرية .
علينا التمييز بين العبادات والمعابد المصرية، وأساليب الزخرفة التي تتبنى طابعا معينا مثل تلك الموجودة في مدينة هركولانيوم وبومبي في منتصف القرن الأول الميلادي. وتعتبر قاعة إيزيس في هضبة بالاتين في روما خير مثال على الفئة الأخيرة من نظم الزخرفة المصرية وغالبا يقترب تاريخ صنعها من حكم أغسطس، وقد صنعت على الأرجح في عهد كاليجولا الذي ينحدر من سلالة مارك أنطونيو. يوجد من بين الصور صور لأفاعي الكوبرا وصلاصل وزهور اللوتس، ومن الواضح أن الغرض منها كلها الإشارة إلى مصر والعبادات المصرية (ياكوبي 1997).
مؤخرا ربط تفسير جديد للنقوش الزخرفية البارزة على إحدى المزهريات المصنوعة من الزجاج المنقوش، يطلق عليها عادة «مزهرية بورتلاند»، هذا الإناء الزجاجي بكليوباترا ومارك أنطونيو (ووكر 2004). صنعت هذه المزهرية في عهد أغسطس. وقد ظهر عدد من التفسيرات المقترحة للتصميم الزخرفي للمزهرية (ووكر 2004: 41-63). يتحدث النسق العام في الزخرفة عن إغواء سيدة مستلقية للشخصية الذكرية الرئيسية، وهو ما يرتبط بوضوح، حسبما اقترح ووكر مؤخرا، بقصة أنطونيو وكليوباترا، لا سيما كما وردت في رواية الكتاب الرومان لها. في التفسير الجديد للنقش تظهر كليوباترا وأنطونيو مع إيروس على أحد أوجه المزهرية، وعلى الوجه الآخر تجلس أوكتافيا على بقايا بناء متهدم، ويحيط بها أوكتافيان على يسار المشاهد وفينوس، إشارة إلى فينوس جينتريكس راعية عائلتهم، في جهة اليمين. وتوجد أمثلة أخرى على مصنوعات من الزجاج المنقوش ربما تشير إلى قصة أنطونيو وكليوباترا والانتصار اللاحق لأغسطس لروما (ووكر 2004: 61-63). (3) كليوباترا ومارك أنطونيو: تماثيل ما بعد الوفاة
من الخطأ افتراض أن الانبهار بكليوباترا وتطور «أسطورتها» أمران حديثان؛ فكما رأينا من حجم النقاش الذي دار حول وفاتها (بلوتارخ وديو)، كانت آخر ملكة لمصر شخصية جذبت اهتماما كبيرا وفضولا كبيرا في أثناء حياتها وعقب وفاتها مباشرة؛ ومن ثم لا عجب في صنع تماثيل لكليوباترا عقب وفاتها؛ فقد استمرت بالطبع سلالة مارك أنطونيو من خلال الإمبراطور الروماني كلوديوس الذي ينحدر من نسل أنطونيو وأوكتافيا.
أدخل عدد من الرموز النيلية في القرن الأول الميلادي على نظم الزخرفة لكل من المنازل والمعابد في إيطاليا، وقد ارتبط بعض منها بكليوباترا. عثر في مدينتي بومبي وهركولانيوم في جنوب إيطاليا على مثالين يعرضان صورا جانبية لوجه سيدة من العائلة الملكية تشبه الصور الموجودة على عملات كليوباترا (ووكر وهيجز 2001: 314-315، رقم 325). وربما يكون المثال الموجود في هركولانيوم أقربهما لشكل كليوباترا ويظهر عقدة الشعر وإكليلا عريضا، كما يعتبر القرط الواضح سمة لبعض الصور الموجودة على العملات. يعرض الوجه ملامح شابة؛ فبه أنف حاد ومستقيم وشفتان ممتلئتان وذقن محدد الزوايا. وكان العنق مزخرفا بحلقات «فينوس» المعتادة حول الرقبة الشائعة في صور ملكات البطالمة.
بالإضافة إلى هذا الشكل من التماثيل يوجد عدد من الرسوم ذات طابع هزلي أكبر، ربطها البعض بكليوباترا ومارك أنطونيو. تشكل هذه الرسومات جزءا من مجموعة النقوش البارزة الزخرفية أو الرسومات التي تظهر مشاهد نيلية تكون عادة، لكن ليس دوما، ذات طابع خليع. يقال إن مثل هذه الصور كانت أحد سبل ترويج الرومان لانتصارهم في معركة أكتيوم وحاولوا بها تشويه سمعة كليوباترا (ووكر 2003ج: 202). يوجد حاليا نقش بارز يبدو أنه يشير مباشرة إلى هذين الزوجين المهزومين في المتحف البريطاني وأدرج ضمن معرض كليوباترا ملكة مصر الذي أقيم عام 2001 (ووكر وهيجز 2001: 336، رقم 356؛ ووكر 2003ب: 191-192). يعرض هذا النموذج مشهدا نيليا في وسطه يظهر قزم يرتدي قبعة ساكني المستنقعات ويوجه قاربا به مظلة. وتحت هذه المظلة يوجد اثنان يمارسان علاقة جنسية، ويشير أسلوب تصفيف الشعر إلى أن السيدة، التي تمارس معها العملية من الخلف، هي كليوباترا وبالطبع شريكها هو مارك أنطونيو. تحدد تاريخ هذا النقش البارز بأنه يتراوح من القرن الأول قبل الميلاد إلى القرن الأول الميلادي. ويوجد اتفاق عام على أن الرسومات النيلية ونقوش الطين النضيج (التراكوتا) البارزة ذات الطابع الأعم يرجع تاريخها إلى عهد أباطرة أسرة جوليو-كلاوديان اللاحقين، مثل كاليجولا وكلوديوس ونيرو؛ لذا ترجع إلى الفترة من 37 إلى 68 ميلاديا تقريبا (ووكر 2003ج: 200-201). وكما أشرنا من قبل، كان هؤلاء الحكام من نسل مارك أنطونيو وأوكتافيا، ويقال إنه ربما زاد اهتمام الرومان بالرموز المصرية في هذا الوقت.
رغم أن كثيرا من هذه الصور قد تبدو للوهلة الأولى، للمشاهد في العصر الحديث، مهينة، لكن لا بد من رؤيتها داخل سياقها التاريخي، مع وضع السياق الثقافي في الاعتبار أيضا. على سبيل المثال، ورد ذكر أحد المصابيح منذ وقت طويل على أنه مثال للتصوير الكاريكاتوري للملكة (ووكر وهيجز 2001: 337، رقم 357). فقد زين السطح العلوي من المصباح بصورة لسيدة قزم تقف فوق تمساح يعبر عن مصر، وتمسك بيدها اليمنى أحد فروع النخل وتميل إلى الخلف على قضيب ذكري. تحدد أن هذه الصورة تعبر عن كليوباترا بناء على شكل تصفيف الشعر، الذي ربط إلى الخلف على النحو المعتاد. وقيل مؤخرا إن هذا المصباح ربما كان جزءا من عبادة إيزيس وأن القضيب الذكري كان إشارة مباشرة إلى قضيب الإله المصري أوزوريس (إتين 2003). وفقا لهذه الأسطورة جمعت إيزيس الأجزاء المبعثرة لجسم أخيها وزوجها أوزوريس ثم أخصبت نفسها باستخدام قضيبه الذكري. على الرغم من أن هذا المصباح روماني من حيث مرجعيته الثقافية، فإن الاعتناق الروماني لعبادة إيزيس لا بد أنه كان قائما على أساس معرفة أسطورة أوزوريس وبلا شك علاقة كليوباترا بهذه الإلهة. وعند النظر إلى هذا المصباح في ظل هذه المعلومات يصبح المشهد إشارة بها قدر أكبر من الاحترام لكليوباترا، بعد سنوات من وفاتها. (4) إيزيس
مع ذلك لم يقتصر الربط بين كليوباترا وإيزيس في العصر الروماني على الصور الكاريكاتورية على المصابيح وأساليب الزخرفة. ويصعب معرفة ما إذا كان معتنقو عبادة إيزيس على دراية بأن نوع الصور المستخدمة في تصوير هذه الإلهة في أثناء العصر الروماني كان في الأصل هو المستخدم في تماثيل ملكات البطالمة المؤلهات، كما أشرنا سابقا في الفصل السادس. لقد انتهى الحال بكثير من عناصر هذه الصور إلى التعبير عن صورة إيزيس في أثناء القرن الأول الميلادي في كل من مصر وروما. ويقال إن استخدام سمات مثل قرن الوفرة والنماء، والزي المعقود وخصلات الشعر المنفصلة، التي أصبحت مرادفة جميعها لصورة إيزيس في العالم الروماني، أخذت من مجموعة صور الملكة البطلمية (أشتون 2003ج: 34؛ 2004ج: 49). وإلى حد ضئيل يشير الاقتباس من التماثيل التي كانت تعبر في الأصل عن ملكات البطالمة من قبل معتنقي عبادات إيزيس إلى استمرار توقير كليوباترا السابعة على أنها إلهة؛ فهي في النهاية كانت تعتبر نفسها نسخة جديدة من هذه الملكة. ومع وضع هذا في الاعتبار تبدو الإشارات سابقة الذكر في شكل النقوش البارزة والرسومات والمصابيح والمزهريات، أكثر منطقية بكثير. ربما لم تكن كليوباترا محبوبة لدى الكتاب الرومان، لكنها ظلت موضوعا يكثر التفكير فيه والكلام عليه وتأليف الأساطير حوله ويستمر ذلك حتى يومنا هذا . (5) مصير أطفال كليوباترا
يبدو الفصل الأخير مكانا مناسبا لحديث فيه عن مصير أطفال كليوباترا الأربعة. يقول بلوتارخ («حياة أنطونيو» 81) إن بطليموس قيصر، الذي «من المفترض أنه ابن كليوباترا من يوليوس قيصر» أرسل إلى الهند عبر إثيوبيا، لكنه خدع حتى يعود بناء على وعد بأن أوكتافيان سينصبه ملكا على مصر. ربما كان عمره في ذلك الوقت بين 13 و15 عاما. ويقال إن أوكتافيان قال: «من السيئ أن يوجد عدد أكثر من اللازم من أبناء قيصر» محاكيا ما ورد في الإلياذة المجلد 2. 204. حكم بالطبع بالإعدام على بطليموس قيصر (الفصل 82). يقول سويتونيوس («أغسطس المؤله») إن الأطفال الثلاثة الباقين ظلوا على قيد الحياة.
في الواقع أحضر الأطفال الثلاثة المتبقون (التوأمان اللذان كانا في العاشرة من العمر وفيلاديلفوس الذي كان في السادسة من عمره) إلى روما وتربوا في منزل أرملة أنطونيو الرسمية؛ أوكتافيا. يقول سويتونيوس إن أوكتافيان عامل الأطفال كما لو كانوا جزءا من عائلته («أغسطس المؤله» 48). لا توجد معلومات أكثر عن الولدين؛ الإسكندر هيليوس وبطليموس فيلاديلفوس، لكن ظلت كليوباترا سيليني على قيد الحياة وتزوجت من جوبا، أحد الملوك التابعين الذي حكم موريطنية، التي أصبحت الجزائر في العصر الحديث (رولر 2003: 91-118).
تأثرت البرامج الفنية والثقافية لكليوباترا سيليني وجوبا إلى حد كبير بخلفياتهما الأصلية (رولر 2003: 119). كانت المدينتان الرئيسيتان في موريطنية هما وليلي وإيول (التي أصبحت فيما بعد قيسارية/شرشال)، وقد أقيمت العاصمة الجديدة في إيول.
توجد صورة من هذا الموقع صنعت على الطراز الكلاسيكي، تظهر على الأرجح كليوباترا السابعة (ووكر وهيجز 2001: 219، رقم 197). تعرض هذه الصورة نسخة قديمة من الرأسين اللذين تحدثنا عنهما في السابق والموجودين في الفاتيكان وبرلين، اللذين صنعا في روما، وعلى الأرجح صنعا أثناء حياة كليوباترا وربما تكون ابنتها أخذتهما كتذكار معها، فيظهر الشكل المعتاد لتجعيدات الشعر على شكل قوقعة الحلزون وملامح الوجه الصارمة، لكن ليس من المعروف إذا كانت هذه الملامح اقتصرت فقط على كليوباترا السابعة أم أن ابنتها قلدت تلك الملامح في تماثيلها الخاصة؛ ومن ثم قيل إن هذا الرأس ربما يكون لكليوباترا سيليني لا كليوباترا السابعة (فروخي 2003).
عثر على تماثيل مصرية أيضا في الموقع (رولر 2003: 142-144)، منها تمثال لبيتوباستيس الكاهن الأكبر في ممفيس، الذي توفي في 31 يوليو عام 30 قبل الميلاد عن عمر يناهز 16 عاما (رولر 2003: شكل 17)؛ بعد يوم من استيلاء أوكتافيان على الإسكندرية. وربما أخذت كليوباترا سيليني التمثال معها ليذكرها بذلك الوقت الصعب وربما بحقيقة بقائها على قيد الحياة رغم وفاة والديها، أو ربما كان هذا الكاهن الشاب لممفيس صديقا لها أو شخصا تعرفه عندما كانت فتاة صغيرة؛ فقد كانت في العاشرة من عمرها في ذلك الوقت.
عثر على منحوتات مصرية أخرى ترجع إلى فترات أقدم في التاريخ المصري (رولر 2003: 142-144)، ومنها تمثال لحاكم الأسرة الثامنة عشرة تحتمس الأول، ورأس أفعى، ورأس آمون. أضفي الطابع المصري على أشياء أخرى من الموقع ويرجع تاريخها إلى العصر الروماني، وتوضح وجود علاقة قوية بين مصر وآخر أفراد أسرة البطالمة المالكة، بطليموس ابن كليوباترا سيليني وجوبا.
تظهر مفارقة كبيرة في وفاة آخر بطليموس؛ الحفيد الوحيد المعروف لكليوباترا السابعة، رغم أنها ليست مفاجأة. لم يكن الحفيد الوحيد من نسل مارك أنطونيو؛ فكما أشرنا، استمرت سلالة أوكتافيا وأنطونيو على يد الإمبراطور جايوس (المشهور بكاليجولا). من الواضح أن كاليجولا رأى أن قريبه هذا يمثل تهديدا سياسيا له، لكن يقال إنه أمر بإعدامه بسبب غيرته من زي بطليموس، الذي كان وفقا لما جاء في بعض المصادر عبارة عن عباءة أرجوانية (رولر 2003: 254). ومع وفاته انتهت أسرة البطالمة الملكية.
مراجع
Abd al-Galil, O. 2000.
Tarikh Misr li-Yohana Al-Niqusi.
Cairo.
Albersmeier, S., 2002.
Untersuchungen zu den Frauenstatuen des Ptolemäischen Ägypten.
Mainz am Rhein: Verlag Philipp Von Zabern.
Alfano, C., 2001. “Egyptian influences in Italy,” in Walker and Higgs eds., 276-89.
Amer, H. I., and Morardet, B., 1983. “Les dates de la construction du temple majeur d’Hathor à Dendara à l’époque gréco-romaine,”
Annals du Service des Antiquités de L’Egypte
69: 255-8.
Andreae, B. et al., eds. 2006.
Kleopatra und die Caesaren.
Munich: Hirmer Verlag.
Arnold, Dieter, 1999.
Temples of the last pharaohs.
New York: Oxford University
Arnold, Dorothea., ed. 1996.
Royal women of Amarna.
New York: Metropolitan Muesum of Art.
Arnold, Dorothea, 1996. “An artistic revolution: the early years of King Amenhotep IV/Akhenaten,” in Arnold ed., 17-39. ---
2005. “The temple of Hatshepsut at Deir el Bahri,” in Roehrig ed., 135-40.
Ashton, S-A., 2000. “The Ptolemaic royal influence on Egyptian royal sculpture,” in Riggs and McDonald eds., 1-10. ---
2001a.
sculpture from Egypt. The interaction between Greek and Egyptian traditions.
British Archaeological Reports International Series 923. Oxford: Archaeopress. ---
2001b. “Identifying the Egyptian-style Ptolemaic queens,” in Walker and Higgs eds., 148-55. ---
2002a. “A question of authenticity of date? Roman copies and Ptolemaic originals,” in
British Museum Studies in Ancient Egypt and Sudan 2 .
http://www.thebritishmuseum.ac.uk/research/publications/ bmsaes/issue_2.aspx ---
2002b.
www.britishmuseum.org/research/publications/bmsaes/issue_ldpx . ---
2003a.
The last queens of Egypt.
Britain: Pearson Education. ---
2003b. “The Ptolemaic royal image and the Egyptian tradition,” in Tait ed., 213-24. ---
2003c.
Roman Memphis.
London: Institute of Archaeology. ---
2003d. “Cleopatra: goddess, ruler or regent?” in Walker and Ashton eds., 25-30. ---
2004a “Ptolemaic Alexandria and the Egyptian tradition,” in Hirst and Silk eds., 15-40. ---
2004b. “Review of P. E. Stanwick’s
pharaohs,” Journal of Roman Archaeology
17: 543-50. ---
2004c.
Roman Egyptomania.
Great Britain: Golden House
---
2005a. “The double and triple uraeus and Egyptian royal women,” in Cooke and Simpson eds., 1-10. ---
2005b. “In search of Cleopatra’s temple,”
Egyptian Archaeology
27 (2005): 30-2. ---
Forthcoming 2007a. “Roman uses of Ptolemaic sculpture in Italy,” in
B. Waywell , edited by F. McFarlane and C. Morgan. London: Institute of Classical Studies. ---
Forthcoming 2007b. “In search of the Thesmophorion,” in
City and harbour conference , edited by D. Robinson. Oxford: Centre for Maritime Archaeology Conference. ---
Et al forthcoming. “Report on the 2004 and 2007 fieldwork in Hadra, Alexandria,” to be submitted to the
Journal of Egyptian Archaeology (2008).
Ashton, S-A., and Spanel, D., 2000. “Portraiture,” in
Oxford Encyclopaedia of Ancient Egypt , edited by Donald B Redford. New York: Oxford University Press.
Baldwin, B., 1964. “The death of Cleopatra VII,”
Journal of Egyptian Archaeology
50: 181-2.
Bernal, M., 1991.
Black Athena: The Afroasiatic roots of classical civilisation vol. 1: the fabrication of Classical Greece.
London: Free Association Books/New Brunswick: Rutgers University Press. ---
2001.
Black Athena: The Afro-asiatic roots of classical civilisation vol. 2: the archaeological and documentary evidence.
London: Free Association Books/New Brunswick: Rutgers University
Bianchi, R. S., 1980. “Not the Isis knot in,”
Bulletin of the Egyptological Seminar
2 (1980): 2, 9-32. ---
ed. 1988.
Cleopatra’s Egypt: age of the Ptolemies.
New York: The Brooklyn Museum. ---
2003. “Images of Cleopatra reconsidered,” in Walker and Ashton eds., 13-24.
Bingen, J., 1995. “Les ordonnances royals C. Ord. Ptol. 75-6 (Héracléopolis, 41 avant J.-C),” C
hronique d’ Égypte
70: 206-22. ---
2007.
Hellenistic Egypt. Monarchy, society, economy, culture.
Edinburgh: Edinburgh University Press.
Bird, H. W., 1994. Liber de Caesaribus
of Sectus Aurelius Victor . Liverpool: Liverpool University Press.
Bonacasa, N., and Minà, P., eds. 2000.
Achille Adriani: la tomba di Alessandro, realtà, ipotesi e fantasie. Documenti e ricerche d’arte alessandrina
6. Rome: L’Erma di Bretschneider.
Botti, G. 1892
Il museo di Alessandria e gli scavi nell’anno 1892.
Alexandria.
Bradford, E., 1971.
Cleopatra.
Harmondsworth: Penguin Books (repr. 2000).
Bulloch, A., Gruen, E. S., Long, A. A., and Stewart, A., eds. 1993.
Images and ideologies: self-definition in the Hellenistic world.
presented at a conference held April 7-9 1998 at the University of California at Berkeley. Berkeley: University of California.
Carcopino, J., 1937.
César et Cléopâtre, Annales de l’école des hautes etudes de Grand,
Vol. 1.
Cauville, S., 1998.
Dendara 1,
Orientalia Lovaniensia Analecta 81. Leuven: Uitgeverij
---
1999.
Dendara 2,
Orientalia Lovaniensia Analecta 88. Leuven: Uitgeverij
---
2000a.
Dendara 3,
Orientalia Lovaniensia Analecta 95. Leuven: Uitgeverij
---
2000b.
Le temple de Dendara 11,
parts 1 and 2, Orientalia Lovaniensia Analecta. Leuven: Uitgeverij Peeters. ---
2001.
Dendara 4,
Orientalia Lovaniensia Analecta 101. Leuven: Uitgeverij
---
2004a.
Dendara 5-6, Les crypts du temple d’Hathor,
Vol. 1, Orientalia Lovaniensia Analecta 131. Leuven: Uitgeverij Peeters. ---
2004b.
Dendara, Les crypts du temple d’Hathor,
Vol. 2, Orientalia Lovaniensia Analecta 132. Leuven: Uitgeverij Peeters.
Charles, R. H., 1916.
The
Chronicle
of John Bishop of Nikiu . London, Oxford: Published for the Text and Translation Society by Williams & Norgate.
Chauveau, M. 2000.
Egypt in the age of Cleopatra.
Ithaca and London: Cornell
---
2002.
Cleopatra beyond the myth.
Ithaca and London: Cornell Press. Clarke, J. H., 1984. “African warrior queens,” in van Sertima ed., 126-7.
Clarysse, W., forthcoming 2007. “Two Ptolemaic stelae from the sacred lion of Leonton Polis (Tell Moqdam),”
Chronique D’Égypte.
Clarysse, W., Schoors, A., and Willems, H., eds. 1998-9.
Egyptian religion, the last thousand years. Studies dedicated to the memory of Jan Quaegebeur.
2 vols. Louvain: Orientalia Lovaniensia Analecta 84 & 85.
Cooke, A., and Simpson, F., eds. 2005.
Current research in Egyptology
2. BAR International Series 1380. Oxford: Archaeopress.
El Daly, O., 2004.
Egyptology, the missing millennium: Ancient Egypt in medieval arab writings.
Routledge: London.
Delia, D., 1993. “Response to Samuel,” in Green ed., 192-203.
Devauchelle, D., 1985. “De nouveau la construction du temple d’ Hathor à Dendara,”
Review d’Egyptologie
36: 172-4.
Devauchelle, D., 2001. “La stèle du Louvre IM 8 (Sérapéum de Memphis) et la prétendue date de naissance de Césarion,”
Enchoria
27 (2001): 41-61.
Dils, P., 1998. “La couronne d’Arsinoe Philadelphe,” in Clarysse et al. eds., Vol. 2, 1309-30.
Dorman, P., 2005. “Hatshepsut: princess to queen to co-ruler,” in Roehrig ed., 87-90.
Dunand, F., 1998. “Priest bearing an Osiris-Canopus in his veiled hands,” in Goddio et al. eds., 189-94.
Edwards, C. 2000.
Suetonius. Lives of the Caesars.
Oxford: Oxford University
Empereur, J-Y., 2002.
Alexandria rediscovered.
London: British Museum
Etienne, M., 2003. “Queen, harlot of lecherous goddess?” in Walker and Ashton eds., 95-102.
Faulkner, R. O., 1956. “The man who was tired of life,”
Journal of Egyptian Archaeology
42 (1956): 21-40.
Fedak, J., 1990.
Monumental tombs of the Hellenistic age.
Canada: University of Toronto
Ferroukhi, M., 2003. “Les Deux Portraits de Chercehll
103-8.
Ferry, D., 1997.
Odes of Horace.
New York: Farrar, Straus and Giroux.
Foss, M., 1997.
In search of Cleopatra.
Great Britain: Michael O’Mara Books.
Fraser, P. M., 1972.
Alexandria.
Oxford: Oxford University Press (repr. 1998).
Garuti, I., 1958.
Carmen de Bello Actiaco.
Bellum Actiacum: e Papyro Herculanensi 817. Bologna: N. Zanichelli.
Gauthier, H., 1916.
Le livre des rois d’Égypte: recueil de titres et protocols royaux, noms propres de rois, reines, princes, princesses et parents de rois 4: De la XXVe Dynastie à la fin des Ptolémées.
MIFAO 20. Cairo: Institut Français d’Archéologie Orientale.
Goddio, F., Bernand, A., Bernand, E., and Darwish, I., eds. 1998.
Alexandria. The submerged royal quarters.
London: Periplus.
Goddio, F., and Claus, M., eds. 2006.
Egypt’s sunken treasures.
Berlin:
Gowing, A. M., 1992.
The triumphal narratives of Appion and Cassius Dio.
Ann Arbor: University of Michigan
.
Grajetzki, W., 2005.
Ancient Egyptian queens: a hieroglyphic dictionary.
London: Golden House Publications.
Grant, M. 1972.
Cleopatra.
St. Albans: Panther Books.
Green, P., ed. 1993.
Hellenistic history and culture.
Berkeley: University of California
Griffiths, J. G., 1961. “The death of Cleopatra VII,”
Journal of Egyptian Archaeology
47 (1961): 113-18.
Grimm, G., 2003. “Alexandria at the time of Cleopatra,” in Ashton and Walker eds., 45-50.
Gruen, E., 2003. “Cleopatra in Rome: facts and fantasies,” in
Myth, History and Culture in Republican Rome , edited by D. Braund and C. Gill. Exeter: University of Exeter Press, 257-74.
Haase, W., and Temporini, H., eds. 1995.
Aufsteig und Niedergang der römischen Welt.
Berlin: De Gruyter.
Habachi, L., 1987 (repr.).
Obelisks.
Cairo: American University in Cairo
Haley, S. P., 1993. “Black feminist thought and classics: re-membering, re-claiming, re-empowering,” in Rabinowitz and Richlin eds., 23-43.
Hamer, M., 1993.
Signs of Cleopatra: history, politics, representation.
London: Routledge. ---
2003. “Disowning Cleopatra,” in Walker and Ashton eds., 119-26.
Hawass, Z., 2006. “Cleopatra, queen of magic,”
Horus magazine,
20-2.
Hayes, William C., 1957. “Varia from the time of Hatshepsut,”
Mitteilungen des Deutschen Archäologischen Instituts, Abteilung Kairo
15: 78-90.
Hazzard, R. A., 2000.
Imagination of a monarchy: studies in Ptolemaic propaganda.
Toronto: University of Toronto Press.
Heinen, H., 1995. “Vorstufen und Anfänge des Herrscherkultes im Römischen Ägypten,” in Haase and Temporini eds., 3144-180.
Herrmann, J., 1988. “Roman Bronzes,” in Kozloff and Mitten eds., 288-93.
Higgs, P., 2001. “Searching for Cleopatra’s image: Classical portraits in stone,” in Walker and Higgs eds., 200-9.
Hirst, A., and Silk, M., eds. 2004.
Alexandria. Real and imagined.
Centre for Hellenic Studies King’s College London publication 5. London: Ashgate.
Hölbl, G., 2001.
History of the
London: Routledge. Hughes-Hallet, L., 1990.
Cleopatra: histories, dreams and distortions.
New York: Harper and Row.
Huß, W., 1990. “Die Herkunft der Kleopatra Philopator,”
Aegyptus
70: 1-2, Gennaio-Dicembre, 191-204.
Iacopi, I., 1997.
Aula Isiaca Electa.
Milan.
Johansen, F., 2003. “Portraits of Cleopatra, do they exist? An evaluation of the marble heads shown at the British Museum exhibition Cleopatra of Egypt. From History to Myth,” in Walker and Ashton eds., 75-80.
Jones, P. J., 2006.
Cleopatra, a source book.
Oklahoma: University of Oklahoma
Joyce, J. W., 1993.
Lucan,
Ithaca and London: Cornell University
Kiss, Z., 1984.
Etudes sur le portrait imperial roman en Egypte. Travaux du Centre d’archéologie méditerranéenne de l’Académie polonaise des sciences
23. Warsaw: Editions scientifiques de Pologne. ---
1998. “The sculptures,” in Goddio et al. eds., 169-88.
Kleiner, D. E. E., 2005.
Cleopatra and Rome.
Cambridge, MA and London: Belknap Press of Harvard University Press.
Koenen, L., 1993. “The Ptolemaic king as a religious figure,” in Bulloch et al. eds., 25-115.
Kozloff, M. P., and Mitten, D. G. eds. 1988
The God’s delight the human figure in classical bronze . Cleveland: Cleveland Museum of Art.
Kreuzer, M., 2000.
The coinage system of Cleopatra VII and Augustus in Cyprus.
Springfield MA: Matthew Kreuzer.
Kyrieleis, H., 1975.
Bildnisse der
2. Berlin: Mann.
Lacey, W. K., ed. 1986.
Cicero, Second Philippic Oration.
Warminster, England: Aris & Phillips Publishers.
Lambert, R., 1984.
Beloved and God. The story of Hadrian and Antinous.
London: Phoenix (repr. 1997).
Lefkowitz, M. R., 1996. “Ancient history modern myths,” in Lefkowitz and MacLean Rogers eds., 3-26.
Lefkowitz, M. R., and MacLean Rogers, G., eds. 1996.
Black Athena revisited.
Chapel Hill: University of North Carolina Press.
Lepsius, C. R., 1842.
Denkmäler aus Aegypten und Aethiopien: nach den Zeichnungen der von seiner Majestät dem Könige von Preussen Friedrich Wilhelm IV. nach diesen Ländern gesendeten und in den Jahren 1842-1845 ausgeführten wissenschaftlichen Expedition auf Befehl seiner Majestät
4. Berlin.
Lightfoot, C., 2001. “Hadra hydriai,”
in Walker and Higgs eds., 117-20.
Maehler, H., 1983. “Egypt under the last Ptolemies,”
Bulletin of the Institute of Classical Studies
30: 1-16. ---
2003. “Ptolemaic queens with a triple uraeus,”
Chronique d’Egypte
78: 294-303.
Markoe, A. K., and Capel, G. E., eds. 2006.
Mistress of the house, mistress of heaven. Women in ancient Egypt.
New York: Hudson Hills Press in association with Cincinnati Art Gallery.
Marsh, J. ed. 2006.
The black Victorians: Black people in British art 1800-1900.
Aldershot: Lund Press.
Masters, J., 1992.
war in Lucan’s
Bellum Civile. Cambridge: Cambridge University
Meadows, A., 2001. “Sins of the fathers: the inheritance of Cleopatra, last queen of Egypt,” in Walker and Higgs eds., 1-14.
Meyboom, P. G. P., 1995.
The Nile mosaic of Palestrina. Early evidence of Egyptian religion in Italy.
Leiden and New York: E.J. Brill.
Mond, R., and Myers, O. H., 1934.
The Bucheum
2, edited by H. W. Fairman. London: Egypt Exploration Society.
Moreno, P., 1994.
Scultura ellenistica.
Rome: Istituto poligrafico e Zecca dello Stato, Libreria dello Stato.
Muszynski, M., 1977. “Les Associations religieuses en Egypte d’aprés les sources hiéroglyphiques, démotiques et grecques,”
Orientalia Lovaniensia Periodica
8: 145-74.
O’Connor, D., and Reid, A., eds. 2003.
Ancient Egypt in Africa.
Encounters with Ancient Egypt. London: Taylor and Francis.
O’Connor, D., and Reid, A., 2003. “Introduction - locating ancient Egypt in Africa: modern theories, past realities,” in O’Connor and Reid eds., 1-22.
Orland, R. et al., 1990. “Psychiatric assessment of Cleopatra: a challenging evaluation,”
23: 169-75.
history of science,” in Lefkowitz, M. R. and MacLean Rogers, G. eds., 209-68.
Bahri,” in Roehrig ed., 173-5.
Cambridge: Cambridge University Press.
Women in Hellenistic Egypt. From Alexander to Cleopatra.
Detroit: Wayne State University Press.
Quaegebeur, J., 1988. “Cleopatra VII and the cults of the
Rabinowitz, N. S., 1993. “Introduction,” in Rabinowitz and Richlin eds., 1-22.
Rabinowitz, N. S., and Richlin, A., 1993.
Feminist theory and the Classics.
New York and London: Routledge.
Ray, J., 2001. “Alexandria,” in Walker and Higgs eds., 32-7. ---
2003. “Cleopatra in the temples of Upper Egypt: the evidence of Dendera and Armant,” in Walker and Ashton eds., 9-12.
Riggs, C., and McDonald, A., 2000.
Current research in Egyptology
1. BAR International Series 909. Oxford: Archaeopress.
Rigsby, K. J. 1996.
Asylia. Territorial inviolability in the Hellenistic world.
Hellenistic Culture and Society. Berkeley: University of California Press.
Robins, G., 1996.
Women in ancient Egypt.
London: British Museum
Roehrig, C., ed. 2005.
Hatshepsut. From queen to pharaoh.
New Haven and London: Yale University Press.
Roller, D., 2003.
The world of Juba II and Kleopatra Selene. Royal scholarship on Rome’s African frontier.
New York and London: Routledge.
Roth, A. M., 2005. “Hatshepsut’s mortuary temple at Deir el Bahri: architecture as political statement,” in Roehrig ed., 147-57.
Rowlandson, J., ed. 1998.
Women and society in Greek and Roman Egypt. A source book.
Cambridge: Cambridge University Press.
Royster, F. T., 2003.
Becoming Cleopatra. The shifting image of an icon.
New York: Palgrave Macmillan.
Russman, E., 1974.
Representation of the king in the 25th Dynasty.
Monographies reine Elisabeth 3. Bruxelles: Fondation egyptologique reine Elisabeth/Brooklyn: Brooklyn Museum.
Samuel, A. E., 1993. “The Ptolemaic ruler as a religious figure,” in Green, P. ed., 168-91.
Scott-Kilvert, I., 1965.
Makers of Rome.
London: Penguin Books.
Shackelton Bailey, D. R., ed. 1965-70.
Cicero, Epistolae ad Atticum.
Cambridge: Cambridge University
Shohat, E., 2003. “Disorientating Cleopatra: a modern trope of identity,” in Walker and Ashton eds., 127-38.
Slavitt, D. R., 2002.
love: the elegies.
Berkeley: University of California
Smith, R. R. R., 1988.
Hellenistic royal portraits.
Oxford: Oxford University
Snowden, F. M., 1996. “Bernal’s’ 'Blacks’ and Afrocentrics,” in Lefkowitz and MacLean Rogers eds., 112-28.
Spaer, A., 1999. “The royal male head and Cleopatra at Ascalon,” in
Travaux de numismatique grecque offerts à Georges Le Rider,
edited by M. Amandry and S. Hurter. London: Spink, 347-50.
Speigelberg, W., 1925. “Weshalb wählte Kleopatra den Tod durch Schlangenbiss?” in
Ägyptologische Mitteilungen , Sitzungsb. Munich.
Stanwick, P. E., 2002.
the Ptolemies. Greek kings as Egyptian pharaohs.
Austin: University of Texas Press.
Stewart, A. F., 1993. Faces of Power:
Alexander’s Image and Hellenistic Politics.
Berkeley: University of California Press.
Tait, W. J., 2003a.
Never had the like occurred: Egypt’s view of its past.
Encounters with Ancient Egypt. London: University College London.
Tait, W. J., 2003b. “Cleopatra by name,” in Walker and Ashton eds., 3-8.
Taylor, J., 2001.
Death and the afterlife in ancient Egypt.
London: British Museum
Thiers, C., and Volokline, Y., 2005.
Ermant 1. Les crypts du temple ptolémaïque.
Cairo: IFAO.
Thompson, D., 1988.
Memphis under the Ptolemies.
Oxford and Princeton: Princeton University
---
2000. “Athenaeus in his Egyptian context,” in
Athenaeus and his World , edited by D. Braund and J. Wilkins. Exeter: Exeter University Press, 77-84. ---
2003. “Cleopatra VII: The queen in Egypt,” in Walker and Ashton eds., 31-4.
Townsend, G., 1988.
Caesar’s war in Alexandria. Bellum Civile 3.
Bristol: Bristol Classical
Traunecker, C., 1992.
Coptos, Hommes et Dieux sur le parvis de Geb.
Orientalia Lovaniensa Analecta 43. Leuven:
Troy, T., 1986.
queenship in ancient Egyptian myth and history.
Uppsala Studies in Ancient Mediterranean and Near Eastern Civilisations 14. Uppsala and Stockholm: Almquist & Wiksell.
van Binsbergan, W. M. J., ed. 1997.
Black Athena ten years after.
Holland: Dutch Archaeological and Historical Society.
van Hoof, A. J. L., 1990.
From autothanasia to suicide. Self killing in classical antiquity.
London and New York: Routledge.
van Minnen, P., 2003. “A royal ordinance of Cleopatra and related documents,” in Walker and Ashton eds., 35-44.
van Sertima, I., 1984.
Black women in antiquity.
New Brunswick NJ: Transaction Books.
Venit, M., 2002.
Monumental tombs of ancient Alexandria.
Cambridge: Cambridge University
Von Beckerath, J., 1984.
Handbuch der ägyptischen Königsnamen.
Münchner Ägyptologische Studien Heft 20. Munich and Berlin: Deutscher Kunstverlag.
Walker, S., 1985.
Roman burial practices.
London: British Museum
---
2003a. “From empire to empire,” in Walker and Ashton eds., 81-6. ---
2003b. “From queen of Egypt to Queen of Kings: the portraits of Cleopatra VII” in Bonacasa et al. eds., 508-17. ---
2003c “Carry-on at Canopus. The Nilotic mosaic from
Ancient Perspectives on Egypt , edited by R. Matthews and C. Roemer. London: UCL Press, 191-202. ---
2004.
The Portland Vase . London: British Museum
Walker, S., and Ashton. S-A., 2003.
Cleopatra reassessed.
The British Museum Occasional
---
2006.
Cleopatra.
London: Bristol Classical Press.
Walker, S., and Higgs, P., eds. 2001.
Cleopatra of Egypt. From history to myth.
London: British Museum Press. ---
2003. “Cleopatra VII at the Louvre,” in Walker and Ashton eds., 71-4.
Warmenbol, E., ed. 2006.
Sphinx.
Brussels: ING and Fonds Mercator.
Waterfield, R., and Stadter, P. A., 1999.
Roman lives: a selection of eight roman lives,
Oxford: Oxford University
Weil Goudchaux, G., 2001. “Cleopatra’s subtle religious strategy,” in Walker and Higgs eds., 128-41.
Whitehorne, J., 1994.
Cleopatras.
London and New York: Routledge.
Wilkinson, J. G., 1843.
Modern Egypt and Thebes, vol. 1.
London: J. Murray.
Wright, W. C., 1952.
Lives of the Sophists: Philostratus and Eunopius.
London: W. Heinemann.
Yonge, C. D., 1853-54.
Deipnosophistae or Banquet of the Learned of Athenaeus.
London: H. G. Bonn.
Zanker, P., 1990.
The power of image in the age of Augustus.
Ann Arbor: University of Michigan Press.
Unknown page