Khurafa Muqaddima Qasira
الخرافة: مقدمة قصيرة جدا
Genres
وفيما تؤدي الأسطورة في وجهة نظر إلياد وظيفة تفسيرية، فإن لها وظائف تفوق التفسير؛ إذ يتبين لنا أن التفسير مجرد وسيلة لبلوغ غاية؛ ألا وهي التجديد. غير أن الاستماع إلى سرد الأسطورة وقراءتها وإعادة تمثيلها - بصفة خاصة - كل ذلك يعني العودة بصورة سحرية إلى زمن وقوع أحداثها، إلى الحقبة الزمنية لأصل الظاهرة التي تفسرها الأسطورة أيا كانت:
بما أن الرواية الطقوسية لأسطورة نشأة الكون تنطوي على تجديد الحادث البدائي الأصلي، فإنه يترتب على ذلك أن ينتقل الشخص الذي تروى له الأسطورة إلى «ذلك الوقت»، إلى «أول الزمان»، فيصبح هذا الشخص معاصرا لأحداث نشأة الكون. (إلياد، «المقدس والمدنس»، ص82)
تعتبر الأسطورة كالبساط السحري، وإن كانت بساطا يمضي في اتجاه واحد. فبرجوع المرء إلى الوراء إلى أول الزمان، تعمل الأسطورة على إعادة توحده مع الآلهة؛ لأنهم وقتئذ كانوا الأقرب إليه، مثلما تصور الواقعة التي وردت في الكتاب المقدس، عن «الرب الإله ماشيا في الجنة عند هبوب ريح النهار» (سفر التكوين 3 : 8). وتعكس «إعادة التوحد» المشار إليها الانفصال الذي حدث بين المرء والآلهة بعد أن كانوا في جنة عدن، وتجدد روحانية المرء:
باختصار، يتمثل الأمر في العودة إلى الوقت الأصلي، والغرض العلاجي من هذه العودة، أن تبدأ الحياة مجددا وتولد ميلادا رمزيا تارة أخرى. (إلياد، «المقدس والمدنس»، ص82)
وبذلك يعتمد الدرس المستفاد نهائيا من الأسطورة على التجربة: وهي في هذه الحالة مقابلة الإله. فلا توجد نظرية للأسطورة تمتد بجذورها في الدين أكثر من نظرية إلياد.
من الواضح أن العلم لا يقدم أية وظيفة تجديدية، بل يفسر فقط. إذن، يمكن أن تؤدي الأسطورة وظائف لا يستطيع العلم القيام بها. في المقابل، لا يتمثل الطرح الرئيس حول استمرار الأسطورة لإلياد في أنها تؤدي وظيفة فريدة، بل في أنها تؤدي هذه الوظيفة للحداثيين والبدائيين على حد سواء. وبحسب إلياد، يظن الحداثيون في أنفسهم الالتزام بأقصى درجات العقلانية والفكر وعدم الانسياق العاطفي والنظرة التطلعية إلى المستقبل . باختصار، يرون أنفسهم علميين. ولكن يرى إلياد في المقابل أن الحداثيين أنفسهم لا يستطيعون التخلي عن الأسطورة:
قد يكتب مجلد كامل عن أساطير الرجل الحداثي ، وعن الأساطير المتخفية في ثوب المسرحيات التي يستمتع بمشاهدتها، وعن الكتب التي يقرؤها. أما السينما، «مصنع الأحلام»، فهي تقتبس موضوعات خرافية لا حصر لها وتوظفها؛ كالصراع بين البطل والوحش، والمبارزات والمحاكمات التعذيبية البدائية، والشخصيات والصور النمطية (الفتاة، البطل، وصف الجنان، الجحيم، إلخ). حتى القراءة قد تشتمل على وظيفة خرافية ... نظرا لأن الإنسان الحديث ينجح، من خلال القراءة، في تحقيق «الفكاك من الزمن» مقارنة ب «الظهور خلال الزمن» الذي يحدث في الأساطير ... فتلقي القراءة بالإنسان الحديث خارج زمنه وتجعله جزءا من إيقاعات أخرى، ليعيش في «تاريخ» آخر. (إلياد، «المقدس والمدنس»، ص205)
وبذلك تعتبر المسرحيات والكتب والأفلام مثل الأساطير؛ لأنها تكشف عن وجود عالم آخر - عادة أقدم - إضافة إلى العالم اليومي؛ عالم يشتمل على شخصيات وأحداث استثنائية تشبه تلك الموجودة في الأساطير التقليدية. إضافة إلى ذلك، تفسر أفعال تلك الشخصيات الحالة الراهنة للعالم اليومي. والأدهى من ذلك أن الحداثيين يستغرقون في المسرحيات والكتب والأفلام، حتى إنهم يتصورون أنفسهم عادوا إلى الوراء؛ إلى زمن الأسطورة. وبينما يشير بولتمان ويوناس باعتدال إلى أن الحداثيين «قد» يكون لديهم أساطير، يؤكد إلياد في قوة على أن «لديهم» أساطير. وإذا كان لدى الملحدين المعترفين بإلحادهم أسطورة، إذن من المؤكد أنها ليست فقط مقبولة عند الحداثيين، مثلما يرى بولتمان ويوناس، وإنما حتمية - فهي ذات طابع إنساني. وفيما يفترض تايلور وفريزر أن الأسطورة ضحية عملية العلمنة، يرى إلياد أنه لم تجر أية عملية علمنة حقيقية. ويظل الدين، ومعه الأسطورة، باقيين «بتخف».
شكل 3-2: جون إف كينيدي الابن على غلاف مجلة «يو إس ويكلي»، يونيو 2000.
2
Unknown page