ولا يمكن استناده إلى العلل الخارجات لان ذلك ملزم لحدوث الذات مريد للحسن كاره للقبح لاستغنائه عنهما مع علمه بالجهتين اللتين نشاء الوصفان منهما مدرك للمدركات لانكشافها لديه ولان الادراك علم خاص دل صريح الكتاب والسنة عليه متكلم لحسن صدور الكلام منه وشهادة اعجاز القران بصدوره عنه صادق منزه عن الكذب والافتراء متعال عن الاتصاف بمقايس الأشياء فقد اتضح لك في هذا المقام ثبوت صفات الجمال والاكرام وهي الثمانية المعدودة في علم الكلام الأول القدرة والاختيار، الثاني العلم، الثالث الحياة، الرابع الإرادة والكراهة، الخامس الادراك، السادس القدم والأزلية والبقاء والسرمدية، السابع الكلام، الثامن الصدق، ويلزم من اثبات القدم لذاته واستحالة ادخال الوصف القبيح في صفاته نفي التركيب من الأجزاء وإلا توقف عليها وسلب الجسمية والعرضية عنه وإلا لازم الأمكنة واحتاج إليها وحيث تنزه عن مداخلة الأجسام استحال عليه لوازمها من الذات والآلام وامتنع الابصار بالنسبة إليه ولم يجز فعل القبيح والاخلال بالواجبات عليه ولا يقبل التأثير والانفعال فيستحيل عليه حلول الحوادث والأحوال ويستحيل عليه الاحتياج إلى مخلوقاته والا لزم عدم قدم ذاته وليست صفاته الأصلية مغايرة له زائدة عليه والا لزم التعدد بالنسبة إليه وثبوت الشريك يستلزم فساد النظام وعدم ثبوت علية الوجود له على وجه التمام وبتحقيق هذا المقال يتضح لك طريق اثبات صفات الجلال وهي السبعة التي ذكرها المتكلمون الأول نفي التركيب الثاني نفي الجسمية والعرضية الثالث نفي كونه محلا للحوادث الرابع نفي الرؤية عنه الخامس نفي الشريك السادس نفي المعاني والأحوال السابع نفي الاحتياج وجميع ذلك معروف مما ذكرناه ومبرهن عليه مما سطرناه ويكفي في اثبات كثير من تلك الصفات محكم الآيات ومتواتر الروايات المبحث الثاني في النبوة والواجب على أهل كل مدر معرفة نبيها المبعوث إليها لابلاغ الاحكام وتعريف الحلال والحرام وانه الواسطة بينهم وبين المعبود والموصل لهم بطاعته إلى غاية المقصود لان تقريب الناس إلى الصلاح وابعادهم من الفساد واجب على رب العباد ولا يمكن ذلك بتوجيه الخطاب من رب الأرباب بخلق الأصوات لكثرة الوجوه فيها والاحتمالات فلا يحصل لهم كمال الاطمينان لتجوز انها أصوات صدرت من بعض الجان ولا بارسال من لا يدخل تحت قسم (من) الناس من الملائكة أو الجن والنسناس لان النفوس لا تركن إليه وفعل المعاجز ربما لا يحال عليه فالنبي المبعوث إلينا والمفروض طاعته من الله علينا أعلى الأنبياء قدرا وارفع الرسل في الملاء الاعلى ذكرا الذي بشرت الرسل بظهوره وخلقت الأنوار كلها بعد نوره علة الايجاد وحبيب رب العباد محمد المختار صلى الله عليه وآله وأحمد صفوة الجبار ذو المعجزات الباهرة والآيات الظاهرة التي قصرت عن حصرها السن الحساب وكلت عن سطرها أقلام الكتاب كانشقاق القمر وتظليل الغمام وحنين الجذع وتسبيح الحصى وتكليم الموتى ومخاطبة البهائم واثمار يابس الشجر وغرس الأشجار على الفور في القفار وقصة الغزالة مع خسيفها وخروج الماء من بين أصابعه وانتقال النخلة إليه بأمره واخبار الذراع له بالسم والنصر بالرعب بحيث يخاف من مسير شهرين ونوم عينيه من دون قلبه وانه لا يمر بشجر ولا مدر إلا سجد له وبلع الأرض الأخبثين من تحته وعدم طول قامة أحد على قامته وان رؤيته من خلفه كرؤيته من امامه واكثار اللبن في شاة أم معبد واطعامه من القليل الجم الغفير وطي البعيد إذا توجه إليه وشفاء الأرمد إذا تفل في عينيه وقصة الأسد مع أبي لهب ونزول المطر عند استسقائه ودعائه على سراقة فساخت قوائم فرسه ثم عفى عنه فدعى فأطلقت واخباره بالمغيبات كإنبائه عن العترة الطاهرة واحدا بعد واحد وما يجري عليهم من الأعداء في وقعة كربلاء وغيرها واخباره عن قتل عمار وانه تقتله الفئة الباغية ووقعة الجمل وخروج عايشة ونباح كلاب الحوأب ووقعة صفين واخباره عن أهل العقبة وأهل السقيفة وتخلف من تخلف عن جيش أسامة وأهل النهروان وبني العباس إلى غير ذلك واخبار الاخبار عنه عليه السلام قبل ولادته بسنين (وأعوام صح) ومن ذلك ما ظهر له من الكرامات عند ميلاده كارتجاج ايوان كسرى حتى سقط منه أربع عشرة شرافة وغوص بحيرة ساوه وخمود نار فارس ولم تخمد قبل بألف سنة واضطراب الأحبار والرهبان عند ولادته حتى رآه بعضهم وعرف خاتم النبوة على جسمه الشريف فقال إنه نبي السيف وحذر اليهود منه وتهنية امه من جهة السماء وما ظهر لها من الكرامات حين الحمل وكفى بكتاب الله معجزا " مستمرا مدى الدهر حيث أقرت له العرب العرباء وأذعنت له جميع الفصحاء والبلغاء مع أن معارضته كانت عندهم من أهم الأشياء على أن النظر في أخلاقه الكريمة وأحواله المستقيمة كفاية لمن نظر وحجة واضحة لمن استبصر ككثرة الحلم وسعة الخلق و تواضع النفس والعفو عن المسئ ورحمة الفقراء وإعانة الضعفاء وتحمل المشاق وجمع مكارم الأخلاق وزهد الدنيا مع اقبالها عليه وصدوده عنها مع توجهها إليه وله من السماحة النصيب الأكبر ومن الشجاعة الحظ الأوفر وكان يطوى نهاره من الجوع ويشد حجر المجاعة على بطنه ويجيب الدعوة ويأكل أكل العبد وكان بين الناس كأحدهم ولازم العبادة حتى ورمت قدماه إلى غير ذلك من المكارم التي لا تحصر والمحاسن التي لا تسطر و لبدنه الشريف أحوال مخصوصة به ومقصورة على جنابه كظهور نوره في الليل المظلم وغلبة طيبه على المسك الأذفر واحتوائه على محاسن لم يعز إليها بشر ثم لا تجب على الأمم اللاحقة معرفة الأنبياء السابقين نعم ربما وجب معرفة ان لله أنبياء قد سبقت دعوتهم وانقرضت ملتهم على الاجمال يجب معرفة عصمته بالدليل ويكفي فيه أنه لو جاز عليه الخطاء والخطيئة لم يبق وثوق باخباره ولا اعتماد على وعده ووعيده فتنتفي فائدة البعثة ولا يتوقف الايمان على العلم يوجوب نزاهة آبائه إلى مبدء وجودهم عن الكفر واضرابه وإنما هو من المكملات وكذا معرفة الأنساب
Page 4