Jughrafiya Siyasiyya
الأصول العامة في الجغرافيا السياسية والجيوبوليتيكا: مع دراسة تطبيقية على الشرق الأوسط
Genres
وقد نجم عن هذا أن بنية لبنان الجيوبوليتيكية أصبحت غير متوازنة بوجود تركيز هائل للناس والأعمال والمياه في منطقة بيروت وعلى طول محور طريق الشام، ومؤدية إلى تفريغ أجزاء من الدولة من الناس والأعمال والمياه، ومن الطبيعي أن تتزايد قوة التفريغ في أطراف الجبل اللبناني الجنوبية والشمالية في اتجاه جذب المنطقة الوسطى من هذا الجبل قريبا من طريق الشام، وهذا هو الحال أيضا في البقاع وبصورة معدلة في الإقليم الساحلي: اتجاه مستمر نحو بيروت وطريق الشام.
وفي الوقت الذي يواجه فيه المختصون مشاكل نمو بيروت، ما بين راغب في التخفيف من هذا النمو، وبين مستسلم للأمر الواقع ويرتب خطة لبيروت أكبر من الكبيرة، يفكر بعض ذوي الخبرة والمفكرين اللبنانيين في عدد من المشروعات من أجل إيجاد صيغة لإقامة التوازن الجيوبوليتيكي الذي اختل على النحو السابق شرحه، ومن بين الأفكار التي قدمت : نقل المطار الدولي إلى وسط البقاع، أو تحسين النقل الحديدي من مرفأ بيروت إلى البقاع وجعله منطقة التجمع لحركة تجارة الترانزيت بدلا من بيروت، والغرض من هذا تخفيف أعباء بيروت التجارية وأعباء مرور الشاحنات، وإنشاء منطقة جذب سكني واقتصادي في سهل البقاع الرحيب بالقياس إلى سهل بيروت المحدود.
وفي مقابل هذه المقترحات التي تستند إلى أفضلية المكان الجغرافي المتوسط للبقاع، فإن هناك مقترحات ودراسات ومخططات أخرى، منطلقها التخفيف عن بيروت بتوسيع الحركة والعمالة والتجارة في طرابلس خاصة وأن طرابلس ترتبط بحمص بطريق عبور سهل من الناحية الطبوجرافية (بالمقارنة بمشقة عبور ممر ضهر البيدر الجبلي في طريق بيروت دمشق)، ذلك لأن طريق طرابلس-حمص يسير في الممر الطبيعي الواسع بين كتلة جبل لبنان وكتلة جبال العلويين في سوريا، وتشتمل خلفية ميناء طرابلس على وسط المعمور السوري (محور نهر العاصي)، وتشترك مع بيروت في خلفية واسعة تمتد إلى العراق ومن ثم إلى دول الخليج،
1
وليس من شك في أن ذلك سوف يخفف من أعباء بيروت ويكون حلا جزئيا للضغط على المياه من ناحية، ومن الناحية الأخرى يؤدي إلى نوع من إعادة التوازن في ثقل أقاليم لبنان بتنمية وتنشيط طرابلس، وهو ما يؤدي بالضرورة إلى تنمية خلفية طرابلس كسوق عمل جديد ومتسع، فطريق طرابلس-حمص سوف يؤدي إلى نشاط اقتصادي وكثافة عمرانية لسهل عكار الذي يخترقه مسار هذا الطريق، وحوض الكورة الخصب سوف ينمو وتتطور فيه أشكال الإنتاج الزراعية وغيرها، جنبا إلى جنب مع تكثيف وتحسين مصايف كتلة الأرز الضخمة الجميلة، وزراعات مدرجاته ووديانه.
وليس هذا هو الحل كله لأزمة الضغط السكاني على موارد لبنان المائية، فبرغم صغر مساحة الدولة إلا أنها في موقع ملائم بالنسبة لإقليم المطر على ساحل المتوسط الشرقي، ويساعد التركيب الجيولوجي على تسرب مياه الأمطار خلال الصخور الجيرية الكريتاسية - التي تكون معظم سطح لبنان - إلى مخازن جوفية للمياه تظهر طبيعيا في صورة عيون وينابيع ذات تصريف طبيعي عال عند وجود حواجز باطنية من الصخور غير المسامية، وعلى مياه مثل هذه الينابيع تتغذى كثير من الأنهار اللبنانية المتجهة إلى البحر أو البقاع، وبرغم الإنشاءات الهندسية المختلفة، التي يمثل سد القرعون على نهر الليطاني أكبرها، فإن لبنان بحاجة إلى مزيد من الدراسة والتخطيط والاستثمار من أجل رفع فعالية المياه اللبنانية بدرجة أكفأ، سواء بتنظيم وتكثيف الحصول على الماء الباطني أو الأنهار، ومما لا شك فيه أن غالبية الأنهار اللبنانية المنحدرة إلى البحر مباشرة، صغيرة الأحواض ومن ثم ذات تصريف سريع خلال موسم المطر وتصريف قليل إلى نادر خلال الصيف ، وهي - فضلا عن ذلك - تجري في أودية عميقة مما يجعل رفع مناسيبها أمرا صعب المنال، ويمثل الليطاني أكبر الأنهار اللبنانية طولا وأضخمها حوضا وأكثرها ملاءمة للحجز واستثمارا في التنمية الزراعية في جنوب البقاع وجنوب لبنان عامة، وبالرغم من كونه نهرا لبنانيا صرفا، وليس نهرا واقعا على الحدود في أي جزء من مساره، إلا أن تنفيذ مشروعاته مقترن بمشكلات سياسية، مصدرها أنه في وقت من الأوقات كانت عين إسرائيل على جزء من مياهه، ومن ثم فهي تهدد تنفيذ مشروعات تستنفد مياهه داخل الأراضي اللبنانية، لكن تغير ميزان القوى يجعل هذا التهديد خاليا من المحتوى.
وعلى وجه عام في لبنان إمكانات جيدة لإيجاد توازن في أقاليمها بتنفيذ مشروعات للري والتعمير في أجزاء مختلفة من البقاع الشمالي الذي يمكن أن يتحول إلى شبيه بالبقاع الأوسط - مثلث الرياق، شتورا، المصنع - الخصب والمتنوع والإنتاج، وكذلك الحال بالنسبة لجنوب لبنان وسهل عكار، وكلها أرصدة جيدة يمكن بتنميتها وتدبير وتنظيم مياهها أن تكون ركائز قوية في قوة الدولة. (3-7) المياه أزمة خانقة في تركيب إسرائيل الجيوبوليتيكي
تميزت فلسطين منذ فترة طويلة بنوع من التوازن بين مصادر الماء ووساطة النقل التجاري وأعداد السكان، ومنذ الاحتلال الإسرائيلي أصبحت المنطقة تشابه لبنان في بعض أوضاعها من حيث الضغط السكاني على موارد المياه، لكنها تختلف تماما عن مسببات هذا الوضع، وتختلف جذريا في الحلول التي تقدمها إسرائيل للحصول على المياه.
وفي الحقيقة قد لا نجد أحسن من إسرائيل مثالا على أهمية الموارد المائية في جيوبوليتيكية الشرق الأوسط وجغرافيته السياسية المعاصرة، فالمتتبع لتاريخ إقامة الدولة الصهيونية في فلسطين يجد ارتباطا وثيقا بين التوسع العسكري واستراتيجية العدوان واتجاهاته وبين مصادر المياه.
إن موقع فلسطين في أقصى جنوب شرق البحر المتوسط جعلها تقع على هامش مسارات الأعاصير الممطرة الشتوية، ومن ثم فإن معظم فلسطين تقع في الإقليم الانتقالي بين الصحارى والبحر المتوسط، وقد اشتركت أشكال التضاريس مع الموقع في جعل التغيرات المناخية، وخاصة كمية الأمطار الساقطة، تغيرات سريعة وشبه مفاجئة، برغم صغر مساحة فلسطين، فهضبة الجليل وشمال السهل الساحلي يتمتع بمطر موفور نسبيا (أكثر من 500 مليمتر سنويا)، والقسم الأوسط - سهلا وهضبة - يحوز كمية متذبذبة من المطر (متوسط 250-500 مليمتر)، بينما تكاد تنعدم الأمطار في منطقة البحر الميت وصحراء النقب، وباستثناء أنهار قصيرة صغيرة الأحواض موسمية التصريف، لا نجد نهرا واحدا يمكن استثماره في إيجاد نظام للري الدائم داخل فلسطين، أما نهر الأردن، فرغم قصر طوله، إلا أنه يمثل النهر ذا الجريان المنتظم في منطقة حدود مشتركة: فمنابعه التي تغذيه بالمياه الدائمة تقع في سفوح جبل الشيخ الشرقية (في سوريا) والغربية (في لبنان)، ويجري النهر كخط حدود بين سوريا والأردن من ناحية وفلسطين (إسرائيل والضفة الغربية) من ناحية أخرى.
Unknown page