Jinusayid
جينوسايد: الأرض والعرق والتاريخ
Genres
عند مشارف القرية، صادفا مجموعة أخرى من النساء والأطفال وكبار السن وهم يفرون منها مذعورين وقد شاحت وجوههم وبلغت القلوب الحناجر، لم يتأثر حسن ببكاء الأطفال ولا صيحات النساء بقدر تأثره لدموع ذلك الشيخ الطاعن في السن، عندها أدرك حجم ما يتعرض له أهالي القرية من الوحشية والإجرام. - «اتجهوا نحو تلك التلة، الطريق آمن إلى عين كارم لا تخشوا شيئا.» قال كاظم ذلك للأهالي. - «أين الإمدادات العسكرية؟ أين جنود جيش الإنقاذ العربي؟» سألت إحدى النسوة ذلك.
نظر حسن إلى كاظم وقد طأطأ رأسه ولم يدر ما يقول. - سيأتون، سيأتون الآن، هيا امضوا في طريقكم على عجل.
لم يتمالك كاظم نفسه فهرع نحو القرية وهو يكبر ويطلق الرصاص نحو السماء، لحق به حسن بين البساتين وأشجار العنب والتين فولجا بيتا في مدخل القرية كان الباب مفتوحا على مصراعيه، استطلع حسن الغرف بحذر واعتلى كاظم السطح ليلقي نظرة إلى داخل القرية، وكيف يمكن لهما التقدم والوصول إلى مقاتلي القرية لمساندتهم، انتبه حسن إلى سفرة على الأرض وأطباق الزيتون والجبن والزيت والزعتر عليها وأكواب شاي مملوءة للمنتصف وقطع خبز متروكة على أطراف السفرة، اختلجه شعور بالحزن لحالهم، جلس متكئا على سلاحه، أغمض عينيه وأخذ نفسا عميقا ثم حوقل وقام من مكانه. سمع أصوات أقدام تقترب خارج البيت، اتكأ على حائط الغرفة وصوب سلاحه نحو الباب، فجأة بدأت الإطلاقات النارية تنهمر على البيت، وكاظم على سطح المنزل يكبر ويطلق النار، وينادي حسن ليصعد إلى السطح.
شعر حسن أن الموت لا محال هذه المرة، ألقوا قنبلة يدوية على باحة المنزل فتهاوت قطع من السقف وامتلأ المكان بالدخان والغبار، فتح النار حسن من رشاشه وهو ينسحب من الغرفة إلى الدرج، خرج أمامه جندي فأرداه قتيلا بثلاث رصاصات متتالية، سمع تكبير كاظم وكأنه أصاب أحد المهاجمين وصل قربه. - كاظم لا تطلق إلا لهدف! نحن محاصرون هنا، سنموت عندما تنفد ذخيرتنا! - لا عليك، لقد قتلت اثنين منهم وأصبت الثالث. - وأنا أيضا قتلت واحدا. - هؤلاء جبناء، ولولا أسلحتهم الحديثة وذخيرتهم التي لا تنتهي لهزمناهم أنا وأنت وحدنا. - سنهزمهم بإذن الله، ابق أنت هنا وأنا أذهب للطرف الآخر، يجب أن نقتل هذه المجموعة قبل أن تصلها الإمدادات.
استمر القتال قرابة النصف ساعة، كان كاظم يقاتل بشراسة واستبسل في القتال، حتى رمي بقنبلة يدوية فسقط يلفظ أنفاسه الأخيرة، هرع إليه حسن، حمله إلى حضنه، كانت الابتسامة تعلو شفاهه وهو يقول لقد وفيت عهدي لله بوصية أبي، ثم أخذ نفسا وصوت الحشرجة يخرج من صدره، ثم شهق وغادرت الجسد روحه الزكية إلى السماء. وبينما هو يمسح وجهه بكفه ليغلق عينيه، وضع أحدهم فوهه سلاحه على رأس حسن وقال بلغة ركيكة: ارفع يديك!
الفصل الثامن والأربعون
دير ياسين - فلسطين 1948م
اتجهت ثلاث عربات عسكرية من حي مونتفيوري محملة بالمقاتلين المدججين بالأسلحة في تلك الليلة الربيعية الهادئة من شهر نيسان إلى مستوطنة جفعات شاءول، وكان مايكل في الصندوق الخلفي لإحدى تلك العربات مع مقاتلي الأرغون وقد حمل بندقيته بيديه وجلس القرفصاء متكئا على ظهر مقاتل آخر خلفه، التفت يمنة ويسرة، بالكاد استطاع رؤية ملامح من معه من الظلام المخيم على الطريق، تذكر أيام معسكرات الاعتقال والغيتو، لم يكن يمتلك ذكريات جميلة في أي صندوق خلفي لعربة عسكرية سوى يوم التحرير عندما خرج مع روبرت إلى وارسو، شعر بضيق في التنفس على الرغم من الهواء البارد الذي يصفع وجهه من سرعة سير العربة.
أخبروهم بأن العملية التي سيقومون بها لا تقل أهمية عن عملية قتل عبد القادر الحسيني أحد أكبر قادة العدو نهار ذلك اليوم في معركة القسطل، لقد دب الخوف والانكسار في قلوب مقاتلي العدو، وتلك العملية حسبت للهاغانا، ولا بد للأرغون وشتيرن أن تظهرا للرأي العام اليهودي أن أي عملية مشتركة بينهما ستغير الكثير من مجريات المعركة لصالحهم.
عند وصولهم إلى ساحة المستوطنة وثب مايكل من العربة خلف المقاتلين ثم اصطفوا خلف بعضهم البعض، كان هنالك مقاتلون آخرون وصلوا قبلهم وهم بكامل جهوزيتهم، خرج إليهم قائد العملية بن تسيون كوهين بزي عسكري، وقد شمر عن ذراعيه ووضع بيريته السوداء أسفل موضع الرتبة العسكرية على كتفه، كانت ملامحه قاسية ونظراته ثاقبة، خطى بين صفوف المقاتلين بخطوات وئيدة ثم عاد إلى المقدمة وأدار وجهه نحو المقاتلين: اليوم سنثبت للجميع أن الأرغون وشتيرن لهما ثقلهما في هذه المعركة المصيرية للأمة اليهودية وهي تحاول استعادة أرضها من الغاصبين لقرون طويلة، لا مكان للرحمة اليوم، كل رجال قرية دير ياسين يجب تصفيتهم، وكل من يقف بجانبهم إن كانوا نساء أو أطفالا أو شيوخا، ستكون دير ياسين عبرة لكل أهالي القرى الأخرى. أريد أن يرتجف كل من يسمعون بقدوم الأرغون وشتيرن نحوهم، هؤلاء العرب لديهم شرف نسائهم أهم من كل شيء، فاعتدوا عليهن، فإن اجتمع في قلوبهم الرعب من قوتنا ووحشيتنا والخوف على نسائهم وبناتهم من الاعتداء هربوا أمامنا كالفئران المذعورة. •••
Unknown page