120

Jinusayid

جينوسايد: الأرض والعرق والتاريخ

Genres

استغرب حسن من حفاوته الكبيرة به، فقال: يبدو أنك تعرفني. - نعم، فقد كنت مع الجنود الذين أسعفوك في ساحة الاشتباك يوم أصبت في ساقك.

شكره حسن كثيرا، ثم دار بينهما حديث طويل عن المعارك وإمكانية جيش الإنقاذ مقابل الإمكانية الضخمة للعدو الذي اشترى عتاد القوات البريطانية المنسحبة من فلسطين وامتلك حتى الطائرات، كان الجندي شابا في نهاية عقده الثاني ذا ملامح سمراء جميلة، يتكلم باللهجة العراقية المحببة، يقول: قد شارك أبي في ثورة العشرين هناك في العراق، وقتل العديد من جنود الاحتلال البريطاني، وما إن سمع أنهم فتحوا المجال للجهاد في فلسطين حتى أرسلني مع أول مجموعة غادرت العراق، كانت وصيته لي قبل السفر: «بني، إن وصلت الأقصى صل ركعتين فيها، ثم عاهد الله وأنت تنظر للقبة المشرفة وتمد يدك نحوها على ألا تعود للعراق إلا بعد تحرير فلسطين بالكامل أو شهيدا على جنازة.» - وهل عاهدت الله في الأقصى؟ - فور وصولي إلى القدس.

نظر حسن إليه فرأى في عينيه ما رآه في عيني هشام يوم أخبره عن استشهاد عمر الصفدي في تلك الليلة القمراء في باحة الأقصى، وكأن الشهادة سمة تظهر في العيون التي تصبو إلى المعالي، وتزرع في النفوس الهمم العالية، فما الذي يدفع شابا إلى ترك حياته ومدينته الآمنة وعيشه الرغيد ليقطع آلاف الأميال ويرخص نفسه من أجل فلسطين إلا تلك الهمة العالية التي تنبع منها. •••

تسللت أشعة الشمس خلسة من النافذة الخشبية لغرفة حسن في بيت أبي عثمان، وأيقظته بأناملها الدافئة وهي تتلمس وجهه وكأنها أنامل أنوشكا، وحالما فتح عينيه هاجه شعور قوي بالشوق إليها؛ فقد مر وقت طويل على رحيلها ، فجأة تذكر أنه رآها في الحلم الليلة الماضية، كانت جالسة على شرفة منزلهم في جنين تتأمل مرج ابن عامر وشعرها المنسدل كذيل حصان يتطاير مع الريح، ثم فجأة مدت يدها ناحية المدى ونادت بأعلى صوتها: حسن، حسن، وهي تبكي وتذرف الدموع، ثم انتهى الحلم هكذا. لم يخطر في ذهنه تفسير لذلك الحلم إلا أنها بحاجته والشوق قد أخذ منها مأخذه كما فعل به هو أيضا.

أثناء ذلك تناهى إلى مسامعه أصوات صيحات نساء وبكاء أطفال قادمة من ساحة الحرجة، ظن أن القرية تعرضت للهجوم من العصابات الصهيونية، لكن الغريب في الأمر أنه لا يوجد صوت إطلاقات نارية، فز من فراشه ارتدى ملابسه وحمل جعبته ورشاشه الستن المركون في زاوية الغرفة، ثم هرع إلى الساحة.

كانت النساء تصيح وتندب وتستنجد برجال القرية أن يلحقوا الأهالي في قرية دير ياسين التي تعرضت لهجوم مباغت منذ الفجر من قبل العصابات الصهيونية، وصل ضابط جيش الإنقاذ العربي المرابط في أطراف القرية إلى الساحة، ارتفعت صيحات النساء عند رؤيته، كانت إحداهن تبكي وتقول: «لقد قتلوا زوجي وابني وحرقوا الدار، إن لم تلحقوا بهم فسيقتلون أهل القرية جميعا.» كان الضابط يردد كل مرة: لا توجد أوامر بالتحرك، لا توجد أوامر!

صاح أحد شبان القرية: أعطونا أسلحتكم ونحن نذهب للقتال هناك. - الأمر ليس بهذه البساطة، اهدءوا، يجب أن نتبع أوامر القيادة، أخشى أن نتحرك إلى دير ياسين، فتتعرض القرية إلى هجوم أيضا، من يدافع عنها حينها؟!

بين جموع أهالي القرية الغاضبين لعدم تحرك جيش الإنقاذ لنجدة أهالي القرية، همس أحدهم بأذن حسن وقال: هيا أيها البطل، لا وقت لدينا لنضيعه.

كان الشاب متلثما بكوفية، انتبه حسن إلى سلاحه فعرف أنه أحد جنود جيش الإنقاذ، كشف عن وجهه وإذا به ذلك الشاب العراقي. - وتخالف الأوامر؟ - أية أوامر هذه، إخوتنا يتعرضون للموت إن لم ننجدهم ونقاتل دونهم فلماذا أتينا للقتال إذن، وما فائدة السلاح الذي نحمله؟! - صدقت.

كانت قرية دير ياسين على بعد ميلين عن قرية عين كارم، وكلما اقتربا منها تناهت إلى مسامعهما أصوات الانفجارات والإطلاقات النارية، فيسرعان خطاهما، أخبره حسن أنه قد زار القرية من قبل يوم أتى مع والده إلى بيت الحاج أسعد. - أعتقد أن الهجوم حصل من مستوطنة جفعات شاءول الواقعة شرق القرية من جهة القدس، إضافة إلى وجود مستوطنات أخرى إلى جنوبها. - كيف استطاعت تلك النسوة الهرب مع أطفالهن إذن؟ - لا يوجد منفذ إلا من الجهة الغربية، ومنها سنتسلل للقرية.

Unknown page