وفي تلك الأثناء نهض موروجان مطيعا وقبل يد أمه.
ولما انصرف من الغرفة قالت الراني: الآن نستطيع أن نتحدث بحرية أكثر. وانطلقت في الكلام متحررة؛ ونم وجهها، ونغمة حديثها، وعيناها الجاحظتان، وهيكل جسمها المرتعش كله عن استنكارها ولكنها تجاهلت الأمر وقالت: اذكروا محاسن موتاكم. ولذلك لم تذكر عن زوجها إلا أنه كان رجلا من بالا مثاليا، وممثلا صادقا لبلاده، والحقيقة المؤلمة هي أن وجه بالا المشرق الناعم كان يخفي فسادا مروعا.
ورفعت يديها مرتاعة وخشخشت أساروها في فزع شديد تقول: عندما أذكر ما حاولوا أن يلحقوه بوليدي منذ عامين، عندما كنت أقوم برحلتي العالمية في سبيل الحملة الروحية، أذكر كم قاسيت من فراقه طوال هذه المدة. ولكن «السيد» كان قد بعثني لأداء رسالة وذكرني «صوتي الضعيف» أنه من الخطر أن أصحب وليدي معي. ولقد عاش خارج البلاد زمنا طويلا وآن له أن يعرف البلد الذي سيئول إليه حكمه؛ لذلك قررت أن أتركه هنا. وعين مجلس الشورى لجنة للوصاية: واللجنة امرأتان لكل منهما أبناء بلغوا سن الرشد، ورجلان.
يؤسفني أن أقول (وأسفي أشد من غضبي) إن الدكتور روبرت ماك فيل كان أحدهما. وموجز القول، ما كدت أن أخرج آمنة من هذا البلد حتى شرع هؤلاء الأوصياء الأعزاء الذين عهدت إليهم بوليدي، ولدي الوحيد، يعملون لمحو تأثيري، ويعملون بنظام يا مستر فارنبي على أن يحطموا كل القيم الخلقية والروحية التي تعبت في بنائها خلال العديد من السنين.
وفي شيء من الخبث أبدى ويل دهشته (لأنه بطبيعة الحال كان يعرف ما كانت الراني تتحدث عنه): القيم الخلقية والروحية كلها؟ ومع ذلك لم يكن بالإمكان لأحد ما أن يكون أكثر شفقة به من الدكتور روبرت والآخرين، ولم يكن بإمكان السامرين الطيبين أنفسهم أن يكونوا أكثر منهم إحسانا.
وقالت الراني: إنني لا أنكر عليهم شفقتهم. ولكن الشفقة ليست هي الفضيلة الوحيدة.
ووافقها ويل وقال: طبعا. وأخذ يعدد كل الصفات التي كان من الواضح إن الراني تفتقر إليها، وقال: هناك أيضا الإخلاص، والصدق، والتواضع، والإيثار ...
وقالت الراني بحدة: لقد نسيت الطهارة. وأكدت على هذه الكلمة: الطهارة أساسية، الطهارة شيء لا بد منه. - ولكني فهمت أنهم هنا في بالا لا يرون هذا الرأي. فقالت الراني: إنهم بالتأكيد لا يرون ذلك. واستطردت تذكر له كيف أن ولديها قد عرض عمدا للنجاسة، بل لقد شجعوه إيجابيا على الاسترسال فيها مع إحدى الفتيات اللائي نضجن قبل الأوان وسلكن سلوكا فوضويا. وفي بالا الكثيرات منهن. ولما عرفوا أنه ليس من طراز الفتيان الذين يغررون بالبنات (لأنها نشأته على أن يعتبر المرأة مقدسة بالضرورة) شجعوا الفتاة على أن تبذل جهدها لكي تغرر به.
وتعجب ويل في نفسه متسائلا: وهل نجحت معه الفتاة؟ أم هل قام أصدقاؤه الذين في مثل سنه بتحصينه ضد الميل إلى البنات، أو قام به بصورة أكثر فعالية واحد ممن يكبرون أنطونيوس أكثر خبرة وأشد فسادا، سويسري سبق الكولونيل ديبا؟
وأخفضت الراني صوتها وقالت إلى حد الهمس الذي تسمعه على المسرح تعبيرا عن الفزع: لم يكن ذلك أسوأ ما حدث؛ فإن إحدى الأمهات في لجنة الوصاية - وألفت النظر إلى أنها من الأمهات - نصحته أن يتلقى بعض الدروس. - أي نوع من أنواع الدروس؟
Unknown page