Jawhar Insaniyya
جوهر الإنسانية: سعي لا ينتهي وحراك لا يتوقف
Genres
اعتبر الغزاة أنفسهم مبشرين، رغم أنه يصعب رؤية أي تشابه بينهم وبين المؤمنين الحقيقيين بالله؛ فالمبشرون مثل القديس أوجستين، الذي أرسله البابا جريجوري في عام 596 لتحويل الإنجليز إلى المسيحية، أو ألبرت شفايتزر، الذي بنى مستشفى إرساليا لعلاج المصابين بالجذام والسكان الأصليين الآخرين المرضى في لامبارين في أفريقيا الاستوائية الفرنسية (الجابون حاليا) في عام 1913، أو الأم تيريزا التي أسست جمعية الإرساليات الخيرية لرعاية المعدمين والمحتضرين في كلكتا في عام 1948، لا يشاركون في إراقة الدماء؛ بالإضافة إلى هذا، في المثالين الأخيرين لم يشمل مسعاهم أي تحول ديني على الإطلاق. يسعى المبشرون الحقيقيون إلى مساعدة الآخرين، ماديا وروحانيا؛ فهم يسعون إلى تحسين حياة البشر، لا تدميرها.
طوال القرن السادس عشر، واصل المستكشفون البحريون من شبه الجزيرة الإيبيرية رسم خرائط للخطوط الساحلية للقارات. استكشف المستكشف البرتغالي فاسكو دا جاما الساحل الجنوبي لأفريقيا في عام 1497، رغم أن بحارا برتغاليا آخر، بارثولوميو دياز، رأى الطرف الناتئ المرتفع لجبل تيبل بالقرب من الحافة الجنوبية قبله في عام 1488. أطلق عليه دياز رأس العواصف (الذي يعبر بالتأكيد عنه)، لكن الاسم تغير فيما بعد إلى اسم أكثر تفاؤلا؛ رأس الرجاء الصالح.
27
بعد تسع سنوات صحب دياز دا جاما في رحلته الاستكشافية الأكثر شمولا. على الجانب الآخر من المحيط الأطلنطي، أبحر فرديناند ماجلان، البرتغالي الذي كان يخدم ملك إسبانيا، عبر أرخبيل تيرا ديل فويجو (أرض النار) الواقع عند الحافة الجنوبية للقارة الأمريكية في عام 1519، وتحمل حاليا هذه المياه التي سار فيها اسمه. أصبح ماجلان أول أوروبي يبحر عبر المحيط الهادئ - اجتاز البولنيزيون بالطبع معظمه من الاتجاه المقابل قبل هذا بعدة آلاف من السنين - ورسا في النهاية في الفلبين في عام 1521 (التي سميت على اسم فيليب أمير إسبانيا، الذي أصبح فيما بعد فيليب الثاني). على عكس الغزاة الذين ذهبوا بعد كولومبوس إلى الأمريكتين، لم يكن ماجلان يسعى وراء الأرض أو الذهب؛ فقد كان يبحث عن سلع لها قيمة متساوية اشتهرت بأنها لا توجد إلا على مجموعة صغيرة من الجزر في الشرق؛ التوابل. وصل المستكشفون البرتغاليون السابقون إلى جزر مولوكو، التي أصبحت أسطورية بسبب احتوائها على جوزة الطيب والقرنفل والفلفل، عن طريق الإبحار حول أفريقيا وفي اتجاه الشرق عبر المحيط الهندي. كان ماجلان، مثل كولومبوس، مقتنعا بأن ثمة طريقا أقصر إلى جزر الهند الشرقية يمكن العثور عليه عن طريق الإبحار غربا؛ وفي حالته عثر عليه (رغم ثبوت أنه أطول). قتل ماجلان في شجار مع السكان الأصليين في جزيرة ماكتان الفلبينية، لكن واصل الناجون رحلته الاستكشافية ووصلوا إلى جزر التوابل، وحملوا جوزة الطيب والقرنفل والقرفة وقشرة جوزة الطيب المطحونة، وتمكنوا من العودة إلى إسبانيا. تمثل رحلتهم أول رحلة بحرية تجوب العالم. وكان هذا، بالإضافة إلى أشياء أخرى، الدليل الأخير على أن الأرض مستديرة بالفعل، وليست مسطحة.
كان القرن السادس عشر إذن قرن استكشاف؛ فقبل نهايته بوقت طويل رسمت خرائط شديدة الدقة للشريط الساحلي لمعظم أجزاء العالم، صنع رسام الخرائط الفلمنكي جيراردس مركاتور،
28
الذي كان يعيش في ألمانيا، خريطة على هذا النحو في عام 1569، ورغم أنها أظهرت خطوط الطول موازية بعضها لبعض، وهي بالطبع ليست كذلك، فإن هذا الرسم كان مفيدا للملاحين؛ نظرا لأن خطوط الاتجاهات في البوصلة، مثل الذي يشير شمالا، تكون بالفعل خطوطا مستقيمة. كانت أجزاء من خريطة مركاتور دقيقة بناء على التخمين أكثر من معلومات حقيقية؛ فقد توقع وجود مضيق بيرنج بين آسيا وأفريقيا قبل اكتشافه بنحو 200 عام. ونحن ندين على الأرجح لمركاتور بكلمة «أطلس» (المأخوذة من الاسم الذي أطلقه اليونانيون على أحد عمالقتهم الأسطورية)؛ فقد استخدمه عنوانا لخرائطه عن جزء من أوروبا في عام 1585.
كان من بين الذين بحثوا عن طريق جديد إلى جزر التوابل ملاح إنجليزي مثابر للغاية اسمه هنري هدسون، تمثلت محاولته الأولى في الإبحار جهة الشمال، وفي عام 1607 وصل إلى مكان على بعد عشر درجات من القطب الشمالي؛ حيث ظن أن المياه ستصبح فجأة أكثر دفئا، لكن هذا لم يحدث، وأجبره الجليد على أن يعود أدراجه. ولمعرفتها بإنجازاته في القطب الشمالي، فوضت شركة الهند الشرقية الهولندية هدسون للعثور على «الممر الشمالي الشرقي» الذي كانت هي ونظيرتها الإنجليزية متأكدتين من أنه سيقتطع آلاف الأميال من هذه الرحلة الطويلة حول أفريقيا. لم تصل محاولات سابقة، أحدها لهدسون نفسه، إلى أبعد من نوفايا زيمليا على الساحل الشمالي لروسيا، لكن شعر مديرو الشركة أن مثابرة هدسون ومعرفته بمياه القطب الشمالي ستؤدي إلى نتيجة ناجحة. انطلقت الرحلة الاستكشافية أخيرا في عام 1609. ما لم يكن يعلمه مؤيدوه أنه لا يعتزم الإبحار شرقا على الإطلاق؛ فقد كان هدفه العثور على «ممر شمالي غربي» وليس شرقيا. وصل إلى الساحل الغربي لنوفا سكوشا، لكن دفعته رياح جليدية وثلج متساقط، ناهيك عن ثورة طاقمه، إلى الاتجاه جنوبا. مر على كيب كود، ووصل إلى الفتحة الكبيرة بالقرب من جزيرة أسماها المحليون «مانا-هاتا»، رآها ملاح يدعى جيوفاني دي فيرازانو قبل قرن تقريبا من الزمن. شعر هدسون بأن هذا المجرى المائي سيؤدي به إلى المحيط الهادئ؛ ومن ثم إلى جزر التوابل. للأسف، لم يحدث هذا. أبحر إلى الشمال في المياه الفسيحة حتى وصل إلى مدينة ألباني الحالية، لكنه أدرك في هذه اللحظة أنه كان يبحر فحسب في نهر لا يؤدي إلى أي مكان. استدار عائدا على مضض، ولو كان علم أن السكان اللاحقين لهذه الشواطئ سيطلقون اسمه على هذا النهر، لم يكن هذا ليخفف عنه حزنه؛ فقد كان هدفه العثور على طريق غربي إلى المحيط الهادئ، لا أن يترك اسمه للأجيال القادمة. وعلما منه بأن دافعي راتبه ليسوا سعداء كثيرا بنتائجه،
29
لم يعد هدسون إلى أمستردام وإنما إلى لندن، ومن هناك انطلق مرة أخرى بحثا عن الممر الشمالي الغربي، وهذه المرة بدعم من الملك الإنجليزي جيمس الأول. مر في طريقه على نيوفندلاند، عبر المضيق الواقع بين جزيرة بافن والساحل الشمالي لكيبك، ودخل إلى الخليج، الذي أصبح حاليا هو والمضيق يحملان اسمه. كان الثلج يتساقط بشدة، ومرة أخرى حدث اضطراب على متن السفينة، فقبض فردان من الطاقم على هدسون، ووضعوه مع سبعة من أنصاره بالإجبار على متن قارب صغير من دون إمدادات، ثم تركوهم في عرض البحر، ولم ير هنري هدسون مرة أخرى على الإطلاق.
Unknown page