Jawhar Insaniyya
جوهر الإنسانية: سعي لا ينتهي وحراك لا يتوقف
Genres
يتمثل أهم نوعين من الجزيئات في أي كائن حي في: الجينات، التي يعرفها علماء الكيمياء الحيوية أيضا باسم الدي إن إيه، والبروتينات. علاقة الجينات بالبروتينات تماثل تماما علاقة تصميم المهندس المعماري بالبناء الذي سيبنيه؛ فهو يحدد شكله وحجمه. فالجين هو مجموعة من التعليمات الخاصة بتكوين أحد البروتينات؛ فهو يحدد حجمه وشكله. وظيفة البروتينات هي إمداد المادة بالحياة؛ بالحركة والنمو والتكاثر وإدراك بيئتها والقدرة على البحث. فالبروتينات هي أساس الاستجابات الإرادية واللاإرادية لدى الحيوانات المتشابهة. بالإضافة إلى هذا، نعرف أيضا أن بعض الجينات المتعلقة باستجابات النباتات والجراثيم؛ مثل بحثها عن الضوء والغذاء، توجد بالتكوين نفسه لدى الحيوانات والإنسان، بعبارة أخرى: بعض البروتينات التي تمكننا من البحث ترتبط في تكوينها بالبروتينات التي تملكها أشكال للحياة أكثر بساطة وقدما.
إذا كان ثمة استمرار في الوظيفة، وفي الجزيئات الأساسية من البكتيريا القديمة وحتى الأسماك والطيور والثدييات، فما الذي يميز إذن أحد الرئيسيات، الإنسان العاقل، عن كافة الكائنات الأخرى، خاصة عن أقرب أقاربه: «بان تروجلوديت»، النوع الشائع من الشمبانزي، و«بان بانيسكوس»: البونوبو أو ما يعرف بالشمبانزي القزم؟ هل يمكن أن يكون الاختلاف شيئا بسيطا مثل الرغبة المتزايدة في السعي المستمر؟
طوال 150 عاما، منذ عهد داروين، حاول علماء الأنثروبولوجيا (علم دراسة الإنسان) تحديد الصفات التي تميز السلوك الفريد للإنسان، لكنهم فشلوا. فعند البحث عن كل صفة مقترحة لدى الرئيسيات غير البشرية، كان يعثر عليها؛ مثل استخدام الأدوات البسيطة، والقدرة على التفكير، والشعور بالألم والسعادة، والإدراك والوعي للذات، وفهم الفكاهة، وفهم الكلمات واللغة.
2
ربما تكون الصفة مستخدمة بأقل قدر ممكن، ولدى بعض الأنواع تكون مكتسبة من البشر، لكن هذا يجعلنا غير قادرين على تحديد سمة محددة للإنسان. ولم تكن محاولات كتاب معاصرين مثل كينان مالك (2000) في كتابه «الإنسان والوحش والزومبي»، لفعل هذا الأمر - مقنعة، فما كان منهم إلا تجنب الموضوع من خلال إرجاع تفرد الإنسان إلى بعض السمات السلوكية غير الجينية، مثل ظهور «الميمات»، وهو موضوع سنتحدث عنه في الخاتمة.
لذا، في كتاب «ازدهار الشمبانزي الثالث وتدهوره» يصف عالم الأحياء جارد دياموند الإنسان وصفا صادقا أنه مجرد فرد آخر في مجموعة الرئيسيات، ويجب تصنيفه في النوع نفسه مع البونوبو والشمبانزي الشائع، وللاستفزاز يطلق على هذا النوع «هومو» بدلا من «بان». فعل ديزموند موريس الأمر نفسه في كتابه «القرد العاري» قبل ذلك بثلاثين عاما.
3
فعلى ما يبدو لا توجد سمة تميز الإنسان العاقل؛ فالحكمة بالتأكيد ليست سمة مميزة. وإذا لم تكن توجد صفة محددة تفسر الاختلاف الجوهري بين الشمبانزي والإنسان، فلا بد لنا من البحث عن عدد من السمات، التي ليست حكرا على الإنسان، التي نتج عنها بطريقة ما عند اجتماعها سلوكه المعدل، وقدرته المتزايدة على السعي. ماذا يمكن أن تكون هذه الصفات؟
ثمة مئات الصفات التي تميز الإنسان عن الشمبانزي، ربما أكثرها وضوحا للمشاهد العادي وجود شعر أقل على الجسم، واختلاف شكل الوجه، وقصر طول الذراعين، والمشية المنتصبة. أما المتخصص فإن الصفات التي يركز عليها هي التي ترتبط بمجال تخصصه؛ فسيصف اختصاصي علم التشريح بالتفصيل شكل الفك والحوض وكل عظمة أخرى في الجسم، أما اختصاصي التغذية فسيدرس النظام الغذائي من حيث استهلاك البروتين الحيواني في مقابل البروتين النباتي، أما المتخصص في الأنثروبولوجيا فسيركز على الظهور المبكر للقدرة الإنجابية وقصر متوسط العمر المتوقع، في حين سيلاحظ المتخصص في علم الاجتماع سلوك التزاوج من حيث طول فترة الرغبة الجنسية وعدد الأزواج، وسيلاحظ الخبير في الإحصاء الفروق النسبية في الطول بين الذكر والأنثى، وربما يعلق على كبر حجم الثدي لدى أنثى الإنسان، وطول العضو التناسلي لدى الذكور.
4
Unknown page