ـ[جَوَاهِر الْعُقُود ومعين الْقُضَاة والموقعين وَالشُّهُود]ـ
الْمُؤلف: شمس الدّين مُحَمَّد بن أَحْمد المنهاجي الأسيوطي (الْمُتَوفَّى: ٨٨٠هـ)
حققها وَخرج أحاديثها: مسعد عبد الحميد مُحَمَّد السعدني
الناشر: دَار الْكتب العلمية بيروت - لبنان
الطبعة: الأولى، ١٤١٧ هـ - ١٩٩٦ م
[ترقيم الْكتاب مُوَافق للمطبوع]
1 / 1
بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم
الْمُقدمَة
الْحَمد لله رب الْعَالمين، الَّذِي أنزل الْقُرْآن الْكَرِيم على رَسُوله النَّبِي الامي، الصَّادِق، الامين، فشرح بِهِ صُدُور عباده الْمُؤمنِينَ، وَنور لَهُم بصائرهم وَجعل مِنْهُم أَوْلِيَاء وعارفين فاستنبطوا مِنْهُ الاحكام وميزوا بِهِ الْحَلَال من الْحَرَام، يَقُول ﷺ: " من طلب الْعلم وأدركه كَانَ لَهُ كفلان من الأجر، وَإِن لم يُدْرِكهُ كَانَ لَهُ كفل من الأجر " (١) إِن خير الْعُلُوم وأفضلها عِنْد الله علم الدّين والشرائع:، الْمُبين لما احتوت عَلَيْهِ الاحكام الالهية من عَدَالَة سَمَاوِيَّة يتَبَيَّن من خلالها حل الاشياء وحرمتها، وَمَا يحْتَاج إِلَيْهِ
الانام، أما بعد فكتاب " جوَار الْعُقُود ومعين الْقَضَاء والمقعين وَالشُّهُود " الَّذِي عملت على ضَبطه فقد كَانَ رَوْضَة أنيقة يَسْتَطِيع أَن يجني من ثمارها ويستنير بكواكبها المشرقة كل ذِي حَاجَة لحكم أَو عقد أَو اتفاقية وفْق كتاب الله وَسنة نبيه، فَإِنَّهُمَا خير مَا يجب أَن نعض عَلَيْهِمَا بالنواجذ لانهما نبراس لكل ساع إِلَى هِدَايَة وَنبيه، أسأَل الله عزوجل أَن يَنْفَعنِي وإخواني الْمُسلمين بِعِلْمِهِ وهدايته، إِنَّه السَّمِيع الْبَصِير الْقَدِير على كل شئ وَهُوَ حسبي وَنعم الْوَكِيل
مُحَمَّد أَمِين الضناوي
_________
(١) رَوَاهُ الدَّارمِيّ فِي كتاب الرقَاق، بَاب: فضل الْعلم والعالم.
1 / 3
هُوَ مُحَمَّد بن أَحْمد بن عَليّ بن عبد الْخَالِق، شمس الدّين السُّيُوطِيّ، ثمَّ القاهري، الشَّافِعِي المنهاجي: فَاضل مصري، ولد - كَمَا قَالَ لي، فِي جُمَادَى الاخرة سنة ثَلَاث عشرَة وَثَمَانمِائَة، وَقيل: سنة عشر - بأسيوط وَنَشَأ بهَا، وجاور بِمَكَّة مُدَّة، وَاسْتقر فِي الْقَاهِرَة.
فحفظ الْقُرْآن عِنْد سعد الدّين الواحي وَغَيره، والعمدة، وَأَرْبَعين النَّوَوِيّ، والشاطبية، والمنهاج الفرعي، والاصلي.
وسطور الاعلام فِي معرفَة الايمان والاسلام للحمصي فِيمَا زَعمه، أَنه عرض على الْجلَال البُلْقِينِيّ، وَالْوَلِيّ الْعِرَاقِيّ، والبيجوري.
والشرف الاقفهسي، والتفهني، وقارئ الْهِدَايَة، والبساطي.
وَابْن مغلي، فِي آخَرين مِنْهُم: النَّجْم بن غبد الْوَارِث، والحمصي، أَنه تَلا لابي عَمْرو وَعلي الشَّمْس البوصيري.
وَقَرَأَ فِي الْفِقْه على الزكي الْمَيْدُومِيُّ.
وَالشَّمْس بن عبد الرَّحِيم، والبدر بن الْخلال، وَعَن الزكي أَخذ النَّحْو أَيْضا، وَعَن الشهَاب السخاوي - القادم عَلَيْهِم أسيوط - مَجْمُوع الكلائي، والملحة.
وَقيل: بل الشهَاب العجيمي - وَهُوَ الَّذِي سمعته مِنْهُ.
والْحَدِيث عَن شَيخنَا - يَعْنِي الْحَافِظ أَحْمد بن عَليّ بن حجر الْعَسْقَلَانِي - والتقي بن عبد الْبَارِي الكفيف وَغَيرهمَا.
وتكسب بِالشَّهَادَةِ، ومعاني الادب، وتميز فِيهِ.
وامتدح شَيخنَا - ابْن حجر - بقصيدة دالية، سَمعتهَا مِنْهُ فِي مَكَّة والقاهرة.
وكتبها - أَو جلها - فِي الْجَوَاهِر، كَذَا.
وكتبها عَنهُ البقاعي، مِنْهَا: يَا كعبة، قبل الْوُقُوف، ذخلتها من بَاب شيبَة، حمدك المتأكد
_________
(١) الاعلام خير الدّين الزركلي، ج د ص ٣٣٤، الضَّوْء اللامع لاهل الْقرن التَّاسِع، شمس الدّين مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن السخاوي، ج ٧ ص ١٣.
1 / 5
وَجمع فِي الشُّرُوط كتابا سَمَّاهُ " جَوَاهِر الْعُقُود، وَمعنى الْقَضَاء وَالشُّهُود " فِي مُجَلد صخم، وَأذن لَهُ شَيخنَا فِي الْعُقُود.
صحب الامير جانم قريب الاشرف برسباي، فاختص بِهِ، وسافر مَعَه لحلب ثمَّ للشام.
وَكتب عَنهُ الْفُضَلَاء من نظمه ونثره.
وَجمع مجاميع فِي الادب والتاريخ.
وَلكنه يرْمى بالمجازفة.
وَلَا يحمد فِي شهاداته، وَقد أهين بِسَبَبِهَا فِي مَكَّة وَغَيرهَا.
وَلما كَانَ مجاورا بِمَكَّة أقْرض للتقي بن فَهد كِتَابه الْقَرِيب.
وَقَرَأَ بهَا البُخَارِيّ مرّة بعد أُخْرَى.
ثمَّ لقِيه حفيده الْعِزّ بحلب بعد دهر، وَكتب عَنهُ من نظمه قصائد.
ولقيني بِمَكَّة ثمَّ بِالْقَاهِرَةِ.
من كتبه " أتحاف الاخصاء بفضائل الْمَسْجِد الاقصى، فَضَائِل الشَّام: تحفة الظرفاء، هِدَايَة السالك إِلَى أوضح المسالك: التَّذْكِرَة المنهاجية (١)
_________
(١) قَالَ الزركلي فِي الاعلام: " رَأَيْته بِخَطِّهِ فِي الاسكوريال (الرقم ٢٩٢) وأظن أَن هُنَاكَ جُزْءا آخر مِنْهُ أَو أَكثر ".
1 / 6
بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم وَبِه ثقتي، وَهُوَ حسبي.
وَنعم الْوَكِيل رب يسر بجودك الشَّامِل، وتمم بِفَضْلِك الْكَامِل.
الْحَمد لله الَّذِي جعل مدَار الاحكام الشَّرْعِيَّة على صِحَة إداء السهادة.
وميز بهَا مقادير أهل الرتب الْعلية.
فتميزوا عِنْد الحكم الْعدْل تميزا جرى بِهِ قلم الْقُدْرَة والارادة.
(وأشهدهم على أنفسهم أَلَسْت بربكم قالو بلَى شهادنا) (الاعراف، ١٧٢) وَهَذَا أول دَلِيل على أَن الشَّهَادَة بِالْحَقِّ عنوان السَّعَادَة، وَحَيْثُ أقرُّوا بوحدانية، وَصَدقُوا رَسُوله، وَاتبعُوا النُّور الَّذِي أنزل مَعَه، حصلوا من هَدْيه على النّظر والمعرفة التَّامَّة النافية للْجَهَالَة، بكمالات الرقي فِي مَرَاتِب السِّيَادَة، وَكَذَلِكَ أطلق بتنفذ مَا خصهم بِهِ من المزية على غَيرهم من الامم أَلْسِنَة الاقلام فِي المحابر، وَأثبت لَهُم الْحجَّة بالتعديل فِي الْكتاب المسطور، إِثْبَاتًا عرفُوا إصداره وإيراده، من قَوْله الله جلّ اسْمه فِي كِتَابه العزير (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أمة وسطا لِتَكُونُوا شُهَدَاء على النَّاس وَيكون الرَّسُول عَلَيْكُم شَهِيدا) (الْبَقَرَة، ١٤٣) وناهيك بِهِ من وصف جمع الله بِهِ لعدول هَذِه ا، مة طارف الْفضل وتلاده.
أَحْمد حمد عبد عرى إيمَانه بِاللَّه وثيقه، ومواهب نعمه عَلَيْهِ من مزِيد شكره إِيَّاه مستفاده.
وَأشْهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَحده لَا شريك لَهُ، شَهَادَة، الاخصلاص بهَا نَافِذ الحكم فِي الْجنان وَاللِّسَان، مَا مضى الامر بأدائها فِي الْبدَاءَة والاعادة.
وَأشْهد أَن مُحَمَّدًا عَبده وَرَسُوله الَّذِي اشتغلت ذمَّة عُلَمَاء أمته من تَقْرِير أَحْكَام شَرِيعَته بِحَق صَحِيح شَرْعِي وَجب الْعَمَل بِهِ، وَأَرَادَ الله إبرام حكمه وإنفاذه.
فَمن ائتمر بِمَا بِهِ أمروا، وانْتهى عَمَّا عَنهُ نهوا: حصل من شُرُوط الْوَفَاء على صِحَة الدَّعْوَى وَجرى من عوائد اللطف فِي الْقَضَاء على أجمل عَادَة.
صلى الله عَلَيْهِ وَآله وَصَحبه الَّذين أعلم لَهُم فِي مَكْتُوب الْمُبَايعَة تَحت الشَّجَرَة - تلو رسم شَهَادَتهم بنبوته ورسالته - عَلامَة الْأَدَاء وَالْقَبُول.
وأعلمهم بِمَا ثَبت
عِنْده من أَن الله وعده أَن ينصر بهم عباده.
وَيفتح على أَيْديهم معالقه وحصونه وبلاده.
وبشرهم مَعَ ذكل بقوله: (إِن الله اشْترى من الْمُؤمنِينَ أنفسهم وَأَمْوَالهمْ بِأَن لَهُم الْجنَّة
1 / 7
يُقَاتلُون فِي سبل الله فيقاتلون وَيقْتلُونَ وَعدا عَلَيْهِ حَقًا فِي التَّوْرَاة والانجيل والقرءآن وَمن أوفي بعده من الله فاستبشروا ببعكم الذى بايعتم بِهِ وذالك هُوَ الْفَوْز الْعَظِيم (١١١» التَّوْبَة: ١١١) فَمَا مِنْكُم إِلَّا من ملا بحبه قلبه: وَصرف إِلَى سَماع مَا بشر بِهِ سَمعه وبصره وفؤاد، صَلَاة تبلغ بِهِ مَعَهم فِي دَرَجَات الْمُحْسِنِينَ - من الْمَقَاصِد الْحَسَنَة الاسلاك والسلوك - الْحسنى وَزِيَادَة.
وَسلم تَسْلِيمًا كثيرا.
وَبعد.
فَإِن توقيع الحكم الْعَزِيز ميزَان الْعدْل الرَّاجِح - ومحجة الصدْق الَّتِي سلوك نهجها القويم من أكبر الْمصَالح.
وَعَلِيهِ اعْتِمَاد الْحُكَّام فِيمَا يدْخل عَلَيْهِ النَّقْض والابرام من الاحكام بِالدَّلِيلِ الْوَاضِح.
فمصالح الامة فِي الْوَاقِع بتوقيع موقعيه موفورة.
ومهمات أُمُورهم المؤسسة على الْقَوَاعِد الشَّرْعِيَّة بالثبات مَشْهُورَة، ومتعدادت فضائلهم الجمة بِلِسَان الاجماع مشكورة، وعَلى أَيْديهم يُؤْخَذ الْحق وَيُعْطى، وبتعريفهم يحصل التَّمْيِيز فِي كل حَال بَين الصَّوَاب وَالْخَطَأ، وهم مِمَّن تَنْتَهِي إِلَيْهِم الامال والرغائب.
وهم المرتقون إِلَى أشرف المناصب وَأَرْفَع الْمَرَاتِب مدَار الْحل وَالْعقد عَلَيْهِم.
ومرجع التَّصَرُّف فِي وضع أَحْكَام الْحُكَّام إِلَيْهِم.
وهم - وَإِن مَالَتْ الْكتاب على اخْتِلَاف طبقاتهم فِيمَا يَكْتُبُونَ بِهِ إِلَى التدبيج والتفويف - فالعدول لَيْسَ لَهُم عدُول إِلَّا إِلَى القَوْل الْحق بِمُوجب الشَّرْع الشريف.
وَبِذَلِك ثَبت فَخْرهمْ وَاسْتقر.
وَإِن كتب غَيرهم الْمجْلس أَو الجنات، أَو الْمقر.
فكم كتبُوا إِقْرَار صَحِيحا شَرْعِيًّا، أذا تَأمله حَاكم الشَّرِيعَة المطهرة، تهلل وَجه إِنْسَان عينه وقر، وَكَيف لَا يجون ذَلِك؟ وباعهم فِي مواصفات الْبيُوع طويف، وعلمهم بِمَا يجوز بَيْعه وَمَا لَا يجوز لَا يشاركهم فِي الْخَلِيل.
وَلَا يُطيق الدُّخُول إِلَيْهِ بِسَبَب خَفِيف وَلَا ثقيل، وَلَهُم فِيمَا يفْسد البيع وَمَا لَا يُفْسِدهُ حكم تَفْرِيق الصَّفْقَة الَّتِي فَضِيلَة السَّبق فِي تفريقها لَا
تعرف إِلَّا لصَاحب نسبم الصِّبَا، وَلَا أَتَى أحد بِمَا أَتَى بِهِ فِي وسصف الاعيان الْمَنْصُوص فِيهَا على تَحْرِيم الرِّبَا.
ولعمري مَا دخل الْمُوثقُونَ لاخذ إصول هَذَا الْفَنّ، واجتنوبا ثماره اليانعة من فروعها، إِلَّا من بَاب بيع الْمُصراة بالمسرة.
ففازوا بالمرابحة واستغنوا بهَا عَن الْبيُوع الْمنْهِي عَنْهَا، وأعرضوا عَن مجموعها، وَحين وقفُوا على اخْتِلَاف الْمُتَبَايعين من اخْتِلَاف الائمة.
(فَألْقوا السّلم مَا كُنَّا نعمل من سوعم) (النَّحْل: ٢٨) أمنُوا على خواطرهم السليمة من وَهن الرَّهْن الْمعَاد يَوْم الْمعَاد، ومعرة التَّفْلِيس وَالْحجر - فَلَا وَالله مَا ابتأسوا وَلَا يئسوا، بل عقدوا الصُّلْح يَوْم الْحُدَيْبِيَة، اعْتِمَادًا على مَا صَدره من الْحِوَالَة على الْعَام الْقَابِل وَالضَّمان المقبول.
1 / 8
وعَلى الْجُمْلَة: فمحلهم قَابل للوصف بِكُل منقبة غراء.
أخصها تسميتهم عِنْد أهل الْعدْل " الْعُدُول ": من تلق مِنْهُم تقل: لاقيت سيدهم مثل النُّجُوم الَّتِي يهدي بهَا الساري وَكَانَ السببب الْبَاعِث على تَحْرِير هَذَا الْكتاب، وَتَقْرِير مَا حواه من الْمَعْنى الدَّقِيق الَّذِي اطرحت مِنْهُ القشر وَأثبت اللّبَاب: هُوَ أَنِّي وقفت على كثير من كتب الْمُتَقَدِّمين فِي الوثائق والشروط، وأتيت على مَا فِيهَا من المصطلحات الْحكمِيَّة، وتأملت الْمُخْتَصر مِنْهَا والمبسوط، فَإِذا هِيَ ذَات عِبَارَات مؤتلفة ومختلفة، وحالات قوانيت أوضاعها يُغْنِيك موصوفها عَن الصّفة، وَفِي غضونها من الْأَلْفَاظ مَا تمجه الاسماع لطوله وَبسطه.
وَرُبمَا حصل لمتأمله ملل أَدَّاهُ إِلَى الاخلال بمقصوده الْمُؤلف وَشَرطه.
وَرَأَيْت - مَعَ ذَلِك - أَن مصطلح الاولين بِالنِّسْبَةِ إل يأفهام الْمُتَأَخِّرين لما فِيهِ من التَّرْكِيب العجيب غَرِيب، وَمِنْه مَا هُوَ مُحْتَاج إِلَى التَّهْذِيب وتقريب وترتيب.
والمعلوم من طَرِيق الْمَنْطُوق وَالْمَفْهُوم: أَن هَذَا الْعلم، وَإِن كَانَ بحرا لَا يصل أحد إِلَى قراره، وَلَا يَسْتَطِيع أَن يَأْتِي من يحملهُ ويفصله بالعشر من معشاره - فقد اسْتعْمل
النَّاس فِيهِ فصوله جَامِعَة لمعاني الْكَلَام، وتصرفوا فِي موضعهَا تَصرفا توقفت عَلَيْهِ أَحْكَام الْحُكَّام.
وَمِنْهُم من سبرها ودربها، ورتبها، وبوبها، وحسبها وكتبها.
فَصَارَت مِمَّا لَا يجهل وَلَا يُنكر، وَإِذا وَقعت لَاحَدَّ من حقذاق حزبة نزلها بلطيف استنباطه على الاوضاع، وَإِن كَانَت فِي كتب الوثائق لم تذكر.
وَمثل ذَلِك كثير.
وَلَا ينبئك مثل خَبِير.
وَكَانَ قد وَقع لي شئ أشكل عَليّ، وخفي فِيهِ الصَّوَاب.
فعدلت إِلَى السُّؤَال عَنهُ من عدُول فضلاء، وأساطين من الموقعين النبهاء والنبلاء.
فَلم يأتني أحد مِمَّن سَأَلته بِجَوَاب.
وَرُبمَا قَالَ الَّذِي عِنْده علم من الْكتاب: لَا بَأْس أَن تضع فِي هَذَا الْفَنّ كتابا، تكشف فِيهِ ظلمَة مَا أبهم من الاشكال فيتضح.
فَقلت لَهُ: أبشر، فَإِن الْبَاب الَّذِي قرعته قد فتح.
وَهَا قد نهضت لذَلِك فاسترح.
وشرعت والشروع كَمَا علمت مُلْزم، وَأمر من أَمرنِي بذلك وَاجِب الِامْتِثَال، كونى بتمييزه وخيره وَشَرطه: أنصب وَأَرْفَع وأجزم.
واستخرت الله لاذي مَا خَابَ من استخاره، وَلَا نَدم من استجاره.
وَجعلت هَذَا الْكتاب ناطقا بِمَحَامِد الْكتب السَّابِقَة، وَإِنَّهَا لافصح ناطقة.
سلكت فِيهِ سَبِيل مصطلح أهل هَذَا الزَّمَان، منبها فِي كل بَاب من أبوابه على الحكم الْمُتَعَلّق بِهِ بأوضح بَيَان، ثمَّ على مسَائِل الْخلاف الْجَارِي فِي كل مَسْأَلَة بَين إمامنا الشَّافِعِي وَمَالك، وَأحمد، وَأبي
1 / 9
حنيفَة النُّعْمَان، وَإِذا انْتهى ذكر الحكم وتفصيل الْخلاف، ذكرت المصطلح بِعِبَارَة وجيزة.
وسبكت معنى الالفاظ مَعَ الاحتصار فِي مَحَله سبكا، لَو رَآهُ السُّبْكِيّ لاقر أَنِّي سبكت إبريزه.
وقابلت بأَدَاء النصب تَمْيِيزه.
أَو لَو رأى مَجْمُوعه الْحسن بن حبيب لتلفع من مروط محاسنه بمرطين، أَو ابْن بهْرَام لشنف آذان الثريا من جَوَاهِر عقوده - إِذا حقق المناط - بقرطين: أَو ابْن الصَّيْرَفِي لظهر لَهُ الْفرق مَا بَين الدِّرْهَم وَالدِّينَار فِي الصّرْف، وَلَا عطى المواثيق والعهود أَن انتقاده يعجز عَن أَن يَأْتِي فِيهِ بتزييف حرف، أَو الشلقامي لعلم أَن فِي كَلَامه - على رَأْي أهل المساحة.
شلقمة ولتحلى بحالته الْمرة، وروى
أَحَادِيث كؤوس ورده عَن عَلْقَمَة، أَو ابْن الزلباني لقلى نَفسه بِنَار دهنه ودهن ناره المشتعلة، ولحرق بأصابعه لجين أَلْفَاظه، الَّتِي جهد أَن يقلبها إبريزا، فَمَا قعد مِنْهَا إِلَّا فِي شباك وسلسلة، أَو الشريف الجرواني لقَالَ: وَالله هَذِه مواهب إلهية، وفوائد سنية، ونقود ذهبية، يتعامل بهَا من الان فِي الديار المصرية، والممالك الاسلامة، وَإنَّهُ لكتاب ختمت بهكتب أهل هَذِه الصِّنَاعَة.
وأرجوا أَن يكون وَاسِطَة عقدهم، ورابطة مقتضياتهم، الَّتِي إِلَيْهَا يرجعُونَ فِي حلهم وعقدهم.
مَا تَأمله منصف خَبِير، فأمعن فِيهِ نظرا، وَرَأى وَجه الْمُنَاسبَة فِيهِ بَين الْمسَائِل الْفِقْهِيَّة والوثائق الشَّرْعِيَّة وَجها مقمرا، إِلَّا تَيَقّن أَن طرفه الساري إِلَى أَبْوَاب هَذَا الْكتاب واثق من مَعْرُوف مُؤَلفه، وبشره بصباح عِنْده يحمده السرى، وَيَقُول - إِذا طالع مَا اشْتَمَل عَلَيْهِ من الْفَوَائِد -: لاجرم أَن كل الصَّيْد فِي جَوف الفرا.
وَقد عزمت على أَن لَا أدع فِي بَاب من أبوابه فرعا يتَعَلَّق بمقصود إِلَّا ذكرته بِقصد حُصُول الْفَائِدَة.
والتزمت أَنِّي لَا آتِي على لفظ رَكِيك، وَلَا كلمة ذَات معنى غَرِيب، إِلَّا نبهت على مَعْنَاهَا، وأشرت إِلَيْهِ بِحَسب الامكان على الْقَاعِدَة سائقا مَا لَا يسْتَغْنى الْكتاب عَنهُ فِي الْجُمْلَة، من تناسق مقْصده فِي غَايَة، أَو مُنَاسبَة بَين كلمة وَكلمَة فِي بداية أَو نِهَايَة.
وبنيت الْمَقْصُود مِنْهُ على قَوَاعِد وأصول، ورتبته على أَبْوَاب الْفِقْه، وَقسمت الابواب إِلَى فُصُول، وأضفت إِلَى كل بَاب مِنْهَا مَا يتَعَلَّق بِهِ من المقتضيات الَّتِي هِيَ فِي حكمه، ليسهل تنَاولهَا، وضعا للشئ فِي مَحَله الَّذِي وضع برسمه.
وقدمت بَين يَدي ذَلِك كُله مُقَدّمَة كلهَا نتائج، وموضوع منطوقها يشْتَمل على ذكر مَا هُوَ شَرط فِي الشَّاهِد، وَمَا يَنْبَغِي أَن يَتَّصِف بِهِ من يُرِيد الدخوف فِي الْبَاب، فَلَا يكون عَنهُ خَارج، وَمَا أمكن أَن أسكت عَن ذكر الحلى الَّتِي ذكرهَا مُهِمّ، اعْتِمَادًا على وجودهَا
1 / 10
فِي كتب هَذَا الْفَنّ، وَإِمْكَان مراجعتها فِي الامر الملم، بل أختم الْكتاب بفصل يتَضَمَّن
ذكر الحلى والكنى والالقاب، إِذْ هم مِمَّا يحْتَاج إِلَيْهِ أهل هَذِه الصِّنَاعَة وأذيله - إِن شَاءَ الله تَعَالَى - بِذكر مَا اصْطلحَ عَلَيْهِ أهل هَذَا الْعَصْر، من ألقاب الْخُلَفَاء الرَّاشِدين، وَعُظَمَاء الْمُلُوك والسلاطين، وكفال الممالك الاسلامية، ونواب القلاع.
وَمن فِي معناهم من أَرْبَاب السيوف، وَمَا يحْتَاج إِلَيْهِ الْكَاتِب من معرفَة ألقاب أَرْبَاب الاقلام، وأركان الدولة الشَّرِيفَة على النظام، وَقَضَاء الْقُضَاة ومشايخ الاسلام.
وَمن فِي درجتهم من الْعلمَاء الاعلام.
وسميته: جَوَاهِر الْعُقُود، ومعين الْقَضَاء ز الموقعين وَالشُّهُود، وَمَا هُوَ إِلَّا عقد من الْجَوْهَر فِي تناسبه وانتظامه، لَا، بل كالجوهر الْفَرد فِي انتظامه، يشبه عدم انقسامه.
وَأَنا أعْتَذر إِلَى كل وَاقِف عَلَيْهِ، وناظر إِلَيْهِ، من اتقصير، سَائِلًا بسط الْعذر فميا طَغى بِهِ الْقَلَم وَجرى بِهِ اللِّسَان، الَّذِي هُوَ فِي هَذَا الاسلوب قصير.
وَمن الله أسأَل - وَهُوَ أجل مسؤول، وَإِلَيْهِ الْمرجع والمآب فِيمَا آل من الامر وفميا يؤول - أَن يمدني بالمعونة على مَا قصدته، والتوفيق إِلَى سَبِيل الرشاد فِيمَا أردته، فَلَيْسَ الا عَلَيْهِ اعتمادي، وَإِلَيْهِ تفويضي واستنادي، وأسأله النَّفْع بِهِ لي ولسائر الْمُسلمين، أَقُول: شَرط الشَّاهِد، مُسلم مُكَلّف حر، عدل، ذُو مُرُوءَة غير مُتَّهم، وَشرط الْعَدَالَة، اجْتِنَاب الْكَبَائِر والاصرار على صَغِيرَة، وَيجب على الموثق أَن يَتَّقِي الله، وَيكْتب كَمَا علمه الله، وَينْصَح فِيهِ لمن اسْتَعْملهُ، مَعَ الِاحْتِرَاز من الالفاظ المحتملة والمبهمة.
وَيسْتَحب أَن يكون من أهل الْعلم وَالدّين، متحليا بحلية الامانة، عَالما بالامور الشَّرْعِيَّة، حاويا طرفا كَبِيرا من العربة، سالكا مَسْلَك الْفُضَلَاء، مَاشِيا على نهج الْعُقَلَاء، عَارِفًا بقسمة الْفَرَائِض، ومراتب الْحساب، متصرفا فِي بسط مجموعها وموضوعها، وتبيين أُصُولهَا وفروعها،
وَيَنْبَغِي للموثق: أَن لَا يعود لِسَانه بِالْكَذِبِ، فَإِن الْعَدَالَة ملكة فِي النَّفس تمنعها عَن اقتراب الْكَبَائِر والرذائل الْمُبَاحَة، وَأَن يجْتَنب معاشرة الاراذل والاسافل ومحادثتهم، إِلَّا
1 / 11
لضَرُورَة، لابد لَهُ مِنْهَا، فَإِن صناعته شريفة، ورتبته منيفة، بهَا يطلع على غوامض الامور، وأسرار الْمُلُوك، وأحوال الْجُمْهُور، وَبهَا يحفظ دِمَاء النَّاس وَأَمْوَالهمْ، وتنبني عَلَيْهَا أَقْوَالهم وأفعالهم، وَيَنْبَغِي أَن لَا يتَكَلَّم مَعَ الاخصام من الشُّهُود، إِلَّا الْعَارِف بالقضايا، وَأَن يُمَيّز بَين الْخَصْمَيْنِ، وَيعرف المشعود عَلَيْهِ من الْمَشْهُود لَهُ، وَلَا يبطن قَضِيَّة مَعَ أحد الْخَصْمَيْنِ يكون للاخر فِيهَا حَقًا، فَإِن ذَلِك يُؤَدِّي إِلَى الاتهام فِي النَّصِيحَة.
وَرُبمَا أدَّت المباطنة مَعَ أحد الْخَصْمَيْنِ إِلَى زِيَادَة مخاصمة، وَرُبمَا عَاد ضَرَر ذَلِك على الشَّاهِد فِي الْحَال والمآل.
وَإِذا كَانَ أحد الشَّاهِدين مَعَ الْخَصْمَيْنِ، أَو مَعَ أَحدهمَا فِي مَسْأَلَة، فَلَا يتَكَلَّم فِيهَا الشَّاهِد الثَّانِي حَتَّى يَنْتَهِي كَلَام الاول.
فَإِن كَانَ صَوَابا وَإِلَّا رده عَلَيْهِ الثَّانِي، ونبهه على الصَّوَاب بِرِفْق، وَلَا يتنازعان فِي الْمجْلس بِحَضْرَة الاخصام، فَإِن ذَلِك يكسر الْحُرْمَة، ويهزيل الابهة ٠ وَيَنْبَغِي للشَّاهِد: أَن لَا يسْرع فِي الْكِتَابَة، حَتَّى يُوقع الشَّهَادَة بِمَا يَقع عَلَيْهِ الِاتِّفَاق، فَإِن ذَلِك يقطع التَّنَازُع بَين الْخَصْمَيْنِ، وَرُبمَا الْمَشْهُود عَلَيْهِ ضَعِيفا، فَإِذا اشْتغل الشَّاهِد فِي الْكتاب رُبمَا أُغمي عَلَيْهِ، وَاسْتمرّ مغمورا إِلَى أَن يَمُوت، فَيفوت الْمَقْصُود.
وَلَا يكْتب الشَّاهِد على ظهر مَكْتُوب قبل تَحْرِير مَا يَقع بِهِ الاشهاد، فَرُبمَا حصل خلف بَينهمَا، فَيُؤَدِّي ذَلِك إِلَى فَسَاد الْمَكْتُوب على صَاحبه، وتتطرق الرِّيبَة إِلَيْهِ، بل يلخص الْمَشْهُود بِهِ فِي مسودة، ثمَّ يُوقع الاشهاد بِهِ، ثمَّ يكْتب على ظهر الْمَكْتُوب، بعد أَن يُوقف عَلَيْهِ رَفِيقه الَّذِي يشْهد مَعَه فِي الْقَضِيَّة، ثمَّ يَنْقُلهُ إِلَى الْكتاب الَّذِي يُرِيد أَن يَكْتُبهُ، فَإِنَّهُ إِذا لم يفعل ذَلِك، وَشرع فِي الْكِتَابَة، مُعْتَمدًا على جودة ذهنه، وبادي
بديهته، ووثوقه من نَفسه بِعَدَمِ الْخَطَأ فِي الْغَالِب.
فقد يذهل وَيجْرِي الْقَلَم - الَّذِي هُوَ لِسَان الْيَد، وبهجة الضَّمِير، وسفير الْعُقُول، ووحي الْفِكر، ورائد الامور - بِغَيْر مُرَاد الْكَاتِب، فَإِن كَانَ الْمَكْتُوب إنْشَاء فَيحْتَاج إِلَى كشط، أَو إِلْحَاق.
فَيكون ذَلِك عَيْبا فِي الْمَكْتُوب، لَا سِيمَا إِن ذهل عَن الِاعْتِذَار عَنهُ.
وَخرج الْمَكْتُوب من يَده، فَيصير فِيهِ رِيبَة إِن بعد الزَّمَان، وَمَات الشَّاهِد أَو غَابَ، وَإِن غير امكتوب، فقد كلف نَفسه غرم ذَلِك، وَإِن كَانَت الْكِتَابَة على ظهر مَكْتُوب قديم قد توالت عَلَيْهِ خوطوط بالاحكام وَالثنَاء فِيهِ، فَيجْرِي الْقَلَم بِغَيْر الْمَقْصُود.
فَيحْتَاج إِلَى تَغْيِير ذَلِك الْفَصْل فِي فصل آخر.
فقد تتعذر الْكِتَابَة على الْمَكْتُوب، لضيقه أَو لضيق الزَّمَان.
فَإِن أبقاه على الْخَطَأ، أَو إصلحه بِالْمَقْصُودِ على عسر فِي الْكِتَابَة، وضيق فِي الْمَكْتُوب، أُدي ذَلِك إل يالكلام فِي الْمَكْتُوب وَالْكَاتِب.
وَهَذَا فِي حق موقعي الحكم العزير آكِد، من كَون أَن غَالب القضايا الْحكمِيَّة،
1 / 12
والوقائع الَّتِي تقع بَين النَّاس ترد عَلَيْهِم بِقصد إِثْبَاتهَا وَالْحكم بهَا عِنْد حكام الشَّرِيعَة المطهرة.
فَالَّذِي يَنْبَغِي للموقع: إِنَّه إِذا استأدي مَكْتُوبًا ليثبته عِنْد الْحَاكِم: أَن لَا يدْخل بِهِ إِلَيْهِ، حَتَّى يَسْتَوْفِيه بِالْقِرَاءَةِ، ويتأمله، وَيسْأل عَن شُهُوده، وَعَن المُرَاد بإثباته، ليَكُون على بَصِيرَة من أمره، فَإِذا فعل ذَلِك كَانَ مستعدا للجواب.
وَيَنْبَغِي لَهُ: أَنه إِذا استقضى مَكْتُوبًا بِظَاهِرِهِ فصل، يُرِيد مَالِكه ثُبُوته، وَالْحكم بِمُوجبِه عِنْد الْحَاكِم فِي الْفَصْل المكتتب على ظَاهر الْمَكْتُوب - قبل الْوُقُوف على مَا فِي بَاطِنه وتأمله - فِيهِ تهاون، لِأَنَّهُ قد يكون الْحَاكِم الَّذِي ثَبت الْفَصْل المسطر على ظَاهر الْمَكْتُوب لَا يرى صِحَة الَّذِي فِي الْبَاطِن، والفصل الَّذِي بِظَاهِرِهِ مُتَعَلق بباطنه، فَإِذا ثَبت هَذَا الْفَصْل، ثمَّ تبين فَسَاد الْبَاطِن، الْمَبْنِيّ عَلَيْهِ الْفَصْل الْمَذْكُور - فيتطرق من ذَلِك الْخلَل فِي الحكم، وَالْكَلَام فِي الْمَكْتُوب وَالْكَاتِب وَالْحَاكِم وَلذَلِك صور.
مِنْهَا: إِذا تزوج رجل امْرَأَة، وَطَلقهَا ثَلَاثًا، ثمَّ إِن رجلا حللها لَهُ، ثمَّ عَادَتْ إِلَى الاولى بعد الْمُحَلّل فِي فصل بِظَاهِر الْكتاب الاول، وَآل الْأَمر إِلَى ثُبُوت عقد هَذَا النِّكَاح.
وَالْحكم بِمُوجبِه عِنْد من لَا يرى صِحَة الاستحلال، وَلَا صُحْبَة الْمَبْنِيّ عَلَيْهِ.
وَمِنْهَا: إِذا صالحت الْمَرْأَة الْوَرَثَة على صَدَاقهَا وعَلى مِيرَاثهَا من زَوجهَا صَفْقَة وَاحِدَة، بِفِضَّة عَن فضَّة وَذهب ومصاغ وقماش وحيوان وَغير ذَلِك، وَلم تقبضه.
وَكتب الاشهاد الاول، وَكتب بعده إِبْرَاء.
وَقصد الْوَرَثَة ثُبُوت الْقَبْض وَالْإِبْرَاء.
وَمِنْهَا: إِذا طلق الرجل امْرَأَته طَلْقَتَيْنِ، وعادت إِلَيْهِ، وَبقيت مَعَه بِطَلْقَة وَاحِدَة، ثمَّ خلعها خلعا عَارِيا عَن لفظ الطَّلَاق وَنِيَّته، وَلم يثبت ذَلِك عِنْد من يرى صِحَّته، ثمَّ أعادتها من ذَلِك الْخلْع بِظَاهِر كتابها، وَلم يحكم بِصِحَّتِهِ حَاكم، وَآل الْأَمر إِلَى ثُبُوته وَالْحكم بِمُوجبِه عِنْد من يرى أَن الْخلْع طَلَاق.
وَمِنْهَا: إِن الرجل إِذا صَالح صلحا على إِنْكَار بمبلغ على حكم الْحُلُول - وَلم يحكم بِصِحَّتِهِ حَاكم، ثمَّ قبض الْمبلغ وَكتب بِهِ فصل بِظَاهِر الْمَكْتُوب وَضَمنَهُ إبارء وَأَرَادَ إِثْبَات ذَلِك وَالْحكم بِمُوجبِه عِنْد من يرى بطلَان الصُّلْح على الْإِنْكَار.
وَمِنْهَا: إِن الرجل إِذا أسلم إِلَى رجل مائَة دِرْهَم فِي شئ من الطَّعَام الْمكيل أَو الْمَوْزُون.
فَحل الاجل وَقبض نصفه، ثمَّ تَقَايلا فِي النّصْف الثَّانِي، وَتَأَخر نصف رَأس
1 / 13
المَال، وَكتب بذلك إِشْهَاد، ثمَّ اعْترف مُسْتَحقّ نصف رَأس المَال بِقَبض بِظَاهِر الْمَكْتُوب.
وَكتب بعد ذَلِك إِبْرَاء وَقصد الحكم بالابراء وَالْقَبْض.
وَمِنْهَا: إِذا صَالح إِنْسَان على حِصَّته من مِيرَاثه بمبلغ حَال قبل أَن يعلم مِقْدَار حِصَّته من التَّرِكَة، وَكتب بالمبلغ الْمصَالح بِهِ إِشْهَاد، ثمَّ بعد مُدَّة قبض الْمبلغ الْمصَالح بِهِ بِظَاهِر الاشهاد، وَأَرَادَ ثُبُوته وَالْحكم بِمُوجبِه على حَاكم يرى بطلَان هَذَا الصُّلْح.
فَجَمِيع مَا ذكر من هَذِه الصُّور وَمَا أشبههَا للْحَاكِم فِيهِ نظر.
وَإِذا شهد الشَّاهِد فِي مسودة بِصَدَاق، أَو عتق، أَو وقف، أَو وَصِيّه، أَو غير ذَلِك، فليكتب فِيهَا جَمِيع مَا يتَعَلَّق بالواقعة مُسْتَوفى، ثمَّ يكْتب التَّارِيخ، وَيكْتب رسم شَهَادَته، وَيكْتب رَفِيقه، ويستكتب من حضر الْوَاقِعَة، وَلَا يهمل ذَلِك، فَإِنَّهُ رُبمَا احْتِيجَ إِلَى الشَّهَادَة بِتِلْكَ الْقَضِيَّة، وَتعذر حُضُور الشَّاهِدين الواضعين رسم شَهَادَتهمَا فِيهَا، أَو أَحدهمَا، بسفر أَو موت، فَلَا يُوجب من يشْهد بذلك، أَو لَا يُوجد من يشْهد على خطّ المتعذر، عِنْد من لَا يرَاهُ، أَو ترفع الْقَضِيَّة إِلَى من لَا يرى الحكم بِالشَّاهِدِ وَالْيَمِين، فيبطلها، فَيفوت الْمَقْصُود، وَهَذَا من بَاب الِاحْتِيَاط والتحرز.
وَلَا يستشهد فِي قَضِيَّة من لَا يعرفهُ، وَلَا من لَا تعرف لَهُ عَدَالَة، خُصُوصا فِيمَا لَا تجوز الشَّهَادَة فِيهِ إِلَّا بعدلين، كَالنِّكَاحِ، وَالطَّلَاق، وَالْعِتْق، وَمَا أشبه ذَلِك.
وَإِذا كَانَ الْجَمَاعَة من لَا يعرف الْمَرْأَة، وَفِيهِمْ من يعرفهَا، فليشهد عَلَيْهَا من يعرفهَا.
وَإِذا وَقعت قَضِيَّة مشكلة فَلَا يستبد بِالنّظرِ فِيهَا وَاحِد من الْجَمَاعَة، بل يشاور فِيهَا أَصْحَاب الرَّأْي والمعرفة من جماعته ورفقته وَغَيرهم، فَإِنَّهُ قد يكون فيهم من يعرف أصل الْقَضِيَّة، إِمَّا بصلاح، فَيَزْدَاد وضوحا، وَإِمَّا بِفساد، فيجتنب الْقَضِيَّة، وَيسلم من تبعتها وتعبها، وَيكون ذَلِك أخْلص لَهُ.
وَإِذا أشكل على الشَّاهِد أَمر تدبر وتذكر، وَلَا يشْهد إِلَّا على مصل الشَّمْس الطالعة، مَعَ الْعلم بِمَا تصح بِهِ الشَّهَادَة، لَان الْعدْل المبرز، الْعَالم بِمَا تصح بِهِ الشَّهَادَة لَا يقْدَح فِي شَهَادَته إِلَّا بالعداوة، بِخِلَاف غَيره.
وَيَنْبَغِي لمن أتصف بِصفة الْعَدَالَة، وتوقيع الحكم، وَالْجُلُوس لذَلِك فِي مجَالِس الْحُكَّام: أَن يسْلك من الادب مَا يَنْبَغِي سلوكه، وَإِذا جلس بَين يَدي الْحَاكِم فليجلس بسكينة ووقار، وَلَا يبْدَأ الْحَاكِم بالْكلَام فِيمَا دعى إِلَيْهِ بِسَبَبِهِ، وَإِذا سَأَلَهُ الْحَاكِم عَن قَضِيَّة تتَعَلَّق بِهِ أَو بِغَيْرِهِ، فَلَا يسْرع الْجَواب، حَتَّى يتَأَمَّل مقَالَة الْحَاكِم، فَإِن كَانَ كَلَامه مُسْتَوْفيا
1 / 14
لجَمِيع مَا طلب بِسَبَبِهِ، أَجَابَهُ بِلَفْظ وجيز مُحِيط بِجَمِيعِ ذَلِك، وإنم دلّ كَلَام الْحَاكِم على بعض مَا طلب بِسَبَبِهِ فَلَا يجِيبه بِجَمِيعِ الْقَضِيَّة إِلَّا بأذن مِنْهُ، لاحْتِمَال أَن يكون أَرَادَ السُّؤَال عَن ذَلِك الْبَعْض خَاصَّة، فَإِذا أذن لَهُ أجابة، وَإِلَّا فَيُجِيبهُ عَمَّا سَأَلَهُ عَنهُ خَاصَّة، وَإِذا كَانَ بِمَجْلِس الْحَاكِم جمَاعَة من الموقعين، وسألهم الْحَاكِم سؤالا، وَلم يعين وَاحِدًا مِنْهُم، فليجبه الْعَالم عَن جَمِيع مَا سَأَلَ عَنهُ، وَإِذا كَانَ فيهم من يعرف بعض الْقَضِيَّة، وَذَلِكَ الْبَعْض لَيْسَ هُوَ المُرَاد.
فَلَا يُجيب بشئ، حَتَّى يسْأَله عَنهُ على الْخُصُوص، وَإِن كَانُوا كلهم يعلمُونَ بِمَا سَأَلَ عَنهُ، يجب يَكْتَفِي بِجَوَاب وَاحِد مِنْهُم، فَلَا يجِيبه إِلَّا أحْسنهم نطقا وأفصحهم لِسَانا، وأوجزهم لفظا، فَإِن وَقع غير ذَلِك، فقد يخْتَلف الْجَواب، ويتوهم الْحَاكِم فيهم رِيبَة بِسَبَب ذَلِك.
وَقد يصدر مِنْهُ فِي حَقهم مَا لَا يرضونه.
وَيَنْبَغِي للشَّاهِد: أَن لَا يُكَرر الشَّهَادَة على الْخصم مرّة بعد أُخْرَى فِي قَضِيَّة وَاحِدَة.
وَلَا ينْفَرد بِالشَّهَادَةِ عَلَيْهِ مَعَ حُضُور رَفِيقه فِي الْمجْلس، بل ينبهه على سَماع مَا يَقع بِهِ الاشهاد.
فَإِن الشَّاهِد إِذا كرر الشَّهَادَة على الْخصم، رُبمَا يتخيل فينكر، أَو يعرض فِي فكره أَمر، فَإِذا أَرَادَ لَا شَاهد الثَّانِي أَن يشْهد عَلَيْهِ: أنكر وَامْتنع من الاشهاد فَيحْتَاج الامر إِلَى تَعب وعلاج، وَرُبمَا أثار ذَلِك عِنْد الشَّاهِد الاول شَحْنَاء أَو غيظا، أَو ضغينة تجره إِلَى هوى النَّفس، فَيَقَع فِي الْمَحْذُور وَالْعِيَاذ بِاللَّه، اللَّهُمَّ إِلَّا إِن يكون فِي الْمَسْأَلَة حزبة فِيهَا حق للْمَشْهُود عَلَيْهِ، أَو مَا علم الحكم فِي الْمَسْأَلَة، وَاحْتَاجَ إِلَى التَّعْرِيف بهَا، ليفهم معنى مَا يشْهد عَلَيْهِ بِهِ، وَإِن كَانَ الشَّاهِد الثَّانِي مَشْغُولًا فِي قَضِيَّة إخرى لم يسمع الاقرار، أَو لم يكن حَاضرا، ثمَّ حضر فَلَا بَأْس بالاعادة هَهُنَا، لِأَنَّهُ مَوضِع ضَرُورَة تُعَاد فِيهِ الشَّهَادَة لتتم.
وَيَنْبَغِي للموثق - خُصُوصا الْموقع - أَن يحسن خطه، وَلَا يقرطم الْحُرُوف، وَلَا
يداخلها فِي بَعْضهَا مداخلة يسْقط بهَا بعض الْحُرُوف، أَو تخل بِالْمَعْنَى، أَو تُؤدِّي إِلَى خلل فِي اللَّفْظ الْمَشْهُود بِهِ، وَلَا يُقيد مَوضِع الاطلاق، كَمَا لَا يُطلق مَوضِع التَّقْيِيد.
فَإِن فِي ذَلِك إخلالا بِالْعُقُودِ، وَسبب لحوصل الضَّرَر من ضيَاع حُقُوق الْمُسلمين وإتلافها أَو بَعْضهَا.
وَقد بَلغنِي من غير وَاحِد عَن بعض حكام الْمُسلمين بالديار المصرية: أَنه كَانَ يُعَزّر من اعْتمد شَيْئا من ذَلِك، حَتَّى كَانَت الشُّهُود فِي أَيَّامه يَكْتُبُونَ الوثائق - على اختلافها وتباين حالاتها - بالحروف الْعَرَبيَّة الْقَاعِدَة المنقوطة المشكولة، الَّتِي هِيَ فِي غَايَة الايضاح، وَهَذَا مَعْدُود من نصح هَذَا لاحاكم فِيهَا تولاه.
﵀.
1 / 15
وَيَنْبَغِي أَن يبين الشَّاهِد الْمبلغ الْمَشْهُود بِهِ وينصفه، بِحَيْثُ يقرأه كل أحد، ويحترز فِي مَوضِع جملَته وتنصيفه من الْقَلَم القبطي والديواني والرومي، فَإِن ذَلِك أنفى للتدليس، وَأبْعد للالحاق، والاصلاح فِي الزِّيَادَة وَالنُّقْصَان، ويوضح التَّارِيخ إيضاحا جليا، يذكر الْيَوْم والشهر وَالسّنة، وَإِن ذكر السَّاعَة الَّتِي كتب فِيهَا فَهُوَ أَجود وَإِذا أَكثر الالحاق أَو الكشط فِي ورقة نبه عَلَيْهِ فِي موَاضعه.
وَإِذا كَانَ فِي الْمَكْتُوب ضرب على شئ غير صَحِيح كتب " وَفِيه ضرب فِي لاسطر الْفُلَانِيّ " يَعْنِي الْعَاشِر أَو الْحَادِي عشر، أَو أقل أَو أَكثر، من مَوضِع كَذَا إِلَى مَوضِع كَذَا، لَا يعْتد بِمَا تَحت الضَّرْب، فَهُوَ غير صَحِيح، وَإِن كَانَ مَا تَحت الضَّرْب صَحِيح، قَالَ، (وَمَا تَحت الضَّرْب صَحِيح مُعْتَد بِهِ فِي مَوْضِعه ".
وَإِذا انْتهى الْمَكْتُوب، عد سطوره وَكتب فِي أَسْفَله عدتهَا، وعد الاوصال.
وَكتب على كل وصل مِنْهَا عَلامَة يعرفهَا، وَقيد بِالْكِتَابَةِ مَعَ عدَّة السطور عدَّة الاوصال.
وَيَنْبَغِي للشَّاهِد: أَن لَا يدْخل فِي قَضِيَّة، إِلَّا إِذا علم من نَفسه النَّفْع بِهِ فِيهَا، وَلَا يُؤَدِّيهَا إِلَّا إِذا ذكرهَا.
فَإِن الخطوط تشتبه، وَرُبمَا أوقعه الِاشْتِبَاه فِي الْمَحْذُور، وَأَن يحْتَرز
من الْغَلَط، ويتيقظ كل التيقظ.
فَرُبمَا طَغى الْقَلَم، فجره إِلَى الْغَلَط.
وَيَنْبَغِي للموقع: أَنه إِذا أَرَادَ الدُّخُول على الْحَاكِم: فَلَا يدْخل إِلَّا وَمَعَهُ الالة الَّتِي لَا يتم الْمَقْصُود إِلَّا بهَا، وَهِي الدواة وَمَا بهَا من الاقلام.
وَيَنْبَغِي أَن يتَّخذ من أنابيب الاقلام أَقَله عقدا، وأكثفه شحما، وأصلبه قشرا وأعدله اسْتِوَاء، وسكينا حادا تعينه على بري الْقَلَم، يبريه من نَاحيَة نَبَات القصبة.
وَاعْلَم أَن مَحل الْقَلَم من الْكَاتِب كمحل الرمْح من الفهارس.
قَالَه إِبْرَاهِيم بن مُحَمَّد الشَّيْبَانِيّ.
ويبنغي أَن يكون مَا فِي الدواة من الاقلام ثَلَاثَة: قلم لعلامة الْحَاكِم، وقلم لنَفسِهِ، وقلم للاصلاح والالحاق بَين السطور، لانه إِذا كَانَ فِي الدواة قلم وَاحِد فقد تتعذر دَوَاة الْحَاكِم عِنْد إِرَادَة كِتَابَته على حكم.
فَيحْتَاج إِلَى قلم الْعَلامَة، فيقط الْقَلَم الَّذِي بِيَدِهِ، فيتعطل هُوَ بِسَبَبِهِ، أَو لَا يكون مَعَه مَا يقط بِهِ الْقَلَم، فينسب إِلَى قلَّة الْمُرُوءَة، أَو يكون الْحَاكِم مَرِيضا، أَو على سفر مجد، فيشتغل فِي طلب الدواة، أَو إصْلَاح الْقَلَم فَيَمُوت، أَو يُسَافر قبل ذَلِك، فَيفوت الْمَقْصُود من الْحَاكِم.
وأذا أَرَادَ الْكِتَابَة: فليضع الدواة عَن يَمِين، وَيَأْخُذ الْقَلَم بِيَمِينِهِ، وَيجْعَل القرطاس فِي يسَاره، وَيجْعَل رَأس القرطاس من أَعْلَاهُ إِلَى أَسْفَله، وَمَوْضِع قطع الورقة مِمَّا يَلِي
1 / 16
الْهَامِش، وَيجْعَل يهده فِي القرطاس على وركه الايمن، ويحاذي بالقلم شحمة أُذُنه، فَإِن ذَلِك أجمع للحواس، وأسرع فِي التفكر، وَيبدأ فَيكْتب بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم، يطول الْبَاء، وَيفرق السِّين، وَيحسن " الله " ويمد " الرَّحْمَن " ويجر " الرَّحِيم " وَلَا يفعل فِي الْبَسْمَلَة مَا يَفْعَله كتاب القبط وَغَيرهم، من خلط حُرُوف الْبَسْمَلَة الشَّرِيفَة بَعْضهَا بِبَعْض، وَإِسْقَاط غَالب حروفها وتحريفها عَن موَاضعهَا، وتغييرها عَن رسمها المطبوع فِي كتاب الله العزير الَّذِي لَا يَأْتِ يه الْبَاطِل من بَين يَدَيْهِ وَلَا من خَلفه تَنْزِيل من حكم حميد.
فَيكون من الَّذين
يحرفُونَ الْكَلم عَن موَاضعه، وَقد ثَبت أَنَّهَا آيَة من سُورَة النَّمْل، وَمن اعْتمد فِي الْبَسْمَلَة لَا شريفة خلاف مَا هِيَ مطبوعة عَلَيْهِ فِي كتاب الله عزوجل اسْتحق التَّأْدِيب.
وَكَانَ حَقِيقا أَن يحرمه الله بركتها وثوابها.
وَيُصلي على النَّبِي ﷺ، بعد الْبَسْمَلَة الشريف، من غير فصل بَينهمَا بواو وَلَا يهمل ذَلِك فَإِن فَصله إشهر من أَن يذكر، وَأكْثر من أَن يحصر، وَلَا يخفى ذَلِك على ذِي لَهُ وأدب.
ثمَّ يكْتب مَا يَقع عَلَيْهِ الِاتِّفَاق بَين الخوصم من إِقْرَار وَغَيره بِحَسب وقائعها، على مَا سَيَأْتِي بَيَانه فِي بَابه، وَيَنْبَغِي للموثق: أَن يعرف مقادير النَّاس فينزلهم مَنَازِلهمْ.
وَيكْتب لكل شخص مَا يُنَاسِبه من الالقاب اللائقة بِهِ من الْخَلِيفَة أَمِير الْمُؤمنِينَ، وَالسُّلْطَان ومقدمي الالوف، وأرباب الْوَظَائِف بالابواب الشَّرِيفَة من أَرْبَاب الأقلام وَالسُّيُوف، وأمراء الطبلخانات والعشراوات.
وكفال الممالك الاسلامية وأمرائها، وأرباب وظائفها: ونواب القلاع وَغَيرهم، ثمَّ السادات الموَالِي قَضَاء الْقَضَاء ذَوي الْمذَاهب الاربعة بالديار المصرية، والممالك الشَّرِيفَة الاسلامية ونوابهم، وَمن هُوَ فِي درجتهم وموصوف فيهم بِالْعلمِ وَالدّين وَالْفضل، مُبَاشرَة الْوَظَائِف الدِّينِيَّة، والمناصب السّنيَّة، وينوه بِذكر ذَوي الْبيُوت العريقة، لَا سِيمَا من ترشح إِلَى أَن يكون قَاضِي الْقُضَاة.
فيذكر نَعته ولقبه بِحَسب مَا يعرف الموثق من مقَامه.
وَإِن كَانَ لَهُ وَظِيفَة خصصه بهَا قَاضِي الْقُضَاة أَو صَارَت إِلَيْهِ بِولَايَة من السُّلْطَان ذكرهَا، مثل إِفْتَاء دَار الْعدْل الشريف: أَو قَضَاء الْعَسْكَر الْمَنْصُور: إو نظر الاوقاف: إو نظر الجوالي، أَو نظر الْكسْوَة، أَو وكَالَة بَيت المَال الْمَعْمُور أَو غَيره، فَإِن عدم ذكر ذَلِك يحصل مِنْهُ تَأْثِير فِي النَّفس، وَإِذا ذكر ارتاحت لَهُ النُّفُوس وانبعثت لَهُ الخواطر.
وَيكْتب لِنسَاء الْمُلُوك والسلطاين: الادر (١) الشَّرِيفَة خوند، ولنساء الامراء
_________
(١) الادر والماد وزمن: من ينفتق صفاقه فَيَقَع قصبه فِي صفنة وَلَا ينفتق إِلَّا من جَانِبه الايسر أَو من يُصِيبهُ فتق فِي إِحْدَى خصييه، أدر كفرح الادرة بِالضَّمِّ، ويحرك، وخصية أدراء عَظِيمَة بِلَا فتق وَقوم
مآدير أدر.
(الْقَامُوس الْمُحِيط، مَادَّة الادر)، وَهِي الَّتِي تسميها النَّاس القيلة كَمَا ورد فِي لِسَان الْعَرَب أَن لَفْظَة آلادر لَا تقال للْمَرْأَة أمنا لانه لم يسمع، وَإِمَّا أَن يكون لاخْتِلَاف الْخلقَة.
1 / 17
المقدمين، وأرباب الْوَظَائِف، وَمن دونهن، ولنساء ذَوي الرتب الْعَالِيَة من قَضَاء الْقَضَاء وأرباب الاقلام بالابواب الشَّرِيفَة ودواوين الامراء، وَنسَاء التُّجَّار: الخواجكية والسفارة وَمن دونهن من أَصْحَاب الْحَرْف وأرباب الصَّنَائِع والسوقة، وَمن فِي معناهن مَا يَلِيق بِهن من النعوت والالقاب على قدر طبقاتهن وطبقات أَزوَاجهنَّ.
وَمن كَانَت مِنْهُنَّ لَهَا زوج أَو مُطلق أَو ولد تعرف بِهِ: عرفهَا بِهِ.
وَيكْتب لاهل الذِّمَّة من الْيَهُود وَالنَّصَارَى والسامرة والفرنج مَا يَلِيق بهم، فَإِن كَانَ الْمَشْهُود عَلَيْهِ يَهُودِيّا: ربانا أَو قراء كتب الْيَهُودِيّ الربان أَو الْقُرَّاء، وَإِن كَانَ نَصْرَانِيّا: فإمَّا أَن يكون يعقوبيا أَو ملكيا، فَإِن كَانَ يعقوبيا كتب النَّصْرَانِي اليعقوبي، أَو النَّصْرَانِي الملكي، وَإِن كَانَ سامريا، كتب الْيَهُودِيّ السامري، وَإِن كَانَ فرنجيا: كتب الفرنجي الماغوصي، أَو الكيتلاني، وَيذكر صنائعهم وأماكنهم الَّتِي يُقِيمُونَ بهَا، وَإِن كَانَ الْمَشْهُود عَلَيْهِ مُسلما والمشهود عَلَيْهِ من أهل الذِّمِّيّ والمشهود لَهُ مُسلما: اسْتحبَّ تَقْدِيم الْمَشْهُود لَهُ فِي هَذِه الصُّورَة، كَمَا اخْتَارَهُ كثير من الموثقين الْمُتَقَدِّمين والمتأخرين.
وَفِي ذَلِك يحسن قَوْله الْقَائِل: إِذا كَانَ مدحا فالنسيب الْمُقدم.
وَإِن كَانَ الْمَشْهُود عَلَيْهِ مَعْرُوفا بنسبه كتب الموثق: وشهوده يعرفونه، أَو وشهوده بِهِ عارفون، أَو وَهُوَ مَعْرُوف عِنْد شُهُوده.
وَيَنْبَغِي أَن يسْتَعْمل تَقْدِيم اسْم الْمَشْهُود لَهُ، أذا كَانَ خَليفَة أَو سُلْطَانا، أَو مشارا إِلَيْهِ فِي الدولة، أعالما، أَو مدرسا، أَو مِمَّن لَهُ وجاهة يسْتَحق بهَا التَّقْدِيم، من جِهَة الدّيانَة وَالْعِبَادَة، والزهادة، وإفادة الْعُلُوم، وخدمة السّنة الشَّرِيفَة إِن كَانَ مَنْسُوبا إِلَى بَيت شرِيف: إو أصل عريق، أَو مُبَاشرَة وَظِيفَة دينية تَقْتَضِي الْحَال نَصبه فِيهَا على التَّمْيِيز على
الْمَشْهُود عَلَيْهِ، إِذا كَانَ دونه فِي الرُّتْبَة، على مَا جرت بِهِ عَادَة الْمُتَأَخِّرين اصْطِلَاحا، وَإِن كَانَ مَعْرُوفا فِي الْجُمْلَة، بِحَيْثُ لَا يخفى على كثير من الناص، فَيَنْبَغِي أَن لَا يذكر معرفه.
فَإِن عدم ذكر ذَلِك يدل على مَعْرفَته.
فَإِن كَانَت مَعْرفَته قريبَة كتب " وَهُوَ مَعْرُوف " وَإِن كَانَت حَادِثَة كتب " وَقد عرفه شُهُوده " وَإِن كَانَ الموثق لَا يعرف الْمَشْهُود لَهُ وَلَا الْمَشْهُود عَلَيْهِ، فَيَنْبَغِي أَن يكْتب الْحلِيّ إِن كَانَ يعرف، وَألا فَيتْرك الْكِتَابَة لمن يعرف الْحلِيّ فيحليه، فالحلي بَاب كَبِير لَا يكَاد يدْخل الختلاط والاشتباه على من اعْتَمدهُ فِي وثائقه.
أَظن ذَلِك إِلَّا لِكَثْرَة معاملات النَّاس مَعَ بَعضهم بَعْضًا، وَكَثْرَة ترددهم إِلَى الشُّهُود فِي معاقداتهم وبيوعهم ومعاملاتهم، حَتَّى صَار غَالب الموثقين يعْرفُونَ الْمقر وَالْمقر لَهُ، أَو
1 / 18
الرَّاهِن وَالْمُرْتَهن، أَو الضَّامِن والمضمون لَهُ وَمَا أشبه ذَلِك، معرفَة ت امة لَا يخالطها جَهَالَة لَا سِيمَا من قدمت هجرته مِنْهُم فِي مجَالِس الْحُكَّام ودكاكين الشُّهُود، وَلَا يغلب على ظَنِّي أَن ترك ذَلِك إِلَّا لذَلِك.
وَلَا بَأْس أَن يتحفظ الموثق، وَيحصل فِي حفظه أَنْوَاعه من الْحلِيّ مِمَّا هُوَ إشهر فِي الانسان، وَيُرَاجع فِيهَا بَاب الْحلِيّ.
فَإِنَّهُ رُبمَا احْتَاجَ إِلَيْهَا، فَإِن استعملها نفعته، وَإِن تَركهَا اعْتِمَادًا على معرفَة الْخُصُوم فَمَا تضره.
وَلَوْلَا خشيَة الاطاعة لذكرت مِنْهَا مَا يَنْبَغِي للموثق أَن يحفظه، وَلَكِن شَاهد النّظر أعدل من شَاهد الْفِكر، وَلَيْسَ العيان كالخبر، وَفِيمَا آتِي بِهِ إِن شَاءَ الله تَعَالَى فِي خَاتِمَة هَذَا الْكتاب، من بسط القَوْل فِي ذكر الْحلِيّ كِفَايَة، يحصل بهَا الاستفادة المستغنى بهَا عَن النّظر فِيمَا عَداهَا، وَأَرْجُو أَن تُؤْتى بهَا كل نفس هداها.
والان فقد آن أَوَان شروعي فِيمَا بنيت مَقْصُود هَذَا الْكتاب عَلَيْهِ، وأشرت فِي صدر ديباجته إِلَيْهِ، مقدما ذكر حكم كل بَاب وَمُقْتَضَاهُ، على قاعده مَذْهَب إمامنا الشَّافِعِي ﵁ وأرضاه.
مردفا ذكر تَقْرِير الحكم باخْتلَاف الائمة فِي مسَائِل الْبَاب، ثمَّ بالمصطلح على التَّرْتِيب.
وَمَا توفيقي إِلَّا بِاللَّه.
عَلَيْهِ توكلت وَإِلَيْهِ أنيب.
1 / 19
كتاب الْإِقْرَار
وَمَا يتَعَلَّق بِهِ مِمَّا هُوَ فِي حكمه ومندرج تَحت اسْمه ورسمه
أما الحكم: فَالْأَصْل فِي الْإِقْرَار: الْكتاب وَالسّنة وَالْإِجْمَاع وَالْقِيَاس
أما الْكتاب: فَقَوله تَعَالَى: ﴿وَإِذ أَخذ الله مِيثَاق النَّبِيين لما آتيتكم من كتاب وَحِكْمَة ثمَّ جَاءَكُم رَسُول مُصدق لما مَعكُمْ لتؤمنن بِهِ ولتنصرنه قَالَ أأقررتم وأخذتم على ذَلِكُم إصري قَالُوا أقررنا﴾
وَقَوله تَعَالَى: ﴿وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ﴾ وَقَوله تَعَالَى: ﴿أَلَسْت بربكم قَالُوا بلَى﴾
وَأما السّنة: فَروِيَ أَن ماعزا والغامدية أقرا عِنْد النَّبِي ﷺ بِالزِّنَا
فَأمر برجمهما
وَقَالَ: (اغْدُ يَا أنيس على امْرَأَة هَذَا
فَإِن اعْترفت فارجمها)
وَأما الْإِجْمَاع: فَلَا خلاف بَين الْأمة فِي تَعْلِيق الحكم بِالْإِقْرَارِ
وَأما الْقيَاس: فَإِن الْإِقْرَار آكِد من الشَّهَادَة لِأَنَّهُ لَا يتهم فِيمَا يقر بِهِ على نَفسه
فَإِذا تعلق الحكم بِالشَّهَادَةِ فَلِأَن يتَعَلَّق بِالْإِقْرَارِ أولى
وَالْإِقْرَار على أَرْبَعَة أَقسَام: أَحدهَا: لَا يقبل بِحَال
وَهُوَ إِقْرَار الْمَجْنُون والمحجور عَلَيْهِ بِسَفَه
وَالثَّانِي: إِقْرَار لَا يقبل فِي حَال وَيقبل فِي حَال
وَهُوَ إِقْرَار الْمَحْجُور عَلَيْهِ بالفلس
وَالثَّالِث: إِقْرَار لَا يَصح فِي شَيْء وَيصِح فِي غَيره
مثل إِقْرَار الصَّبِي فِي الْوَصِيَّة وَالتَّدْبِير وَمثل إِقْرَار العَبْد فِي الْحُدُود وَالْقصاص وَالطَّلَاق
وَالرَّابِع: الْإِقْرَار الصَّحِيح
وَهُوَ الَّذِي لَا يقبل مِنْهُ الرُّجُوع وَهُوَ إِقْرَار الْحر الْبَالِغ
1 / 20
لغير الْوَارِث
وَلَا يقبل الرُّجُوع عَن الْإِقْرَار الصَّحِيح إِلَّا فِي ثَلَاث مسَائِل
إِحْدَاهُنَّ: فِي الرِّدَّة
وَالثَّانيَِة: فِي الزِّنَا
وَفِي سَائِر الْحُدُود قَولَانِ
وَالثَّالِثَة: أَن يَقُول رجل: وهبت هَذِه الدَّار من فلَان وأقبضته إِيَّاهَا ثمَّ يَقُول: مَا أقبضته إِيَّاهَا
فقد تقرر على أَن الْإِقْرَار يَصح من مُطلق التَّصَرُّف
وَأما المحجورون: فأقارير الصَّبِي وَالْمَجْنُون لاغية
وَلَو ادّعى الصَّبِي الْبلُوغ بالاحتلام وَقت الْإِمْكَان صدق وَلم يحلف
وَفِي دَعْوَاهُ الْبلُوغ بِالسِّنِّ يُطَالب بِالْبَيِّنَةِ
وَالسَّفِيه والمفلس من حكم إِقْرَار الصَّبِي وَالْمَجْنُون
وَأما العَبْد: فَيقبل إِقْرَاره بِمَا يُوجب عَلَيْهِ عُقُوبَة
وَلَو أقرّ بدين جِنَايَة لَا توجب عُقُوبَة وَكذبه السَّيِّد: لَا يتَعَلَّق بِرَقَبَتِهِ وَلَكِن يتَعَلَّق بِذِمَّتِهِ وَيتبع بِهِ بعد الْعتْق
وَلَو أقرّ بدين مُعَاملَة لم يقبل على السَّيِّد إِن لم يكن مَأْذُونا لَهُ فِي التِّجَارَة
وَيقبل إِن كَانَ مَأْذُونا لَهُ
وَيُؤَدِّي من كَسبه وَمَا فِي يَده
وَالْمَرِيض فِي مرض الْمَوْت يَصح إِقْرَاره
لَكِن لَو أقرّ لوَارِثه فَفِيهِ قَولَانِ: أَحدهمَا: يقبل
وَالثَّانِي: لَا يقبل
وَلَو أقرّ لإِنْسَان فِي صِحَّته بدين وَلآخر فِي مَرضه بدين: لم يقدم الأول
وَلَا يَصح إِقْرَار الْمُكْره على الْإِقْرَار
وَيشْتَرط فِي الْمقر لَهُ: أَهْلِيَّة اسْتِحْقَاق الْمقر بِهِ
فَلَو قَالَ: لهَذِهِ الدَّابَّة عَليّ كَذَا
فَهُوَ لَغْو
وَلَو قَالَ: عَليّ بِسَبَب هَذِه الدَّابَّة لمَالِكهَا كَذَا وَكَذَا: لزمَه مَا أقرّ بِهِ
وَلَو قَالَ: لحمل فُلَانَة عَليّ كَذَا بِإِرْث أَو وَصِيَّة لزمَه
وَإِذا كذب الْمقر لَهُ الْمقر ترك المَال فِي يَده
وَلَو رَجَعَ الْمقر عَن الْإِقْرَار فِي حَال تَكْذِيبه وَقَالَ: غَلطت قبل رُجُوعه فِي أرجح الْوَجْهَيْنِ للشَّافِعِيّ
الْخلاف الْمَذْكُور فِي مسَائِل الْبَاب:
اتّفق الْأَئِمَّة ﵃ على أَن الْحر الْبَالِغ إِذا أقرّ بِحَق مَعْلُوم من حُقُوق الْآدَمِيّين لزمَه إِقْرَاره وَلَا يقبل مِنْهُ الرُّجُوع فِيهِ
وَاتَّفَقُوا على أَن الْمَجْنُون وَالصَّبِيّ غير الْمُمَيز وَالْعَبْد الصَّغِير غير الْمَأْذُون لَهُ: لَا يقبل إقرارهم وَلَا طلاقهم
وَلَا تلْزم عقودهم
وَاتَّفَقُوا على أَن العَبْد يقبل إِقْرَاره على نَفسه وَلَا يقبل فِي حق سَيّده
وَالْإِقْرَار بِالدّينِ فِي الصِّحَّة وَالْمَرَض سَوَاء يكون للْمقر لَهُم جَمِيعًا على قدر حُقُوقهم إِن وفت التَّرِكَة بذلك إِجْمَاعًا
فَإِن لم تف: فَعِنْدَ مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد يتحاصصون فِي الْمَوْجُود على قدر دُيُونهم
وَقَالَ أَبُو حنيفَة: غَرِيم الصِّحَّة يقدم على
1 / 21
غَرِيم الْمَرَض
فَيبْدَأ بِاسْتِيفَاء دينه
فَإِن فضل شَيْء صرف إِلَى غَرِيم الْمَرَض وَإِن لم يفضل شَيْء فَلَا شَيْء لَهُ
وَلَو أقرّ فِي مرض مَوته لوَارث فَعِنْدَ أبي حنيفَة وَأحمد: لَا يقبل إِقْرَار الْمَرِيض لوَارث أصلا
وَقَالَ مَالك: إِن كَانَ لَا يتهم ثَبت وَإِلَّا فَلَا
مِثَاله: أَن يكون لَهُ بنت وَابْن أَخ
فَإِن أقرّ لِابْنِ أَخِيه لم يتهم
وَإِن أقرّ لابنته اتهمَ
وَالرَّاجِح من قولي الشَّافِعِي: أَن الْإِقْرَار للْوَارِث صَحِيح ومقبول
وَلَو مَاتَ رجل عَن ابْنَيْنِ
وَأقر أَحدهمَا بثالث وَأنكر الآخر لم يثبت نسبه الِاتِّفَاق وَلكنه يُشَارك الْمقر فِيمَا فِي يَده مُنَاصَفَة عِنْد أبي حنيفَة
وَقَالَ مَالك وَأحمد: يدْفع إِلَيْهِ ثلث مَا فِي يَده لِأَنَّهُ قدر مَا يُصِيبهُ من الْإِرْث لَو أقرّ بِهِ الْأَخ الآخر وَقَامَت بذلك بَيِّنَة
وَقَالَ الشَّافِعِي: لَا يَصح الْإِقْرَار أصلا وَلَا يَأْخُذ شَيْئا من الْمِيرَاث لعدم ثُبُوت نسبه
وَلَو أقرّ بعض الْوَرَثَة بدين على الْمَيِّت وَلم يصدقهُ الْبَاقُونَ
قَالَ أَبُو حنيفَة: يلْزم الْمقر مِنْهُم بِالدّينِ جَمِيع الدّين
وَقَالَ مَالك وَأحمد: يلْزمه من الدّين بِقدر حِصَّته من مِيرَاثه
وَهُوَ أشهر قولي الشَّافِعِي
وَالْقَوْل الآخر: كمذهب أبي حنيفَة
فصل: وَمن أقرّ لإِنْسَان بِمَال وَلم يذكر مبلغه
قَالَ بعض أَصْحَاب مَالك: يُقَال لَهُ: سم مَا شِئْت مِمَّا يتمول
فَإِن قَالَ: قِيرَاط أَو حَبَّة
قبل مِنْهُ وَحلف أَنه لَا يسْتَحق أَكثر من ذَلِك
وَهَذَا قَول أبي حنيفَة وَالشَّافِعِيّ لِأَن الْحبَّة مَال
وَقَالَ بعض أَصْحَاب مَالك: يلْزمه مِائَتَا دِرْهَم إِن كَانَ من أهل الْوَرق
وَعِشْرُونَ دِينَارا إِن كَانَ من أهل الذَّهَب وَهُوَ أول نِصَاب الزَّكَاة
وَقَالَ القَاضِي عبد الْوَهَّاب: وَلَيْسَ لمَالِك فِي ذَلِك نَص
وَعِنْدِي: أَنه يجب على مذْهبه ربع دِينَار
فَإِن كَانَ من أهل الْوَرق فَثَلَاثَة دَرَاهِم
وَلَو قَالَ: لَهُ على مَال عَظِيم أَو خطير
قَالَ ابْن هُبَيْرَة فِي الإفصاح: لم يُوجد عَن أبي حنيفَة نَص مَقْطُوع بِهِ فِي هَذِه الْمَسْأَلَة إِلَّا أَن صَاحِبَاه قَالَا: يلْزمه مِائَتَا دِرْهَم إِن كَانَ من أهل الْوَرق أَو عشرُون دِينَارا إِن كَانَ من أهل الذَّهَب
وَقَالَ الشَّافِعِي وَأحمد: يقبل تَفْسِيره بِأَقَلّ مَا يتمول حَتَّى بفلس وَاحِد وَلَا فرق عِنْدهمَا بَين قَوْله: على مَال أَو مَال عَظِيم
قَالَ القَاضِي عبد الْوَهَّاب: وَلَيْسَ لمَالِك نَص فِي الْمَسْأَلَة أَيْضا
وَكَانَ الْأَزْهَرِي بقول الشَّافِعِي
وَالَّذِي يقوى فِي نَفسِي: قَول أبي حنيفَة
وَلَو قَالَ: لَهُ عَليّ دَرَاهِم كَثِيرَة
قَالَ الشَّافِعِي وَأحمد: يلْزمه ثَلَاثَة دَرَاهِم
وَبِه قَالَ مُحَمَّد بن عبد الحكم الْمَالِكِي إِذْ لَا نَص فِيهَا لمَالِك
وَقَالَ أَبُو حنيفَة: يلْزمه عشرَة دَرَاهِم
وَقَالَ صَاحِبَاه: يلْزمه مِائَتَا دِرْهَم
وَاخْتَارَهُ القَاضِي عبد الْوَهَّاب الْمَالِكِي
1 / 22