قال الأستاذ الشيخ لتلميذه الفتى: وما هذا البيت؟!
قال الطالب الفتى لأستاذه الشيخ: هو بيت قاله رجل من ذوي الرأي كان يرد دائما عن باب الحجاج:
ألا رب نصح يغلق الباب دونه
وغش إلى جنب السرير يقرب
قال الأستاذ الشيخ لتلميذه الفتى: وما عليك أن يكون مصدر هذا البيت رغبا، أو رهبا، أو حسدا، أو غير ذلك من عواطف الشر والخير؟! أتراك تعرض عن الزهرة الجميلة، والوردة النضرة، والعشب ذي الرواء والبهجة، حين تعلم ما يتخذ البستاني من الوسائل إلى استنباتها وجعلها زينة للحياة؟
قال الطالب الفتى لأستاذه الشيخ: لا!
قال الأستاذ الشيخ لتلميذه الفتى: فاستمتع بالأدب، وتعمق معانيه، وذق جماله، كما تستمتع بالحديقة، واجعل بحثك عن التاريخ الأدبي كبحث أستاذ الزراعة عن أصول الزهر والشجر، ولا يصرفك عن المتعة، ولا يزهدك في اللذة، ولعله أن يغريك بهما، ويرغبك فيهما. أليس من الرائع أن يخرج الله الحي من الميت، والجميل من القبيح!
معارضة
قال الطالب الفتى لأستاذه الشيخ: إني أقرأ في عيون الأخبار لابن قتيبة أن عمرو بن عبيد مر بجماعة عكوف، فقال: ما هذا؟ قالوا: سارق يقطع! فقال: لا إله إلا الله، سارق السر يقطعه سارق العلانية. فهل تنبئني إلام أراد؟
قال الأستاذ الشيخ لتلميذه الفتى: كان عمرو بن عبيد زعيما من زعماء المعتزلة، وكان زاهدا في الدنيا مخلصا للدين، وكان شجاعا لا يخشى في الحق لومة لائم؛ وما أراد بقوله هذا إلا أن يصف عامل البصرة بأنه كان سارقا لأموال المسلمين، يسرقها جهرة لأنه لا يخاف أحدا، منافقا في إمضاء حكم الله، يعاقب على إثم يسير يستخفي به صاحبه، وهو يقارف أعظم الآثام وأضخمها. فإن اجتمع لك زهد عمرو بن عبيد في الدنيا وحرصه على الدين وشجاعته على مواجهة الحكام بما لا يحبون؛ فانهض بتبعات السياسة، وإن لم تجتمع لك هذه الخصال؛ فالتمس لنشاطك سبيلا أخرى.
Unknown page