Jamic Bayan
جامع البيان في تفسير القرآن
حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، قال: قال قتادة: كانا يعلمان الناس السحر، فأخذ عليهما أن لا يعلما أحدا حتى يقولا: إنما نحن فتنة فلا تكفر. حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثنا أبو سفيان، عن معمر، قال: قال غير قتادة: أخذ عليهما أن لا يعلما أحدا حتى يتقدما إليه فيقولا: إنما نحن فتنة فلا تكفر. حدثنا ابن بشار، قال: ثنا يحيى بن سعيد، عن عوف، عن الحسن، قال: أخذ عليهما أن يقولا ذلك. حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: حدثني حجاج، عن ابن جريج، قال: أخذ الميثاق عليهما أن لا يعلما أحدا حتى يقولا: إنما نحن فتنة فلا تكفر، لا يجترىء على السحر إلا كافر. وأما الفتنة في هذا الموضع، فإن معناها الاختبار والابتلاء، من ذلك قول الشاعر.
وقد فتن الناس في دينهم
وخلى ابن عفان شرا طويلا
ومنه قوله: فتنت الذهب في النار: إذا امتحنتها لتعرف جودتها من رداءتها، أفتنها فتنة وفتونا. كما: حدثنا بشر بن معاذ، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة { إنما نحن فتنة } أي بلاء. القول في تأويل قوله تعالى: { فيتعلمون منهما ما يفرقون به بين المرء وزوجه }. قال أبو جعفر: وقوله جل ثناؤه: { فيتعلمون منهما } خبر مبتدأ عن المتعلمين من الملكين ما أنزل عليهما، وليس بجواب لقوله: { وما يعلمان من أحد } بل هو خبر مستأنف ولذلك رفع، فقيل: فيتعلمون. فمعنى الكلام إذا: وما يعلمان من أحد حتى يقولا: إنما نحن فتنة. فيأبون قبول ذلك منهما فيتعلمون منهما ما يفرقون به بين المرء وزوجه. وقد قيل: إن قوله: { فيتعلمون } خبر عن اليهود معطوف على قوله: { ولكن الشياطين كفروا يعلمون الناس السحر وما أنزل على الملكين ببابل هاروت وماروت فيتعلمون منهما ما يفرقون به بين المرء وزوجه } وجعلوا ذلك من المؤخر الذي معناه التقديم. والذي قلنا أشبه بتأويل الآية لأن إلحاق ذلك بالذي يليه من الكلام ما كان للتأويل وجه صحيح أولى من إلحاقه بما قد حيل بينه وبينه من معترض الكلام. والهاء والميم والألف من قوله: { منهما } من ذكر الملكين. ومعنى ذلك: فيتعلم الناس من الملكين الذي يفرقون به بين المرء وزوجه. و«ما» التي مع «يفرقون» بمعنى «الذي». وقيل معنى ذلك: السحر الذي يفرقون به، وقيل: هو معنى غير السحر. وقد ذكرنا اختلافهم في ذلك فيما مضى قبل. وأما المرء فإنه بمعنى رجل من أسماء بني آدم، والأنثى منه المرأة يوحد ويثنى، ولا تجمع ثلاثيه على صورته، يقال منه: هذا امرؤ صالح، وهذان امرآن صالحان، ولا يقال: هؤلاء امرءو صدق، ولكن يقال: هؤلاء رجال صدق، وقوم صدق. وكذلك المرأة توحد وتثنى ولا تجمع على صورتها، يقال: هذه امرأة وهاتان امرأتان، ولا يقال: هؤلاء امرآت، ولكن هؤلاء نسوة.
وأما الزوج، فإن أهل الحجاز يقولون لامرأة الرجل: هي زوجه، بمنزلة الزوج الذكر ومن ذلك قول الله تعالى ذكره:
أمسك عليك زوجك
[الأحزاب: 37] وتميم وكثير من قيس وأهل نجد يقولون: هي زوجته، كما قال الشاعر:
وإن الذي يمشي يحرش زوجتي
كماش إلى أسد الشرى يستبيلها
فإن قال قائل: وكيف يفرق الساحر بين المرء وزوجه؟ قيل: قد دللنا فيما مضى على أن معنى السحر تخييل الشيء إلى المرء بخلاف ما هو به في عينه وحقيقته بما فيه الكفاية لمن وفق لفهمه. فإن كان ذلك صحيحا بالذي استشهدنا عليه، فتفريقه بين المرء وزوجه تخييله بسحره إلى كل واحد منهما شخص الآخر على خلاف ما هو به في حقيقته من حسن وجمال حتى يقبحه عنده فينصرف بوجهه ويعرض عنه حتى يحدث الزوج لامرأته فراقا، فيكون الساحر مفرقا بينهما بإحداثه السبب الذين كان منه فرقة ما بينهما. وقد دللنا في غير موضع من كتابنا هذا على أن العرب تضيف الشيء إلى مسببه من أجل تسببه وإن لم يكن باشر فعل ما حدث عن السبب، بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع فكذلك تفريق الساحر بسحره بين المرء وزوجه. وبنحو الذي قلنا في ذلك قاله عدد من أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: حدثنا بشر بن معاذ، قال: ثنا يزيد بن زريع، قال: ثنا سعيد، عن قتادة: { فيتعلمون منهما ما يفرقون به بين المرء وزوجه } وتفريقهما أن يؤخذ كل واحد منهما عن صاحبه، ويبغض كل واحد منهما إلى صاحبه. وأما الذين أبوا أن يكون الملكان يعلمان الناس التفريق بين المرء وزوجه، فإنهم وجهوا تأويل قوله: { فيتعلمون منهما } إلى «فيتعلمون» مكان ما علماهم ما يفرقون به بين المرء وزوجه، كقول القائل: ليت لنا كذا من كذا، أي مكان كذا. كما قال الشاعر:
Unknown page