لم يستعد إيفانهو وعيه من الحالة التي كان عليها إلا في الهزيع الأخير من الليل. وعندما أفاق من نومه المتقطع، لشد ما كانت دهشته أن وجد نفسه في غرفة فاخرة الأثاث، ولكن كان بها وسائد ليستريح الناس عليها بدلا من المقاعد، وكانت في نواح أخرى تشبه كثيرا الطراز الشرقي، حتى إنه بدأ يشك فيما إذا كان قد نقل مرة أخرى إلى فلسطين في أثناء نومه. زاد هذا الانطباع عندما انزاح الستار المزخرف عن امرأة ترتدي ثيابا فاخرة أقرب إلى الذوق الشرقي منها إلى الأوروبي، مرت عبر الباب، الذي كان الستار يحجبه، يتبعها خادم أسمر.
وعندما هم الفارس الجريح بمخاطبة هذا الطيف الجميل، فرضت عليه الصمت بأن وضعت إصبعها الرشيقة على شفتيها الياقوتيتين، بينما اقترب الخادم منه وشرع في الكشف عن جانب إيفانهو، وتأكدت اليهودية الحسناء أن الضمادة كانت في موضعها، وأن الجرح يتحسن. في صمت تركهما إيفانهو يتخذان التدابير التي اعتقدا أنها الأنسب لتعافيه. وعندما كانت الطبيبة الطيبة على وشك الانصراف لم يستطع كبح جماح فضوله أكثر من ذلك. بدأ حديثه بلسان عربي قائلا: «أيتها الفتاة الرقيقة، أرجو من كرم أخلاقك أيتها الفتاة الرقيقة ...» «أنا إنجليزية يا سيدي الفارس، وأتحدث بلسان إنجليزي، مع أن ملبسي ونسبي ينتميان إلى منطقة أخرى.»
شرع الفارس إيفانهو في الحديث مرة أخرى قائلا: «أيتها الفتاة النبيلة ...»
قالت ريبيكا: «لا تغدق علي يا سيدي الفارس بلقب النبيلة. واعلم أن خادمتك يهودية فقيرة، ابنة إيزاك أوف يورك ذلك الذي كنت له منذ وقت قريب جدا سيدا طيبا وعطوفا. إنه لمن دواعي سروره هو وأهل بيته أن يقدموا لك الرعاية الدقيقة التي تتطلبها حالتك الحالية.»
لا أعلم إن كانت روينا الحسناء سترضى عن ذلك النوع من المشاعر التي كان فارسها المخلص ينظر بها حينئذ إلى الجميلة ريبيكا، لكن إيفانهو كان كاثوليكيا شديد التدين، وما كان من الممكن أن يكن المشاعر نفسها ليهودية. وعلى الفور، حل محل نظرة الإعجاب المشوب بالاحترام، التي لا تخلو من الرقة، التي كان ينظر بها في تلك اللحظة إلى محسنته المجهولة، نظرة باردة وهادئة تنم عن رباطة جأشه .
ومع ذلك، فلم تنسب طبيعة ريبيكا المتسمة بالدماثة والصدق أي خطأ إلى إيفانهو؛ لانخراطه في صور الإجحاف السائدة بين أبناء عصره ودينه. أعلمته بضرورة رحيلهم إلى يورك، وبقرار أبيها بنقله إلى هناك ورعايته في منوله حتى يستعيد عافيته. أبدى إيفانهو امتعاضا شديدا من هذه الخطة، وكان مبعث هذا الامتعاض عدم رغبته في أن يتسبب في مزيد من العناء لمن أحسنوا إليه.
قال: «ألم يكن في آشبي أو بالقرب منها سيد ساكسوني، أو حتى فلاح غني، يمكنه تحمل عبء إقامة جريح من بني جلدته حتى يقوى مرة أخرى على ارتداء درعه؟ ألم يكن يوجد أحد أديرة الصدقة الساكسونية الذي كان يمكن أن يأوي إليه؟»
قالت ريبيكا بابتسامة يشوبها الحزن: «أيا يكن، فلا شك في أن أسوأ هذه الأماكن كان سيغدو أنسب لك من الإقامة في منزل يهودي محتقر، ولكن يا سيدي الفارس لا يمكنك تغيير مكان مقامك إلا إذا تخليت عن طبيبك. إن قومنا، كما تعلم جيدا، يستطيعون مداواة الجروح، مع أننا لا نتسبب فيها. وما من نصراني، عذرا أيها السيد الفارس، ما من طبيب مسيحي في بحار بريطانيا الأربعة يستطيع أن يجعلك تقوى على ارتداء درعك في غضون شهر واحد.»
قال إيفانهو بفروغ صبر: «ومتى ستمكنينني من أن أقوى على ارتدائه؟»
أجابت ريبيكا: «في غضون ثمانية أيام، إذا كنت صبورا وممتثلا لتعليماتي.»
Unknown page