جاءت مواجهة رالف دي فيبوان ختاما لقائمة انتصارات الفارس الغريب ؛ فقد اندفع على الأرض بقوة بالغة حتى إن الدم تفجر من أنفه وفمه، وقد حمل فاقدا للوعي خارج الحلبة.
هللت الآلاف بالجائزة الناتجة عن إجماع الأمير والمنظمين، الذين أعلنوا أن من فاز بهذا اليوم هو الفارس المحروم من الميراث.
كان القائمان على النظام في الميدان هما أول من قدموا تهانيهم للمنتصر، وطلبا منه أن يرفع خوذته قبل أن يقوداه لتلقي جائزة مباراة اليوم من يدي الأمير جون. رفض الفارس المحروم من الميراث طلبهما بكل ما تمليه عليه أخلاق الفرسان من تهذيب، زاعما أنه لا يمكنه الآن أن يتحمل عواقب أن يرى وجهه؛ وذلك لأسباب سبق أن أوضحها للمنادين عندما دخل إلى ساحة النزال. اقتنع المنظمان تمام الاقتناع بهذا الرد؛ ولذلك لم يضغطوا عليه أكثر لمعرفة سره، وبعد أن أبلغا الأمير جون برغبة المنتصر في أن يظل غير معروف، طلبا السماح بالإتيان به أمام سموه حتى يتلقى جائزة شجاعته.
كان جون مستاء من نتيجة المباراة؛ حيث هزم المتحدون الذين فضلهم واحدا تلو الآخر على يد فارس واحد، فأجاب المنظمين بغطرسة قائلا: «بحق نور جبين السيدة العذراء، لقد حرم هذا الفارس من الكياسة كما حرم من أرضه؛ ما دام يرغب في الظهور أمامنا دون أن يكشف عن وجهه.»
تعالى همس بين الحاشية، ولكن لم يكن ليجزم بمصدره الأول. قال قائل: «قد يكون الملك، قد يكون ريتشارد قلب الأسد نفسه!» فقال الأمير جون، وقد صار وجهه، على الرغم منه، شاحبا كالموتى: «أسأل الرب ألا يكون كذلك! والديمار! دي براسي! أيها الفارسان الشجاعان والرجلان النبيلان، تذكرا وعودكما وشدا بصدق من أزري!»
قال والديمار فيتزورس، أحد أهم تابعيه: «ليس ثمة خطر وشيك. هل أنت ذو إلمام يسير بأعضاء ابن أبيك الضخمة لدرجة أن تظن أنه يمكن أن تناسبها بدلة مدرعة كهذه؟ انظر إليه من كثب يا صاحب السمو، وستلاحظ أنه يقل طولا عن الملك ريتشارد بثلاث بوصات وضعف ذلك في عرض كتفيه، كما أن الجواد الذي يمتطيه لا يمكنه أن يحمل وزن الملك ريتشارد ولو لجولة واحدة.»
بينما كان يتحدث جلب المنظمان الفارس المحروم من الميراث وجعلوه يتقدم إلى أسفل درج خشبي، يصل صعودا من الحلبة إلى عرش الأمير جون. وبمديح قصير لشجاعته، قدم له جواد الحرب المخصص للجائزة. لم ينبس الفارس المحروم من الميراث ببنت شفة ردا على مديح الأمير له، الذي اكتفى بالتعبير عن تقديره له بانحناءة احترام عميقة.
قاد الجواد إلى ساحة النزال سائسان بملابس فخمة، وكان الجواد نفسه مجهزا تجهيزا كاملا بعتاد حرب من أفخم ما يمكن. واضعا إحدى يديه على مقبض السرج، قفز الفارس المحروم من الميراث في الحال على ظهر الفرس دون أن يستعين بالركاب، ودار دورتين حول ساحة النزال رافعا رمحه عاليا، ومستعرضا مزايا الجواد وخطواته بمهارة خيال مثالي.
استبعد عن ذلك العرض مظهر الخيلاء، الذي قد يميز مثل تلك العروض، بفضل اللياقة التي ظهرت في عرض أفضل ما يميز جائزة الأمير التي نال شرف منحه إياها للتو.
بعدئذ حان الوقت الذي يجب فيه على المنتصر أن يظهر حكمه الصائب، وليس بسالته، باختياره، من بين الجميلات اللواتي كانت تتزين بهن الأروقة، سيدة تعتلي عرش ملكة الجمال والحب. وعلى ذلك، أشار الأمير بعصاه، عندما مر عليه الفارس في مساره الثاني حول ساحة النزال. التفت الفارس نحو العرش، وخفض رمحه حتى أصبح سنه على مسافة قدم واحدة من الأرض، وظل بلا حراك كما لو كان ينتظر أوامر جون، بينما كان الجميع معجبين بما أظهره من براعة مفاجئة في تحويل جواده الهائج على الفور من حال عنف واهتياج شديد إلى حال السكون.
Unknown page