Ittihad Urubbi Muqaddima Qasira
الاتحاد الأوروبي: مقدمة قصيرة جدا
Genres
في حين يجوز للمتقاضين استئناف أحكام المحكمتين الدنييين، لا يجوز استئناف أحكام محكمة العدل، التي تشكل السلطة القضائية النهائية في الأمور الواقعة ضمن اختصاص الاتحاد، لكن المحكمة تعتمد في إنفاذ إحكامها على أجهزة الإنفاذ بالدول الأعضاء. وكون الأغلبية العظمى من الأحكام الصادرة، بموجب قوانين الاتحاد، إنما هي صادرة عن محاكم الدول الأعضاء، رسخ الاعتياد على إنفاذها، ولم يحدث أن كان هناك رفض لإنفاذ أحكام المحكمة نفسها حتى وإن كان هناك أحيانا توان لفترات طوال قبل أن تمتثل الدول الأعضاء للأحكام الصادرة بحقها.
لا يزال اختصاص المحكمة محدودا بالمعاهدات، ولا سيما في السياسة الخارجية، لكن ضمن هذه الحدود - وبصرف النظر عن اعتمادها شبه التام على أجهزة الإنفاذ بالدول الأعضاء - يتسم نظام الاتحاد القضائي إلى حد كبير بخصائص فيدرالية. (5) الولاية الاحتياطية والمرونة
في كلمة شهيرة ألقتها السيدة تاتشر في مدينة بروج، استحضرت شبح «دولة أوروبية فوق الدولة تمارس هيمنة جديدة من بروكسل»، كما أصبحت مقولة «المنحدر الزلق» الذي يفضي إلى «دولة مركزية فوق الدولة» استعارة مفضلة لدى البريطانيين المتشككين بجدوى الاتحاد الأوروبي. ومن زاوية مختلفة، نظرت الولايات الألمانية بريبة إلى المقترحات الرامية إلى منح الاتحاد اختصاصا في مجالات تختص هي بها في نظام ألمانيا الفيدرالي. والحقيقة أن كثيرين من أنصار الفيدرالية يجدون هدف المعاهدة المتمثل في «إقامة اتحاد وثيق أكثر من أي وقت مضى» مطلقا أكثر مما ينبغي. وتساند الأكثرية مبدأ «الولاية الاحتياطية» كدليل لتحديد ما ينبغي أن يفعله الاتحاد وما ينبغي ألا يفعله. ويقتضي ذلك المبدأ ذو الجذور الكالفينية والكاثوليكية ألا تؤدي الهيئات التي تضطلع بمسئوليات عن مناطق كبيرة إلا الوظائف التي لا يمكن للمناطق الصغيرة الواقعة ضمنها أن تؤديها بنفسها. وإعمالا لهذا المبدأ، تقتضي المعاهدة من الاتحاد ألا «يتخذ إجراء ... إلا إذا كان هدف هذا الإجراء المقترح لا تستطيع الدول الأعضاء تحقيقه بدرجة كافية»، ويمكن «نظرا لحجمه أو آثاره، تحقيقه بشكل أفضل بمعرفة الاتحاد.»
اعترفت معاهدة روما ضمنيا بهذا المبدأ بتمييزها بين نوعين من قوانين الاتحاد؛ أولهما: اللائحة، وهي «ملزمة بأكملها» للدول الأعضاء كافة، وثانيهما: التوجيه، ولا يكون ملزما إلا «من حيث النتيجة المراد تحقيقها»، مع ترك كل دولة تختار «الشكل والأساليب»، لكن هذا لم يكن إلا تطبيقا جزئيا للمبدأ. وقد صدرت التوجيهات أحيانا على نحو مفصل لا يترك للدول إلا خيارا محدودا. وهكذا عرفت معاهدة ماستريخت الولاية الاحتياطية، وأرست معاهدة أمستردام إجراءات مفصلة تهدف إلى ضمان ممارسة مؤسسات الاتحاد هذا المبدأ. وقد كفل اشتمال معاهدة لشبونة على قائمة بالاختصاصات المقصورة على الاتحاد، والاختصاصات المشتركة مع الدول الأعضاء، والاختصاصات التي تساند اتخاذ الدولة إجراء، كفل وجود ضمانات متعددة ضد المبالغة في المركزية.
توجد بالطبع اختلافات حول المجالات التي يكون فيها التكامل مبررا، وتركت هذه الاختلافات بصمتها على معاهدة ماستريخت في اختيار بريطانيا عدم المشاركة في الفصل الاجتماعي والعملة الموحدة، واختيار الدنمارك عدم المشاركة في العملة الموحدة والدفاع. ونظرا لعدم جواز تعديل المعاهدة إلا بإجماع الآراء، كان لا بد من قبول الحكومات الأخرى بنود اختيار عدم المشاركة إذا كانت ستشتمل عليها المعاهدة، وهو ما أدى إلى اهتمام متنام بفكرة «المرونة»، مما يمكن الدول التي تريد المزيد من التكامل في حقل معين من المضي في ذلك قدما في إطار مؤسسات الاتحاد، أو إن شئت فقل مما يسمح لأقلية باختيار عدم المشاركة. كان أحد الأهداف تفادي فيتو الدول الأعضاء المنفردة، التي قد تعوق معارضتها إجراء إصلاحات تعتبرها معظم الحكومات الأخرى ضرورية، وهو شاغل صعده التوسع لضم دول قد يتبين أنها غير راغبة أو غير قادرة على المضي قدما في المزيد من التكامل.
برز مفهوم المرونة في معاهدة أمستردام تحت عنوان «التعاون المعزز»، وهو مصطلح فضله أنصار الفيدرالية؛ لأنه يقتضي ضمنا مستوى أعمق من التكامل بين مجموعة من الدول، في حين مال المتشككون بجدوى الاتحاد الأوروبي إلى رؤية المرونة سبيلا لإرخاء الروابط في الاتحاد ككل. وتنص المعاهدات الآن على التعاون المعزز في إطار الاتحاد ، شريطة استيفاء عدد من الشروط، من ضمنها الموافقة بالإجماع على سريانه على أي حالة، واشتماله ثماني دول كحد أدنى في البداية، وبقاؤه مفتوحا أمام أي دول إضافية. (6) المواطنون
استحدث مفهوم مواطنة الاتحاد في معاهدة ماستريخت التي نصت على أن جميع مواطني الدول الأعضاء مواطنون للاتحاد أيضا، وأضافت معاهدة أمستردام أن كلتا صورتي المواطنة متتامتان. وتضمنت معاهدة ماستريخت بعض الحقوق الجديدة للمواطنين: كالحق في الحركة والتنقل والإقامة بحرية في مختلف أنحاء الاتحاد رهنا بشروط معينة، والحق في التصويت أو الترشح في الدول الأعضاء الأخرى في الانتخابات المحلية والأوروبية دون الانتخابات الوطنية. وتأتي هذه القائمة القصيرة على رأس حقوق معينة مضمونة بالفعل بموجب معاهدات: كحماية مواطني الدول الأعضاء ضد التمييز على أساس الجنسية في مجالات اختصاص الاتحاد، والمساواة في معاملة الرجال والنساء في الأمور المتعلقة بالتوظيف. ولزام على مؤسسات الاتحاد أيضا احترام الحقوق الأساسية التي تكفلها «الاتفاقية الأوروبية لحماية حقوق الإنسان والحريات الأساسية». وتؤكد المعاهدات على أن الاتحاد «قائم على مبادئ الحرية، والديمقراطية، واحترام حقوق الإنسان والحريات الأساسية، وسيادة القانون. وهي مبادئ مشتركة بين الدول الأعضاء»، علاوة على أنها تنص على أنه في حالة «الخرق الخطير والمستمر» لهذه المبادئ، يمكن حرمان الدولة العضو من بعض حقوقها التي تكفلها المعاهدة، بما فيها حقوق التصويت.
واستجابة للشواغل بشأن احتياج الاتحاد إلى فعل المزيد لاستقطاب مساندة مواطنيه، صيغ أيضا «ميثاق الحقوق الأساسية»، على التوازي مع معاهدة نيس، من قبل اجتماع اتفاقية كان نموذجا لاجتماع الاتفاقية الذي صاغ المعاهدة الدستورية، لكن لم يكن الميثاق ليكتسب قوة قانونية فيما يتعلق بأعمال الاتحاد نفسه إلا بمعاهدة لشبونة. إضافة إلى ذلك، تنص المعاهدات على تعيين البرلمان أمين مظالم للتحقيق في شكاوى المواطنين من سوء الإدارة من قبل مؤسسات الاتحاد، ورفع تقارير بالنتائج إلى البرلمان والمؤسسة المعنية.
بصرف النظر عن مسألة الحقوق، يصعب نظام حكم الاتحاد - بمزيجه المعقد من العناصر الحكومية الدولية والفيدرالية - اتخاذ القرارات، ويجعل من إقامة علاقة مرضية بين المؤسسات والمواطنين شيئا بعيد المنال. لكن ما لم يوفر المواطنون مساندة كافية للاتحاد إلى جانب مساندتهم دولهم، فمن الممكن أن تكون جماهير الناخبين في الدول قوة طاردة مركزيا تفضي إلى التفكك. كذلك يثير التوسع إلى 28 دولة، وربما أكثر من 30 دولة في النهاية، مشكلات إضافية. وقد دار نقاش أكاديمي مكثف حول ضرورة وجود شعب «اتحادي» من أجل استدامة الديمقراطية «الاتحادية»؛ مما أثار الشكوك في إمكانية حدوث ذلك، لكن الاتحاد تمكن من الاستفادة من عناصره الديمقراطية المتنامية كصلاحيات البرلمان الأوروبي، ومن التشاؤم غير المبرر أن نفترض أن العملية لا يمكنها الاستمرار. هذا إلى جانب تطور الاتحاد ككل. ويظل التضامن بين المواطنين أقل كثيرا مما سيكون ضروريا لدولة فيدرالية. وقد أدخلت اتفاقية لشبونة إصلاحا جوهريا، مع أنها لا تزال تترك بعض الأسئلة دون أجوبة.
الأهم أن لشبونة أكدت مجددا على الحاجة إلى الموازنة بين مصالح الاتحاد ككل ومصالح الدول الأعضاء. ويتيح إلغاء هيكل الركائز، وتقوية المجلس الأوروبي برئيس دائم، ودمج أدوار السياسة الخارجية في شخص الممثل السامي إمكانية حصول الاتحاد الأوروبي على شخصية أكثر تلاحما، وإن كانت الحكومات الوطنية تسعى على الرغم من ذلك إلى تقييد العمل المشترك. كذلك فإنه فيما تملك البرلمانات الوطنية الآن صلاحيات رفع «كارت أصفر» في وجه المقترحات التشريعية، غالبا ما تفتقر تلك البرلمانات إلى آليات مراقبة كافية تكون معها هذه الصلاحيات ذات كفاءة حقيقية، مثلما أن مبادرة المواطنين - التي يمكن بموجبها لعريضة تحمل مليون توقيع أن تؤدي بالمفوضية إلى اتخاذ إجراء تشريعي - تستند إلى تصور للمجال العام الأوروبي هو في الوقت الراهن أمل أكثر منه حقيقة واقعة. ربما يستوي مع هذا في دلالته أن لشبونة هي أول معاهدة تنص على آلية صريحة يمكن بموجبها لدولة أن تنسحب من العضوية.
Unknown page