Ittihad Urubbi Muqaddima Qasira
الاتحاد الأوروبي: مقدمة قصيرة جدا
Genres
لا يباشر المجلس الأوروبي ذاته إلا قلة من هذه القرارات، ولا يملك وقتا لإجراء مناقشة شاملة لكل ما يطرح عليه، ولا سيما عند التعامل مع الإحاطات الفنية، كما في أزمة منطقة اليورو. والمعتاد بدرجة أكبر أن تنبثق معظم التفاصيل ومعظم «المبادئ التوجيهية السياسية» عن مؤسسات الاتحاد من خلال عملها مع رئيس المجلس الأوروبي.
مجلس الاتحاد الأوروبي (أو «مجلس الوزراء» كما يعرف عادة) هيئة أكثر تعقيدا، وتتوقف مسألة من من الوزراء يحضر اجتماعا معينا على الموضوع المطروح. ويجتمع هذا المجلس على نحو عشر هيئات، من ضمنها «المجلس الاقتصادي والمالي» «إيكوفين»، والمجلس الزراعي، ومجلس الشئون الخارجية (برئاسة الممثل السامي)، ومجلس الشئون العامة، الذي يتألف من وزراء الخارجية، ويفترض أن يتولى تنسيق عمل المجالس الأخرى، لكنه - على أرض الواقع - يواجه صعوبة في السيطرة على مجالس الوزراء من وزارات الخارجية النافذة. ويترأس كل مجلس ممثل دولة من الدول التي تتناوب على منصب الرئيس الدوري كل ستة أشهر.
تحضر اجتماعات المجلس - خلافا للمجلس الأوروبي - أعداد كبيرة تضم مسئولين كثرا، وكذلك وزراء أو ممثلين عنهم من كل دولة عضو، ويرافقهم المفوضون ذوو الصلة، إضافة إلى مسئولين من المفوضية ومسئولين من أمانة المجلس. وهذه الأمانة هي التي تكفل الاستمرارية من رئاسة إلى التي تليها، وقد صارت مؤسسة قوية نوعا ما. وخلافا للمجلس الأوروبي أيضا، يتسم قدر كبير من عمل المجلس بالطابع التشريعي، وبعضه بالطابع التنفيذي.
بعد ضغط مطول، يعقد المجلس الآن جلساته التشريعية علانية، لكن أعماله ما زالت أشبه بمفاوضات في مؤتمر دبلوماسي منها بنقاش في هيئة تشريعية ديمقراطية عادية.
كان وجه الشبه بين أعمال المجلس والتفاوض الدولي أوضح ما يكون قبل منتصف الثمانينيات - مع تدشين برنامج السوق الموحدة - وهو الوقت الذي بدأ يحل فيه «التصويت بالأغلبية المشروطة» محل التصويت بالإجماع كإجراء متبع في القرارات التشريعية. وعلى الرغم من نص المعاهدة على أن المشروعات التي تقترحها المفوضية هي وحدها التي تسن بوصفها قوانين، كان إجراء التصويت بالإجماع قد أعطى كل وزير حقا في النقض يضغط به على المفوضية كي تعدل مقترحها على النحو الذي يطلبه. وعلى الرغم من نص المعاهدة على التصويت بالأغلبية المشروطة بشأن مجموعة متنوعة من الموضوعات؛ فإن حق النقض المشمول ضمنا في «تسوية» لوكسمبورج وسع من نطاقه عمليا حتى كاد يشمل عملية التشريع بأكملها. كما تسعى «لجنة الممثلين الدائمين» للدول الأعضاء مقدما إلى إيجاد أرضية مشتركة في ردود أفعال الحكومات تجاه مقترحات المفوضية. ونظرا لصعوبة التوصل إلى إجماع آراء؛ فإنه لولا تفاني كثير من هؤلاء المسئولين لما تمكن الاتحاد من أداء وظائفه إطلاقا، لكن التدابير التي تحددها المفوضية بوصفها في الصالح العام، وتتمتع بمساندة أغلبية كبيرة، اختزلت في أغلب الأحوال إلى «قاسم مشترك أدنى» يتوصل إليه بعد طول تأخير.
شكل : مجلس الوزراء: ليس بتجمع محدود.
ساهم هذا في عدم إحراز تقدم صوب السوق الموحدة حتى تغيرت إجراءات التصويت في أعقاب إقرار القانون الأوروبي الموحد؛ فحتى ذلك الحين كانت تدابير السوق الموحدة تمرر بوتيرة تصل إلى نحو شهر. وهذا يكفي بالكاد لمواكبة التطورات في الاقتصاد، ناهيك عن إتمام البرنامج ككل في غضون ربع قرن من الزمان، لكن القانون الموحد وما نص عليه من تصويت بالأغلبية المشروطة على معظم تشريعات السوق الموحدة ساعد على تسريع الوتيرة لتصل إلى نحو أسبوع؛ بحيث انتهى سن القسم الأكبر من هذه القوانين بحلول 1992.
شهد نظام التصويت بالأغلبية المشروطة العديد من الدورات. وتوجد في الوقت الحالي عقبة ثلاثية تتمثل في الحصول على أغلبية بنسبة 67 في المائة من الدول، وأغلبية بنسبة 62 في المائة من السكان، وأغلبية بنسبة 74 في المائة من الأوزان التصويتية (أي 260 صوتا من أصل 352 صوتا، وذلك بالترجيح تقريبيا حسب الحجم). ولد هذا النظام الصعب من رحم مساومات مطولة في مؤتمر نيس الحكومي الدولي، ودفعت تعقيداته اجتماع الاتفاقية ثم معاهدة لشبونة إلى التوصل إلى نموذج أبسط. وسيطبق هذا النموذج اعتبارا من 2014، ويتطلب 55 في المائة من الدول، و65 في المائة من السكان للوصول إلى العتبة. وهو يقي النظام المنازعات التي كانت تحدث من قبل على الأوزان التصويتية، مع حمايته كلا من الدول الكبيرة والصغيرة من التعرض للتهميش الهيكلي.
على الرغم من أن التصويت بالأغلبية المشروطة صمم لضمان إمكانية تمرير القوانين التي تريدها أغلبية كبيرة، لا يزال المجلس يحاول أن يتجنب تجاهل أي أقلية، ولو كانت حكومة واحدة، في شيء تراه شديد الأهمية. ويعود هذا بدرجة ما إلى ضرورة معاملة الأقليات باعتناء في كيان سياسي متنوع. ولهذا القصد ميزته في الاتحاد الأوروبي؛ حيث يمكن لأي حكومة مستاءة أن تثأر لنفسها بعرقلة السير في مسائل أخرى مرهونة بالموافقة بالإجماع، كما أنه يجسد بدرجة ما الثقافة الدبلوماسية التي تسود في المجلس، لكن على النقيض من «تسوية» لوكسمبورج، كثيرا ما تجرى تصويتات وتسير أعمال الاجتماعات في «ظل التصويت»، والنتيجة هي أن الوزراء يفضلون التوصل إلى حلول وسط بدلا من المخاطرة بأن يسفر التصويت عن محصلة أسوأ بالنسبة لهم من هذه الحلول الوسط. وغالبا ما يقترح الرئيس - مرتئيا أن مشكلة ما قد حلت - أنه تم التوصل إلى توافق الآراء، وإذا لم تكن هناك ممانعة، يقبل المجلس النص دون تصويت رسمي.
باستخدام التصويت بالأغلبية المشروطة في تشريعات السوق الموحدة، بدأ فيتو لوكسمبورج يتلاشى إلى حد أن صار التصويت بالأغلبية المشروطة هو السياق لنطاق أوسع من القرارات، وقد امتد نطاقه بموجب المعاهدات المتتالية ليشمل جل مجالات التشريع. أما القلة الباقية التي يسري عليها التصويت بالإجماع، فتندرج تحت تشكيلة من العناوين التي ترتبط نمطيا بقضايا بنيوية؛ كعضوية الاتحاد، والتعاون المعزز، والمواطنة، أو بمجالات السياسات ذات الحساسية الخاصة. والأهم فيما يخص العمل اليومي للاتحاد هو الاحتفاظ بالتصويت بالإجماع في معظم شئون السياسة الخارجية، على نحو ما نناقش في الفصل الثامن. والبديهي أنه كلما ازداد عدد الدول ازدادت صعوبة التوصل إلى موافقة بالإجماع، وهكذا دائما ما كان هناك ضغط من أجل تضييق نطاق استخدام إجراء الموافقة بالإجماع، وهذا مصدر خلاف بين من هم أكثر توجها نحو الفيدرالية ومن هم أقل توجها نحوها. كما يبرز جدال مماثل حول الدور التنفيذي للمجلس.
Unknown page