الْبَيْتِ إِلَى جَوَازِهِ.
وَذَهَبَ أَبُو هَاشِمٍ، "وَأَبُو الحسن"*١ الْبَصْرِيُّ، وَالْكَرْخِيُّ٢، إِلَى امْتِنَاعِهِ.
ثُمَّ اخْتَلَفُوا: فَمِنْهُمْ مَنْ مَنَعَ مِنْهُ لِأَمْرٍ يَرْجِعُ إِلَى الْقَصْدِ، وَمِنْهُمْ مَنْ مَنَعَ مِنْهُ لِأَمْرٍ يَرْجِعُ إِلَى الْوَضْعِ.
وَالْكَلَامُ يَنْبَنِي عَلَى بَحْثٍ هُوَ: هَلْ يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِ اللَّفْظِ لِمَعْنَيَيْنِ، أَوْ معانٍ عَلَى الْبَدَلِ، أَنْ يَكُونَ مَوْضُوعًا لَهُمَا أَوْ لَهَا عَلَى الْجَمْعِ، أَمْ لَا؟
فَقَالَ الْمَانِعُونَ: إِنَّ الْمَعْلُومَ بِالضَّرُورَةِ الْمُغَايَرَةُ بَيْنَ الْمَجْمُوعِ، وَبَيْنَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنَ الْأَفْرَادِ؛ لِأَنَّ الْوَضْعَ تَخْصِيصُ لَفَظٍ بِمَعْنًى، فَكُلُّ وَضْعٍ يُوجِبُ أَنْ لَا يُرَادَ بِاللَّفْظِ إِلَّا هَذَا "الْمَوْضُوعَ"** لَهُ، وَيُوجِبُ أَنْ يَكُونَ هَذَا الْمَعْنَى تَمَامَ الْمُرَادِ بِاللَّفْظِ، فَاعْتِبَارُ كُلٍّ مِنَ الْوَضْعَيْنِ يُنَافِي اعْتِبَارَ الْآخَرِ، فَاسْتِعْمَالُهُ لِلْمَجْمُوعِ اسْتِعْمَالٌ لَهُ فِي غَيْرِ مَا وُضِعَ لَهُ وَإِنَّهُ غَيْرُ جَائِزٍ.
وَإِنْ قُلْنَا: إِنَّ ذَلِكَ اللَّفْظَ وُضِعَ لِلْمَجْمُوعِ، فَلَا يَخْلُو إِمَّا أَنْ يُسْتَعْمَلَ لِإِفَادَةِ الْمَجْمُوعِ وَحْدَهُ، مَعَ إِفَادَةِ أَفْرَادِهِ، فَإِنْ كَانَ الْأَوَّلَ لَمْ يَكُنِ اللَّفْظُ مُفِيدًا إِلَّا لِأَحَدِ مَفْهُومَاتِهِ؛ لِأَنَّ الْوَاضِعَ وَضَعَهُ بِإِزَاءِ أُمُورٍ ثَلَاثَةٍ عَلَى الْبَدَلِ، وَأَحَدُهَا ذَلِكَ الْمَجْمُوعُ، فَاسْتِعْمَالُ اللَّفْظِ فِيهِ وَحْدَهُ لَا يَكُونُ اسْتِعْمَالًا لَهُ فِي كُلِّ مَفْهُومَاتِهِ، وَإِنْ قُلْنَا: إِنَّهُ مُسْتَعْمَلٌ فِي إِفَادَةِ الْمَجْمُوعِ وَالْأَفْرَادِ عَلَى الْبَدَلِ، فَهُوَ مُحَالٌ كَمَا قَدَّمْنَا.
وَاحْتَجَّ الْمُجَوِّزُونَ بِأُمُورٍ:
أَحَدُهَا: أَنَّ الصَّلَاةَ مِنَ اللَّهِ رَحْمَةٌ، وَمِنَ الْمَلَائِكَةِ اسْتِغْفَارٌ، ثُمَّ إِنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ أَرَادَ بِقَوْلِهِ: ﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبي﴾ ٣ كلا المعنيين، وهذا هو الجمع بين معنى المشترك.
_________
* في "أ": أبو الحسن وهو تحريف.
** في "أ": الموضع والصواب الموضوع.
_________
١ هو محمد بن علي بن الطيب، أبو الحسن البصري، شيخ المعتزلة، صاحب التصانيف الكلامية، كان فصيحًا بليغًا، يتوقد ذكاء، توفي ببغداد في ربيع الآخر سنة ست وثلاثين وأربعمائة هجرية، من آثاره: كتاب "تصفح الأدلة" "المعتمد". ا. هـ. سير أعلام النبلاء "١٧/ ٥٨٧"، هدية العارفين "٢/ ٩٦".
٢ هو عبيد الله بن الحسين، انتهت إليه رياسة الحنفية بالعراق ولد سنة ستين ومائتين، وتوفي سنة أربعين وثلاثمائة هجرية، من آثاره: "شرح الجامع الكبير" "المختصر" "شرح الجامع الصغير". ا. هـ. الفوائد جزء من الآية "٥٦" من سورة الاحزاب.
1 / 60