Guidance of the Virtuous to Achieve the Truth in the Science of Principles
إرشاد الفحول إلى تحقيق الحق من علم الأصول
Investigator
الشيخ أحمد عزو عناية، دمشق - كفر بطنا
Publisher
دار الكتاب العربي
Edition Number
الطبعة الأولى ١٤١٩هـ
Publication Year
١٩٩٩م
وَاجِبًا لَقَالَ عَلَيْكُمْ، فَلَمَّا قَالَ ﴿لَكُمْ﴾ دَلَّ عَلَى عَدَمِ الْوُجُوبِ وَلَمَّا "أَثْبَتَ"* الْأُسْوَةَ دَلَّ عَلَى رُجْحَانِ جَانِبِ الْفِعْلِ عَلَى التَّرْكِ، وَإِنْ يَكُنْ مُبَاحًا.
وَأَمَّا الْإِجْمَاعُ: فَهُوَ أَنَّا رَأَيْنَا أَهَلَ الْأَعْصَارِ مُتَطَابِقِينَ عَلَى الِاقْتِدَاءِ بِالنَّبِيِّ ﷺ، وَذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى انْعِقَادِ الْإِجْمَاعِ عَلَى أَنَّهُ يُفِيدُ النَّدْبَ؛ لِأَنَّهُ أَقَلُّ مَا يُفِيدُهُ جَانِبَ الرُّجْحَانِ.
وَأَمَّا الْمَعْقُولُ: فَهُوَ أَنَّ فِعْلَهُ إِمَّا أَنْ يَكُونَ رَاجِحًا عَلَى الْعَدَمِ أَوْ مُسَاوِيًا لَهُ أَوْ دُونَهُ، وَالْأَوَّلُ مُتَعَيَّنٌ؛ لِأَنَّ الثَّانِيَ وَالثَّالِثَ مُسْتَلْزِمَانِ أَنْ يَكُونَ فِعْلُهُ عَبَثًا وَهُوَ بَاطِلٌ وَإِذَا تَعَيَّنَ أَنَّهُ رَاجِحٌ عَلَى الْعَدَمِ فَالرَّاجِحُ عَلَى الْعَدَمِ قَدْ يَكُونُ وَاجِبًا وَقَدْ يَكُونُ مَنْدُوبًا، وَالْمُتَيَقَّنُ هُوَ النَّدْبُ.
وَأُجِيبَ عَنِ الْآيَةِ: بِأَنَّ التَّأَسِّيَ هُوَ إِيقَاعُ الْفِعْلِ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي أَوْقَعَهُ عَلَيْهِ فَلَوْ فَعَلَهُ وَاجِبًا أَوْ مُبَاحًا وَفَعَلْنَاهُ مَنْدُوبًا لَمَا حَصَلَ التَّأَسِّي. وَأُجِيبَ عَنِ الْإِجْمَاعِ: بِأَنَّا لَا نُسَلِّمُ أَنَّهُمُ اسْتَدَلُّوا بِمُجَرَّدِ الْفِعْلِ، لِاحْتِمَالِ أَنَّهُمْ وَجَدُوا مَعَ الْفِعْلِ قَرَائِنَ أُخَرَ.
وَأُجِيبَ عَنِ الْمَعْقُولِ: بِأَنَّا لَا نُسَلِّمُ أَنَّ فِعْلَ الْمُبَاحِ عَبَثٌ؛ لِأَنَّ الْعَبَثَ هُوَ الْخَالِي عَنِ الْغَرَضِ، فَإِذَا حَصَلَ فِي الْمُبَاحِ مَنْفَعَةٌ نَاجِزَةٌ لَمْ يَكُنْ عَبَثًا "بَلْ"** مِنْ حَيْثُ حُصُولِ النَّفْعِ بِهِ خَرَجَ عَنِ الْعَبَثِ، ثُمَّ حُصُولُ الْغَرَضِ فِي التأسي بالنبي ﷺ وَمُتَابَعَةِ أَفْعَالِهِ بَيِّنٌ، فَلَا يُعَدُّ مِنْ أَقْسَامِ الْعَبَثِ.
الْقَوْلُ الثَّالِثُ: أَنَّهُ لِلْإِبَاحَةِ
قَالَ الرَّازِيُّ فِي "الْمَحْصُولِ": وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ١ وَلَمْ يَحْكِ الْجُوَيْنِيُّ قَوْلَ الْإِبَاحَةِ هَاهُنَا؛ لِأَنَّ قَصْدَ الْقُرْبَةِ لَا يُجَامِعُ اسْتِوَاءَ الطَّرَفَيْنِ لَكِنْ حَكَاهُ غَيْرُهُ كَمَا قَدَّمْنَا عَنِ الرَّازِيِّ وَكَذَلِكَ حَكَاهُ ابْنُ السَّمْعَانِيِّ٢ وَالْآمِدِيُّ، وَابْنُ الْحَاجِبِ حَمْلًا عَلَى أَقَلِّ الْأَحْوَالِ. وَاحْتَجَّ مَنْ قَالَ بِالْإِبَاحَةِ: بِأَنَّهُ قَدْ ثَبَتَ أَنَّ فِعْلَهُ ﷺ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ صَادِرًا عَلَى وَجْهٍ يَقْتَضِي الْإِثْمَ لِعِصْمَتِهِ، فَثَبَتَ أَنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ إِمَّا مُبَاحًا أَوْ مَنْدُوبًا أَوْ وَاجِبًا. وَهَذِهِ الْأَقْسَامُ الثَّلَاثَةُ مُشْتَرِكَةٌ فِي رَفْعِ الْحَرَجِ عَنِ الْفِعْلِ. فَأَمَّا رُجْحَانُ الْفِعْلِ فلم يثبت على وجوده دليل، فثبت
* في "أ": أتت. ** ما بين قوسين ساقط من "أ". _________ ١ هو الإمام مالك بن أنس بن مالك، شيخ الإسلام، حجة الأمة، إمام دار الهجرة، ولد سنة ثلاث وتسعين هجرية، وتوفي سنة تسع وتسعين ومائة هجرية، ودفن في البقيع. ا. هـ. سير أعلام النبلاء "٨/ ٤٨"، تذكرة الحفاظ "١/ ٢٠٨"، شذرات الذهب "١/ ٢٨٩". ٢ هو منصور بن محمد بن عبد الجبار، التميمي، السمعاني المروزي، شيخ الشافعية، ولد سنة ست وعشرين وأربعمائة هـ، وتوفي سنة تسع وثمانين وأربعمائة هـ، من آثاره: كتاب "الاصطلام" وكتاب "البرهان" و"الأمالي". ا. هـ. سير أعلام النبلاء "١٩/ ١١٤" شذرات الذهب "٣/ ٣٩٣"، هدية العارفين "٢/ ٤٧٣".
1 / 108